يرتبط شهر رمضان المبارك بعادات متوارثة، منها المستمر حتى هذه اللحظة، ومنها ما قد تلاشى، أو بقي بشكل ضئيل، وغلب عليه التطور، ففقد بريقه، وينطبق ذلك على جميع المجتمعات، فيما يتميز المجتمع الخليجي بطقوس مختلفة، وتحديدًا في الكويت.. ومن ضمن الأمور المرتبطة بالشهر الفضيل منذ قديم الزمان في المجتمع الكويتي عادة تسمى (النقصة الرمضانية).
و«النقصة» هي عادة مجتمعية متوارثة، تضفي المحبة والمودة بين الناس، خصوصًا بين الجيران، ومعنى الكلمة -كما هو متعارف عليه- فإنه بمعنى «استنقص»؛ أي عندما يودّ شخص أن تشاركه أو تقاسمه في شيء هو يملكه، يقوم باستقطاع جزء منه ويستنقصه لك من طبخته أو مائدة الفطور، طبقًا لمن يود إعطاءه إياه.
و«النقصة» من علاماتها ومعرفتها هي رؤية السكك والفرجان في الماضي، وهي تشهد حركة نشيطة قبل أذان المغرب للفطور في رمضان، أبطالها الأبناء، حاملين الأطباق المتعددة؛ لتقديمها «نقصة» لجيرانهم وأقاربهم ممن هم حولهم، و«نقصة رمضان» كانت بسيطة جدًا من أكل البيت، ومن أطباق المنزل، غير مكلفة، والتي في الغالب إما أن تكون أطباقًا من الجريش أو التشريبة أو اللقيمات، وما شابه من مأكولات رمضان الشعبية، وعندما يصل حامل هذا الطبق إلى المنزل المقصود، يأبى المستقبل أن يعيده فارغًا، فيُرجع الطبق مملوءًا بنقصة من مائدته، وعند موعد الإفطار؛ نجد السفرة تحتوي على أطباق متنوعة من «نقصة» الجارات والأهل.
وهذه العادة زادت من روابط التواصل الاجتماعي والألفة بين أهل الفريج، ولاتزال موجودة حتى يومنا هذا، وتثبت مدى التقارب والتواصل الاجتماعي بين العائلات والجيران، وهي ما أوصانا به الرسول، صلى الله عليه وسلم، حين قال: «ليس المؤمن بالذي يشبع وجاره جائع إلى جنبه». وقال عليه أفضل الصلاة والسلام: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه».
«النقصة» في الوقت الحاضر اتخذت شكلًا جديدًا، فنجدها أكثر تكلفة عن ذي قبل، ودخلت بمظاهر البذخ والإسراف والتكلفة المالية الكبيرة، وانتقلت مسؤولية «النقصة» من الأمهات والجدات إلى البنات، لدى كثير من العائلات، فلم تعد ذلك الطبق من بيت الجيران، والذي يتم غسله وإرساله في اليوم التالي لأصحابه.
وتماشيًا مع التطور العمراني والحداثة والتغيّر، أصبحت الخادمات في غالب الأحيان هن من ينقلن «النقصة» بين البيوت، وأحيانًا ينقلها السائق من منطقة لأخرى، وقد تعدت أطباق التشريب واللقيمات والجريش، لتدخل أطباق أخرى، منها ما قد يكون أحد أنواع «المجابيس»، أو بعض «فناتك» ربات البيوت، كأنواع الباستا وغيرها من الحلويات والمعجنات والكبب، وبعد أن كانت تنقل في أطباق ميلامين، أو كما كان يطلق عليها «أطباقًا من الصيني»؛ أصبحت تقدم في أطباق فاخرة زجاجية، أو سخانات في بعض الأحيان، مزينة بأشكال مختلفة.
******************************
«نقصة» رمضان عادة كويتية خليجية قديمة، وعند البحث عن معنى كلمة «نقصة» لم أجد لها معنى قريبًا سوى كلمة «استنقص»؛ بمعنى عندما يود شخص أن تشاركه أو تقاسمه في شيء هو يملكه؛ يقوم باستقطاع جزء منه ويستنقصه لك. والجميل أنها ليست مرتبطة بوجبة أو أكلة معينة، وإنما قد يستنقص التاجر لصديقه التاجر صفقة تجارية مربحة من باب المحبة.. ولكن ما هو سبب ارتباط كلمة «نقصة» بشهر رمضان؟
ارتباطها بشهر رمضان بسبب عاداتنا الجميلة في الماضي؛ حيث نجد ربات المنزل، أمهاتنا، وجداتنا، عندما كنّ يقمن بإعداد وجبة الفطور لعائلاتهن، كانت ربة الأسرة تقوم باستنقاص جزء من هذه الوجبة، أو بعمل وجبة أكبر؛ من أجل إرسال طبق من فطورها إلى منزل جارتها، وتقول: هذا الصحن «نقصة» لبيت أم فلان. وكانت في رمضان عملية تبادل أطباق الفطور بين الجيران تبدأ قبل الإفطار بنصف ساعة، وعند موعد الإفطار نجد السفرة تحتوي على أطباق متنوعة من «نقصة» الجارات والأهل.
«نقصة رمضان» كانت بسيطة جدًا من أكل البيت، ومن أطباق المنزل، غير مكلفة، وتتجسد فيها روح الأخوة والمحبة والمودة بين الجيران، وتثبت مدى التقارب والتواصل الاجتماعي بين العائلات والجيران في الكويت قديمًا. وهي ما أوصانا به الرسول صلى الله عليه وسلم، حين قال: «ليس المؤمن بالذي يشبع وجاره جائع إلى جنبه». وقال عليه أفضل الصلاة والسلام: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه».
فـ«نقصة الأمس» تختلف عن «نقصة اليوم» إلى حد كبير، من حيث الشكل والمكونات ووقت إرسالها، فاليوم أصبحت لها طقوس في ترتيباتها واختيارها، حيث دخلت العصرية والتمدن على طبق «النقصة»؛ ليتحول إلى صينية من الفضة، أو الخشب المعتق الفاخر، أو سلة صنعت خصيصًا باسم العائلة، أو صندوق مزين بتهنئة «مبارك عليكم الشهر».