تخيّل أنك في سباق، لكن المسار الذي تسير عليه لم تختره بنفسك. العلامات حولك تخبرك بالاتجاه، والجمهور يشجعك، لكن في داخلك شيء يتساءل: "هل هذا حقاً طريقي؟" في عالم مليء بالقوالب الجاهزة للنجاح، كيف يمكنك أن تبتكر معاييرك الخاصة وتحدد خط النهاية الذي يشبهك؟ هذا المقال ليس مجرد كلمات، بل بوابة لفهم أعماقك، لتكتشف كيف تصنع نجاحاً يروي قصتك أنت، وليس قصة أحد آخر. فإن شعرت يوماً أنك تسير وفق قواعد وضعها الآخرون، وكأن نجاحك مرهون بمعايير لا تشبهك، اكتشف من خلال حديثنا مع الدكتورة آثار عثمان، الخبيرة في مجال التربية الذاتية وعلوم النفس بجامعة فيينا، كيف تصنع نجاحك الخاص وفقاً لمعاييرك الشخصية.
تحديد القيم التي يعتبرها الموظف جوهر حياته:
البوصلة الداخلية
القيم تعمل كبوصلة داخلية توجه الموظف نحو القرارات التي تعكس شخصيته وتحدد طريقة تعامله مع المواقف المهنية، مما يخلق وضوحاً في مساره. لتحديد هذه القيم، على الموظف أن يسأل نفسه: ما هي المبادئ التي لا أساوم عليها؟ قد تكون النزاهة، الإبداع، أو العمل الجماعي. كتابة قائمة بالقيم الأساسية تساعد في تحديد الأولويات وترسيخ أهداف مهنية تنسجم مع الذات.
تجربة واستكشاف
من خلال التجارب المتنوعة، يكتشف الموظف ما يلهمه ويشعره بالإنجاز، مما يساعده في تحديد القيم التي تمثل جوهره. القيم ليست ثابتة، بل قد تتطور مع الزمن والخبرات. على الموظف أن يخوض تجارب مختلفة ليتعرف إلى ما يثير شغفه وما يشعره بالرضا. هذه الرحلة قد تشمل العمل في مجالات متنوعة، التطوع، أو التعلم المستمر، حيث تسهم هذه الأنشطة في بلورة القيم التي تعتبر جزءاً جوهرياً من هويته المهنية.
التوازن الشخصي
القيم تظهر في السعي لتحقيق توازن صحي بين العمل والحياة، مما يعكس أهمية ما يعتبره الموظف ضرورياً لراحته وسعادته. فالقيم تتجلى بوضوح عندما نحاول تحقيق التوازن بين الحياة الشخصية والمهنية. على سبيل المثال، إذا كانت العائلة أولوية قصوى، فإن القيمة الجوهرية قد تكون "الوقت مع الأسرة". من خلال مراقبة القرارات اليومية والتنازلات التي تُقدّم، يستطيع الموظف أن يحدد القيم التي تحتل مكانة مركزية في حياته.
مواجهة التحديات
التحديات تُظهر القيم بوضوح، حيث يجد الموظف نفسه متمسكاً بما يؤمن به حتى في أصعب المواقف. أحياناً تظهر القيم بوضوح أكبر في المواقف الصعبة. عندما يواجه الموظف ضغطاً لاتخاذ قرار يخالف مبادئه، تبرز القيم الحقيقية التي يؤمن بها. لهذا، من المهم أن يتأمل في هذه اللحظات ويتعلم منها لتحديد ما يعتبره أساساً لا يمكن التخلي عنه مهما كانت الظروف.
وضع أهداف ترتبط بالقيم:
وضوح الرؤية
الأهداف المستندة إلى القيم تمنح الموظف رؤية واضحة لمساره المهني، حيث يعكس كل هدف قيمة أساسية يؤمن بها، مما يخلق شعوراً بالاتجاه والمعنى في العمل. عندما تكون الأهداف مستوحاة من القيم، يصبح تحقيقها أكثر إشباعاً لأنها تعبر عن مبادئ الموظف وهويته الحقيقية. على سبيل المثال، إذا كانت النزاهة إحدى القيم، يمكن للموظف وضع هدف يتمثل في تعزيز الشفافية في عمله أو إنشاء آليات لضمان الامتثال الأخلاقي. هذه الأهداف لا تساعد فقط في بناء الثقة مع الزملاء، بل تضع الموظف على طريق احترافي يتماشى مع قناعاته الشخصية.
توجيه القرارات
عند تحديد أهداف متجذرة في القيم، تصبح القرارات المهنية أكثر انسجاماً مع الشخصية وتجنب التناقضات الداخلية. القيم مثل العمل الجماعي يمكن أن تقود إلى تحديد أهداف تشمل تحسين مهارات التواصل، أو بناء بيئة شاملة تعزز التعاون بين أعضاء الفريق. عندما تكون هذه القيم والأهداف جزءاً من يوميات العمل، يجد الموظف نفسه قادراً على اتخاذ قرارات أكثر حكمة وثباتاً، حيث إنه يعمل وفق إطار واضح ومتسق يعزز مكانته ويقوي علاقاته مع الآخرين.
تحفيز الأداء
الأهداف المستوحاة من القيم تكون مصدراً دائماً للتحفيز لأنها ترتبط مباشرة بما يجعل الموظف يشعر بالشغف والإنجاز. إذا كانت قيمة الإبداع محورية، فإن وضع أهداف مثل تطوير مشروع مبتكر أو تقديم حل جديد لتحدٍ قديم يمكن أن يحفز الموظف على تجاوز الحدود التقليدية لعمله. هذه الأهداف ليست مجرد مهام، بل هي خطوات لتجسيد القيم، مما يجعل العمل أكثر إمتاعاً ويعزز الأداء. عندما تتوافق الأهداف مع القيم، فإن تحقيقها يجلب شعوراً بالإنجاز الذي يغذي الدافع لمواصلة النمو والتقدم.
تحديد الأهداف الشخصية:
التأمل الذاتي
التعرف على أهدافك الشخصية يبدأ من رحلة داخلية لتحديد ما يهمك حقاً وما يجلب لك السعادة والرضا. اسأل نفسك: ما الذي يجعلك تشعر بالإنجاز؟ وما هي اللحظات التي شعرت فيها بأنك على الطريق الصحيح؟ يمكن أن يكون الهدف متعلقاً بتطوير الذات، مثل تعلم مهارة جديدة، أو السعي لتحقيق الاستقرار المالي، أو بناء علاقات قوية. التأمل في هذه الأسئلة يمنحك وضوحاً أكبر حول ما تريد تحقيقه في حياتك.
قد يهمك أيضاً الاطلاع على 6 أدوات وممارسات لمساعدتك في فهم شخصيتك
رسم صورة مستقبلية
لتحديد أهدافك الشخصية، تخيل الحياة التي ترغب في عيشها بعد 5 أو 10 سنوات. كيف ترى نفسك؟ ما هي الإنجازات التي تفخر بها؟ هذه الرؤية المستقبلية تساعد في رسم أهداف ملموسة مثل تأسيس مشروع، تحسين نمط الحياة، أو تحقيق توازن أفضل بين العمل والحياة. عندما تكون لديك صورة واضحة للمستقبل، يصبح من الأسهل تصميم أهداف تتماشى مع تلك الصورة وتحقق لك الرضا.
التوافق مع القيم
الأهداف الشخصية تكون أكثر قوة واستدامة عندما تتوافق مع قيمك الأساسية. إذا كانت القيم مثل الإبداع أو الاستقلالية محورية بالنسبة لك، فاجعل أهدافك تعكس ذلك. على سبيل المثال، إذا كنت تقدر الإبداع، فقد يكون هدفك إنشاء محتوى مبتكر أو تطوير فكرة جديدة. التوافق بين الأهداف والقيم يضمن أنك لن تشعر بالضغط لتحقيق شيء لا يعبر عن حقيقتك، بل ستشعر بالانسجام الداخلي والتحفيز لتحقيق تلك الأهداف.
كيفية التخلص من المقارنات الاجتماعية:
فهم الذات
التخلص من المقارنات الاجتماعية يبدأ بفهم ذاتك وقيمك الفريدة. عليك أن تدرك أن لكل شخص مساراً خاصاً في الحياة، وقوتك تكمن في هويتك الفريدة. عندما تتعمق في معرفة نقاط قوتك وضعفك وما يجعلك مميزاً، يصبح من الأسهل التركيز على تطوير نفسك بدلاً من مقارنة إنجازاتك بإنجازات الآخرين. هذا الفهم يمنحك الثقة لتقدير ما حققته والتخطيط لما تريد تحقيقه من دون تأثير خارجي.
إعادة توجيه التركيز
المقارنات الاجتماعية غالباً ما تنبع من التركيز على ما لدى الآخرين بدلاً مما تمتلكه أنت. لتجاوز هذا السلوك، حاول توجيه تركيزك نحو أهدافك الشخصية وتقدمك الخاص. سجل إنجازاتك اليومية واحتفل بها، مهما كانت بسيطة. عندما تركز على رحلتك الخاصة، ستجد أن لديك الكثير لتقدره وتعمل عليه، مما يخفف من تأثير مقارنة نفسك بالآخرين.
تقليل التأثير الخارجي
منصات التواصل الاجتماعي والمحيط الاجتماعي قد تكون مصادر رئيسية للمقارنات. قلل من وقتك على هذه المنصات إذا شعرت بأنها تؤثر على نظرتك لنفسك. اختر متابعة الأشخاص والمحتويات التي تلهمك وتحفزك بدلاً من تلك التي تشعرك بالضغط أو النقص. كذلك، حاول إحاطة نفسك بأشخاص داعمين يشجعونك على النجاح من دون الشعور بالحاجة للمنافسة أو المقارنة.
للمزيد عن الموضوع قد يفيدك كيف تصنع معاييرك الخاصة للنجاح بدلاً من اتباع معايير المجتمع؟
الموازنة بين الأهداف الخارجية والداخلية:
فهم الأهداف الداخلية
الأهداف الداخلية تتعلق بتطوير نفسك، مثل تحسين مهاراتك أو تحقيق التوازن النفسي. لتحقيق موازنة صحيحة بين الأهداف الداخلية والخارجية، يجب أولاً تحديد ما الذي يهمك حقاً على مستوى شخصي. هل تسعى لزيادة ثقتك بنفسك؟ أم أنك تطمح لتحقيق راحة نفسية؟ عندما تدرك أن هذه الأهداف تمثل أساس حياتك، ستتمكن من وضع خطة تدعمها من دون الإضرار بتوجهاتك الخارجية. تحقيق الأهداف الداخلية ليس فقط يعزز من شعورك بالسلام الداخلي، بل يساعدك في أن تكون أكثر اتزاناً في مواجهة تحديات الحياة.
تحديد الأولويات
الموازنة بين الأهداف الداخلية والخارجية تتطلب تحديد أولويات واضحة. قد تكون لديك أهداف مهنية مثل الحصول على ترقية أو امتلاك سيارة جديدة، لكن لا بد أن تكون هذه الأهداف متوافقة مع أهدافك الداخلية مثل الحفاظ على علاقات صحية أو تنمية وعيك الذاتي. عندما يتم تحديد أولوياتك، تصبح قادراً على تخصيص الوقت والجهد بشكل متوازن، وتعلم متى يكون العمل على الأهداف الخارجية ضرورياً ومتى يجب أن تعود إلى اهتماماتك الداخلية لتحقيق التوازن المطلوب؟
المرونة والتكيف
في عالم سريع التغير، لا يمكن أن تظل أهدافك ثابتة بشكل دائم. لذلك، من المهم أن تكون لديك مرونة في التكيف بين الأهداف الداخلية والخارجية. قد تجد أن بعض الأهداف التي كانت في البداية ذات أولوية قد تحتاج إلى تعديل مع مرور الوقت. على سبيل المثال، قد تكون قد حددت هدفاً خارجياً مثل تحقيق نجاح مهني سريع، ولكن مع مرور الوقت تجد أن هدفك الداخلي مثل قضاء وقت أكبر مع العائلة أصبح أكثر أهمية. مرونتك في التكيف مع هذه التغيرات ستمكنك من الحفاظ على توازن صحي بين ما تسعى لتحقيقه في حياتك الداخلية والخارجية.
تحديد معايير النجاح الخاصة بك:
الوعي بالقيم
تحديد معايير النجاح يبدأ بفهم قيمك الأساسية التي تشكل أساس حياتك المهنية والشخصية. ما الذي يعبر عنك حقاً؟ هل تسعى للابتكار، للاستقرار، أو للارتقاء بالعلاقات الشخصية؟ عند تحديد هذه القيم، تصبح قادراً على تحديد معايير النجاح الخاصة بك بناءً على ما يهمك أكثر. النجاح لا يتشابه بالنسبة للجميع، لذا فإن ربطه بقيمك يمنحك مقياساً حقيقياً يمكن أن يوجهك نحو تحقيق أهدافك بشكل متسق ومتناغم.
التركيز على النمو
معايير النجاح لا يجب أن تقتصر على تحقيق نتائج ملموسة فقط، بل يجب أن تشمل النمو الشخصي والمستمر. نجاحك الحقيقي يكمن في تطورك، ليس فقط في إتمام المهام أو الوصول إلى القمة. هل تشعر أنك تتحسن يوماً بعد يوم؟ هل تقوم بتوسيع آفاقك وتعلم مهارات جديدة؟ من خلال التركيز على النمو، تصبح لديك معايير نجاح تعتمد على تقديرك لتحسنك المستمر، وليس فقط الإنجازات السطحية.
التوازن الشخصي
معايير النجاح يجب أن تكون متوازنة وتؤثر بشكل إيجابي على حياتك الشخصية والمهنية. النجاح لا يعني التفرغ للعمل على حساب حياتك الخاصة، بل يشمل القدرة على إدارة الوقت بين العمل والعلاقات والراحة. هل أنت قادر على إيجاد توازن بين هذه الجوانب؟ النجاح في هذا السياق يعني أن تكون قادراً على الشعور بالرضا في جميع جوانب حياتك، من خلال إرساء معايير تحترم جميع جوانبك الشخصية والمهنية، مما يعزز صحتك النفسية والجسدية.
خطوات لبناء معاييرك الخاصة للنجاح:
تحديد القيم الأساسية
لبناء معايير النجاح الخاصة بك، يجب أن تبدأ بتحديد القيم الأساسية التي تحكم حياتك. هل تقدر التميز المهني، الإبداع، التوازن الشخصي أو خدمة المجتمع؟ القيم هي الأسس التي تضىء طريقك وتوجهك نحو أهدافك. عندما تكون هذه القيم واضحة لديك، يصبح من السهل تحديد معايير تحقق لك النجاح الحقيقي الذي يتناغم مع معتقداتك، وليس معايير مجتمعية قد لا تعكس ما تسعى إليه شخصياُ.
تقييم نقاط القوة والضعف
لبناء معايير النجاح الخاصة بك، من الضروري أن تعرف نقاط قوتك وضعفك. ما هي المهارات التي تتفوق فيها؟ وأين تحتاج إلى تحسين؟ من خلال تقييم هذه الجوانب بدقة، يمكنك تحديد معايير واقعية تتيح لك النمو والتطور المستمر. عندما تركز على تحسين نقاط ضعفك وتوظيف قوتك في خدمة أهدافك، يصبح النجاح مقياساً مخصصاً يُبنى على تقديرك لذاتك وقدراتك الحقيقية.
وضع أهداف قابلة للتحقيق
الأهداف الواقعية هي ركيزة أساسية لبناء معايير النجاح. ضع أهدافاً قصيرة وطويلة المدى التي تتوافق مع قيمك وتقييمك لذاتك. تأكد من أن هذه الأهداف قابلة للتحقيق ولكنها أيضاً مليئة بالتحدي لتعزز من قدراتك على التفوق. كما يفضل أن تكون هذه الأهداف قابلة للتعديل حسب التغيرات في حياتك، مما يمنحك مرونة في التكيف مع الظروف المتغيرة. مع الوقت، ستتمكن من بناء معيار نجاحك الخاص، الذي لا يعتمد على مقياس خارجي، بل على تحقيق أهدافك الشخصية ومتابعة تطورك المستمر.
أهمية تحديد معاييرك الخاصة؟
التمكين الشخصي
تحديد معاييرك الخاصة يتيح لك السيطرة على حياتك وقراراتك. عندما تعرف ما تريده بالضبط وما تعتبره النجاح، تصبح قادراً على اتخاذ قرارات مدروسة ومبنية على قيمك الشخصية. هذا لا يمنحك فقط الثقة بالنفس، بل يمكّنك من مقاومة الضغوط الخارجية التي قد تحاول تغيير مسارك. من خلال تحديد هذه المعايير، تتاح لك الفرصة لبناء حياة تنبض بالمعنى والهدف، بعيداً عن المسارات التي يفرضها الآخرون.
التحفيز المستمر
معايير النجاح الشخصية تخلق دافعاً داخلياً يدفعك للعمل والتقدم بشكل مستمر. عندما تحدد أهدافاً تتماشى مع معاييرك، فإنك تصبح أكثر ارتباطاُ بها ويزداد حافزك لتحقيقها. هذا التحفيز يكون أكثر قوة واستدامة من التحفيز الذي يأتي من الخارج، لأنه مستمد من رغبتك العميقة في النمو الشخصي والتقدم. الأهداف التي تتفق مع معاييرك الشخصية تمنحك شعوراً بالإنجاز، مما يحفزك للاستمرار في السعي نحو الأفضل.
العيش بسلام داخلي
عندما تتبع معاييرك الخاصة وتعيش وفقاً لقيمك، فإنك تشعر بسلام داخلي ينعكس في كل جوانب حياتك. إن التوافق بين أهدافك الخارجية وأهدافك الداخلية يعزز من رضاك الشخصي ويساعدك على تجنب الشعور بالندم أو التردد. على عكس حياة تركز على تلبية توقعات الآخرين، تساعدك معاييرك الشخصية على عيش حياة مليئة بالاستقرار النفسي والرضا، حيث أن كل خطوة تخطوها تكون متوافقة مع ما تؤمن به.
للمزيد قد يساعدك أيضاً كيف تجد حقيقتك في عالم متغير؟