يقول نيل جايمان، مؤلف إنجليزي وكاتب قصص خيال قصيرة وروايات وكتب مصورة: «إن الشجاعة ليس معناها أنك لا تخاف شيئاً. وأن تكون شجاعاً معناه أنك خائف، وخائف حقاً، وربما خائف بشدة، وعلى الرغم من كل شيء تفعل ما تراه صواباً»، هذا ما خطر ببالي عندما تواصلت مع مصورة البراري الإماراتية سعاد السويدي، فلم أكن لأتفاجأ لو قالت لي إنني أخاف ولو قليلاً، لكنني وجدت نفسي أمام شخصية تعدّ أكثر الأشياء السلبية التي يقولها الناس من خاف سلم، والحق أن يقولوا من خاف مرض.. بهذه العبارات الواثقة ردت سعاد، كما أنها وعدتنا بلقاء جميل بعد عودتها من رحلة إلى غابة في الهند، ستطول لمدة 5 أيام، هنا مر أمام عيني شريط من المشاهد المرعبة التي تابعناها في السينما، عن المصور الذي يفترسه النمر، أو ذاك الذي يقع رهينة لفك الأسد؛ لأنها علّقت قائلة: «إن عدت سالمة سأكون معكم»!
حوار | لينا الحوراني Lina Alhorani
سعاد السويدي
خلُص علماء في الطب إلى أن هرمون الضغط النفسي كورتيزول (cortisol) هو الذي يرجح طبيعة الإنسان نحو الشجاعة أو الجبن؛ حيث تؤمن السويدي أن الجبن قد يفوت آلاف الفرص على أصحابه، وأن لا داعي للقلق، فذلك القلب لا يخاف أحداً سوى الله، كما تقول؛ لأنها تستمد جرأتها من الله سبحانه وتعالى، وفي عالم الحيوانات المفترسة والأدغال الله وحده هو من كوّن شخصيتها بهذه الجرأة، تعلل ذلك بقولها: «حتى أستطيع أن أرافقهم لساعات، وأوثق حياتهم بكل أريحية».
أمي هي عالمي
طالما انتاب سعاد في طفولتها، الفضول والتساؤلات عندما تنصت لآية ذكرت في سورة الأنعام، في القرآن ﴿وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم ۚ مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ﴾ هي تؤمن بأن هذه الحيوانات، تشبه البشر، هي مثلنا تفكر وتفرح وتحزن، ولها مواقفها، ولكن في عالم مختلف. وهذا ما تؤكده أيضاً عوالم الحيوانات في كليلة ودمنة لابن المقفع، فالأسد «متعجل» والثور «تابع» والحصان «مواطن مطحون» والخنزير «مستبد» والغراب «رجل حكيم» والحمار «مثقف يائس».
تتابع قائلة: «بعد أن تجولت عدستي في عوالم مختلفة، رجعت إلى عالم الحيوانات البرية والمفترسة، كنت أريد التقدم خطوة إلى الأمام، لكنني انتظرت الرأي الأول والأخير في عالمي وهو رأي أمي، قبل أن أخطط لرحلات برية تمكنني من تصوير الحيوانات المفترسة.. أمي هي الإنسانة التي وثقت بي وآمنت بقدراتي وشجعتني حتى قبل أن أكتشف قوتي وقدرتي ومواهبي، وبعد موافقتها على ما أنوي الإقدام عليه، لا وجود لمعارضة من أي جانب».
سيعجبك اللقاء مع الفنانة البصرية الكويتية فرح بهبهاني
تُركت في أدغال النيبال وأنا أرصد أشرس حيوان موجود
على وجه الأرض من فصيلة القطط، وهو النمر الملكي البنغالي
الرجل ذو العين المطعونة!
عندما طلبت عائلة سعاد منها اختيار هدية تخرجها، كانت إجابتها تذكرة سفر إلى أفريقيا، التي لطالما راودها حلم التعرف إلى قبائل الماساي هناك، لكن الرفض كان مستمراً من قبل العائلة؛ لأنها منطقة غير آمنة، وبرأي سعاد، أن كل الأمور السلبية في الحياة، بدأت في نفس تخاف أن تحكي أحلامها، لذلك لم تتنازل عن تحقيق ما تريد، تستدرك قائلة: «اختارتني شركة وسترن ديجيتال لتمثيلها لأكون أول امرأة إماراتية وعربية تزور هذا المكان، وسافرت، وهناك أذهلتني قبائل ذات طباع غريبة، يرتدون أردية حمراء زاهية، يمسكون على مدار اليوم رماحاً في أيديهم، محاربو الماساي مشهد مثير للإعجاب للنظر. هادئون شجعان، وقد طردتهم القوات البريطانية من أراضيهم. وعلى الرغم من حقيقة أن البريطانيين كانوا قادرين على هزيمتهم، لكنهم تأثروا بشكل تام بروحهم القتالية وشجاعتهم، وما لفت نظري رجل طويل يرتدي قبعة من جلد لم أتمكن من تمييزه، يتدلى منها ما يشبه الذيل، فيما عينه مطعونة، والعين الأخرى سليمة، ثم عرفت لاحقاً أن هذا الرجل صارع الأسد وقتله، وكرّمته القبيلة بهذه القبعة، وتلك السلاسل المميزة التي تزين رقبته، كل شيء كان مذهلاً، إلا أمر أثار استغرابي هو اعتماد الرجال على أعمال النساء وكسب الرزق لإطعام الصغار، ومهمة الرجال الزواج، والإنجاب ومصارعة حيوانات الغابة».
تابعي اللقاء مع خبيرة الفن والتراث ومؤسسة مبادرة زَي الدكتورة ريم المتولي
طالما سمعت عبارة «أنت فخر البلاد وخير من يمثلها»،
وهذا يشجعني للبحث عن المزيد من الجرأة
لا أحب الحيوانات الأليفة!
أكثر الحكايات التي صادفت سعاد خلال رحلاتها، هي وعدستها التي لا يروق لها أن تكون في أيدي جبناء في هذا المكان، عندما كانت في أدغال النيبال تحاول رصد أشرس حيوان موجود على وجه الأرض من فصيلة القطط، وهو النمر الملكي البنغالي، الذي يمكنه افتراس حيوان بحجم جاموس الماء، والثور الأزرق، صادفت موقفاً خطراً، تتابع قائلة: «كنت أتجول مع كاميرتي (سيراً على الأقدام). وفجأة، نزل مطر غزير تحول إلى فيضان، في رابع منطقة في العالم، تشتهر أمطارها بإثارة الفيضانات عبر سفوح جبال الهيمالايا، الفريق المرافق سارع باللجوء إلى السيارة، مع معدات التصوير، بينما أنا كنت آخرهم، ظللت وحدي في الغابة؛ حيث عزلني الفيضان عن المجموعة وعن السيارة. الشي الذي لا أنساه أني كنت في محيط النمر البنغالي الملكي، فمن عادات هذه النمور أن تجتمع لتشكل كميناً لفرائسها، حتى لحقت بالفريق، ومرة كنت في أدغال أفريقيا، وأنا في سيارة مفتوحة بالكامل، هجمت اللبؤة على السيارة وأنا على مستوى عينيها، أصور بكاميرتي أجمل اللقطات، لم يكن بيني وبينها حماية. وكانت حركة جسمها في وضعية مستعدة للقفز. وقد تكرر الموقف مرتين ويومها أجبرت بسببها على ترك المكان».
ضحكت سعاد وعلقت: «ربما هي لا تدرك أن كل الذين هزموا أعداءهم، لم يكونوا أقوى، بقدر ما كانوا أشجع، وإلى الآن لم أعرف لماذا كررت رغبتها في إيذائي أنا بالذات». الغريب في شخصية سعاد، التي تجد أن الشجاعة الحقيقية موطنها العقل لا الجسد، أنها لا تحب الحيوانات الأليفة، فالله لم يضع حبها في قلبها أبداً، كما تقول.
اللبؤة العمياء!
تدرس سعاد بيئة المنطقة التي ترغب التصوير بها، والحيوانات المتوافرة فيها، وتضع حولها موسوعة من المعلومات التي تغوص في عالم طبائع هذه المخلوقات، ثم تقرر أيها ستستهدف بكاميرتها، وفي الرحلة الأخيرة التي أجلنا حوارنا معها حتى تعود منها، كانت سائرة إلى الهند؛ حيث زارت ثلاث محميات، وكانت سبب زيارة آخر محمية محاولة رصد أشرس حيوان موجود على وجه الأرض من فصيلة القطط، وهو النمر الملكي البنغالي، المتواجد في هذه المنطقة أيضاً، وقد توفقت في رصده من خلال صور عدة، خصتنا بإحداها. تتابع قائلة: «يجذبني أكثر من البحث عن طبائع الحيوانات قبل السفر، التعرف إلى طباعها وأنا موجودة معها في الموقع نفسه، ولطالما نسخت في ذهني تفاصيل جديدة، تلتقطها كاميرتي، فأنا خلال الرحلة استمتع بالحديث مع الأشخاص المقيمين في المحمية، وتبادل المعلومات معهم عن الحيوانات الموجودة. وبعد الرحلة أوثق هذه المعلومات». مشهد ما زال يُحزن سعاد في أدغال أفريقيا، وهو رؤية تلك اللبؤة العمياء، وعندما سألت عن قصتها عرفت أنها خسرت عيناها، عندما كانت تدافع عن أشبالها، ضد ضبع مفترس، في عراك قوي تحمي فيه أشبالها الخمسة.
تابعي معنا اللقاء مع النجمة اللبنانية «نور» في لقاء عفوي مع «سيدتي»
قصص للأطفال
مع كل هذه المغامرات، ما زالت سعاد تبحث عن اللقطة التي تتمنى أن تحظى بها، ولم تواتها الفرصة بعد، وتخطط للمغامرة التي تتمنى خوضها، مع أنها شاركت في معارض عدة داخل الدولة وخارجها. لكنها تريد المزيد من الجرأة، مع أنها طالما سمعت عبارة «أنت فخر البلاد وخير من يمثلها». تفكر سعاد بكتابة قصص للأطفال، وقد أحبت من خلال «سيدتي» نقل انشغالها بالمحتوى الغني والتغريد في سرب يطير عالياً، وأهدافها الكبيرة، لذلك هي ليست مستعدة لسماع تعليقات المتنمرين، تتابع قائلة: «لله الحمد، لم يصادف من قبل أني تعرضت للتنمر وإذا حصل ذلك فليس عندي وقت من حياتي أضيعه لأعطي مثل هذه التعليقات أي اهتمام، فأنا لبؤة في الأدغال وفي عالم الحيوانات المفترسة، واللبؤة معروفة بقوتها وشراستها. لكن الله سبحانه وتعالي خلقني أنثى بكل المعايير؛ حيث لا يتعارض شغفي مع فطرة الله سبحانه وتعالى بتمسكي بأنوثتي». يُحكى أن من أحبت رجلاً شجاعاً، قد فازت بحياة جيدة، وعند سؤالها عن صفات الرجل الذي يمكن أن تختاره، بدت سعاد جداً واقعية، فهي، كما تقول، تحب أن تعيش يومها ووقتها ومغامراتها الحالية في الأدغال، ولا تفكر في الأقدار والأرزاق المستقبلية التي كتبها لها الله. باختصار لم تفكر في الموضوع». في النهاية تنصح سعاد الفتيات اللواتي يرغبن في الإقدام على أي خطوات في حياتهن، سواء كان التصوير في الأدغال، أو أي هواية يعدها الكثيرون خطرة؛ إذ تقول: «تشجعي فقد تغيرين العالم بشجاعتك. ولا تخافي فمن خاف كذب، ومن كذب فعل أي شيء، واعلمي أن الشجاعة صفة تكرم المرء كالنبل والنسب».
سيعجبك لقاء أميرة سجواني العضوة المنتدبة للمبيعات والتطوير في شركة داماك العقارية