نلتقي عبر صفحات "سيدتي" بالشيخة نوار بنت أحمد القاسمي، المدير العام في مؤسسة الشارقة للفنون، بمناسبة اليوم الوطني الإماراتي الـ52. تحدثت الشيخة نوار عن اكتشاف الفنانين الذين يساهمون في تشكيل المشهد الفني المعاصر في المنطقة، وعن محطات في حياتها، وأعربت عن امتنانها للإمارات، الأرض التي شكلت شخصيتها. تضمنت المقابلة جلسة تصوير في متحف المحطة بالشارقة، المطار الأول في منطقة الخليج. تجولنا معًا في ساحاتها المشمسة واحتفلنا بتاريخها المهم. وعبرت الشيخة نوار القاسمي عن شخصيتها المبدعة، وسحرها المتواضع، فانتقت إطلالات أنيقة وساعات أوديمار بيغه.
حوار | لمى الشثري AlShethry Lama
إنتاج | آرت فاكتوري استديو Studio Factory Art
المدير الإبداعي | كوا حسنبور Hassanpour Kawa
تصوير | ديزي دياز Diaz Dizy
مكياج | غلوم أرزينجان Erzincan Gulum
موقع التصوير | متحف المحطة - الشارقة
نشأت الشيخة نوّار في منزل دعم اهتماماتها وهواياتها، تعود بذاكرتها إلى طفولتها، التي تماهت فيها مع عالم القراءة والتلوين والرسم. لا تنسى تلك الصور التي تمر أمامها وهي تناظر القطع الأثرية في متاحف الشارقة والعالم، ومعارض الكتب، ومهرجانات الطفل، التي تحتفي بها الإمارة منذ سنوات، تتابع بروح مرحة: «في المدرسة الثانوية، كنت أرسم على كتبي (وعلى طاولة الدراسة!) طوال الوقت، وكنت دائماً أرى الفن بوصفه شكلاً من أشكال التعبير عن الذات. لكنني في بداية مسيرتي في مجال الفنون عملت في مجال الاتصالات، وهو ما درسته، لكنه لم يكن ما خططت له. لا أعرف إذا كنت قد اخترت هذه المهنة أو هذا العالم، لكنني شعرت بأنني أنتمي إلى عالم الفن والأدب بشكل طبيعي وأني على سجيتي، ثم انضممت إلى مؤسسة الشارقة للفنون بصفتي متدربة في عام 2010 ومن يومها غيّر البينالي عالمي، ولم أغادره أبداً».
نشهد التغيير
للشيخة نوار دور فعال من خلال منصبها المدير العام لمؤسسة الشارقة للفنون، التي تمثل فيها كياناً بارزاً، وتساهم في صنع فرق مضيء، وعن عملها تقول: «أنظر إلى المؤسسة بشكل كلي من وجهة نظر المدير والموظف والجمهور. أعمل عن كثب مع الفريق كله، وحين أرسم وأخطط برامج أو مشاريع مع الزملاء أسعى دائماً إلى التفكير في ما يطلبه الجمهور وإمكانية دعمنا لذلك، أو ما نعتقد أنه يفتقده، ونولي اهتماماً لجماهيرنا وننصت لهم، ففي نهاية المطاف هذا هو دورنا بوصفنا كياناً عاماً».
لا يقتصر عملها على إقامة المعارض، بل أيضاً على تشكيل مساحات آمنة للناس ليلتقوا بعضهم البعض في مجتمع ثقافي مثمر، سواء أكانوا مهتمين بالفن أم لا، كما تقول، وتعمل مع فريقها، في مساحات مختلفة ومتنوعة، بدءاً من المنطقة التراثية إلى المجتمعات السكنية وغيرها، تستطرد قائلة: «عندما نعمل على تطوير مساحات أي مشروع، نأخذ بعين الاعتبار المجتمعات من حولنا، وما يمكن أن يستفيد منه الناس، ونفكر في محتوى معارضنا، كما أننا نفكر حتى في المقاعد العامة، وسهولة الوصول إلى الأماكن والمناظر الطبيعية، نعيش تجارب لا تخلو من الأخطاء، ولكننا نشهد التغيير مع مرور الوقت ومن الممتع دائماً مشاهدة ذلك».
أقوم بالتصوير بكاميرات قديمة جداً وأفلام منتهية الصلاحية، أحب عنصر المفاجأة المتمثل في عدم معرفة ما الذي سيظهر بمجرد تحميض الأفلام.
السعادة تعني الاستمرار
شغف الشيخة نوار للعطاء لا ينضب، وهي تستمده من التشجيع الدائم والإلهام من الأشخاص والأماكن من حولها، ومع أنها تنشغل، مثل كل الناس، بالتفاصيل الصغيرة لدورها الوظيفي، وتتعثر، وتتوقف. لكنها تتدارك التفاصيل برجوعها خطوة إلى الوراء، أو تبتعد وتحاول أن تذكّر نفسها بالصورة الأكبر، وتتساءل: «لماذا نفعل ما نفعله؟، وهذا يعيدني إلى المسار الصحيح؛ لأنه من المهم أيضاً أن تتماشى معتقداتي الأساسية مع العمل الذي أقوم به في مؤسسة الشارقة للفنون، فعندما يتملّك أي إنسان اليقين بكون العمل الذي يقوم به مؤثراً ويشهد تأثيره بوضوح - قد يستغرق أحياناً بعض الوقت - فإن ذلك سيمنحه الدافع والإلهام للاستمرار. كما من المهم أيضاً الاطّلاع على رأي الأشخاص والزملاء والمجتمع من حولنا وجمهورنا، فإذا رأيت أن الناس سعداء أو يتفاعلون مع عملنا أو المساحات التي أنشأناها، فهذا يشجعنا على الاستمرار بلا شك».
من الأشياء التي لفتتت الشيخة نوّار، في الشارقة التي نشأت فيها، هو أنها أصبحت مدينة عالمية، وقد تطورت وفقاً لمسار واقعي تم التخطيط له بعناية؛ حيث يتم تطوير الأشياء بمرور الوقت من دون التغاضي عن أهمية الثقافة والمجتمع في قلب هذا التطوير. تستطرد قائلة: «على الرغم من أن مدينة الشارقة حديثة العهد، فإنها تمكنت من إضفاء طابعها الحقيقي ودعم بنيتها التحتية.. هي مكان أصيل للغاية. وأنا دائماً ما أردد أمام الآخرين، أن الشارقة منارة لامعة بحق، فالتطوير فيها مدروس، وهو أمر يمكنك الشعور به عند زيارتها أو قضاء وقت فيها».
تأسرني الفنون والموسيقى والمسرح
شارقة الثقافة
تابعت المدير العام لمؤسسة الشارقة للفنون، بحب وشغف بالغين الحديث عن الحركة الفنية الكبيرة في الشارقة، وبشكل رسمي منذ أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات، ودور القيادة فيها، وعلّقت قائلة: «صاحب السمو الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى للاتحاد حاكم الشارقة، مؤرخ وكاتب مسرحي وداعم للفنون والتطور الفني، جعل الشارقة معترفاً بها عالمياً بوصفها منبراً رائداً في صناعة الفنون والثقافة بسبب تراثها العريق. أرى أمامي كيف أن الفن والثقافة في صميم ما نقوم به، وليس ذلك من أجل منفعة تجارية أو سياسية، لكنهما؛ أي الفن والثقافة، متجذران بعمق، في كيان كل إماراتي، ولهذا السبب تُعرف الشارقة اليوم بأنها العاصمة الثقافية لدولة الإمارات العربية المتحدة؛ حيث تم اكتشاف فنانين من جميع أنحاء العالم، وعملنا على تعريفهم ببعض أكبر المؤسسات الدولية في العالم في الشارقة من خلال البينالي، كوننا نمتلك إرثاً قوياً للغاية والتزاماً بالفنون».
إن الالتزام بالثقافة يعني للشيخة نوّار أيضاً خلق مجتمع وأجيال من أفراد واعين ومنفتحين، ولهم اطّلاع على الفن والسينما والمسرح والكتب وما إلى ذلك. وقد نوهت إلى أحد أكبر معارض الكتاب في العالم الذي يقام في الشارقة، والذي ترك بصمة قوية جداً في عالم النشر، وكذلك مهرجان المسرح الذي يقام منذ عقود، علّقت قائلة: «بينالي الشارقة من أهم البيناليات العالمية اليوم؛ لأنه نتاج لعقود من العمل والتطور».
متحف المحطة
يحظى متحف المحطة، الذي تمت جلسة تصوير «سيدتي» فيه، بأهمية كبيرة في دولة الإمارات العربية المتحدة وتاريخ المنطقة؛ حيث سبق أن استُخدِم في ثلاثينيات القرن الماضي عندما كانت الشارقة جزءاً من «الإمارات المتصالحة»، بوصفه أول مطار في منطقة الخليج، وله دور رئيس في ربط المنطقة بما حولها، وعنه شرحت الشيخة نوّار: «عالمياً، فقد حلقت أولى الرحلات الجوية من إنجلترا (المعروفة باسم الخطوط الجوية الإمبراطورية) إلى الهند عبر هذا المطار، هو ذو أهمية تاريخية وسياسية جلية، وكان أيضاً قاعدة لسلاح الجو الملكي البريطاني لبعض الوقت. ويعدّ شاهداً على كون الشارقة حلقة وصل ببقية العالم، ليس فقط عن طريق البحر، ولكن عبر الخطوط الجوية أيضاً».
كما تحرص بعض الدور العالمية، مثل أوديمار بيغه، على دعم الإبداع والفنون لتسليط الضوء على المواهب في العالم، على سبيل المثال برنامج أوديمار بيغه المعاصر Audemars Piguet Contemporary مستمر في التزامه بدعم الفنانين في مراحل مختلفة من مهنتهم. وتجد ضيفتنا أنه من المهم للغاية بالنسبة إلى العلامات التجارية العالمية أن تقدم وتكون معطاءة فيما يخص الفنون، وأن تتعاون مع الفنانين بشكل وثيق بطريقة تتوافق مع روح علامتها التجارية، وتدعم الفنون على المدى الطويل، وأن تعمل بانسجام مع الفنانين للحديث حول مواضيع مهمة، وألا ينظر إلى الفن بوصفه سلعة تجارية، تعلّق: «أوديمار بيغه تحديداً ناجحة فيما تقوم به».
التصوير والوقت
تجد الشيخة القاسمي أن مفهوم الوقت الذي نألفه اليوم يبدو غريباً في بعض الأحيان، فنحن لا نشعر بالوقت إلا بعد مروره! وفي كثير من الأحيان نفكر فيه بوصفها شيئاً حدث في الماضي، أو كم لدينا من الوقت للقيام بشيء ما في المستقبل، وهي تعتقد أننا يجب أن نركز على الآن أو الحاضر، ونفتقد الكثير لأننا ما زلنا عالقين في الماضي، تستدرك قائلة: «أتعامل مع كل يوم كما يأتي وبحد ذاته، وأعتقد أن الأمر أسهل بهذه الطريقة».
هواياتي وأسفاري
يعرف عن الشيخة نوّار عشقها للتصوير الفوتوغرافي، فهي تعتقد أنه وسيلة قوية جداً، ويمكن عبره سرد قصص بتنسيق يسهل فهمه، كما أنه متاح للكثير من الأشخاص، وهي تمارس التصوير الفوتوغرافي التناظري على وجه الخصوص؛ لأنه مدروس للغاية، وعند التصوير تقضي وقتاً في التفكير في إطار الصورة، وما تريد التقاطه بدلاً من التقاط صور متعددة على الهاتف، واستخدام أدوات التحرير، فنتائجه متميزة، تتابع: «أقوم بالتصوير بكاميرات قديمة جداً وأفلام منتهية الصلاحية، أحب عنصر المفاجأة المتمثل في عدم معرفة ما الذي سيظهر بمجرد تحميض الأفلام. أرى علاقتي بالتصوير الفوتوغرافي علاجية للغاية، فأنا أقضي الكثير من الوقت مع الأشخاص في مجال عملي، وأتطلع إلى قضاء الوقت بمفردي في المدينة أو في الطبيعة مع كاميراتي؛ ما يساعدني على التخلص من التوتر، وغالباً ما أقضي أياماً كاملة هكذا، في التجول لاكتشاف الأماكن أو البحث عن أشياء مثيرة للاهتمام لتصويرها، فأنا أحمل كاميراتي معي أينما ذهبت».
ينبغي لنا أن نسعى جاهدين من أجل تمكين جميع النساء
أما الأنشطة الأخرى التي تهوى ممارستها، فهي القراءة، وفي كثير من المواضيع المختلفة؛ لأنها تستمتع، كما تقول، بالوجود في الطبيعة، عندما يسمح الطقس بذلك، وتحب قضاء وقتها في المشي لمسافات طويلة، واستكشاف مناطق مختلفة، مثل الجبال والوديان ومسارات المشي، تعلّق: «أنا شخص فضولي بطبعي، لذلك أقوم بالاستكشاف. والكثير من هواياتي هي أشياء أقوم بها وحدي، فأنا أستمتع برفقة نفسي؛ ما يساعدني على التخلص من الضغوط، خاصة مع إرهاق وتوتر العمل والحياة».
الاستكشاف هو ما تجده ممتعاً أيضاً لتعلم المزيد، كما تقول، فهناك أماكن تزورها بانتظام بسبب العمل أو لوجود أصدقائها هناك، تقول عن رحلاتها: «يأسرني الفن والموسيقى والمسرح دائماً، وأحاول قضاء بعض الوقت في زيارة المتاحف أو مشاهدة المسرح أو الاستماع للموسيقى خلال السفر، كما أن الطبيعة تلهمني أيضاً. هذا لا يعني أنني لا أستمتع بالمدن الكبيرة، لكنها قد تكون خانقة في بعض الأحيان، وأشعر دائماً بالحاجة إلى المغادرة، والذهاب إلى مكان أكثر سلاماً وسكينة. أحب زيارة المدن الساحلية أو الأماكن القريبة من الجبال أو المسطحات المائية الكبيرة، فهي تعني لي الكثير».
من المهم للغاية بالنسبة إلى العلامات التجارية العالمية أن تقدم وتكون معطاءة فيما يخص الفنون
نسير في الاتجاه الصحيح
فيما تمثل الشيخة نوار نموذجاً مميزاً لتمكين المرأة الإماراتية، تعتقد أن لقب امرأة متمكنة أو الفكرة العامة حوله قد تكون معقدة، وهي مع أنها تجد نفسها متمكنة، وتعترف بامتيازاتها، لكنها تستدرك: «ما زلت أعتقد أن لدينا الكثير لنفعله على المستويين الاجتماعي والإقليمي، ينبغي لنا أن نسعى جاهدين من أجل تمكين جميع النساء، ولحسن الحظ، نحظى بدعم دولتنا، ولكننا لا نزال بحاجة إلى الترويج لدعم أوسع في مجتمعاتنا، وأنا أفكر دائماً في ما يمكنني فعله لمجتمعي خارج نطاق دوري وعملي، ولدي الكثير من الآمال والأحلام بالتأكيد. أحلم بيوم تكون فيه الفرص متكافئة ومتساوية أمام الفنانين والمبدعين خارج المؤسسات، وليس على أساس الجنسيات، بل بالنظر إلى مزاياهم؛ حيث يستطيع الموسيقيون والكتاب المسرحيون والمبدعون العمل بدوام كامل وتكوين أعمال لا تتعلق بالتجارة، كما أطمح إلى المزيد من التشريعات والقوانين التي تحمي الفنانين والحقوق الإبداعية، وقوانين حقوق الطبع والنشر على سبيل المثال، وتعزيز مساحات عرض القطع الفنية وما إلى ذلك. وهذا بالطبع سيتطلب إنشاء بنية تحتية أفضل، لكننا نسير في الاتجاه الصحيح، وهناك الكثير من الفرص اليوم عما كان الحال عليه في السابق الماضي. أشعر دائماً بأن هناك دائماً الكثير مما يتعين القيام به، إلا أنني بلا شك أشعر بأنني محظوظة جداً؛ لأنني تمكنت من مشاهدة نمو الصناعات الإبداعية وتطورها في دولة الإمارات العربية المتحدة، وأود أن أتمكن من فعل المزيد في هذا المجال».
تعدّ الإمارات مكاناً متنوعاً للعيش والعمل
الإمارات الأسرع نمواً
في الثاني من ديسمبر، تحتفي الإمارات العربية المتحدة بعيد الاتحاد الـ 52، ومع قدوم هذه المناسبة، تؤكد الشيخة نوار أن الإمارات أصبحت إحدى أسرع الدول نمواً في العالم! وهي تجد أن علينا ألا نفكر فقط في المستقبل والإمكانات التي لا نهاية لها، بل أن نفخر بماضينا وتاريخنا ونحتفي به. تعلّق في نهاية حوارنا معها: «إن دولة الإمارات العربية المتحدة تعدّ مكاناً متنوعاً للعيش والعمل، وكوننا إماراتيين، نتمتع أيضاً بتاريخ ثري متنوع بوصفنا شعباً، حتى قبل تشكيل دولة الإمارات العربية المتحدة، فنحن جميعاً متشابهون، في حين أننا أيضاً متميزون جداً بوصفنا أفراداً، فالأصالة وقيم هويتنا الحقيقية أمران لا ينبغي إهمالهما، ولا يجب أن ننساهما أثناء تطورنا ونمونا».