«أنا ابنة رجلٍ عظيمٍ، علَّمني معنى الصمود، أنا ابنة وطنٍ، وضع في يدي وردةً، وفي الأخرى بندقيةً، وقال لي: كوني قويةً، كالسهم، كالصقر، كسرّ الوجود». بهذه الكلمات، اختصرت مدربة الرماية والصقَّارة منى الخريص صورتها كامرأة عربية سعودية مقدامة وقوية، معتزة بالبصمة الواضحة لوالدها في مسيرتها، عبر تعزيز شغفها بالرياضات التراثية، وصقل شخصيتها الطموحة والواثقة التي لم ترضَ بالاستسلام والانكسار، رغم كل ما واجهته من أزماتٍ صحيةٍ وحياتيةٍ مختلفةٍ. واليوم، رسمت «منى» كحلها العربي، وحملت ثقافتها المتجذرة حول الأرض والإنسان، لتروي عبر «سيدتي» قصة أبطالٍ ثلاثةٍ: المرأة، والصقر، والبندقية.
مديرة إبداعية ومنسقة | نينورتا مالكي Ninorta Malke
حوار | عبير بو حمدان Abeer Bou Hamdan
تصوير | عبد الرحمن البلوي Abdul Rahman Al Balawi
مكياج | سمر العوضي Samar Alawadhi
ابنة رجل عظيم
وشاح من ليم Leem
«ابنة رجلٍ عظيمٍ»، هكذا تعرِّفين بنفسكِ في وسائل التواصل الاجتماعي، إلى أي مدى تأثَّرت بوالدكِ، رحمه الله؟
والدي، رحمه الله، رجلٌ عظيمٌ فعلاً، فهو معلمي، وصديقي، وحبيبي، والرجل الوحيد في قلبي. رحل مبكراً، لكن هذا أمر الله، ولا اعتراض عليه. والدي، هو الذي صنع وشكَّل شخصية منى الخريص، وحبي للرماية والصقور وكل الرياضات التراثية، استقيته من شغفه وحبه لها، وعليه يمكنني القول: نعم، لقد اكتسبت جميع هواياتي من والدي لتعلُّقي الشديد به.
يمكنك متابعة اللقاء على نسخة سيدتي الديجيتال من خلال هذا الرابط مدربة الرماية والصقارة منى الخريص
منى الخريص
أزماتٌ عدة مررتِ بها، لكنها لم تستطع كسركِ، بل زادتكِ صلابةً، حدِّثينا عن تلك الأزمات، وكيف خرجتِ منها بهذه القوة والشجاعة؟
لا أحبُّ التحدُّث بسلبيةٍ، لكنَّ الجميع يمرُّ بأوقاتٍ صعبةٍ أحياناً، وأنا منهم، فقد واجهتُ أزماتٍ متتابعةً بعد وفاة أخي، ثم إصابتي بالشلل لفترةٍ من الوقت، وبورمٍ سرطاني، كما توفي والدي، وغيرها من الأزمات التي جعلتني أمام خيارين، إما أن أستسلم، أو أن أكون قويةً وقدوةً لغيري، فكان خياري أن أستمرَّ، وأن أكون قويةً وملهمةً ورائدةً في أي مجالٍ أقتحمه، خاصةً الرماية والصقور، ومن هذا استمددتُ قوتي الحقيقية.
إحياء الموروث العربي
الرماية كانت رياضة الرجال لأجيالٍ، واليوم تفتحين بابها أمام السيدات والشابات، ما الذي وجدتِه في هذه الهواية حتى أحببتِ نشرها؟
الرماية لم تكن يوماً حكراً على الرجال فقط، فالنساء عبر التاريخ الإسلامي حملن السلاح، وشاركن في الحروب، والنساء في البادية حملن السلاح أيضاً للصيد والدفاع عن أنفسهن قديماً، أنا فقط أعدت إحياء هذا الموروث العربي الأصيل، وذكَّرت الجيل الحالي بأهميته، فالرماية تزرع في مَن يمارسها القوة والصبر وضبط النفس، لذا أتمنى نشر هذه الرياضة في الأجيال القادمة.
أعوامٌ مرَّت منذ أن قرَّرتِ تحويل هذه الهواية إلى مهنةٍ، كيف مكَّنتِ نفسكِ من هذه المهارة، وأصبحتِ لاعبةً وحكماً ومدربةً محليةً ودوليةً معتمدةً من الاتحاد السعودي للرماية والاتحاد الكازاخستاني وMisia؟
أمارس الرماية منذ الطفولة، وبعد ضمِّي لاعبةً إلى الاتحاد السعودي للرماية، قرَّرت أن أتحوَّل من كوني هاويةً إلى محترفةٍ، والتحقت بدوراتٍ في الاتحاد السعودي للرماية والاتحاد الكازاخستاني وغيرهما، وحصلت على التالي:
- دورة أمان وسلامة استخدام السلاح من الاتحاد السعودي للرماية.
- دورة حكمٍ معتمدٍ من الاتحاد السعودي للرماية.
- عضوةٌ ولاعبةُ رمايةٍ عملية IPSC.
- رخصة مدربةٍ في الرماية العمليةIPSC .
- رخصة مدربةٍ محليةٍ في كازاخستان.
- عضوةٌ ولاعبةٌ في اتحاد الرماية الكازاخستاني.
نفترح عليك متابعة هذا اللقاء مع مدربة الخيول واليوغا دانة القصيبي
"الصحراء والطبيعة والصقور والرماية والخيول تلهمني لكتابة الشعر والرسم"
الصقر يمثل القوة
من الهوايات التي عملتِ أيضاً على التمكُّن منها واحترافها الصقَّارة، هل من علاقةٍ تجمع الهوايتين؟
نعم، لطالما ارتبطت الرياضتان ببعضهما، منذ القدم وحتى اليوم، وحالياً تُستخدم الصقور إلى جانب الأسلحة في رحلات الصيد حول العالم.
جاء في موقع «يونسكو»، أن «تربية الصقور تشكِّل قاعدةً لتراثٍ ثقافي أوسع، في رأيكِ كيف يمكن توظيف هذا العنصر بشكلٍ إبداعي ضمن هذه الفئات؟
يمكن توظيف تربية الصقور بشكلٍ إبداعي ضمن هذه الفئات من خلال:
- تصميم ملابسَ مستوحاةٍ من الصقور، واستخدام أنماط الريش الخاصة بها في الأزياء التقليدية.
- تضمين صقور الصيد في تجارب تناول الطعام التقليدية، وتقديم أطباقٍ من صيدها.
- إنشاء أعمالٍ فنيةٍ، تعبِّر عن جمال وروح تربية الصقور في الأغنيات والموسيقى والشعر والرقصات.
مشاركتي في المهرجان بهدف تمكين المرأة
حدِّثينا عن أجمل أنواع الصقور، وماذا عن أسعارها؟
أحبُّ «الجير والشاهين والحر»، وأرى أن «الجير» الأفضل بينها. أما أسعار الطيور، فمن الممكن أن تتجاوز مليون ريال سعودي.
ما مدى صعوبة الحصول على الصقور وترويضها وتدريبها، وهل يحتاج ذلك إلى مدةٍ طويلةٍ، وما أهم عناصر الفوز في مسابقات الصقَّارة؟
ترويض الصقور وتدريبها، يحتاجان إلى القدرة المالية، والقوة الجسدية، وقضاء وقتٍ طويلٍ معها، أما عناصر الفوز، فتختلف من طائرٍ لآخر، حسب نوعه وتدريبه وسرعته.
مشاركتكِ بوصفكِ أوَّل صقَّارةٍ سعوديةٍ في مهرجان الملك عبدالعزيز لمزاين الصقور، كانت لهدفٍ يتخطى الاستعراض والشهرة والفوز، ما هو؟
نعم فعلاً. هدفي في هذه المشاركة، كان إحياء التراث والموروث الشعبي، وتمكين المرأة في هذا المجال.
مع تطوُّر طبيعة الحياة في السعودية، والتحوُّلات الكبرى، ألم تعد هذه الهوايات بعيدةً قليلاً عن اهتمام الناس؟
الرماية، وتربية الصقور من الهوايات التي قد تكون ذات طابعٍ تقليدي، لكنها لا تزال تحافظ على جماهيرها وعشاقها الذين يرغبون في الاستمتاع بتجربةٍ فريدةٍ، وتعميق الروابط مع الطبيعة والحيوانات، وتربية الصقور خاصةً لها تاريخٌ طويلٌ وغني في عديدٍ من الثقافات والتقاليد، إضافةً إلى ذلك توجد جمعياتٌ ونوادٍ خاصةٌ بالرماية وتربية الصقور حول العالم، تعمل على تعزيز هذه الهوايات وتطويرها.
بالنسبة لكِ، هل تعدِّينها ملاذاً من سطوة التكنولوجيا والمؤثِّرات الحديثة؟
نعم، ففيها صفاءٌ ذهني، وتجربةٌ مميزةٌ، وتدريبٌ للنفس على الصبر، وتحدٍّ لاستكشاف مكامن القوة في داخلك. أما التكنولوجيا فأحاول مواكبة برامجها لإيصال رسالتي في إبراز وإحياء التراث، والموروث الشعبي، ونشره للأجيال الجديدة والعالم، فهذه مهمةٌ وطنيةٌ وإنسانيةٌ، إلى جانب تمكين المرأة، فهي مربيةٌ للأجيال، وهذه مهمتها.
تابعي معنا تفاصيل لقاء سابق مع بطلة الراليات السعودية مها الحملي
تسهم هواياتي في تعزيز قدرتي على بلوغ أهدافي
اليوم، كيف هي الحياة الشخصية لمنى الخريص، وما تأثير مساركِ هذا في طبيعة علاقتكِ بالناس؟
أعيش صفاءً ذهنياً، وأستمتع بكل ثانيةٍ في حياتي، وقد أصبحت أكثر دقةً وانتقائيةً للناس بسبب تأثُّري بمجالاتي.
أنتِ ناشطةٌ اجتماعيةٌ وصاحبةُ مبادراتٍ عدة، ما أبرز مبادراتكِ التي تركت أثراً كبيراً في المجتمع، وما تطلُّعاتكِ حيالها مستقبلاً؟
لدي مبادراتٌ بسيطةٌ لتمكين الفتيات في سوق العمل، وإبراز موهبة أي فتاةٍ طموحةٍ، فهذا دوري بوصفي ابنةً بارَّةً لهذا البلد العظيم، فمدُّ يد العون لمَن حولنا، هو ما نشأنا عليه وتعلَّمناه من ولاة أمرنا، حفظهم الله، وأتمنى أن أجد وقتاً أكبر لذلك.
أبدعتِ أيضاً في الشعر والكتابة والرسم، ولا يمكن القول إنه من الصعب جمع هذه الهوايات فكلُّها ترتبط بحب الشخص للأرض والطبيعة والموروثات الثقافية، وإن اختلفت أدواتها وطرق ممارستها، لكن كيف تجدين الوقت لإتقانها جميعاً، وما مصدر إلهامكِ؟
الصحراء والطبيعة والصقور والرماية والخيول مرتبطةٌ معاً، وتلهمني لكتابة الشعر والرسم، فأنا أستمتع بكل ما أمارسه من هواياتٍ، وأجد الوقت لها جميعاً بسبب شغفي بها، ووجودي في بيئةٍ محفزةٍ لذلك.
حصلتِ على شهادةٍ مهنيةٍ في إدارة المحتوى من الهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع، وأنتِ عضوةٌ في الجمعية السعودية للإعلام والاتصال، هل تأخذكِ هواياتكِ من هذا المجال المهني، أم توظِّفينها لتعزيز دوركِ به؟
أعتزُّ كثيراً بهذه الشهادات والعضويات، فهي أدواتٌ، تساعدني في إيصال هذا الموروث العربي الأصيل عبر الإعلام بصوره الجديدة والحديثة إلى العالم أجمع، وعلى العكس تسهم هواياتي في تعزيز قدرتي على بلوغ أهدافي في كل المجالات التي أخوضها.
بناءً على ما تقدَّم، كيف يمكن وصف شخصية منى الخريص؟
للإجابة أستعير هنا قول الشاعرة العالية:
أتدوّر أشباهي.. أنا مالي شبـَه.. أنا العزيز النـادر وراعي الأصول.. وأنا المُحِب اللي الهوى ما يغلبه.. وأنا الجريء الواثق وأنا الخجول.. وأنا العنيد اللي بمزاجه تكسبـه.
ما الذي تطمحين إلى تحقيقه بعد كل هذه الإنجازات؟
بوصفي مواطنةً سعوديةً، أقول ما قاله سيدي ولي العهد: «المواطن همته كجبل طويق والمستحيل ليس سعودياً، وما زلنا نحلم ولا حدود لأحلامنا».
بعد تجاربكِ المتعددة ونجاحاتكِ، ما الرسالة التي تتوجَّهين بها للفتيات السعوديات؟
قوتكِ تنبع من رغبتكِ في التغيير، وأول خطوةٍ نجاحٌ بحد ذاته.
يمكن أيضًا الاطلاع على هذا اللقاء مع رازان العجمي
