العطر ليس مجرد رائحة بالنسبة لمصممة العطورعائشة الساعي؛ بل هو عمل فني وأدبي وحسي؛ يحاكي المشاعر، ويأسر الأنظار، ويستقر في القلوب، لذا جمع مشروعها "قارورة" للعطور، بين هوايتين مرتبطتين بالمشاعر، هما التصميم والكتابة، فكانت النتيجة سمفونية حسية بصرية، تحمل بصمة من تراث بلدها قطر والوطن العربي، وجماليات اللغة العربية مع نفحات من الخيال التي تلامس الأحاسيس بعبيرها، وتناسب كآفة الأذواق والفصول والمناسبات.
للتعرف على قصة وأسرار نجاح مصممة العطور عائشة الساعي كان لسيدتي هذا اللقاء.
بداية؛ حدثينا عن نفسك، من هي عائشة الساعي؟
مصممة تعشق التصميم والقراءة، تسعى لتجسيد أعمال وصور من الخيال في تصاميمها؛ تستطيع من خلالها محاكاة المشاعر عبر حواس مختلفة، فلطالما كانت فنون التصميم والكتابة وسيلتي المثلى للتعبير عن مشاعري أو ما أتصوره؛ بدأت موهبة التصميم معي منذ الصغر، ونمت عَبْر المراحل العمرية التي تليها. ثم صقلتُ مواهبي أكثر بعد التحاقي بجامعة فرجينيا كومونولث كلية فنون التصميم في قطر، والتخصص في مجال التصميم الداخلي، وانخراطي في مجالات التصميم المتعددة.
كيف بدأت قصتك في مجال العطور تحديدا؟
انخرطتُ في مجال العطور عندما وجدتُ في داخلي شغفاً باقتناء روائح نادرة وغريبة في كل رحلة سياحية؛ ولكن قصتي مع العطور بدأت منذ الصغر، فهي مرتبطة ارتباطاً عميقاً بذكرياتي وهواياتي، إذ كان السؤال الذي يراودني دائماً حين أحن لأيام وأماكن من الماضي "كيف للإنسان أن يأخذ ذكرياته وأحاسيسه التي راودته في ذلك الوقت معه لحاضره ومستقبله؟"، كنا نستحضر ذكرياتنا من صور وتسجيلات ومقطوعات موسيقية وأغنيات؛ ولكن كان هناك شيء ناقص، ألَا وهو أريج تلك اللحظات، فالروائح أقوى العناصر الحسية المرتبطة بالذكريات، فهي تستحضر شعوراً انتابنا في مكان معين وزمن معين مع أشخاص معينين وفي مواقف معينة، ومن هنا -كما ذكرتُ- وجدتُ نفسي أتردد على متاجر العطور النادرة والمحلية في كل رحلة سياحية؛ فأشتري منها ما يروق لي من العطور، وأقوم بتجربتها ومزجها، وكان لدي هوس في اقتناء كل ما هو غريب وجميل، وكثيرا ما دمجت عطوراً مختلفة قبل خروجي لمناسبة معينة أو لزيارة عائلية أو غيرهما، ووجدت خلال زيارتي هذه أو تلك ردود أفعال وتعليقات إيجابية واستفسارات متكررة عن نوع العطر الذي أتعطر به، أو سر خلطتي العطرية الخاصة التي أستخدمها؛ حتى راودتني فكرة إنتاج عطور من تصميمي الخاص تمثل ذوقي، وهكذا؛ بدأت مشروع "قارورة" للعطور، الذي يجمع بين هوايتين مرتبطتين بالمشاعر، وهما التصميم والكتابة.
مشروع "قارورة" للعطور ما لذي يميزه وماذا يمثل بالنسبة لك ؟
"قارورة" عبارة عن رواية تميل لأن تكون سمفونية حسية وبصرية، تحكي قصصاً بأبيات شعرية، تحمل في طياتها نفحات من الخيال، تلامس الأحاسيس بعبيرها وبوقع أسمائها، وأما التصميم الخارجي فهو رسالة مستلهمة من تراث قطر والوطن العربي؛ ففي تراثنا كان الشعراء يستلهمون من الصحراء شعرهم، وأنا استوحيت من التاريخ هذه المقطوعة الشعرية الأثيرية، وأسميتها "قارورة".
أفكار العطور ومكوناتها السرية
من أين تستلهمين فكرة عطورك الجديدة؟
أستلهمها بطريقتين؛ بداية بالبحث والتجربة، وذلك بدراسة العطور المتوفرة، ودمج روائح معينة ببعضها لخلق روائح جديدة، ثم تجربة ردود الأفعال عليها، كما أنني أستلهم أفكاراً جديدة عند الاستماع للموسيقى، أو عند قراءة كتاب ما، أو التعطر برائحة عطر أحبه، هكذا أستمد إلهامي لتصميم أي شيء جديد.وفي الحقيقة نطاق الإلهام شاسع قد يتسع لكل ما حولنا من طبيعة، أو أشخاص، أو قصص، أو مواقف؛ سواء كانت إيجابية تشجع على ابتكار المزيد؛ أو سلبية تحفز على تحديها والاستفادة منها.
كيف تختارين مكونات عطورك، وأي منها تفضلين لمواسم الصيف والشتاء؟
أختارها بناء على ذوقي والذوق العام، ومن مجموعة عطور "قارورة" أفضل "المسك الأحمر" لكافة المواسم والمناسبات، كما أفضل عطر الورد والياسمين "خجل الصحراء" والعطر الخشبي الناعم "رمال الحب" لفصل الصيف، وما أحبه في هذه العطور الثلاث هو أنه يمكن استخدامها معاً وفي آن واحد لأي مناسبة ولجميع المواسم، أما "رشفة حلم" و"همس التلال" من مجموعتنا فهما من العطور الخشبية الثقيلة التي تميل لأن تكون عطوراً شتوية أو لمناسبات رسمية.
هل فعلاً يوجد عنصر سري لكل صانع عطور يجعل من العطر أكثر تميزاً؟
نعم يوجد، وهذا لا يقتصر على مكون معين؛ بل حتى بلد المنشأ للمكونات ومكان التصنيع، وكذلك معايير الجودة المتبعة؛ حتى تصل إلى المنتج النهائي.وبالنسبة لنا في "قارورة"؛ فالجودة هي العنصر الأساسي لعطورنا؛ فيجب الحرص على ذلك في مرحلة التصنيع؛ لذلك يتم اختبار نماذج للعطر قبل التصنيع الكلي، وذلك لمعالجة أي أمر يخصه من ناحية الثبات، وصلاحية الروائح، ومدى تحملها للمؤثرات الخارجية.أما صناعتها فقد حرصنا على أن تكون تحت أيدٍ متخصصة في صناعة العطور لضمان أعلى جودة؛ ولذلك اخترنا تصنيعها في مدينة فرنسية عرفت بصناعة العطور منذ القدم.
المرأة الخليجية
إلى أي العطور تميل المرأة الخليجية أكثر؟
معظم نساء الخليج من جميع الفئات العمرية تميل للعطور التي تحتوي بشكل أساسي على المسك والعود؛ ولذلك حرصنا على إدراج هذين المكونين في جميع عطورنا بدرجات متفاوتة ودمج كل منها بمكونات أخرى، وتمكنا من انتاج عطور ذات روائح مختلفة تماماً عن بعضها وتلبي الذوق العام.
برأيك هل هناك أنواع عطور معينة تتوافق مع كل شخصية؟
نعم، وهناك أنواع تتوافق مع فئات عمرية معينة أيضاً، وعلى العكس أيضاً فإن العطور بحد ذاتها عبارة عن ترجمة حسية للشخصيات.
العطور الشرقية والغربية
ما الفارق بين عطور الماضي والحاضر؟ هل لا يزال الجيل الحالي مغرماً بالبخور والعطور الشرقية؟
الفرق كبير طبعاً، وقد يميل البعض لعطور الماضي، وذلك لأن هذه العطور مرتبطة بذكريات، ولا يزال الجيل الحالي يحب استخدام البخور غالباً لهذه الأسباب، وأيضاً للمناسبات الرسمية؛ لأن البخور مرتبط بالفخامة. ولكن لا يغني هذا عن القول بأن الجزء الأكبر يميل للعطور ذات الطابع الغربي، ولذلك حرصنا في "قارورة" على تقديم روائح تدمج بين الطابع الغربي ولمسات شرقية تناسب كافة الأذواق والفصول والمناسبات، وأضفنا إليها بعض المكونات التي جعلتها أكثر حيوية واختلافاً عن المألوف.
هل تؤيدين فكرة المزج بين العطور؟
نعم أحياناً وبناء على المناسبة، فذلك يجعل من الرائحة أكثر تميزاً، كما أن مزج عطور معينة بالبخور يبرز عبيرها، ويسهم في ثباتها أكثر؛ ولكن هذا لا ينطبق على كل أنواع العطور، فمثلاً العطور الصيفية لا تصلح لأن تدمج بالبخور؛ ولكن يمكن استخدامها مع أنواع محددة من عطور أخرى.
قنينة العطر
كل عطر جميل يستحق قنينة جميلة، ما أهمية تصميم القنينة للعطر؟
برأيي هذا الأمر مهم للغاية، ولا يمكن التهاون فيه، فالعطر ليس مجرد رائحة بالنسبة لي كمصممة؛ بل هو عمل فني وأدبي وحسي؛ يحاكي المشاعر، ويأسر الأنظار، ويستقر في القلوب، ولا يمكن أن يحقق كل هذا من دون قنينة جذابة؛ فشكل وتصميم القنينة وكذلك العبوة جزء من قصة العطر، ويعكس جودته وقيمته، وكلما كانت القنينة وعبوتها مفصلتان خصيصاً لعلامة تجارية معينة أو لعطر معين؛ كان العطر نفيساً أكثر وأعلى وأعظم تقديراً.
وفي مجموعتنا العطرية قمنا بتصميم الزجاجة والعبوة بدقة تامة، واخترنا الخامات بعناية لتعكس قصة المجموعة المستمدة من التراث القطري العربي؛ بلمسة من الفخامة في كل تفاصيلها.
يمكنكم الاطلاع أيضا على قصة " بالفيديو.. رائد صناعة العطور باولو تيرينزي: تأثر أسلوبي بالثقافة العربية
أفضل طرق لحفظ العطور وثباتها
ماهي أفضل طريقة للمحافظة على ثبات العطر؟
ثبات العطر يعتمد على تركيزه ومكوناته أولاً ثم طريقة استخدامه؛ فاستخدام العطر مع الزيوت العطرية والبخور يزيد من ثباته. ويستحسن تجنب الطقس الحار والمشمس للمحافظة على ثباته أكثر.
وما الطريقة الأفضل لحفظ العطر؟
أن تحفظ بعيداً عن أشعة الشمس، وفي مكان معتدل الحرارة.
ما أكبر الأخطاء التي يرتكبها البعض بحق العطور؟
ترك زجاجة العطر من غير غطاء، أو وضع العطور في السيارة في جو حار؛ فذلك يتسبب في انتهاء صلاحيتها بشكل أسرع وتكسر تركيبتها.
بصمة عطر
هل هناك بصمة معينة تحاولين إبرازها من خلال عطورك؟
أردت أن أسرد بالعطور رواية لها بصمة التراث العربي، وتبرز جمال اللغة العربية، لم أرد أن أنشئ علامة تهتم بإنتاج روائح فحسب؛ بل أردت إنتاج عطور يكتنفها عمل فني يجذب الأبصار بتصميمه، ثم يستقطب الحواس تدريجياً؛ ليعيش مقتنيها تجربة جميلة مع أريجه.