حملت ثقافة المملكة فوق أكتافها وجالت بها في بلاد العالم؛ لأنها رأت أنها جزء من المنظومة الثقافية الكبيرة، ولأنها تعلمت خلال سنوات غربتها عن الوطن، أن الصورة المضيئة للشعوب لا تنقل بالكلام والنقاشات وإنما بتقديم الثقافة كعنصر مرئي يتغلغل في أذهان المتلقين فيبهرهم، وهكذا أقامت المعارض، وقدمت أعمالاً فنية حجزت أمكنة عديدة في متاحف العالم، فنالت الجوائز والتكريمات، ومثلت السعودية في العديد من المحافل الدولية.
إنها الفنانة البصرية والقيمة الفنية لولوة الحمود، التي صممت الطاولة التي عقد عليها اجتماع القمة الخليجية الأمريكية عام 2022، كما واختيرت إحدى لوحاتها لتزين مكتب ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
الحمود التي هي من كتاب سيدتي الملهمين، ضيفتنا في هذا الحوار الشيق، وقد رصعته بعبارة "نحن نعشق هذا الوطن"..
أعدته للنشر: عبير بو حمدان
تصوير: محمد عثمان
فضل الوطن
حدثينا عن مكانة هذا الوطن في قلبك؟
وطني له فضل كبير عليّ، تماماً كفضل أهلي عليّ في تربيتي، فأحس أنني أريد أن أشرفهم. أنا لا أعمل كـ لولوة الحمود، بل كفنانة بصرية من المملكة العربية السعودية، أحمل على أكتافي ثقافة المملكة العربية السعودية ليس فقط كشخص أو كفرد، وإنما كجزء من هذه المنظومة الثقافية الكبيرة. وأنا بصراحة ابنة الرياض وترعرعت وتشربت من خير هذا البلد وهذه المدينة.
عودة للبدايات
كيف كانت بداياتك مع الفن التشكيلي؟
أنا نشأت في بيت يعتبر مثقفاً جداً. أبي، رحمه الله، كان قارئاً نهماً للكتب العربية والإنجليزية والفرنسية، وقد درس القانون وشغل منصباً حكومياً، كان مستشاراً للملك فيصل، رحمه الله. أمي تحب الرسم وأختي الكبيرة أيضاً، وكنت أنا أتأمل في رسوماتهما، وأحاول أن أرسم مثلهما منذ صغري، وهنا اكتشفت أنني أعرف كيف أرسم فعلاً.
أخذ الفن بالنسبة لي مسارات عدة، وطبعاً بدأ كهواية، كأي طفلة أو فتاة صغيرة تحب أن ترسم، واستمرت الهواية حتى سنوات المرحلة الدراسية الثانوية، في الجامعة لم أقدر أن أتخصص بالفنون، فهجرت الفن ودرست علم الاجتماع وبعدها سافرت إلى لندن ودرست تخصصاً قريباً نوعاً ما من الفنون، وهو علم وسائل الاتصالات المرئية.
هل تعتبرين أن الفن يأتي كموهبة أو من خلال الدراسة؟
أنا مؤمنة أن كل إنسان يولد فنان في داخله، لكن ربما الظروف التي تمر عليه، تؤثر وتدفعه للتوقف، تشعره أحياناً بالإحباط، وتجعله غير قادر على الاستمرار.
الحنين للوطن
كيف حافظت على ارتباطك بالثقافة رغم أنك تعيشين خارج المملكة؟
عندما أنهيت الجامعة بدأت أشعر بالحنين للوطن، لكن ظروفاً ما أجبرتني على الاستمرار في العيش في بريطانيا، وهذه الغربة هي ربما التي ولّدت لدي هذا الحنين لـ الوطن والفهم للثقافة التي ولدنا ونشأنا عليها ومن ضمنها الثقافة الإسلامية.
حصلت على ماجيستير في وسائل الاتصال المرئية، لكن بحثي كان عن الخط العربي والأشكال الهندسية في الفنون الإسلامية، لأنني شعرت أنني بحاجة لأن أفهمها، وأن أعرف لماذا يحتفي كل العالم بهذه الثقافة البصرية في حين أننا ربما نحن لم نفهمها بعد، وبمجرد أنني درستها فهمت أهمية الخط العربي وأهمية الأشكال الهندسية.
حدثينا عن سعيك للتعريف بالثقافة السعودية وفنونها؟
مع أنني لم أكن أسعى أن أكون فنانة بصرية، لكنني كنت قريبة جداً من الفن، كنت أنظم معارض للتعريف بالفن السعودي وللتعريف بالفن الإسلامي، وكنت قيمة فنية أكثر من كوني فنانة، إلى أن عرضت أعمالي بالصدفة وانطلقت بعدها، وكان أمراً غير متوقع بالنسبة لي والحمد لله.
من أبرز الأمور التي جعلتني أسعى لأن أعرّف الناس على الوجه الجميل والحضاري للمملكة العربية السعودية، من خلال عمل يخص أسماء الله الحسنى، ولم أتوقع أن يصل عمل من أعمالي إلى المتحف البريطاني ومتحف لوس انجلوس في أمريكا، وإلى متحف في كوريا، وإلى متحف القارات الخمس في ميونخ.
كيف ترين هذه النتائج كلها؟
الحمد لله رب العالمين، أعتقد أن هذا نتيجة الإخلاص في العمل. أنا ومجموعة من الزملاء والزميلات أثبتنا أننا قدمنا فناً على مستوى عالمي في دول كثيرة من العالم؛ لأننا عشقنا هذا الوطن واليوم دورنا لنرى ماذا يمكن أن نقدم له، وماذا يمكن أن نقدم لمن يأتون بعدنا.
تعرفوا أكثر على الفنانة لولوة الحمود في هذا المقال: من هي الفنانة التشكيلية لولوة الحمود؟
تحقق الأحلام
اليوم تغير المشهد الثقافي في المملكة، وباتت الأهداف تتحقق بشكل أسهل، بم يشعرك هذا؟
هناك أمور حدثت كنا نحلم فيها ونعتقد أنها حلم قد لا نتمكن من رؤيته يتحقق أثناء حياتنا، لكن الحمد لله رب العالمين، ربنا أكرمنا، وتمكنا من رؤية هذه التغييرات. بات هناك حماس لدى الشباب، إذ أن الشباب باتوا يريدون أن يساهموا ويكونوا جزءاً من هذا التقدم وهذه التنمية.
ماذا تقولين لهؤلاء الشباب ولأبناء الوطن؟
أقول لهم لا تستعجلوا ولا تركضوا، فهناك ركائز لا بد أن نحافظ عليها وهناك أسس ثقافية واجتماعية ودينية، ويجب ألا ننسى ارتباطنا بأهالينا وبوطننا. نحن والحمد لله استفدنا من الخبرة ومن التعليم في الخارج، والآن دورنا أن نفيد هذا الوطن، وأتمنى أن يساهم كل فرد وكل فنان سعودي في رفع الثقافة السعودية، لأنه وبلا شك الدولة تبذل جهوداً كبيرة، لكن لو عمل كل فرد وكل فنان منا وآمن بالعمل الجماعي سنكون أفضل الشعوب.
في نهاية الحوار نستعرض لكم هذا المقال للفنانة لولوة الحمود في "سيدتي" تحدثت فيه عن: الطاقات الإبداعية المحلية.