أسباب عضوية ونفسية مسؤولة عن تبوّل الأطفال اللاإرادي

تؤدّي أسباب عضوية إلى اضطرابات في عملية التحكّم في التبوّل لدى الأطفال تصيب بالسلس البولي (التبول اللاإرادي) أثناء الليل Nocturnal enuresis أو أثناء النهار Diurnal enuresis أو كليهما، وإن كان السلس الليلي هو الأكثر شيوعاً. وفي هذا الإطار، تفيد دراسة صادرة حديثاً عن مستشفى بوسطن للأطفال Children's Hospital Boston أن نسبة 5 إلى 7 ملايين طفل أميركي تعاني من التبوّل اللاإرادي، علماً أن هذه الحالة تصيب الذكور بمعدّل 3 مرّات أكثر من الإناث!

"سيدتي" اطّلعت من عضو "الرابطة الأميركية للمسالك البولية" وزميل جامعة إلينوي في شيكاغو بالولايات المتحدة الأميركية ورئيس قسم المسالك البولية في المستشفى السعودي الألماني البروفسور سامي عبد الهادي سليمان على أنواع تبوّل الأطفال اللاإرادي وأهم الأسباب المسؤولة عن الإصابة  وأبرز العلاجات، في هذا المجال.  

 

ممّا لا شك فيه أن فقدان الطفل السيطرة على آلية التبوّل منذ ولادته وخلال السنوات الأولى من عمره (4 سنوات كحدّ أقصى) لهو أمر طبيعي لا يتخلّص منه سوى عندما يكتسب القدرة على التحكّم بمثانته البولية، وذلك حين يصل جهازه العصبي إلى درجة كافية من النضج بما يعمل على تهيئته ومساعدته في التحكّم الإرادي بعملية التبوّل. وقد يبدأ الطفل بالتحكّم في مثانته أثناء النهار، قبل الليل، علماً أنّه عادةً ما تستطيع الإناث الأمر بصورة أسرع مقارنة بالذكور.

ويعرّف الأطباء سلس البول الليلي لدى الأطفال بـ "أنه تبوّل طفل يبلغ من 5 إلى 6 سنوات من عمره بصورة لاإرادية أثناء الليل، وهو العمر المتوقّع فيه حدوث التحكّم الكافي في المثانة". وتشخّص هذه الحالة عند تكرارها بمعدّل مرّتين أسبوعياً على الأقل لمدّة 3 أشهر متتالية.

وتفيد دراسة صادرة حديثاً عن جامعة هارفارد الطبية أن سلس البول قد يصيب حوالي 30% من الأطفال في سنّ الرابعة و20% منهم في الخامسة و10% منهم في السادسة و1% في الثامنة عشرة. ويتمّ التخلّص من هذه المشكلة تلقائياً في غالبيّة الحالات، بدون اللجوء إلى العلاج بواسطة الدواء.

 

أنواعه...

يقسم التبوّل اللاإرادي إلى نوعين أساسيين، هما: 

_ التبوّل اللاإرادي الأولي Primary enuresis: هو الأكثر شيوعاً، ويشمل عدم تحكّم الطفل مطلقاً في آلية التبوّل منذ ولادته وحتى بلوغه سن النضج الكافي للتحكّم في المثانة البولية.

_ التبوّل اللاإرادي الثانوي Secondary enuresis: هو فقدان سيطرة الطفل على عملية التبوّل بشكل مفاجئ وكامل بعد فترة من التحكّم فيها بشكل طبيعي قد تتراوح ما بين 6 إلى 12 شهراً أو أكثر.

 

أسبابه...      

يمكن تقسيم الأسباب المسؤولة عن عدم تحكّم الطفل في عملية التبوّل، إلى:

1 أسباب عضوية وفسيولوجية: تنتج عن خلل وظيفي، وفق الأشكال التالية:

        _ تأخّر نضوج آليات قشرة المخّ والجهاز العصبي المسؤول عن التحكّم في التبوّل، غالباً ما تلاحظ لدى من يعانون من تأخّر في مراحل التطوّر العقلي، ويظهر في شكل سلس أولي.

        _  اضطراب وظيفي أو نقص في إفراز الهرمون المضاد لإدرار البول Antidiuretic hormone، ما يؤدّي إلى زيادة كميّة البول خلال اليوم.

       _ تعرّض الطفل لاضطرابات النوم، وتشمل: الدخول مباشرة في مرحلة النوم العميق Deep sleeper أو توقّف التنفّس أثناء النوم Sleep apnea أو عادات النوم غير المنتظمة، ما يقلّل من قدرته على الاستيقاظ عند امتلاء مثانته.

        _  صغر سعة مثانة الطفل البوليةLow capacity of urinary bladder ، ما يؤدّي إلى انخفاض القدرة على تخزين البول بشكل كافٍ خصوصاً أثناء الليل.

        _  إنتاج كميّات كبيرة من البول Polyuria، تحدث تكرار الحاجة إلى التبوّل،  كما في حالات السكري والفشل الكلوي.

        _ اضطرابات في الجهاز العصبي تتكرّر أثناء الليل كنوبات الصرع Nocturnal epilepsy.

       _  التهابات وعدوى الجهاز البولي والتي تسبّب جملةً من الأعراض، كازدياد  الحاجة إلى التبوّل بشكل عام والحرقة الشديدة، ويتم الكشف عنهما بإجراء بعض التحاليل المخبرية للطفل.

      _ وجود عيوب خلقية في المسالك البولية لدى الطفل منذ ولادته.

       _  عوامل جينية (وراثية)، إذ تبيّن متابعة التاريخ المرضي أن الاستعداد الوراثي لحالات التبوّل اللاإرادي صفة ظاهرة بين المصابين. وفي هذا الإطار، توصّلت دراسات حديثة في علوم الوراثة أن بعض الجينات المحمولة على صبغيات (كرموسومات) معيّنة قد تلعب دوراً هاماً في الإصابة بالسلس البولي، ما يفسّر انتقالها بين العائلات.

      _ أسباب أخرى تنتج عن بعض العادات الغذائية غير الصحيّة، كالإكثار من تناول الشوكولاته والمشروبات الغازية والمنبّهات لاحتوائها على مادة مدرّة للبول Methylxanthine.

    _ النقص الشديد في بعض المعادن الهامة لنمو الطفل العقلي والبدني كعنصر الكالسيوم.

      _ الأعراض الجانبية لبعض الأدوية.

2 أسباب سيكولوجية أو نفسية: تسبّب غالبيّة حالات السلس الثانوي، وتشمل: الإجهاد النفسي والتوتر كما في حالة الانتقال للإقامة في منزل جديد أو التحاق الطفل بالمدرسة للمرّة الأولى أو تعرّضه للمشكلات العائلية أو التفكّك الأسري أو فقدان عزيز له أو الغيرة من ميلاد أخ جديد له، ما يدفعه إلى التبوّل اللاإرادي بهدف الاستحواذ على اهتمام والديه مرّة أخرى أو مواجهته لصدمة نفسية تنتج عن مرضه ودخوله المستشفى.

وتجدر الإشارة إلى أن تعرّض الطفل للتعنيف البدني، أثناء تدريبه على استخدام المرحاض، أو لجوء بعض الأمهات إلى تعنيفه بقسوة وبشكل متكرّر قد يقود بعض الأطفال وخصوصاً الذكور إلى اتّباع سلوك سلبي مضاد قد يصل في بعض الحالات إلى التبرّز اللاإرادي. وفي هذا الإطار، يؤكّد خبراء في علم النفس في "مركز رعاية صحة الطفل وبحوث التقييم" أن الأطفال الذين يعانون من أسباب نفسية يتخلّصون من هذه المشكلة كلّما تقدّموا في العمر، سواء اتّبعوا العلاج أم لم يفعلوا. ولكن، قد تستمرّ المشكلة في حالات نادرة إلى مرحلة البلوغ.

 

 

توصيات علاجية

من الضروري الكشف عمّا إذا كان الصغير يعاني من أي سبب من الأسباب العضوية السابق ذكرها كخطوة أولى في العلاج، وذلك عن طريق فحصه وإخضاعه لاختبارات معمليّة. ويتضمّن علاج سلس البول اتّباع الخطوات التالية:     

_ العلاج السلوكي: لا بدّ من حرص الوالدين على تنمية مشاركة الطفل الفعليّة في حلّ مشكلته، مع البعد عن تخويفه أو السخرية منه أو تعريضه للتعنيف بأشكاله كافّة أو اللجوء إلى الطرق التأديبية الخاطئة (اللوم الزائد أو معاقبته أمام أشقائه). ومن هذا المنطلق، يقدّم الأطباء النصائح العلاجية التالية:

1 التخفيف من تقديم الماء أو السوائل وخصوصاً المشروبات الغازية للطفل قبل ذهابه إلى الفراش بنحو 3 ساعات.

2  تدريب الطفل على التبوّل قبل النوم.

3  إيقاظ الطفل بعد نحو 4 ساعات من نومه بهدف إفراغ مثانته، كما يمكن استخدام جهاز لتنبيهه إلى دخول الحمّام أثناء الليل. 

4 تيسير الذهاب إلى دورة المياه كجعل غرفة الطفل بجوارها، مع إنارتها أثناء الليل والحرص على تنظيفها باستمرار.

5 تقديم الهدايا والحلوى كمكافأة للطفل عن كل يوم يحرز فيه تقدّماً في التحكّم في عملية التبوّل.

6 تنظيم عمل المثانة عبر تدريب الطفل على حبس البول لفترات تزداد في طولها تدريجياً أثناء النهار، وبذا تعتاد المثانة على الاحتفاظ بكميّات كبيرة من البول.

7 توفير ملابس داخلية وأغطية بمتناول يد الطفل، مع قيام الأم بتشجيعه على تبديل ملابسه بمفرده في حالة التبوّل دون خوف، ما يشعره بالمسؤولية تجاه مشكلته.

8 إعداد جدول أسبوعي يسجّل الطفل فيه بنفسه الأيام الجافة، مع مكافأته بعبارات الثناء والتشجيع لدفعه على التغلّب على المشكلة في أسرع وقت.

9 تعويد الطفل على النوم ساعة خلال النهار، ما يقلّل من مشكلة النوم العميق أثناء الليل وفقدان السيطرة على التبوّل. 

10 استشارة اختصاصي نفسي وسلوكي، إذا لم يكن الطفل مصاباً بمشكلات  عضوية.  

2 العلاج بتدريب عضلات الحوض والمثانة البولية: يتضمّن تدريب الطفل على القيام ببعض التمرينات المساعدة على التحكّم في المثانة البولية، بهدف زيادة مرونتها وسعتها لاستيعاب كميّة أكبر من البول وتأجيل التبوّل لفترة أطول، وتشمل تقوية عضلات المثانة وشدّها عن طريق إطالة الفترة الزمنية بين مرّات التبوّل أثناء النهار.

3 العلاج الدوائي: يستخدم عقار "الديسموبريسين اسيتات" Desmopressin acetate الذي يقوم بتحديد مستوى الهرمون المضاد لإدرار البول ADH، ما يقلّل من إنتاج البول أثناء الليل.