أفادت دراسة طبية صادرة حديثاً عن الفريق الطبي في جامعة «أكسفورد» أن الإصابة بالتهابات في الجهاز التناسلي الأنثوي تشكّل أبرز أسباب الحمل خارج الرحم Ectopic Pregnancy، حيث يشمل 95% من هذه الحالات حدوث الحمل داخل قناة فالوب Tubal Pregnancy، بينما تتمثّل نسبة 5% المتبقية داخل أماكن أخرى كالمبيض وعنق الرحم والبطن.
«سيدتي» اطّلعت من زميل الكلية الملكية البريطانية لأمراض النساء والتوليد، واستشاري أمراض النساء والتوليد في مستشفى الدكتور عبد الرحمن بخش بجدة، الدكتور أحمد زكي على أهمّ أسباب حدوث الحمل خارج الرحم وأعراضه وكيفية تشخيصه وعلاجه.
بعد 6 أيّام من تلقيح البويضة، تنغرز داخل جسم الأم الخلايا الجنينية المتكوّنة في منتصف الجزء العلوي من الجدار الخلفي للرحم. ولكن، في حال الحمل خارج الرحم، تنغرز البويضة المخصّبة في أماكن أخرى بدلاً من بطانة الرحم.
ومن الملاحظ تزايد معدلات حدوث الحمل خارج الرحم في الآونة الأخيرة بنسبة كبيرة، ويعزو الأطباء السبب إلى ارتفاع الإصابة بالتهاب الحوض، علماً أنّه تشير إحصائية صادرة حديثاً عن «منظمة الصحة العالمية» WHO أنّه تتراوح معدلات حدوث الحمل خارج الرحم ما بين 25.0% (ربع في المائة) إلى 1.4% من إجمالي حالات الحمل في العالم.
ويعدّد الأطباء الأسباب التالية لحدوث الحمل خارج الرحم:
- تأخّر مرور البويضة المخصّبة داخل قناة فالوب نتيجة وجود التهابات بها Salpingitis، كما أن الإصابة بالالتهابات في كلتا القناتين تسمح بتكرار حدوث الحمل خارج الرحم بعد علاجه، ولكن داخل القناة المقابلة، بنسبة تتراوح ما بين 10% إلى 15%، بالإضافة إلى أسباب أخرى من شأنها تعطيل مرور البويضة كحدوث ضيق أو تليّفات بقناة فالوب عقب تدخلات جراحية سابقة بها لا تصل إلى درجة الانسداد، أو نتيجة وجود أورام بالقناة أو عيوب خلقية أو التصاقات أخرى ناتجة عن التهابات مسبقة داخل البطن كالتهاب الغشاء البريتوني أو الزائدة الدودية.
- أسباب وظيفية تتعلّق بالوظيفة الطبيعية لقناة فالوب. وفي هذا الإطار، كشفت دراسة أميركية صادرة حديثاً عن جامعة «هارفارد» حدوث الحمل خارج الرحم بنسبة تتجاوز 20% بين السيدات المدخّنات، إذ يؤدي التدخين إلى فقدان التوازن الهرموني داخل جسم المرأة، ما يحدث خللاً في الحركة الطبيعية لقناة فالوب وللأهداب بداخلها.
- فشل بعض وسائل منع الحمل وحدوث بعض المضاعفات الناتجة عنها كاستخدام اللولب IUD، ما يقود نحو التهاب الحوض Pelvic Inflammatory Disease.
- الإصابة بداء البطانة الرحمية المهاجرة والتي تعرف بوجود أنسجة من بطانة الرحم في أماكن أخرى خارج الرحم، ما يزيد من قابليتها لاستقبال البويضة المخصّبة، وبالتالي حدوث الحمل خارج الرحم.
أعراض رئيسة
ويرى الأطباء أنّ أعراض الحمل خارج الرحم تتشابه مع أعراض الحمل الطبيعي كتأخّر الحيض والشعور بالغثيان، خصوصاً عند الصباح، وألم في الثديين. ثم، تظهر أعراض الحمل خارج الرحم في الصور التالية، هي:
- الشكل الحاد: يصاحبه نزيف شديد داخل بطن الأم نتيجة انفجار قناة فالوب التي تحمل الجنين، فتبدو على المريضة علامات الشحوب والانخفاض الملحوظ في ضغط الدم وارتفاع عدد ضربات القلب لدرجة تصل إلى حدّ الإغماء في بعض الحالات، علماً أن شعور المصابة بألم مفاجئ وشديد هو أكثر الأعراض شيوعاً في البداية، والذي يمكن وصفه بأنه يشبه ألم الطعن أو التمزّق أسفل البطن أو الحوض والذي ينتج عن تمدّد قناة فالوب الزائد لاستيعاب الحمل أو لحدوث انقباضات قوية بها للتخلّص من محتويات الحمل، وبالتالي تعرّضها للسقوط أو للانفجار، وعادة ما يعقبها خروج دم أو نزيف مهبلي. وتجدر الإشارة إلى معاناة بعض السيدات في هذه الحالة من ألم في الكتف، نظراً إلى تعرّض الحاجب الحاجز للتهيّج بالنزيف داخل البطن، وفي هذه الحالة يلجأ الأطباء إلى التدخل الجراحي الفوري.
- الشكل تحت الحاد: هو أكثر شيوعاً ويظهر في صورة نوبات متكرّرة من النزف البسيط داخل البطن، ما ينتج عن إجهاض الجنين داخل القناة أو تعرّض الأوعية الدموية للخدش بدون الوصول إلى درجة الفتح بشكل كلّي. وفي هذه الحالة، تشعر الأم بألم على فترات قد تكون منفصلة أو مستمرة، مع حدوث نوبات متزايدة من الألم. ويمتاز هذا الشكل بخروج دم من المهبل له بعض الخصائص المميزة لتشخيص الحمل خارج الرحم للونه الداكن وكثافته الخفيفة وكميته القليلة. وقد لا يعير بعض السيدات هذا النزف المهبلي اهتماماً ويعتبره حيضاً عادياً بدون أن يدرك أنه يحمل جنينه خارج الرحم. وفي بعض الحالات، قد تعاني المرأة خروج أجزاء من الأغشية المبطنة للرحم تنتج عن الحمل كبداية لحدوث الإجهاض.
التشخيص
ويستلزم التشخيص خضوع المرأة لفحوص طبية ومخبرية، يتضح بعدها الآتي:
- عند إجراء اختبار الحمل لتحليل دم الحامل، يلاحظ تأخّر في معدّل تضاعف نسبة هرمون الحمل في الدم HCG نتيجة لضيق الحيّز المتاح لنمو الجنين، وبالتالي يحدث نقص في إنتاج هرمون الحمل والمعروف أنه يتضاعف كل حوالي 48 ساعة في الحمل الطبيعي.
- عند الكشف باستخدام الموجات فوق الصوتية، يلاحظ خلو الرحم من كيس الحمل، في الوقت الذي يرتفع فيه هرمون الحمل لأكثر من النسبة المطلوبة التي تشير إلى إمكانية تحديد ومتابعة كيس الحمل باستخدام الموجات الفوق صوتية في الحمل العادي. ويفضّل استخدام الموجات فوق الصوتية بالجهاز المهبلي حيث يمكن بواسطته تشخيص الحمل داخل الأنبوب أو المبيض.
- يستخدم المنظار البطني Laparoscope لتأكيد التشخيص ولعلاج الحالات التي تمّ تشخيصها مبكراً قبل حدوث الانفجار.
التوصيات العلاجية
من الأفضل تشخيص الحمل خارج الرحم قبل انفجاره، وتتطلّب غالبية الحالات القيام بإجراء بعض الخطوات العلاجية الهامة، أبرزها:
- تعويض ما فُقد من الدم وتصحيح حالة الهبوط كنقل الدم للمصابة أو استخدام المحاليل عبر الوريد، مع إعطاء أوكسجين ومتابعة الوظائف الحيوية، ما يلزم البقاء تحت الإشراف الطبي في المستشفى لفترة من الوقت يحدّدها الإطباء حسب حدّة الحالة.
- التدخّل الجراحي: والذي يتضمّن:
- الاستئصال الكلّي لقناة فالوب، وذلك في حال تعرّضها للتلف الشديد وسوء حالة المصابة.وفي هذه الحالة، ينبغي التأكد من سلامة القناة المقابلة.
- فتح جزء من القناة واستخراج محتوياتها، ويتّبع هذا الإجراء في الحالات البسيطة فقط.
- استخدام بعض العقاقير الطبية التي تدمّر الخلايا والأنسجة الجنينية، ما يسهل خروجها بعد ذلك، وذلك إذا ما كان حجم كيس الحمل أقلّ أو يساوي 5 سنتيمترات، مع عدم وجود ضربات في قلب الجنين.
وتتّجه أنظار العالم حديثاً إلى استخدام المنظار البطني لإجراء هذه الجراحات بدلاً من جراحات فتح البطن، ما يقلّل من إمكانية تكوّن تليّفات أو ندبات فيما بعد.
أنواع أخرى
وتشمل الحالات الأخرى من الحمل خارج الرحم:
- الحمل في تجويف البطن: حالة نادرة الحدوث، وذلك بمعدّل حالة واحدة من بين عشرة لكل 25.000 مولود على مستوى العالم، علماً أنّها خطرة للغاية إذ تصبح الأم عرضة لحدوث النزيف الشديد في أي وقت. تحدث غالباً نتيجة لانفجار الأنبوب وخروج الحمل الأنبوبي إلى بطن الأم، مع استمرار الإمداد الدموي للحمل.
يتمّ تشخيصها في مرحلة مبكرة عادةً، وتكون شكوى المريضة في صورة ألم في البطن واضطرابات في الجهاز البطني وفقر الدم وظهور الجنين في وضع غير طبيعي، ويمكن للطبيب استشعار أجزاء الجنين وأطرافه بسهولة من خلال الكشف المبدئي. ويتمّ التشخيص النهائي باستخدام الموجات فوق الصوتية، إذ يلاحظ عدم وجود جدار رحم حول الجنين، بالإضافة إلى خلو تجويف الرحم. ويتمّ العلاج عن طريق إنهاء هذا الحمل فوراً، مع توفير كميات من الدم للمصابة تحسّباً لحدوث نزيف مستقبلي.
- الحمل داخل المبيض: في هذه الحالة، يظهر كيس الحمل مربوطاً بالرحم عن طريق رباط المبيض. ويتبيّن وجود أنسجة المبيض فوق كيس الحمل بعد فحص الأنسجة، ويتمّ العلاج باستئصال المبيض جزئياً أو كلياً.
- الحمل في عنق الرحم: نزيف شديد لكنه غالباً ما يكون غير مؤلم، ويلاحظ وجود امتلاء بعنق الرحم نتيجة غرس الحمل ببطانته، ويتمّ العلاج عبر التدخّل الجراحي أو استخدام عقار «ميثوتريكسات» Methotrexate أو الإثنين معاً.
- الحمل داخل الرحم وخارجه في آن: حالة نادرة الحدوث بمعدل 1 لكل 250.000 حالة حمل خارج الرحم.
- الحمل داخل جرح قديم لعملية قيصرية: يستحسن اكتشافه مبكراً وعلاجه بعقار «ميثوتريكسات» Methotrexate.
- الحمل في زاوية الرحم بجانب فتحة الأنبوب: ينتج عن هذا الحمل نزيف شديد إذا أهمل.