العملية القيصرية: حلّ ينتج عن أسباب موجبة... ومضاعفاتها خطرة

ثمة أسباب عدّة تدفع الأطباء إلى اللجوء إلى العملية القيصرية للولادة، أبرزها: اتّخاذ الجنين وضعاً في عرض البطن وعدم نزول رأسه في الحوض أو كبر حجمه، وضيق الحوض أو عدم شعور الأم بألم عند بدء الولادة في الوقت المحدّد لها أو تجاوز عمر الجنين 42 أسبوعاً بدون ولادة.ولكن، تفيد دراسة حديثة صادرة عن "منظمة الصحة العالمية" WHO بارتفاع نسبة إجراء العمليات القيصرية في الولايات المتحدة الأميركية إلى أعلى تقدير لها في العام 2007 بمعدّل 32% من نسبة الولادات الطبيعية، لتتدنّى النسبة بعد ذلك إلى 25% في العام 2010. كما بلغت نسبة العمليات القيصرية في الصين نحو 47% لنفس العام أي ما يقارب نصف معدّل إجمالي الولادات تقريباً، بينما بلغت نسبتها في البلدان النامية نحو 35%.

وتجدر الإشارة إلى أن هذه التقديرات قد تجاوزت الحاجز الذي أوصت به "منظمة الصحة العالمية" والذي يجب أن يتراوح بين 10 إلى 15% بحدّ أقصى من إجمالي حالات الولادة في كل بلد، وذلك لما تتضمّنه هذه العمليات من مضاعفات صحيّة مقارنة بالولادة الطبيعية أو المهبلية.

 "سيدتي" اطّلعت من اختصاصية النساء والتوليد في المستشفى السعودي الألماني بجدة الدكتورة عفاف علي أبو المعاطي أحمد عن أبرز الأسباب المسؤولة عن الجراحة القيصرية والمضاعفات التي قد تنتج عنها أثناء أو بعد الولادة.

 

تجرى الولادة بالعملية القيصرية عبر فتح أو شقّ جراحي في جدار البطن الأمامي والرحم، فاستخراج الجنين، ثم إعادة خياطة الجرح بطبقاته المتعدّدة. وتندرج الدواعي الطبية لإجراء هذه العملية تحت سببين، هما:

1- الولادة القيصرية الطارئة Emergency Cesarean Section: تحصل عند حدوث نزف رحمي أو تعرّض الحامل لارتفاع مفاجئ في ضغط الدم أو تسمّم الحمل أو كسل الرحم أو ضعف ألم الولادة أو الحفاظ على حياة الجنين تفادياً لموته في بطن الأم نتيجة طول فترة الحمل أو الولادة.

2- الولادة القيصرية الاختيارية Elective Cesarean Section: وهو النوع الذي يتمّ بصورة غير طارئة وبرغبة من الحامل، والذي جعل هذه العمليّات تنتشر وتتضاعف نسبتها، علماً أنّها بلغت في السنوات القليلة الماضية 27.6% من نسبة الولادات الطبيعية في دول الخليج والشرق الأوسط. 

 

أسباب وظيفيّة

تستلزم بعض الحالات القيام بالولادة القيصرية ، وذلك وفق الشكل التالي:

1- أسباب تتعلّق بالأم، وتشمل:

- تعسّر الولادة الطبيعية Dystocia: يقصد بهذه الحالة عدم مقدرة الرحم على القيام بعمله بشكل طبيعي وكامل أثناء الولادة المهبلية، ما يحتّم وجود قوّة لازمة لدفع الجنين خارج الرحم. ويصاحب هذا النوع من الحالات غالباً وجود الجنين في أوضاع غير طبيعية Malpresentation أو كبر حجم الجنين عن المعتاد Macrosomia أو وجود الجنين في رحم الأم لما يلي الأسبوع 42 من الحمل Postdatism بدون الشعور بأي ألم لبدء الولادة. ويعزو الباحثون السبب إلى السمنة المفرطة التي قد تعاني منها بعض الحوامل.

- عدم وجود تناسب رأسي حوضي أو عدم وجود تناسب بين قياسات رأس الجنين وقطر قياسات حوض الأم، ما يؤدّي إلى صعوبة مرور المولود أثناء الولادة الطبيعية بسبب إصابة الأم بكسور أو إصابات مسبقة بالحوض والتئامها بشكل غير طبيعي. وقد ينتج ضيق الحوض عن أحد أمراض العظام المزمنة كالهشاشة. ويعزو بعض الأطباء تغيّر أبعاد الحوض عن المعتاد إلى قصر القامة لدى السيدات ما يجعلهن يفضّلن الخضوع إلى الجراحة القيصرية.

ولكن، أثبتت دراسة صادرة عن "الجمعية الأميركية للنساء والتوليد"ACOG  أنّه من بين أسباب فشل محاولات الولادة الطبيعية:

- ولادات قيصرية سابقة: تشير الدراسة إلى أن نحو 30% من حالات الولادة التي تجرى في الولايات المتحدة تتمّ نتيجة تعرّض الأم للجراحة القيصرية بشكل مسبق، ما يدفع الأطباء في غالبيّة الحالات إلى إجراء العمليات القيصرية بشكل متكرّر، خوفاً من تعرّض الندبة الرحمية والناتجة عن الشق الجراحي السابق للتمزّق أثناء ولادة الحمل التالي بشكل طبيعي نتيجة الدفع.

- مضاعفات الحمل: تشمل التعرّض لحالات الارتفاع المفاجئ في معدّل السكر في الدم أثناء الحمل أو سكر الحمل غير المنضبط أو تسمّم الحمل أو ارتفاع ضغط الدم بما لا يستجيب للعلاج الدوائي، ما يجعل الطبيب يقرّر إجراء العملية القيصرية كوسيلة لإنهاء الحمل شريطة التأكّد من اكتمال وظيفة الرئة للمولود حفاظاً على حياته. كما ينصح بها أيضاً للأمهات المصابات بأمراض مزمنة كأمراض القلب.

- تقدّم العمر:عندما تتجاوز سنّ الأم الخامسة والثلاثين وتعدّ الولادة الأولى لها بعد علاج طويل من العقم، يستلزم غالباً إجراء جراحة قيصرية خوفاً على وضع الجنين وعدم خسارته.

2-  أسباب تتعلّق بالجنين، وتشمل:

- الأوضاع غير الطبيعية للجنين Malposition and Malpresentation: وهي مجيء الجنين بالمقعدة  Breech Presentation أو بوضع مستعرض Transverse Lie بدلاً من نزول رأس الجنين في الحوض والذي يمثّل الوضع الطبيعي للولادة المهبلية.

- الإعياء الجنيني: ينتج عن تعرّض الجنين للإجهاد بسبب طول فترة الولادة والتي تظهر علاماته في صورة تغيّر أو اضطراب ملحوظ في معدّل ضربات قلبه أو ضعفها أو تعرّضه للاختناق نتيجة نقص كميّة الأوكسجين بدون فتح الرحم بالشكل المطلوب لنزوله أو لانفجار كيس الماء المحيط به قبل البدء في ألم الولادة والمعروف بالطلق، ما يمثّل خطراً بالغاً على حياة الجنين يلزم إجراء الجراحة القيصرية تفادياً لفقد الجنين داخل رحم الأم.

- وجود عيوب خلقية بالجنين تعوق ولادته طبيعياً أو الحمل في توأم كبير الحجم.

 

3- أسباب تتعلّق بالأم والجنين معاً، وتشمل:

- أوضاع غير طبيعية للمشيمة: تشمل المشيمة المتقدّمة Placenta Previa وهي من بين أبرز أسباب النزيف المهبلي الذي يهدّد حياة الأم والجنين معاً، إذ أنه من المعروف طبياً أن المكان الطبيعي للمشيمة هو الجزء العلوي من الجدار الداخلي للرحم. وفي حال المشيمة المتقدّمة، تنشأ هذه الأخيرة عند الجزء السفلي من جدار الرحم، وتكمن خطورتها في كونها قريبة من عنق الرحم أو قد تغطّيه بشكل كلّي أو جزئي، ما يحدث تمزّقها بشكل غير طبيعي أثناء الولادة وعند بداية اتّساع عنق الرحم، الأمر الذي يعرّض الأم للنزف الشديد.

- اضطرابات السائل الامنيوسي: هو السائل المحيط بالجنين Amniotic Fluid Disorders، وتؤدّي زيادة كميّته أو نقصانها إلى إجراء العملية القيصرية للولادة.

- طول الحبل السري بشكل قد ينتج عنه التفافه حول عنق الجنين، ما يعرّضه للاختناق.

 

مضاعفات خطرة

ممّا لا شك فيه أنه تزداد احتمالية التعرّض لبعض المضاعفات الخطرة التي تصل نسبتها إلى 10% في حالات الجراحة القيصرية المتكرّرة أو الطارئة والتي تنتهي في بعض الحالات بالوفاة، أبرزها:

- التعرّض للعدوى: من بين أبرز المضاعفات حدوثاً، خصوصاً بعد تعرّض الحامل للفحص المهبلي بشكل متكرّر قبل الولادة. ويمكن منع العدوى أو التخفيف منها من خلال تناول الحامل أنواعاً خاصّة من المضادات الحيوية واسعة المدى.

- التعرّض للنزيف: من المعروف أن الأم تفقد أثناء الولادة المهبلية حوالي 500 ملليلتر من الدم، بينما تفقد ما يقارب ضعف هذه الكميّة أي نحو 1000 ملليلتر في الولادة القيصرية، ما يستلزم في بعض الحالات نقل دم بشكل فوري للأم قد يعرّضها للخطر في حال تلوّثه بالفيروسات الخطرة.

- التعرّض للتجلّطات الدموية: تزداد معدّلاتها في الولادة القيصرية نحو 3 مرّات أكثر عن الولادة الطبيعية.

- احتمالات جرح المثانة البولية أو الحالب أو تمزّق جدار الرحم خصوصاً في حال القطع العرضي في الجدار السفلى من الرحم، كما أن تعرّض الأم للولادة بالعمليات القيصرية بشكل متكرّر قد يؤثّر على سلامة جدار الرحم وتعرّضه للتمزّق و الانفجار بسهولة.

- مضاعفات أخرى: تشمل حدوث التصاقات أو فتق جراحي أو مضاعفات التخدير.

 

كيفية إجراء الجراحة 

تجري هذه العملية تحت تأثير التخدير العام أو النصفي، تبعاً لوضع المرأة الصحي. وتتمّ التغذية، اثرها، بالمحلول فقط، لتبدأ في الحركة تدريجياً بمجرّد أن تستطيع مغادرة الفراش، وذلك لتفادي حدوث التجلّطات الدموية، مع ضرورة الالتزام بالراحة عند عودتها إلى المنزل حسب توصيات الطبيب. وفي اليوم السابع التالي لإجراء العمليّة، يقوم الطبيب بالكشف على مكان الجرح والتأكّد من سلامته. ولا تتجاوز مدّة إجراء العملية القيصرية الساعة الواحدة بعكس الولادة الطبيعية التي قد تمتدّ ليوم كامل لحين تهيئة وفتح الرحم للولادة.

 

نصائح بعد العملية

1- تناول وجبات خفيفة من الطعام تحتوي على البروتين ومرق الدجاج واللحم لتعويض الجسم عن العناصر الغذائية والفيتامينات المفقودة أثناء الولادة القيصرية.

2- لا ينصح بإمداد الأم بأي عصائر أو سوائل بعد العملية مباشرة، نظراً لأنها تكون ما تزال تحت تأثير المخدّر، ما يجعلها عرضة للقيء والشعور بالدوار.

3- المواظبة على ممارسة بعض التمرينات الخفيفة التي يحدّدها الطبيب بناء على الوضع الصحي للحالة في فترة تتراوح ما بين 6 إلى 8 أسابيع بعد الولادة.

4- الحرص على تناول السوائل والعصائر الطازجة والماء أكثر من الأطعمة الصلبة، تفادياً لحدوث الإمساك وتأثيره السلبي على موضع الجرح.

5- ينصح بنهوض الأم من الفراش بعد العملية في أقرب وقت ممكن لتجنّب حدوث جلطات بالأوعية الدموية، مع تقديم المساعدة لها من ذويها على محاولة السير مستقيمة الظهر. ويلعب التنفّس بعمق في التخفيف من ألم الجراحة.

6- يراعى خلال فترة النقاهة بعد العمليات القيصرية متابعة العلامات الحيوية للأم بعناية (ضربات القلب ودرجة الحرارة ومعدّل التنفّس)، بالإضافة إلى متابعة درجة استقرار الرحم ومدى عودته لوضعه الطبيعي.

7- ضرورة الالتزام بالمضادات الحيوية وجرعاتها بما يحدّده الطبيب، لتجنّب حدوث عدوى، مع متابعة مكان الجرح بعناية وتجنّب الحركات العنيفة والمفاجئة أو حمل أغراض ثقيلة خاصة خلال الأشهر الأولى من إجراء العملية القيصرية.

8- أخذ الحيطة والحذر من حدوث الحمل التالي مباشرةً بعد الولادة القيصرية في مدّة تتراوح ما بين سنة ونصف إلى سنتين. ويجدر بالأم استشارة الطبيب بشأن الوسيلة الآمنة لمنع الحمل والتي يتوقّف استخدامها على حالتها الصحية وما إذا كانت تقوم بإرضاع الطفل طبيعياً أو صناعياً.