يكشف تقرير صادر مؤخراً عن مجلس البحث الوطني التابع لأكاديمية العلوم الوطنية في الولايات المتحدة الأميركية أن الحدّ من تناول الدهون لا يؤدّي ضرورة إلى خفض معدّل "الكوليسترول" في الدم سوى بنسبة ضئيلة. ويعزو الباحثون الأمر إلى قدرة الجسم البشري على صنع "الكوليسترول" بنفسه، بدون الحاجة إلى الحصول عليه من الطعام. لذا، قد يلحق الامتناع التام عن تناول الدهون الضرر بالجسم، نظراً إلى حرمانه من الهرمونات والمواد الحيوية الأخرى التي يحتوي عليها "الكوليسترول". ويخلص الباحثون إلى أن الأسلوب الفعال لخفض "الكوليسترول" في الدم يرتكز على تناول طعام يحتوي على كميات قليلة من الدهون المشبعة، بجانب مراقبة الوزن والحفاظ على عدم زيادته من خلال المواظبة على ممارسة الرياضة البدنية وتناول الغذاء المتوازن.
"سيدتي" تسأل رئيس قسم الكيمياء الحيوية في كلية العلوم بجامعة الملك عبد العزيز بجدة الدكتور جلال أعظم جلال عن أنواع الدهون وفوائدها على الجسم والأسلوب الصحي في تناولها.
توصّل باحثون في "منظمة الغذاء والدواء الأميركية" إلى أن الدهون تشبه السكريات في تركيبها الكيميائي، ولكن الاختلاف بينهما يكمن في زيادة "الكربون المركز" في الأولى (الدهون)، ما يعطيها سعرات حرارية أكثر، فكل غرام منها يحتوي على 9 سعرات حرارية، مقابل 4 سعرات حرارية لكل غرام من السكريات. في المقابل، يخلو "الكوليسترول" وهو مركب متعلق بالدهون من السعرات الحرارية، علماً أنه يتواجد في الدهون الحيوانية. وتكشف البحوث الحديثة عن أن "الكوليسترول" هو جزء تركيبي من هرمون "الأدرينال" الذي تقوم الغدة الكظرية المجاورة للكلية بإفرازه في الدم، علماً بأنّه يتم تصنيعه وتخزينه في الكبد، ويوجد على شكل مادة دهنية داخل الدم.
سمات واختلافات
هذه لمحة عن أنواع الدهون وتأثيرها على الصحة العامة للفرد:
_ الدهون: تنقسم دهون الطعام، بصورة عامّة، إلى نوعين أساسيين، هما:
*الدهون المشبعة (الصلبة): هذا النوع مشبع بكميات كبيرة من الهيدروجين، ما يحوله إلى مادة صلبة (جامدة) في درجة حرارة الغرفة العادية، ويشمل "المارغرين" النباتي الذي أضيف إليه الهيدروجين ليتحوّل إلى مادة صلبة تستخدم عند إعداد الطعام، وخصوصاً الحلويات. لذا، يؤكد خبراء الصحة والغذاء أن تناول الدهون المشبعة غير ضروري وضار بالصحة، وهذه الأخيرة تتواجد بوفرة في اللحوم ومنتجات الألبان والزبدة والسمن النباتي.
*الدهون غير المشبعة: يحتفظ هذا النوع بصورته السائلة في درجة حرارة الغرفة العادية بسبب عدم تشبّعه بالهيدروجين. وتنقسم هذه الدهون، إلى: دهون أحادية التشبّع ومصدرها زيت الزيتون، ودهون متعدّدة غير مشبعة وتمتلئ بها حبوب السمسم واليقطين وحبوب الكتان وأسماك السلمون والسردين والتونة. يعدّ هذا النوع من الدهون ضرورياً لسلامة الجهاز العصبي وجهاز المناعة والجهاز القلبي الوعائي والجلد، علماً بأن هذه الدهون الأساسية تتلف بسرعة عند التعرض للحرارة أو الأوكسجين.
_ "الكوليسترول": يعتقد عدد كبير من ممارسي الحميات الغذائية أن ثمة علاقة بين تناول الدهون في الطعام وبين ارتفاع نسبة الكوليسترول الرديء في الدم، إلا أن العلم الحديث يثبت أن الدهون لا تؤدي بمجمل أنواعها إلى زيادة الكوليسترول الرديء في الدم، بل على العكس هناك بعض الدهون التي تساعد على خفض هذه النسبة. ويقسم الباحثون في "الجمعية الأميركية لأمراض القلب" الدهون بحسب تأثيرها في الكوليسترول إلى 3 أقسام، هي:
1. دهون تتسبّب في زيادة "الكوليسترول"، تنتمي إلى فئة الدهون المشبعة التي تتواجد في البروتين الحيواني (اللحوم والبيض والزبدة ومنتجات الألبان).
2. دهون ذات تأثير قليل على "الكوليسترول"، تتواجد في الدواجن منزوعة الجلد والأسماك والمأكولات البحرية باستثناء سرطان البحر. وتجدر الإشارة إلى أن دهون الأسماك تساعد في تجنب الإصابة بالجلطات الدموية، لأنها تؤثر ايجاباً في خفض "الترايغليسريدات"، وبالتالي منع تخثر الدم وتجلطه. لذا، يجب الإكثار من تناول أسماك السردين والماكريل والتونة والسلمون.
3. دهون تؤدي إلى خفض نسبة "الكوليسترول" التي تتواجد في الزيوت النباتية (الزيتون ودوارالشمس والذرة والكانولا والسمسم وحبوب الكتان وبذور اليقطين).
- الترايغليسيريدات (الدهون الثلاثية): "الترايغليسيريد" Triglyceride مركب عضوي من شأنه زيادة مخاطر الإصابة بالأمراض القلبية الوعائية، حتى إن كان مستوى "الكوليسترول" في الدم طبيعياً، كما يعزّز فرص الإصابة بالنوع الثاني من السكري، خصوصاً لدى البالغين بسبب عدم قدرة الجسم على إنتاج الأنسولين بكميات كافية. وتجدر الإشارة إلى أن المرأة هي أكثر تأثراً بارتفاع مستوى "الترايغليسيريدات" في الدم من الرجل، فإذا ازداد معدل الترايغليسيريد عن 190 ملغم/دسل لدى المرأة، تصبح أكثر عرضة للإصابة بالأمراض القلبية الوعائية، فيما أن الرجل لا يتأثر بهذا الارتفاع في "الترايغليسيريدات" سوى إذا بلغ 400 ملغم/دسل.
فوائدها...
مما لاشك فيه أن للدهون فوائد غذائية كبيرة، فهي تعتبر مصدراً رئيساً للطاقة وتستخدم كباعث للحرارة لكامل الجسم، ما عدا الجهاز العصبي وكريات الدم الحمراء اللذين يستهلكان الحمضيات الأمينية كطاقة مباشرة. وتشمل فوائدها:
تزيد الشعور بالشبع والامتلاء وتؤخّر الإحساس بالجوع لأنها تخفف سرعة عملية الهضم.
تساهم في امتصاص الفيتامينات "اي" A و"دي"D و"إي"E و"كاي"K التي تذوب فيها وتساعد على امتصاصها.
يساعد تناولها في بناء خلايا الأنسجة وحماية أعضاء الجسم والأعصاب.
يؤدي تناول الأنواع غير المشبعة منها إلى الحفاظ على مستوى "الكوليسترول" الجيد في الدم، وتجنّب الإصابة بالأمراض المزمنة المرتبطة بالسمنة (القلب وضيق الشرايين والأوعية الدموية وارتفاع ضغط الدم والسكري).
تلعب دوراً هاماً في امتصاص الحمضيات الدهنية وتجهيز الدهنيات الأمينية.
تضفي الطعم اللذيذ على الأطباق.
مقاديرها...
تثبت بحوث "منظمة الصحة العالمية" أن المخزون الدهني عند الذكور يختلف مقارنة بالإناث، إذ يميل الذكور إلى اكتساب الوزن الزائد في حالة التوتر النفسي، فيما المادة الدهنية لدى النساء حسّاسة لزيادة هرمون "الأستروجين" النسائي الذي يحافظ على صحّة العظام. ووفقاً لإرشادات الهرم الغذائي الجديد، ينصح الباحثون بألا تزيد كمية الدهون الغذائية الواجب تناولها يومياً عن 20% من مجمل السعرات الحرارية، وذلك وفقاً لنتائج البحوث التي أجريت في الدول التي لا تعاني من الأمراض المرتبطة بالسمنة وتراكم الدهون كاليابان والفلبين وتايلاند، إذ يتناول الآسيويون على سبيل المثال حوالي 40 غراماً فقط من الدهون يومياً، بينما يتناول الأميركيون حوالي 160 إلى 180 غراماً منها يومياً، ما يفسّر ارتفاع معدلات السمنة في الولايات المتحدة.
نظرية الخلية الدهنية
مفادها أن زيادة الخلايا الدهنية تعود إلى الإفراط في تناول الأغذية الدهنية وخصوصاً المشبعة في مرحلة الطفولة وليس إلى أسباب وراثية، علماً بأن النسيج الدهني في الجسم يمكن أن يتحدّد بطريقتين: زيادة عدد الخلايا الدهنية، أو زيادة حجم الخلايا الدهنية. ويرى الخبراء في مركز الوقاية والتحكم في الأمراض في أميركا أن معدل نمو الخلايا الدهنية في الجسم يتم بشكل سريع ومتزايد خلال مرحلة الطفولة، علماً بأن عدد هذه الخلايا الدهنية لا يقلّ، ولكنه يمكن أن يزيد أو ينكمش حجمها أثناء فترة المراهقة.وينتج عن الإفراط في تناول السعرات الحرارية من جراء التهام وجبات غذائية دسمة تخزين تلك الدهون المشبعة الضارة والسعرات الحرارية الزائدة في الأنسجة الدهنية، فيزداد حجمها. ولدى إنقاص الوزن، تنكمش هذه الخلايا إلى حجم أقل، ولكنها تكون عرضة للتمدّد مرة أخرى عند أية زيادة جديدة في الوزن، علماً بأن أي نقص في الوزن يؤدي إلى نقص في حجم الخلايا الدهنية وليس عددها.
5 حقائق هامّة في نظامك الغذائي
يبرز فريق من الباحثين في جامعة روكفلر بمدينة نيويورك مجموعة من الحقائق المرتبطة بعلاقة الوزن بالدهون، هي:
1 لا تتوقف قدرة الجسم على إحراق الدهون على نوع الطعام الذي يتناوله الفرد بقدر ما تعتمد على وجود فيتامينات ومعادن تساعد على ضبط الغلوكوز في الدم، ما يطلق الطاقة في جميع خلايا الجسم، ويسبّب بالتالي أي نقص في هذه المغذيات الحيوية انخفاضاً في الطاقة ما يعني استعداداً أكبر لاستقرار الدهون في الخلايا الدهنية. لذا، يجب التأكد من وجود دعم كاف من هذه المغذيات لزيادة فعالية أي برنامج لخفض الوزن.
2 تساعد الأطعمة الغنية بالألياف على خفض قابلية الجسم لتخزين الدهون، فهي تجعل الطعام أكبر حجماً، وبالتالي تزيد من الشعور بالامتلاء والشبع، ما يعمل على تقليل السعرات الحرارية وإعادة ضبط مستويات السكر في الدم، والحد من إفراز الأنسولين بكميات كبيرة. وتجدر الإشارة إلى أن ارتفاع معدل الأنسولين في الجسم يؤدي إلى زيادة وسرعة في تخزين الدهون، ما جعل الباحثون يطلقون عليه اسم "مُخزن الدهون".
3 وفقاً للأبحاث الحديثة، وجد أن تناول مكمّلات من معدن الكروم بمقدار 200 ميكروغرام يومياً قد يعزز إحراق الدهون، بالإضافة إلى فعاليته في تقليل كمية السكر في الدم وتعزيز مستويات الطاقة في الجسم، شريطة أن يتم الأمر بعد استشارة الطبيب المشرف على برنامج الحمية.
4 تزيل ممارسة رياضة الركض أثر تراكم الدهون في الجسم، فالركض مسافة ميل يؤدي إلى أيض 200 سعرة حرارية من الدهون، وفي حال القيام بتكرار هذا التمرين بمعدل 3 مرات يومياً لمدة سنة، فهذا يؤدي إلى حرق 22.000 سعرة حرارية، ما يساوي فقدان حوالي 11 باوند من الوزن، حسب خبراء اللياقة في "معهد الطب الرياضي" في أميركا.
5 يجب اتباع حمية مكوّنة من سعرات منخفضة إلى متوسطة (1000- 1500 سعرة حرارية) لمنع تراكم الدهون في الجسم، شريطة أن تكون متوازنة بالبروتين والكربوهيدرات، وغنية بالألياف، وقليلة في الدهون.