حكاية قبل النوم عادةٌ تعشقها قلوب الصغار، وهي القصة التي ينتظرونها قبل إخلادهم للنوم، وقد يسمعونها مرات ولا يملّونها، ووقتَ سماعها تجدهم يتراصّون حول أمهم أو جَدتهم لتحكي لهم أجملها. حكايات تجمع بين سِيَر الأبطال ومزايا الحيوانات وصفاتهم مرة، وأحياناً تكون عن صفات الطفل الطيب والآخر المشاغب.
والأم- أو الجدة- وسطهم وهي فرِحة مسرورة بالصحبة الدافئة، وإن طارت منها الفكرة استمدّت تفاصيل الحكاية مما حدث لأطفالها بالأمس، أو ما شاهدته بنفس اليوم من صفات وسلوكيات؛ فتصنع من القصة حكمة وكلمة توجهها لأطفالها فتنبههم. وقصة اليوم عن "ليلى لا تأكل السمك"، ليلى التي تستسلم لمشاكلها من دون التفكير في حلها.
وقبل اللقاء، كان على الجَدة أن تبحث عن قصة ترتبط بالموقف، حكاية تكون بطلتها سمكة قوية ذات حيلة، سمكة تستطيع مواجهة مواقف الخطر، قاصدة الجدة بطبيعة الحال التسلية وتوعية الصغار وتوسيع أفقهم؛ فتكون الحكاية لهم زاداً وذخيرة يسترشدون بها في مشاكلهم ودراستهم، وربما في حياتهم المستقبلية.تجمّع الأحفاد، الصبيان منهم والبنات، والتفّوا حول الجَدة ليستمعوا قصة اليوم بكل شغف وانتباه، وكانت الجَدة مستعدة، متشوّقة لمشاركة حفيدتها الصغيرة ليلي- 8 سنوات- وكل هم الجدة أن تُريح ليلى وتزيح عنها غضبها وتحفز ثقتها وقوتها لتستيقظ من هذا الاستسلام.
تحكي الجدة: كان هناك ثلاث سمكات كبيرات تعيش في غدير ماء في أحسن حال، وكان الغدير معزولاً عن النهر الكبير القريب منه؛ مشكلاً بركة جميلة تسبح فيها السمكات مستمتعة بالحياة؛ حتى حان يوم أسود في تاريخ هذه البركة، لقد اكتشف مكانها مجموعة من الصيادين، واتفقوا على صيد السمكات الكبيرات في أقرب وقت.
وفي يوم من الأيام الممطرة بفصل الشتاء، حدث وجاء الصيادون، كلٌّ محمّل بعدته من صنارة وشبكة وخطاف، وبداخله أمل وحُلم في الحصول على أكبر عدد من الأسماك؛ لتخزينها قبل أن يتعزز عليه الصيد في الطقس الممطر، والذي سيتحول إلى ثلج قريباً مع دخول فصل الشتاء.
استمعت إحدى الأسماك إلى حديث الصيادين؛ فأسرعت إلى صديقاتها السمكات لتخبرهن وتحذرهن مما عزم عليه الصيادون؛ فتفرقت الأسماك كلُّ تبحث عن وسيلة للنجاة.
وسارعت أولى السمكات التي كانت حازمة الرأي، بعد أن شعرت بجدية الخطر، وتذكرت ما حدث من قبلُ مرات ومرات، وابتعدت عن الطُعم، ولكن المشكلة كانت في انعزال البركة؛ فأخذت تبحث بين جنباتها عن مكان وصول الماء؛ حتى اهتدت إلى جدول سطحي ضيق، يصل بين البركة والنهر العظيم، وهربت لتسبح خارج الغدير نحو النهر بعيداً عن الصيادين.
واختارت السمكة الثانية، وكانت تتحلى بالذكاء، أن تستخدم الحيلة فتظاهرت بالموت وعدم الحركة؛ فطفت على وجهها مرة، وانقلبت على ظهرها تارة أخرى؛ حتى صدّق الصيادون أنها سمكة ميتة وتجاهلوها، وبحركة سريعة قفزت إلى مياه البركة من جديد وابتعدت عن طُعم الصياد، ونجت.
بينما عجزت السمكة الثالثة عن التفكير والقرار؛ فظلت تذهب للأمام تارة وللخلف تارة، وهي تتحدث إلى نفسها وتقول: لا أظن أن حديثهم جاد؛ فهم لن يستطيعوا الإيقاع بي؛ فأنا أعظم من ذلك وأبرع في الإفلات من شباكهم وصنارتهم؛ حتى أدركها الصيادون واصطادوها؛ فهي السمكة المستسلمة العاجزة عن الرأي والتفكير.
أما باقي الأسماك فوقعت في شِباك الصيادين؛ لأنها لم تبذل الجهد والفكر أو الحيلة لحل المشاكل وإنقاذ أنفسها. وقد يفسّر البعض ذلك بأن السمكة تحمل ذاكرة ضعيفة؛ حيث إنها قد تأكل الطُعم من الصنارة، وقد تفلت منه، ولكنها تعود مرة ثانية لتأكل الطُعم نفسه. بينما يرى آخرون أن الأسماك لديها ذكريات تدوم لأشهر وربما لسنوات، وتستطيع التعرُّف إلى أماكن الخطر.
وبعد توقُّف للحظات وقد قاربت القصة على الانتهاء، قالت الجَدة: دعوني أقُل لكم وأخبركم يا أحفادي الأعزاء، أن تناوُل الأسماك وغيرها من المأكولات البحرية، من أكثر الأطعمة التي تنشّط الذاكرة وتدعم صحة الدماغ ومراكز التفكير؛ إضافة إلى ضمان صحة الشعر والبشرة.
تطلّع الصغار للجَدة فاطمة بحب وشعور بالاطمئنان؛ لأنهم تناولوا معها وجبة السمك الشهية والغنية، ولأنهم واثقون من تأثيرها الصحي عليهم. ولما جاء دَور ليلى، وبدلاً عن أن تحكي عن تأثير القصة عليها، أخذت تشكو لجدتها سر خوفها من وضع لقمة من لحم السمك في فمها؛ نظراً لما عانته من قبلُ، بسبب شوكة دخلت فمها وعلَقت به، وسببت لها ألماً كبيراً.
ولم يسكت بقية الأحفاد، ولم يكتفوا بالقصة أو ما تناولوه من وجبة سمك شهية على الغداء، وبنفَس واحد قالوا: نحن لا نمانع أن يكون السمك وجبة ثانية على العشاء.
هنا ضحك الصغار وتبسمت الجدة، وبعدها أخذ الأطفال يتبارَون في قصّ نوادرهم مع السمك وشوكاته، وكيف استطاعوا التغلُّب على تلك المشكلة، لدرجة أنهم أصبحوا خبراء- كما قالوا- في أكل السمك وتنظيفه من الشوك قبل أكله، كما علّمتهم أمهم مرات من بعد مرات وهم صغار.
وجاء دَور الجدة، والتي لم تعلّق على طلبهم وكلامهم، ولكنها أوضحت بلغة وكلمات بسيطة واضحة: إن هناك كثيراً من العقبات ستواجه كل طفل في حياته الخاصة والعامة مستقبلاً، وعليه التغلُّب عليها؛ فيجد الحل لبعضها مرة، وقد يفشل في حل البعض الآخر مرة أخرى، ولكنه أبداً لا يستسلم؛ بل يحاول من جديد، ويستعين بأفراد أسرته في حل بعضها؛ مما يُكسبه الخبرة والحكمة في معالجة المشاكل والتغلُّب على العقبات مستقبلاً.
(صغاري الأحباء، صغيرتي الجميلة ليلى: بالصبر وبالعلم والحيلة الذكية يمكنكم التغلُّب على كثير من المشاكل). هنا فهمت ليلى المغزى من حكاية الجدة، وسارعت لتلحق طبق السمك الشهي الذي احتفظت به الجَدة لعشاء ليلى.
((العبرة: ذاكرة السمكة قد تكون ضعيفة، ولكن ذاكرة الإنسان قوية وتحمل الكثير من الصور والتجارب التي تُمدكِ بالخبرة والتي تضع لكِ الحلول لتختار من بينها، فقط لا تستسلمي)).
والأم- أو الجدة- وسطهم وهي فرِحة مسرورة بالصحبة الدافئة، وإن طارت منها الفكرة استمدّت تفاصيل الحكاية مما حدث لأطفالها بالأمس، أو ما شاهدته بنفس اليوم من صفات وسلوكيات؛ فتصنع من القصة حكمة وكلمة توجهها لأطفالها فتنبههم. وقصة اليوم عن "ليلى لا تأكل السمك"، ليلى التي تستسلم لمشاكلها من دون التفكير في حلها.
قصة كتبتها: خيرية هنداوي
تبدأ الحكاية برائحة شواء السمك وطواجن الجمبري والأرز المفلفل التي تنتشر بأنحاء المنزل الريفي للجَدة فاطمة، وتبدأ الحركة في القصة بتزاحم الإخوة وأبناء العم لأخذ مكان على مائدة الطعام، كلٌّ يُمني نفسه بوجبة لذيذة من أيدي جَدتهم الغالية، وهذا ليس بغريب؛ فقد اعتادوا على تذوُّق ما لذّ وطاب من الأطباق الشهية والفطائر الحلوة والمالحة عند جَدتهم في كل إجازة.
ولكن ما حدث كان غريباً؛ فقد انزوت ليلى هذه المرة في مكانها بحجرة الجلوس، ولم تتقدم لتحجز مكاناً على مائدة الطعام كعادتها؛ مما أدهش وأغضب الجَدة فاطمة، ولما طال انتظارها، حكى لها بقية الأحفاد أن ليلى لا تأكل السمك، لا تحبه؛ فذهبت الجَدة وأعدت لها طبقاً يحوي بعض فطائر الجبنة لتتناولها؛ مؤجلة حديثها معها إلى فترة المساء، وقت حكاية قبل النوم.وقبل اللقاء، كان على الجَدة أن تبحث عن قصة ترتبط بالموقف، حكاية تكون بطلتها سمكة قوية ذات حيلة، سمكة تستطيع مواجهة مواقف الخطر، قاصدة الجدة بطبيعة الحال التسلية وتوعية الصغار وتوسيع أفقهم؛ فتكون الحكاية لهم زاداً وذخيرة يسترشدون بها في مشاكلهم ودراستهم، وربما في حياتهم المستقبلية.تجمّع الأحفاد، الصبيان منهم والبنات، والتفّوا حول الجَدة ليستمعوا قصة اليوم بكل شغف وانتباه، وكانت الجَدة مستعدة، متشوّقة لمشاركة حفيدتها الصغيرة ليلي- 8 سنوات- وكل هم الجدة أن تُريح ليلى وتزيح عنها غضبها وتحفز ثقتها وقوتها لتستيقظ من هذا الاستسلام.
تحكي الجدة: كان هناك ثلاث سمكات كبيرات تعيش في غدير ماء في أحسن حال، وكان الغدير معزولاً عن النهر الكبير القريب منه؛ مشكلاً بركة جميلة تسبح فيها السمكات مستمتعة بالحياة؛ حتى حان يوم أسود في تاريخ هذه البركة، لقد اكتشف مكانها مجموعة من الصيادين، واتفقوا على صيد السمكات الكبيرات في أقرب وقت.
وفي يوم من الأيام الممطرة بفصل الشتاء، حدث وجاء الصيادون، كلٌّ محمّل بعدته من صنارة وشبكة وخطاف، وبداخله أمل وحُلم في الحصول على أكبر عدد من الأسماك؛ لتخزينها قبل أن يتعزز عليه الصيد في الطقس الممطر، والذي سيتحول إلى ثلج قريباً مع دخول فصل الشتاء.
استمعت إحدى الأسماك إلى حديث الصيادين؛ فأسرعت إلى صديقاتها السمكات لتخبرهن وتحذرهن مما عزم عليه الصيادون؛ فتفرقت الأسماك كلُّ تبحث عن وسيلة للنجاة.
وسارعت أولى السمكات التي كانت حازمة الرأي، بعد أن شعرت بجدية الخطر، وتذكرت ما حدث من قبلُ مرات ومرات، وابتعدت عن الطُعم، ولكن المشكلة كانت في انعزال البركة؛ فأخذت تبحث بين جنباتها عن مكان وصول الماء؛ حتى اهتدت إلى جدول سطحي ضيق، يصل بين البركة والنهر العظيم، وهربت لتسبح خارج الغدير نحو النهر بعيداً عن الصيادين.
واختارت السمكة الثانية، وكانت تتحلى بالذكاء، أن تستخدم الحيلة فتظاهرت بالموت وعدم الحركة؛ فطفت على وجهها مرة، وانقلبت على ظهرها تارة أخرى؛ حتى صدّق الصيادون أنها سمكة ميتة وتجاهلوها، وبحركة سريعة قفزت إلى مياه البركة من جديد وابتعدت عن طُعم الصياد، ونجت.
بينما عجزت السمكة الثالثة عن التفكير والقرار؛ فظلت تذهب للأمام تارة وللخلف تارة، وهي تتحدث إلى نفسها وتقول: لا أظن أن حديثهم جاد؛ فهم لن يستطيعوا الإيقاع بي؛ فأنا أعظم من ذلك وأبرع في الإفلات من شباكهم وصنارتهم؛ حتى أدركها الصيادون واصطادوها؛ فهي السمكة المستسلمة العاجزة عن الرأي والتفكير.
أما باقي الأسماك فوقعت في شِباك الصيادين؛ لأنها لم تبذل الجهد والفكر أو الحيلة لحل المشاكل وإنقاذ أنفسها. وقد يفسّر البعض ذلك بأن السمكة تحمل ذاكرة ضعيفة؛ حيث إنها قد تأكل الطُعم من الصنارة، وقد تفلت منه، ولكنها تعود مرة ثانية لتأكل الطُعم نفسه. بينما يرى آخرون أن الأسماك لديها ذكريات تدوم لأشهر وربما لسنوات، وتستطيع التعرُّف إلى أماكن الخطر.
وبعد توقُّف للحظات وقد قاربت القصة على الانتهاء، قالت الجَدة: دعوني أقُل لكم وأخبركم يا أحفادي الأعزاء، أن تناوُل الأسماك وغيرها من المأكولات البحرية، من أكثر الأطعمة التي تنشّط الذاكرة وتدعم صحة الدماغ ومراكز التفكير؛ إضافة إلى ضمان صحة الشعر والبشرة.
تطلّع الصغار للجَدة فاطمة بحب وشعور بالاطمئنان؛ لأنهم تناولوا معها وجبة السمك الشهية والغنية، ولأنهم واثقون من تأثيرها الصحي عليهم. ولما جاء دَور ليلى، وبدلاً عن أن تحكي عن تأثير القصة عليها، أخذت تشكو لجدتها سر خوفها من وضع لقمة من لحم السمك في فمها؛ نظراً لما عانته من قبلُ، بسبب شوكة دخلت فمها وعلَقت به، وسببت لها ألماً كبيراً.
ولم يسكت بقية الأحفاد، ولم يكتفوا بالقصة أو ما تناولوه من وجبة سمك شهية على الغداء، وبنفَس واحد قالوا: نحن لا نمانع أن يكون السمك وجبة ثانية على العشاء.
هنا ضحك الصغار وتبسمت الجدة، وبعدها أخذ الأطفال يتبارَون في قصّ نوادرهم مع السمك وشوكاته، وكيف استطاعوا التغلُّب على تلك المشكلة، لدرجة أنهم أصبحوا خبراء- كما قالوا- في أكل السمك وتنظيفه من الشوك قبل أكله، كما علّمتهم أمهم مرات من بعد مرات وهم صغار.
وجاء دَور الجدة، والتي لم تعلّق على طلبهم وكلامهم، ولكنها أوضحت بلغة وكلمات بسيطة واضحة: إن هناك كثيراً من العقبات ستواجه كل طفل في حياته الخاصة والعامة مستقبلاً، وعليه التغلُّب عليها؛ فيجد الحل لبعضها مرة، وقد يفشل في حل البعض الآخر مرة أخرى، ولكنه أبداً لا يستسلم؛ بل يحاول من جديد، ويستعين بأفراد أسرته في حل بعضها؛ مما يُكسبه الخبرة والحكمة في معالجة المشاكل والتغلُّب على العقبات مستقبلاً.
(صغاري الأحباء، صغيرتي الجميلة ليلى: بالصبر وبالعلم والحيلة الذكية يمكنكم التغلُّب على كثير من المشاكل). هنا فهمت ليلى المغزى من حكاية الجدة، وسارعت لتلحق طبق السمك الشهي الذي احتفظت به الجَدة لعشاء ليلى.
((العبرة: ذاكرة السمكة قد تكون ضعيفة، ولكن ذاكرة الإنسان قوية وتحمل الكثير من الصور والتجارب التي تُمدكِ بالخبرة والتي تضع لكِ الحلول لتختار من بينها، فقط لا تستسلمي)).
ما هي أسباب معاناة الطفل دراسياً من ضعف الذاكرة؟
سؤال ينتظر الجواب
- أيٌّ من السمكات الثلاث أعجبك موقفها؟
- هل توافق ليلى على امتناعها عن تناول السمك؟
- ما هي فوائد الأسماك والمأكولات البحرية بعامة؟
- ماذا استفدت من القصة؟ وهل تستطيع قصها على أصحابك؟
- هل تعرضت لمشكلة، واستعنت بالفكر والعلم للتغلُّب عليها؟