أحياناً كثيرة يعود الطفل من المدرسة باكياً بسبب شعوره بالوحدة بدون رفيق، ومرات بسبب مضايقات زميل له بالمدرسة، بينما تمضي أخته الصغيرة وقتاً ممتعاً مع صديقتها التي تدعمها في كل خطوة، هذه القصص ليست نادرة، بل هي جزء من واقع يعيشه الأطفال والأمهات يومياً، خاصة في سنوات دراسة الطفل الأولى بالمدرسة، لهذا كان من المهم تعليم الطفل - بداية من عمر 7سنوات وحتى 12 عاماً- كيفية اختيار الصديق.
الصداقة سيدتي الأم، جزء لا يتجزأ من نمو الطفل وتشكيل هويته، و عندما يتعلم الطفل كيفية اختيار أصدقائه بحكمة، فإنه يضع حجر الأساس لعلاقات قوية وصحية ترافقه في المستقبل، وكما تقول الحكمة القديمة: "قل لي مَن صديقك، أقل لك مَن أنت"، فليكن اختيار الأصدقاء درساً مهماً نلقنه لأطفالنا لضمان أمان مستقبلهم.
وهذا يعد أحد أهم العوامل التي تؤثر في تطور شخصية الطفل ومستقبله النفسي والاجتماعي؛ إذ وفقاً لمنظمة اليونيسيف هناك أكثر من 30% من الأطفال حول العالم يتعرضون للأذى والتنمر، وغالباً ما يكون ذلك بسبب صداقات غير صحية. اللقاء وأستاذة التربية وطب نفس الطفل الدكتورة نهى حامد الشافعي، وحديث يطول عن تفاصيل الموضوع.
الصفات الإيجابية في الصداقة

ينبغي أن يتعلم الأطفال البحث عن أصدقاء يتمتعون بصفات مثل:
الولاء: بمعنى أن الصديق الحقيقي لا يتخلى عنك في الأوقات الصعبة.
التعاطف: القدرة على فهم مشاعر الآخرين ودعمهم.
ضبط النفس: تجنب الأصدقاء الذين يتصرفون باندفاع وسرعة غضب.
الحكمة: التفكير قبل اتخاذ القرارات.
الاحترام: قبول الاختلافات واحترام القيم والمعتقدات.
في هذا الشأن أظهرت دراسة من جامعة هارفارد: أن الأطفال الذين يتمتعون بعلاقات صداقة داعمة، يكونون أقل عرضة وبنسبة 50% للإصابة بالقلق والاكتئاب في مراحل لاحقة من حياتهم، وذلك لأن وجود هذه الصفات الإيجابية بين الأصدقاء، تساعد الأطفال على بناء علاقات صحية ومستدامة، مما يعزز من ثقتهم بأنفسهم وقدرتهم على التعامل مع التحديات.
متى يجب أن تبتعد عن صديقك؟ الاختلافات القيمية أحد الأسباب
التعرف إلى السلوكيات السلبية في الصداقات

ليس كل صديق هو صديق جيد؛ هناك بعض السلوكيات يجب أن تكون إنذاراً للابتعاد، مثل:
- التنمر: عندما يقوم أحد الأصدقاء بالاستهزاء أو فرض السيطرة على الآخر.
- السلوك العدواني: كالعنف أو التسبب في المشكلات.
- استغلال الآخرين: سواء مادياً أو عاطفياً.
- الغيرة والتنافس غير الصحي: إذا كان الصديق يحاول دائماً التفوق بطريقة غير أخلاقية.
- الكذب المستمر: فقدان المصداقية في الصداقة يمكن أن يضر بالعلاقة.
أهمية وضع الحدود في الصداقات

تعليم الأطفال كيفية وضع حدود في علاقاتهم، وهي تعد أمراً ضرورياً للحفاظ على التوازن والصحة النفسية، ومن الحدود التي يجب غرسها بالطفل:
- القدرة على قول "لا" عندما يشعر الطفل بعدم الارتياح.
- تعليم الطفل أن احترام الخصوصية هو أساس أي علاقة سليمة.
- عدم السماح لأحد بالإساءة العاطفية أو الجسدية.
عندما يدرك الطفل أهمية وضع حدود، يصبح أكثر قدرة على التفاعل مع الآخرين بثقة واحترام، هذه الحدود تساعد الأطفال على حماية أنفسهم من العلاقات الضارة، وتعزز من قدرتهم على بناء علاقات صحية.
تعزيز التنوع والتسامح في الصداقات

التنوع في الصداقات يساعد الطفل على فهم العالم من زوايا مختلفة؛ بمعنى أن يرحب الطفل بتكوين صداقات مع أطفال من خلفيات وثقافات مختلفة، مما يعزز من المهارات الاجتماعية لديه، ويجعله أكثر مرونة في التعامل مع مختلف الشخصيات.
في هذا المجال تشير تقارير الأمم المتحدة للمرأة إلى أن التأثير المتبادل بين الأقران هو أحد العوامل الرئيسية التي تشكل تقدير الذات واتخاذ القرار لدى الأطفال، خاصة الفتيات، لذا من المهم توجيه الأطفال لاختيار أصدقاء يدعمونهم بدلاً من الذين يضغطون عليهم لتبني سلوكيات غير مناسبة.
العلامات التحذيرية لصداقات خطيرة
هناك بعض العلامات التي تدل على أن صداقة الطفل قد تكون ضارة، ومنها:
ملاحظة تغيير مفاجئ في السلوك: مثل الانعزال أو الغضب غير المبرر.
الخوف من مشاركة التفاصيل: إذا كان الطفل يخشى التحدث عن صديقه الجديد.
التأثير السلبي على الدراسة: تراجع الأداء الدراسي بسبب قضاء وقت طويل مع صديق معين.
تشجيع العادات السيئة: مثل الكذب أو الغش أو التصرف بعدوانية.
انعدام الاحترام المتبادل: إذا كان الصديق يتلاعب بمشاعر الطفل أو يستغله.
دور الأهل كنموذج يُحتذى به
الأطفال يتعلمون من آبائهم أكثر مما يعتقدون، فإذا كنتِ تريدين أن يتعلم طفلك اختيار الأصدقاء بحكمة، فمن الضروري أن تظهري له كيف تختارين أصدقاءكِ بنفسك.
- تحدثي معه عن تجاربكِ في الصداقة، سواء الإيجابية أو السلبية.
- كوني مستمعة جيدة، حتى يشعر بالراحة عند مناقشة مشاعره وتجاربه.
- شجعيه على الانخراط في أنشطة اجتماعية متنوعة لتوسيع دائرة معارفه.
نصائح لتعزيز مهارات التواصل الاجتماعي

الاستماع الفعّال: تعليم الأطفال أهمية الاستماع للآخرين من دون مقاطعة.
التعبير عن المشاعر: تشجيع الأطفال على التعبير عن مشاعرهم بوضوح وصدق.
حل النزاعات: تعليم الأطفال كيفية التعامل مع الخلافات بطرق بناءة وسلمية.
التعاون والعمل الجماعي: تشجيع الأطفال على العمل مع الآخرين لتحقيق أهداف مشتركة.
الأنشطة المشتركة لتعزيز الصداقات: يمكن للأهل تشجيع أطفالهم على المشاركة في الأنشطة التي تهمهم، مثل:
ممارسة الرياضة: الانضمام إلى فرق رياضية يمكن أن يساعد الأطفال على بناء صداقات جديدة.
الفنون والحرف: المشاركة في ورش العمل الفنية يمكن أن تكون فرصة للتعرف إلى أصدقاء جدد.
الأنشطة المدرسية: الانخراط في الأنشطة المدرسية، مثل النوادي والجمعيات، يمكن أن يساعد الأطفال على توسيع دائرة معارفهم.
تعزيز الثقة بالنفس

عندما يشعر الطفل بالثقة في نفسه، يكون أكثر قدرة على اختيار أصدقاء جيدين والتعامل مع التحديات التي قد تواجهه في علاقاته، ويتم ذلك من خلال:
- تشجيع الطفل على تحقيق أهدافه الشخصية.
- تقديم الدعم والتشجيع المستمر للطفل.
- تعليم الطفل كيفية التعامل مع الفشل والنقد بشكل بناء.
- أن يكون الأهل على اطلاع دائم على علاقات أطفالهم، وتحقيق ذلك من خلال:
- التحدث مع الطفل بانتظام عن أصدقائه.
- مراقبة التغيرات في سلوك الطفل.
- التدخل عند الضرورة لحماية الطفل من العلاقات الضارة.