تجربتي في يوم الأم: نثرت بذور الحب فأثمرت في قلوب صغاري امتناناً وقيماً

صورة لأم تحمل طفلتها
سعادة وهدايا وأحضان ليوم الأم

أنا سلمى، دعوني أحكي لكُنَّ تجربتي، والتي تتلخص في التعامل مع أطفالي بالحب والصبر والاهتمام، فكانت النتيجة مذهلة؛ أنا أمّ لثلاثة أطفال؛ سارة، ومحمود، وليلى الصغرى خمس سنوات، أسكن في ضاحية هادئة في بيتٍ بسيط، تحيط به حديقةٌ صغيرةٌ تُزهر فيها شجيرات الياسمين، وبالرغم من بساطة البيت وصِغَر مساحته، فإنه يمتلئ بدفءٍ خاص مُطعم بالحب والاحتواء، انعكس على وجوه صغاري وجدران غرفهم، ويرجع هذا إلى إيماني بأن التربية بالحب ليست مجرد كلمة أرددها صباحاً ومساءً، بل كانت منهجاً متكاملاً وأسلوباً تربوياً شاملاً للتعامل والتربية.
والآن إلى المزيد من المواقف والتفاصيل التي تشرح تجربتي كأمّ في تربية أبنائي، لذلك كان اللقاء مع أستاذة الطب النفسي للأطفال الدكتورة فريال الشال، التي تضيف للتجربة بُعداً تربوياً، موضحة كيف تكون التربية بالحب، وما هي قواعدها؟

خطوات البداية

يوم سعيد يا أمي

لا يمكن للأطفال الشعور بالحب إلا إذا كانوا يعيشونه بالفعل، لهذا وضعت نصب عينيَّ، منذ الشهور الأولى لإنجابي أول طفل، هدفاً وحيداً؛ وهو أن أُربي أطفالي على الحب والودّ والتعاطف مع النفس ووسط الآخرين، وأنّ أغرس الحب في قلوبهم، ما يكسبهم طمأنينةً وقوةً روحيةً تلازمهم طوال حياتهم، وأن أنسج خيوط المحبة في نفوسهم، فلا تنقطع مهما اشتدت ضغوط الحياة، وهذا ارتكز على عدة تفاصيل:

الرعاية الوجدانية وكثرة الأحضان

أم وابنتها تتبادلان القُبل والهدايا

تحكي سلمى: "في الأمسيات الهادئة، كنت أمسك بيد ابنتي الصغيرة ليلى، وأنا أجلس معها بجانب النافذة ننظر معاً إلى حديقة المنزل، وعلى ضوء القمر الخافت، رويت لطفلتي حكاية البذرة الصغيرة التي زُرعت في أرضٍ خصبة، فأنبتت شجرةً عظيمةً، أخذت تنمو يوماً بعد يوم؛ حتى صارت ملجأً آمناً للطيور والمسافرين".

وتتابع الأم سلمى:

"فالحب يا ليلى يشبه تلك البذرة؛ يحتاج إلى أرضٍ صالحةٍ وعنايةٍ دائمةٍ ليكبر ويصبح سنداً وقوة، ثم ربّتُّ على كتف ابنتي وأخبرتها: أنتِ وإخوتك تلك الأرض الخصبة، وقلبك هو الحديقة التي سأزرع فيها كل المعاني الجميلة.
الحب يا صغيرتي يُزرع بالنية الصادقة وبالكلمة الطيبة وبالفعل المتّزن"، وتتابع: "كنت في كل مرةٍ أنادي فيها على أحد أطفالي؛ كنت أستخدم اسماً حنوناً، أو أضمّه بين ذراعي، وكأني أغرس في قلبه بذرةً جديدة من الحب.
وهكذا وصل لابنتي الصغيرة ليلى منذ صغرها أن الإحساس بالحب ينبع من الرعاية الوجدانية النقية التي تكبر مع الزمن، هذا بجانب حرصي على احتضان كل طفل عدة مرات في اليوم؛ عند الاستيقاظ، وبعد العودة من المدرسة، وقبيل النوم.
وبأحضاني الحانية والصادقة، وصلت رسالة لكل طفل؛ بأنه ليس مجرد فرد في الأسرة، بل هو موضع اهتمامٍ وتقديرٍ ومحبة، وكان لهذه الأحضان أثرها في تهدئة انفعالات الصغار وتقريب قلوبهم من بعضهم البعض.

الكلمات التي تزرع المحبة

طفل سعيد وأم تقبّله بحب

وتواصل الأم سلمى حكاية تجربتها: "بجانب الأحضان، كنت أدرك مدى قوة الكلمة في بناء شخصية الطفل، لذا حرصت دائماً على استخدام كلمات الحب والمدح والاحترام في أحاديثي معهم، وأصبحت عبارات مثل: "أنا أثق بك"، و"أنت رائع"، و"كم أحبك" جزءاً لا يتجزأ من قاموس تعاملي، وكلها كلمات نابعة من القلب، تليها نظرة صادقة تُقنع الطفل بعُمق المعنى.
سارة الابنة الكبرى، كانت شديدة الحساسية تجاه النقد القاسي، وحدث أن أخفقت في امتحان الرياضيات، لم أعنفها أو أقسو عليها، بل أخبرتها: لا توجد مشكلة يا ابنتي العزيزة، أنا متأكدةٌ أنّكِ قادرةٌ على تجاوز هذه المشكلة إن واصلتِ المحاولة، و تذكّري أن الحب الذي أحمله لك لا يقل بتراجع علامتك، بل يزداد مع كل تحدٍّ تواجهينه.
وتابعتها وتأكدت بغريزة الأمومة بداخلي أن كلماتي جعلت سارة تشعر بالأمان، فشحذَت همّتها للدراسة من جديد، ونجحت في الامتحان التالي بتفوّق".

8 أخطاء شائعة في تربية الأطفال.. احرصي على تجنبها

الحوار وفن الاستماع

أم تحكي بحب وطفلتها تسمعها باهتمام

وتكمل سلمى تجربتها: "قاعدة ثالثة اعتمدتها في تربيتي؛ وهي تبنّي أسلوب الحوار والاستماع مع أطفالي، بأن خصصت وقتاً يومياً للجلوس مع كل طفلٍ على حدة، نتبادل معاً أطراف الحديث من دون مقاطعة.
كان هذا الوقت يُعرف بـ"لحظة المشاركة"، حيث تحكي ابنتي عن يومها في المدرسة، ويحكي الابن عن حكاياته مع الأصدقاء، وبدوري كنت أشاركهم تفاصيل تخصّ بيتهم، أو مشاريعنا القادمة.
وأثناء تلك الجلسات كنت أنصت باهتمامٍ إلى ما يقوله الصغار، من دون إطلاق أحكام مسبقة أو إسكات، وإذا لاحظت خطأً أو سوء تصرفٍ؛ بادرت ووجّهتهم برفقٍ ومحبة، وبهذه الطريقة أدركوا منذ طفولتهم أنهم مهمّون، وأن آراءهم تستحق الاحترام، ما أشعرهم بالحب والانتماء.

القدوة: أفعالٌ تساند الكلمات

يوم الأم قبلات وهدايا تنطق بالحب

كنت أؤمن بأن الطفل يتعلم من سلوك الكبار أكثر مما يتعلم من نصائحهم، لذلك كنت القدوةً في التعامل الرحيم مع الآخرين، فكنت مثلاً أُكثر من زيارة جارتي الكبيرة في السن، وأتعمد اصطحاب أحد أطفالي معي؛ ليشهد كيف أساعد هذه الجارة في بعض الأعمال المنزلية البسيطة، وعندما وقعت هذه الجارة في مرضٍ مُقعِد، كنت أطهو لها الحساء الدافئ، وأرسله مع أحد أطفالي ليؤنس وحدتها،
وفي نهاية اليوم اجتمع مع أبنائي لأروي لهم كيف أنّ الرحمة والمساعدة والتضحية أسمى مظاهر الحب، وأن الحب يزدهر بالعطاء، وكلما أعطينا بحبٍ وصدق وإخلاص؛ زاد في داخلنا ذلك النهر الذي لا ينضب.

"تجربتي ليست كاملة فهناك تفاصيل وحكايات أكثر، ولكني انتقيت ما قلّ ودلّ، وإلى تجارب أخرى"

تقييم التجربة: أصول التربية بالحب

تبارك الدكتورة فريال الشال كل الأمهات في يوم الأم وتقول: "سلمى" لم تبالغ فيما روته؛ الحب من أعظم المشاعر التي تحرك البشر، وهو قادر على تتوّيج العلاقات بكل أشكالها:

  • العديد من الأزواج والآباء والأبناء والأصدقاء والإخوة يتبادلون كلمات الحب في علاقاتهم مع بعضهم البعض.
  • الحب هو الطريقة المثلى والوسيلة الناجحة لتربية الأبناء وتنشئتهم، قوة المربّي ليست في قسوته، بل في عواطفه نحو طفله.
  • تربية الأطفال التي تنطلق من مبدأ الحب والحنان المقترن بالحزم، تنشئ أطفالاً أكثر نجاحاً في حياتهم المستقبلية.
  • تعليم الأطفال مفهوم الانضباط من منظور الحب، يساعدهم على تحقيق كامل طاقاتهم من دون الحاجة إلى التربية القمعية.
  • هيا أخبري طفلك بأنه قبل أن يحب شخصاً آخر؛ عليه أن يحب نفسه ويحترمها، وأن يتعلم كيف يتقبل صفات نفسه ويقدّرها.
  • كثير من الأشياء في حياة كل طفل ربما تكون فريدة تماماً، وعليه أن يتعلم كيف يقدّر ما هو عليه، وما يمكنه اكتسابه.
  • إذا واجه الطفل أي صعوبة في حب نفسه، فعليه بالعمل الجاد لزيادة ثقته بنفسه، ومحاولة المضي للأمام.
  • أظهري حبك للطفل في أثناء تربيته، وكوني واعية بأن الطفل يحتاج، مثل أي طفل، إلى الحماية والدعم والنصح.
  • التربية الصحيحة تقوم أيضاً على الاحترام؛ إذا ارتكب الطفل أخطاء فهي فرصة ليتعلم منها، ويتجنب تكرارها مرة أخرى.
  • الحب والدعم من جانب الوالدين، لا يعني غياب الحدود وكسر القواعد المنزلية، والعكس صحيح.
  • الاستمرار في وضع هذه القواعد؛ يمنح الأطفال شعوراً بالأمان والحماية، ويعزز احترام الطفل لذاته.

* ملاحظة من "سيدتي": قبل تطبيق هذه الوصفة أو هذا العلاج، عليك استشارة طبيب متخصص.