المراهقة مرحلة فاصلة، أشبه بولادة الطفل من جديد، حيث تمثل فترة نمو واكتشاف للذات؛ فيها يمر المراهق بالكثير من التغيرات الجسدية والنفسية والعاطفية التي تترك تأثيرها على سلوكه وعلاقاته مع الآخرين، ولهذا تكثر في هذه الفترة التحديات والمشاكل، ويظل السؤال الحائر: كيف يمكن للآباء والمربين أن يتفهموا التغيرات السلوكية والنفسية للمراهق، والأهم كيف يتعاملون معها في هذه المرحلة؟
في هذا التقرير يتناول الدكتور محرز العناني أستاذ التربية وتعديل السلوك مختلف جوانب المراهقة، من ناحية تأثير الهرمونات النفسية والجسدية على المراهق، وأهمية تعديل السلوك في هذه المرحلة الحساسة، وفي النهاية يضع 4 طرق للتعامل.
تغيرات مرحلة المراهقة وتوابعها:

هي مرحلة الانتقال من الطفولة إلى مرحلة النضج، و ما يتبع ذلك من تغيرات جسدية ونفسية وعقلية كبرى، وهذه التغيرات تتسبب في الكثير من التحديات للمراهقين، من الضروري فهمها بشكل دقيق.
أولاً: تأثير التغيرات الهرمونية على سلوك المراهق

تعتبر التغيرات الهرمونية في مرحلة المراهقة من أبرز العوامل التي تؤثر في سلوك المراهق؛ فعندما يبدأ المراهق في دخول مرحلة البلوغ، يتعرض جسمه لإفرازات هرمونية كبيرة تؤثر على مشاعره وأفكاره والتي تُترجم في سلوكيات.
زيادة هرمون التستوستيرون لدى الذكور والاستروجين لدى الإناث يؤديان إلى الإحساس بالقلق، وزيادة الرغبة في الاستقلالية، بجانب حالة من المزاجية المتقلبة.
كما أظهرت دراسات علمية أن هذه التغيرات الهرمونية قد تؤدي إلى تفاعلات عاطفية شديدة، مما يزيد من احتمالية تصرفات متهورة أو عنيفة أحياناً، وكون المراهقين يمرون بتقلبات مزاجية بشكل طبيعي، فهذا لا يعني أنه يجب قبول كل تصرف غير مناسب .
مفهوم اضطراب القلق عند الأطفال والبالغين وطرق علاجه
ثانياً: تفاعل الهرمونات تدفعه للاستقلالية والتفكير النقدي

في هذه المرحلة، يبدأ المراهق في السعي لاستقلاله واتخاذ قراراته الخاصة، مما قد يؤدي إلى رفض الإرشادات التي يقدمها الآباء أو البالغون الآخرون.
يبدأ المراهق في تطوير تفكير نقدي، مما يعني أنه قد يبدأ في التشكيك في القيم والعادات التي نشأ عليها، ما يعزز شعوراً بالتحدي أو التمرد في بعض الأحيان.
يجتاحهم الشعور بأنهم قادرون على اتخاذ قراراتهم بأنفسهم، وهو ما قد يصطدم في بعض الأحيان مع رغبة الآباء في توجيههم.
من خلال فهم هذه الحاجة، يمكن للآباء أن يساعدوا أبناءهم في اكتساب الاستقلالية بطريقة صحية، من خلال منحهم حرية اتخاذ القرارات في حدود معقولة.
ثالثاً: التغيرات تحفزه على البحث عن الهوية الذاتية
تعتبر مرحلة المراهقة أيضاً مرحلة "البحث عن الهوية"؛ حيث يمر المراهق بتجارب مختلفة لاكتشاف من هو، وما يريده في الحياة، من حيث مهنته المستقبلية أو هويته الاجتماعية، في هذه المرحلة، يسعى المراهق لاكتشاف ذاته في مجال علاقاته الشخصية، قيمه، وأهدافه.
رابعاً: نحو المزيد من التغيرات العاطفية والعلاقات الاجتماعية

التغيرات العاطفية في هذه المرحلة تكون في قمتها، حيث يشعر المراهقون بالحاجة إلى علاقات اجتماعية متينة مع أقرانهم.
كما أن العلاقات مع الأصدقاء أصبحت أكثر أهمية في هذه المرحلة، وقد تؤثر بشكل كبير على سلوك المراهق وتوجهاته النفسية.
تزداد التوترات الأسرية وتكثر بسبب تزايد الانفصال العاطفي من جانب الابن المراهق عن الأهل، مما قد يؤثر سلباً على العلاقة بينه وبين والديه.
في هذه الفترة، من المهم أن تكون الأسرة داعمة ومرنة، وأن تُظهر الاحترام لخصوصية المراهق، وفي الوقت نفسه تقدم الإرشاد والأنماط السلوكية الصحيحة.
"4" استراتيجيات فعّالة لتعديل سلوك وتحديات المراهق:

لست وحدك! غالبية الآباء أصبحوا يدركون أن مرحلة المراهقة تحمل العديد من التحديات السلوكية، التي تشعل الكثير من المعارك بين الطرفين، و تشمل تقلبات المزاج، والتمرد، والبحث عن الهوية، ولكن مع الفهم الصحيح والتوجيهات السلوكية السوية المتزنة- غير المبالغة في التسلط- ، يمكن أن تمر هذه المرحلة بنجاح.
التواصل الفعّال مع المراهق:
يُعد التواصل من أهم المهارات التي يجب على الآباء اكتسابها للتعامل مع سلوك المراهقين، المراهقون في هذه المرحلة بحاجة إلى من يستمع إليهم ويفهم ما يمرون به.
يعبر المراهق في مرحلة المراهقة عن مشاعره بطرق مختلفة؛ مثل الانسحاب أو العصبية، ولهذا يجب على الآباء أن يكونوا مستعدين للاستماع من دون إصدار أحكام مسبقة.
وأن يكون الحوار مفتوحاً وصريحاً، إذ من المهم أن يشعر المراهق بأن رأيه مهم وأنه قادر على التعبير عن نفسه بحرية.
وإن حدث التواصل بالشكل السليم المرضي من الطرفين، فقد يساهم في تعزيز الثقة بين الآباء وأبنائهم، مما يساعد في تعديل السلوكيات السلبية.
وضع حدود واضحة مع الحرص على التسامح
من أساسيات التعامل مع المراهقين هو وضع حدود واضحة لهم، تتمثل في قواعد والتزامات منزلية، وتبدو أنها طبيعية بدون أن يشعروا أن هذه الحدود تقيدهم بشكل غير مبرر.
على أن تكون هذه القواعد والأداب السلوكية عادلة ومتسقة، و تتضمن توضيح العواقب الطبيعية لسلوكيات المراهق؛ مثلاً، إذا كان المراهق يتأخر في العودة إلى المنزل، يمكن توضيح العواقب المتوقعة كإيقاف الأنشطة الاجتماعية المقررة له.
وفي نفس الوقت، يجب أن يكون الآباء مستعدين للتسامح عند حدوث بعض الأخطاء، لأن المراهقين في هذه المرحلة يحتاجون إلى فرصة لتجربة الأخطاء والتعلم منها.
دعم وتعزيز السلوكيات الإيجابية
من الضروري أن يتم تعزيز السلوكيات الإيجابية من خلال المكافآت أو التقدير المعنوي، وليس شرطاً أن تكون المكافآت مادية دائماً، بل يمكن أن تكون في شكل تقدير لفظي أو زيادة في المساحة الشخصية أو الحرية.
هذا يعزز من شعور المراهق بالثقة في نفسه وما يقوم به أو يتخذه من قرارات، بجانب الإحساس بقيمته الذاتية وتحفيزه على الاستمرار في السلوك الجيد.
تقديم المساعدة المهنية عند الحاجة
في مرات كثيرة تكون المشكلات السلوكية للمراهق أكثر تعقيداً من أن يتم التعامل معها -حلها- على مستوى الأسرة فقط، في هذه الحالات، يمكن الاستعانة بمستشارين أو مختصين في علم النفس للتعامل مع القضايا السلوكية الأكثر تعقيداً.
مثل قضايا التمرد، الاكتئاب، أو القلق؛ حيث توفر العيادات النفسية والمستشارات الأسرية برامج خاصة للمراهقين تساعدهم في التعامل مع مشاعرهم وأفكارهم بطريقة صحية.
*ملاحظة من "سيدتي": قبل تطبيق هذه الوصفة أو هذا العلاج، عليك استشارة طبيب متخصص.