المصممة والفنانة اللبنانية نور الحاج: الأقمشة وسيلة لنقل الثقافة والهوية

نور الحاج، مصمِّمةٌ وفنَّانةٌ لبنانيَّةٌ، تشتغلُ بالأقمشة، وتحاولُ من خلالها روايةَ قصصِ الناس، لا سيما النساء، انطلاقاً من تراثٍ عائلي. درست تصميمَ الأزياءِ في باريس، وبعد إطلاقِ مجموعاتٍ منها، تركِّزُ حالياً على البحثِ في عالمِ الأنسجة المتشعِّب، والقصصِ الكامنةِ خلفه التي تجمعُ بين التراثِ، والتاريخِ، والجغرافيا. في الحوار الآتي، الذي جاء بمنزلِ الفنَّانة في دبي، تتحدَّثُ نور لـ «سيدتي» عن تراثها العائلي المتعلِّق بالأقمشة، ورؤيتها لها، وتكشفُ عن أعمالٍ أبدعتها، تنتمي إلى فنونِ النسيج، كما تبدي حماسها للمشاركةِ بمعرضٍ في الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة قريباً.

تراث عائلي

لكلِّ قصَّةٍ شخصيَّةٍ نقطةُ بدايةٍ، متى بدأ اهتمامكِ بالأقمشة؟

لا أتذكَّرُ عاماً، أو عمراً محدَّداً، بدأتُ فيه الاهتمامَ بالأقمشة، لكنني تعرَّفتُ إليها منذ نعومة أظافري. الأمرُ جاء بصورةٍ تلقائيَّةٍ، إذ لطالما عملت جدتاي بالحياكةِ، والتطريزِ، والخياطة. كذا الأمرُ لناحيةِ أمي، وأختي. في طفولتي أيضاً، تعرَّفتُ إلى المنسوجاتِ، والأليافِ التي كانت تصنعُ منها قريبةٌ لي، بصورةٍ يدويَّةٍ، الملابسَ مثل الأوشحةِ والستراتِ الصوفيَّة، وحتى قطعَ الزينةِ المنزليَّة كمفارشِ الكروشيه، واللوحاتِ الفنيَّة التي ترجعُ إلى عصرِ النهضة. كان العملُ في الغزلِ والمنسوجاتِ، يجري في دمي، ولا يزال، ومعظمُ ما أعرفه، تعلَّمته في المنزلِ من جدَّتَي، ومن والدتي، واليوم، وفي كلِّ مرَّةٍ أعملُ فيها على قطعةٍ جديدةٍ، أشعرُ بتلك الصلةِ بتراثي الأمومي.

التطريز الفلسطيني

تخصَّصتِ بتصميمِ الأزياء في باريس، لكنَّكِ اشتغلتِ بالأقمشةِ بصورةِ فنيَّةٍ فيما بعد، ماذا تعني لكِ الأقمشةُ باختصارٍ، خاصَّةً أن هذا العالمَ متشعِّبٌ، ويشملُ الطبيعةَ، والتاريخَ، والجغرافيا؟

الأقمشةُ تحملُ أكثر مما يمكن للناسِ تصوُّره. بادئ ذي بدءٍ، يمكن للأقمشةِ أن تتضمَّن ذكرياتٍ عاطفيَّةً، ودفئاً، وأن تكون وسيلةً لنقلِ الثقافةِ، والهويَّة، وعادةً يتمُّ ذلك في بيئةٍ أنثويَّةٍ، وفي معظمِ الحالاتِ، يكون من الأمِّ لابنتها. عندما أحضنُ قطعةً من القماش، عملت عليها إحدى جدَّتَي، أشعرُ بارتباطٍ قوي بها، وكأنَّها وضعت جزءاً من نفسها فيها، فهذه القطعةُ، في رأيي، تحملُ هويَّة عائلتنا. أقوى مثالٍ، يمكنني التفكيرُ فيه عن المنسوجاتِ الدالةِ على التاريخِ، والثقافةِ، والهويَّة، التطريز الفلسطيني. تقليدياً، تُطرِّز الفلسطينيَّات فساتينهن بزخارفَ ذات صلةٍ بالمدنِ، أو البلداتِ التي ينتمين إليها، أو الأرضِ التي يمتلكنها. قد نرى زخارفَ البرتقالِ مستخدمةً على فستانِ امرأةٍ تمتلكُ وتعملُ في بساتينِ البرتقال في يافا. تحكي هذه الفساتينُ قصصاً منسيَّةً، وتعملُ بوصفها وسيلةً للحفاظِ على الثقافة.

ضمن أي عملٍ فنِّي تقومين به هناك بحثٌ مُعمَّقٌ، وطبقاتٌ عدة، تتعلَّق إحداها بروايةِ قصصِ النساءِ في غرب آسيا، هل يمكن توسيعُ هذه النقطةِ مع أمثلةٍ من نتاجكِ؟

عمل فني لنور الحاج بعنوان My Umuma

خلال فترة زمالتي البحثيَّة بمتحفِ فيكتوريا وألبرت في لندن، بحثتُ في التمائم بغربِ آسيا، وكذلك في الممارساتِ الثقافيَّة التي تستخدمها الناس، وتحديداً النساء، لحماية النفسِ والعائلةِ من العينِ والأمراض. نتيجةً لهذا البحث، بدأتُ في ابتكارِ قطعِ نسيجٍ، هي في حدِّ ذاتها أشياءُ طلاسميَّةٌ، استناداً إلى ما تستخدمه النساءُ في غربِ القارة من حيث اللونِ، أو التصميمِ، أو الأشياء، وقد اقتنى متحفُ فيكتوريا وألبرت منذ ذلك الحين إحدى هذه القطع. هي تحملُ اسمَ My Umuma، وتُحاكي أحجارَ العقيقِ الأبيض التي كانت النساءُ يرتدينها لحمايةِ أنفسهن أثناء الحمل، وتعزيزِ إدرارِ الحليب للإرضاع. حاولت أن أستنسخَ ملمسَ أحجارِ العقيقِ الأبيض، لكنْ مع الحفاظِ على القطعةِ عضويَّةً وبشكلٍ خامٍ، وهي الطريقةُ التي كنت أتصوَّرُ بها الأمومةَ في ذلك الوقت. القطعةُ الأخرى التي ابتكرتها بعد الزمالة، سمَّيتها Running around mother, happy، وهي سوداءُ بالكاملِ في إشارةٍ إلى كيفيَّة استخدامِ اللون الأسود لحمايةِ الأطفالِ من العين الشريرة، سواءً كان ذلك في الملابسِ، أو بوضعِ الكحلِ حول أعينهم. تتميَّز القطعةُ أيضاً بضفائرَ كبيرةٍ، توظَّف غالباً للحمايةِ من الطاقةِ السيئة، والوهجِ الشرير.

الفن الرقمي

ماذا عن نتاجكِ في مجالِ الفنِّ الرقمي، وNFTs، حدِّثينا عن هذا العالم، متى دخلتِه، وما الذي قادكِ إليه، وما طبيعةُ عملكِ فيه؟

لطالما كنت مهتمَّةً بالفنِّ الرقمي. امتلكتُ المهاراتِ التقنيَّة المتعلِّقة به منذ أيامِ دراستي الجامعيَّة، وكنت أشغلُ نفسي بهذه الأشياءِ لأعوامٍ إلى أن جاءت جائحةُ كورونا التي حبستنا جميعاً في المنازل. كنت أعيشُ في لندن حينها، هذه المدينةُ التي شهدت واحدةً من أسوأ حالاتِ الإغلاق. دفعني قضاءُ كلِّ هذا الوقتِ في مساحةٍ داخليَّةٍ محدودةٍ إلى البدءِ في استكشافِ أشياءَ جديدةٍ. لقد فهمت هذا العالمَ على الفور. أحبُّ الفنَّ الرقمي، خاصَّةً فنونَ NFTs، وأعتقدُ أن هناك كثيراً مما يمكن للمرءِ أن يفعله بالمعرفةِ التقنيَّة. الطريقةُ التي عملتُ بها، هي أنني ابتكرتُ صوراً رقميَّةً متحرِّكةً باستخدامِ أقمشةٍ موجودةٍ في الاستديو الخاصِّ بي، إحداها عبارةٌ عن سلسلةٍ من الصورِ الشخصيَّة لجدتي من مراحلَ مختلفةٍ من حياتها باستخدام قطعِ ملابسَ ورثتها منها، مع ذلك لم أشتغل في مجالِ الفنِّ الرقمي إلا قبل عامين، إذ أركِّزُ أكثر أخيراً على أعمالي في مجالِ المنسوجاتِ الماديَّة.

نور الحاج

إضافةً إلى عملكِ الفنِّي الشخصي، أنتِ قيِّمةٌ فنيَّةٌ، كم تتطلَّبُ هذه المهنةُ من خروجٍ من الذاتيَّة، والأسلوبِ، والتفضيلاتِ الشخصيَّة لمعاينة أعمالِ فنَّانين آخرين، وتقييمها، وعرضها؟

حتى اليوم، لم أعمل إلا بالمنسوجات، فهي المجالُ الذي أعرفه جيداً. افتتحتُ أخيراً معرضاً للمنسوجاتِ بعنوان «عملُ المرأة: من الحرف اليدوية إلى الفنون الجميلة، استعادةُ فنِّ النسيج العربي»، وقد حالفني الحظُّ في اختيارِ معروضاتٍ من مؤسَّسة بارجيل للفنون، مع اتِّخاذ المعرضِ مطرحاً في المقرِّ الجميلِ لمجموعة «بيئة»، وهو مبنى مذهلٌ من تصميمِ زها حديد في الشارقة. لقد أردتُ أن أقيم معرضاً، «يستمرُّ حتى 16 يناير 2025»، يناقشُ المفاهيمَ نفسها التي أبحثُ فيها، ضمن ممارستي الفنيَّة الخاصَّة، بالتالي بطريقةٍ ليست ببعيدةٍ جداً عن عملي، وعلى الرغمِ من ذلك إلا أن أسلوبَ الأعمالِ الفنيَّة التي عرضناها بعيدٌ كلَّ البعدِ عن التشابه مع أعمالي، لكنَّ المعروضاتِ تدعمُ القصَّة التي أردتُ أن أرويها. عليه، أعتقدُ أن مسألةَ الذاتيَّة من الصعبِ للغاية تجنُّبها، لأنها ستظهرُ إمَّا في القطعِ المختارةِ بالفعل، أو في الاتِّجاه التنظيمي للمعرض.

فنون النسيج

  1.  عمل فني، بعنوان My heart is peaceful, my body is warm 
  2. الفنانة نور الحاج (تصوير: غيث طنجور) |
  3. عمل فني بعنوان Our Garden (تصوير: Jaron James)
  4.  عمل فني بعنوان sukun (تصوير: Jaron James)
  5.  عمل فني بعنوان My heart is peaceful, my body is warm 
  6. عمل فني بعنوان Running around mother, happy

هل تجدين أن تقييمَ أعمالكِ الفنيَّة يختلفُ باختلافِ المكانِ الذي تعيشين فيه، خاصَّةً أنكِ تتنقَّلين بين لندن، ودبي، وبيروت؟

لدى المدنِ المختلفة طرقُ عدة للنظرِ إلى الأعمالِ الفنيَّة وتقييمها. يتعلَّق الأمرُ بموضوعِ العمل الفنِّي، وكذلك بالجانبِ البصري، سواءً كان ذلك في اللونِ، أو التصميمِ، أو حتى الوسيط. تميلُ بعض الأماكنِ إلى النسيجِ بوصفه شكلاً فنياً أكثر من غيره، ربما لأن الناسَ هناك معتادةٌ على رؤيته في المتاحفِ، أو المعارضِ، أو ربما لأنه أمرٌ مجتمعي.

لاحظتُ أنكِ ترتدين أزياءً سوداءَ في كلِّ الأوقات، هل يمكن التعرُّف إلى سببِ ذلك؟

لست متأكدةً إن كان السببُ مثيراً لاهتمامِ أي شخصٍ على الإطلاق! في الواقع، أحبُّ الألوان، لكنْ يبدو أنني لا أستطيعُ ارتداءها، خاصَّةً عندما يتعلَّق الأمرُ بالملابسِ اليوميَّة! لا أستطيعُ التركيزَ عندما أرتدي الألوان، بل أتشتَّتُ كثيراً، وبسهولةٍ جداً عندما تكون على جسدي. ارتداءُ الأسودِ يجعلني أشعرُ بأنني أندمجُ بسهولةٍ، ولا أزعج أحداً، كما أنه يُهدِّئني بطريقةٍ ما.

لمتابعة المقابلة على النسخة الديجيتال، إليك الرابط

ما جديدكِ على الصعيدِ الفنِّي في 2025؟

آملُ أن أتمكَّن أخيراً من إنهاءِ مجموعةِ الأعمالِ التي بدأتها مطلعَ عامِ 2023. لقد اضطررتُ للتوقُّف مرَّاتٍ عدة لأسبابٍ شخصيَّةٍ، وحتى أتمكَّن من الاشتغالِ على مشروعاتٍ أخرى، لكنني أعودُ الآن للاستئناف. إن شاء الله، سأتمكَّن من إنهاءِ القطعِ في الأشهرِ المقبلة. إضافةً إلى ذلك، سأشاركُ في معرضٍ جماعي خارج واشنطن، وهو أمرٌ مثيرٌ لي، لأنها المرَّة الأولى التي أعرضُ فيها أعمالي النسيجيَّة الماديَّة في الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة.