تُعتبر المخرجة السعودية شهد أمين واحدة من المخرجات السعوديات البارزات. شاركت بفيلمها "سيدة البحر" الذي يسلّط الضوء على معاناة المرأة قبيل نيل حقوقها، في مهرجانات سينمائية. فتأهل للحصول على جائزة "فيرونا" عن فئة الفيلم الأكثر إبداعاً، ضمن مسابقة «أسبوع النقاد» التي أُقيمت في مهرجان البندقية السينمائي في دورته الـ 76، كما تُوِّج بثلاث جوائز في ختام مهرجان الرباط الدولي لسينما المؤلف في المغرب، وهي جائزة لجنة التحكيم أفضل فيلم وجائزة أفضل مخرج للمخرجة شهد أمين وجائزة لجنة تحكيم النقاد. ونافس في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي ضمن مسابقة آفاق عربية.
"سيدتي" التقتها للوقوف معها على أبرز الرسائل التي يتضمنها العمل.
الثقة سر النجاح
ما أفضل وأسوأ نصيحة تلقيتها؟
أفضل نصيحة: ثقي في نفسك، لأن الثقة سر النجاح، وأسوأ نصيحة: اصنعي شيئاً يريد الناس مشاهدته.
وما النصيحة التي تودين تقديمها للمخرجات الأخريات؟
أنصح المخرجات بأن يثقن في أصواتهنّ الفريدة وأن يعرفن مدى أهمية وجهات نظرهنّ، وأن يفعلن ما يؤمنّ به.
كمخرجة سينمائية سعودية، ما الذي يثيرك أكثر في هذا المجال؟
كوني مخرجة سينمائية آتية من الشرق الأوسط ـ تحديداً السعودية، هو أمر مثير للغاية في حد ذاته، فهي منطقة صامتة ألقت الفن جانباً لسنوات عدّة. لذا، أتعهّد بأنّ القصص التي ستخرج من المنطقة العربية ـ بخاصة من المملكة العربية السعودية ـ ستكون مختلفة وفريدة من نوعها.
تمر السعودية بمرحلة مهمة من التغيرات على مستويات عدّة، هل ترين أنها فرصة لفتيات جيلك للتعبير عن أنفسهنّ؟
أرى أن ما يحدث في السعودية فرصة لن تأتي سوى مرة واحدة في العمر، يجب أن تستغلها الفتاة لإثبات نفسها، ليس في مجال السينما فحسب، وإنما في المجالات الأخرى كافة التي ترى موهبتها فيها. فجأة أصبحت دور السينما مفتوحة بعد حظر دام 70 عاماً، والآن تراقبنا عيون العالم ليروا بفارغ الصبر القصص التي ستخرج من المنطقة.
لدينا شحنات فنية كبيرة
هل تعتقدين أن السعودية ستشهد عصراً ذهبياً جديداً للسينما؟
نحن لدينا شحنات فنية كبيرة، نريد تفريغها في تجارب سينمائية جادة، توثّق رحلة حياتنا.
هل يمكن أن نقول إن فيلمك الروائي الأول «سيدة البحر» وُلد من رحم الألم؟
هذا حقيقي. لذا، قررتُ أن تكون أولى تجاربي تعبّر عن شخصيتي، وتعكس تجربتي الشخصية خلال مختلف مراحل نشأتي، والأهم من ذلك كله أنها ثمرة لنتاج رؤيتي وهويتي كامرأة.
ولماذا اخترتِ أسطورة حورية البحر «أتارغاتيس» للتعبير عن واقع المرأة في المنطقة العربية؟
كنتُ أبحث عن مدخل جديد ومختلف أبني من خلاله عالماً يجسد واقع المرأة، فحينما وقعت بين يدَيْ قصّة أول أسطورة حورية بحرية «أتارغاتيس» التي كانت تُعد رمزاً للخصوبة والحياة في البحار والمحيطات، ارتأيتُ أنها قد تكون مصدراً ملهماً للمرأة الحرّة الأبيّة التي تحدّد مصيرها بيدها وترسم طريقها بنفسها وتقرّر رفض التقاليد، حتى إن عادت عليها قراراتها بعواقب وخيمة.
وما الذي جذبك إلى هذه القصة؟
كنتُ أرغب دائماً في استكشاف منطقة الخليج وثقافاتها وقصصها المتنوعة. أردتُ أيضاً أن أحكي قصة تدور أحداثها في عالم سحري ومع ذلك تتناول قضايا حقيقية.
هل قصة الفيلم عرّضتك لانتقادات نظراً إلى موضوعه الجريء؟
لم يعرّضني الفيلم لأي انتقادات، لاسيما أنه لم يكن هناك مشهد واحد خادش للحياء، خصوصاً أنني من المخرجات اللواتي لا يسعين إلى إثارة الجدل.
بالأبيض والأسود
لماذا اخترتِ الأبيض والأسود لسرد قصة الفيلم؟
جرى تصوير الفيلم في سلطنة عمان، وهو بالأبيض والأسود، مما يخلق بيئة خالدة لقصة تتناول المواضيع المعاصرة من خلال الواقعية السحرية.
ما الذي كنتِ تريدِين أن يفكر فيه الناس عندما يغادرون القاعة؟
في اللغة العربية، اسم «حياة» يعني الحياة. إنه أمرٌ مطلوب طوال الفيلم، حتى النهاية، وهو الإصرار على الحياة.
ما التحدي الأكبر الذي واجهتِه في صناعة الفيلم؟
أكثر مشاهد الفيلم صُوِّرت في عرض البحر والتصوير على الماء وفي القوارب دائماً، لذلك كانت هناك تحديات لوجستية، وكنا مستعدين لها وسعدنا بها، سعياً وراء رؤيتنا الإبداعية. كذلك، كان إيجاد العناصر الفاعلة المناسبة لكل الأدوار، عملية صعبة أيضاً، لأن مجموعة الممثلين المدرَّبين تدريباً مهنياً في منطقة الخليج محدودة بسبب نقص مدارس الدراما. ومع ذلك، في النهاية، استطعنا اختيار مجموعة رائعة من الممثلين الموهوبين للغاية، بمن فيهم بسيمة الحجار التي جسّدت دور «حياة» والفنانة الإماراتية فاطمة الطائي والفنان السعودي يعقوب الفرحان.
وكان هناك تحدي المكان، أي إيجاد مدينة جرداء في العالم الآخر لتصوير الفيلم. بحثتُ عن عدد من الأماكن، بما في ذلك جزر فرسان في البحر الأحمر السعودي والساحل الأردني حول منتجع العقبة. الأول كان أخضر للغاية، والآخر غير بعيد بما فيه الكفاية. حتى توصلتُ أخيراً لقرية صيد الأسماك النائية في كومزار، شمال عمان، على بعد ساعتين ونصف الساعة بالسيارة شمال دبي، عبر إمارة رأس الخيمة.
ما أكثر ما جذبك في هذا المكان للبدء بالتصوير؟
المكان ثقافته غنية، إذ يتحدث السكان المحليون لهجة خاصة تمزج بين العربية والفارسية والهندية وقليلاً من البرتغالية لأنه كان محتلاً من جانب البرتغاليّين لفترة من الوقت.
لماذا استعنت بشركة إنتاج إماراتية لتمويل الفيلم؟
تتمتع شركة «إيمج نيشن» بمكانة رائدة في المجال الإبداعي، وتطلق العنان للمبدعين للتعبير عن أنفسهم، وهو تحديداً ما أحتاج إليه وما تتمحور حوله فكرة هذا الفيلم. وبدأت العمل مع «إيمج نيشن» على إثر عرض فيلمي القصير «عين وحورية» خلال فعاليات مهرجان دبي السينمائي الدولي، ثمّ تعاونّا على صناعة هذا الفيلم الروائي الطويل، وكانت رحلة متميزة من العمل الجماعي المثمر، سواءً على صعيد الإنتاج أو الجوانب الإبداعية.
ما الذي حدّدتِه لنفسك بعد خطة الإصلاح الفني السعودي؟
دائماً ما أخبرُ نفسي أنه إذا استطعتُ الاستمرار في سرد القصص بأمانة وصدق قدر الإمكان، فهذه هي وظيفتي الوحيدة، لست بحاجة إلى أي أمرٍ آخر. أحتاج أن أكون مسؤولة عن قصصي وعن شخصياتي.
تصنيفك كمخرجة سعودية. هل وقف كونك امرأة عائقاً أمام طريق النجاح؟
أنا صانعة أفلام أتحدث عن الطريقة التي أرى من خلالها العالم والطريقة التي يمتصني بها. كوني امرأة لم يشكّل أي عبء نفسي، فأنا أتعامل مع وظيفتي على أنني لستُ صانعة أفلام، لكن يمكنني فقط سرد قصة من وجهة نظري.
أصبحت السينما كبيرة في السعودية
برأيك هل المنطقة العربية مستعدة لإتاحة الفرص لصناع الأفلام الشباب المحليين بدلاً من الاعتماد على الأفلام الدولية؟
آمل حقاً في أن تكون كذلك. تتمتع المنطقة العربية بمواهب شبابية هائلة، والسعودية بالفعل تمنح الفرصة لهؤلاء الشباب الموهوبين للتعبير عن أنفسهم، فقد أصبحت السينما كبيرة في السعودية وهي تدعم بشكل نشط النمو الإبداعي ولكن الأهم من ذلك، أنها تدرك أهمية كيف يساعد سرد القصص في تغيير الثقافة والتطور إلى مجتمع أفضل.
ما الجديد لديك في الفترة المقبلة؟
أعمل على عرض ثانٍ أرغب في تصويره في مدينتي جدة. سيكون حول فتاة صغيرة تراقب المجتمع من خلال رد فعل أسرتها على اختفاء أختها الكبرى.
لماذا اخترت جدة هذه المرة؟
جدة أصبحت حيّةً بعد رفع الحظر المفروض على قيادة المرأة وكذلك على السينما والترفيه وأشكال الفن والثقافة الأخرى.
قصة الفيلم
الفيلم يحكي قصة فتاة صغيرة، اسمها «حياة»، نشأت في قرية فقيرة تعيش على صيد السمك وتحكمها تقاليد مظلمة، إذ تُجبر كل أسرة على منح الإناث من أطفالها لمخلوقات بحرية تعيش في المياه المجاورة. وبدورهم، يصطاد أهل القرية تلك المخلوقات البحرية. وبعد أن ينقذها والدها من التضحية بها للمخلوقات الغامضة، تصبح «حياة» في أعين أهل القرية لعنة، لتعيش منبوذة طوال حياتها. ولكن لم تذعن لمصيرها، وتناضل لتُثبت نفسها داخل القرية. وتظهر على قدم «حياة» نتوءات جلدية تتحول إلى حراشف مضيئة حين توضع في الماء. وحين تحمل والدة حياة بطفل جديد، يصبح لزاماً على «حياة» الاختيار بين أن تتبع تقاليد القرية عبر وهب نفسها لتلك المخلوقات وتصبح واحدة منها، أو أن تجد طريقة أخرى للهرب.
لمشاهدة أجمل صور المشاهير زوروا أنستغرام سيدتي