هي ابنة الشرق المغربي مسقط رأسها مدينة بركان التي تشتهر بالزراعة وتربتها الخصبة، وكل من يذكر اسم بركان يذكر أساساً جودة البرتقال الذي تنتجه أراضي المدينة وضواحيها، منى لا تحب الأضواء ولا الاعلام، رغم أنها رائدة من رواد الاقتصاد والأعمال في منطقتها وتسهر على انتاج ما يفوق 15 ألف طن سنوياً من البرتقال. سيدتي أجرت معها الحوار الآتي لتعرفنا أكثر إلى محطات حياتها وأسرار نجاحها.
سيدة أعمال في صمت
ترعرعرت منى بلحاج في حضن عائلة مغربية أصيلة شغلها الشاغل الأرض ومايأتي منها. والدها فلاح معروف رحل منذ سنوات بعدما كان أول من أسس شركة لإنتاج الخضر والفواكه مع بداية الخمسينات في مدينة بركان. أجواء المزارع والضيعات وخيراتها جعلتها تختار ان تدرس الزراعة وتقنياتها في الرباط العاصمة لتعود ادراجها الى مدينتها بركان بعد أن حصلت على شهادتها العليا كمهندسة فلاحية عام 1988ثم ديبلوم مهندسة زراعية مختصة في زراعة الخضر والفواكه.
باشرت مشروع العائلة في إدارة وتسيير شركة انتاج وتلفيف الحوامض. تعتز منى بجذورها وعملها في الفلاحة. وبالرغم من أن المدينة محافظة لكن عشقها للتربة وتحديها الخاص لتبني المشروع جعل منها إمراة قوية مثابرة، وفي نفس الوقت بسيطة ومتواضعة. تقول لسيدتي: "فخورة بعملي وبحرفة أجدادي التي أحبها منذ أن كنت طفلة وأعتز باحترام الناس لي الذين يعاملونني بمحبة، تصوروا انهم ينادونني بلقب الرجال"سي منى"، ربما لأنهم يرونني اشتغل بهمة وقوة الرجال"، وتضيف بقولها: "أشعر بالفخر، منذ أن كنت وأنا اجتماعية جداً وأحب الفلاحة والبساطة، في البداية كان عملي ميدانياً وسط ضيعات البرتقال والخضر، وكنت أعمل بشغف لأنني أعشق الأرض والتربة، أعمل كإنسان يعشق عمله لاغير".
تشتهرمدينة بركان بطابعها البدوي وأراضيها الخصبة التي تنتج أجود أنواع البرتقال في المغرب، جزء كبير منه يصدر إلى الخارج أمريكا وروسيا وأوروبا وبعض الدول العربية. وتسهر منى من خلال الوحدة الصناعية التي تديرها على إنتاج 15 الف طن من البرتقال سنوياً، إضافة الى فواكه وخضر آخرى. يطلق اهل المنطقة على هذه الوحدة الصناعية أوم حطة تصفيف وتلفيف الحوامض اسم "سانديقا "، وهي كلمة قد تحيل على الصندوق أو السانديكا التي تعني النقابة بلغة الفرنسيين لأنها تشغل عدداً كبيراً من العمال.
حافظت منى على ارث العائلة في استثمار الارض وغلتها منذ 30 عاماً. تعمل بكثير من الجدية وتسهر على كل إجراءات الجني والتصفيف والتلفيف، إلى أن تشحن البضاعة لأجل تصديرها لزبائن متنوعين خارج المغرب.
الصحة في العمل
لا تتوانى منى من الحديث عن العمل الذي يعد سر وجودها ولا تستطيع أن تستغني عنه أبداً، تقول لسيدتي: "لا أستطيع ان أتصور نفسي بدون عمل وإن كنت اشارف على الستين، العمل بالنسبة لي هو الصحة وهو الحياة. وعن تأثير وباء كورونا تقول: "الحمد لله لحد الآن لم يصب احد من العاملين، أنا صارمة جداً بالنسبة للإحترازت الصحية وحفظ التباعد الاجتماعي. الوباء قدر الله الذي شل حركة الاقتصاد العالمي، لكن في المجال الفلاحي لم تحدث أضرار كثيرة، نعمل وفق النظام الذي حددته الدولة ونسأل الله اللطف والعافية".
أما عن طموحاتها فتقول: "أتمنى أن استمر في عملي لإسعاد نفسي والآخرين، فهذا العمل يعيل أسراً كثيرة تشتغل معنا من أبناء المنطقة وغيرها، خاصة النساء في وضعية صعبة، أحاول قدر الإمكان أن يتم العمل بالاتقان الممكن والدائم الذي يعززجودة المنتوج مع زبنائنا خارج المغرب سواء بأوروبا وأمريكا وروسيا ومؤخراً حتى مع دول إفريقية".
أم لابنتين
منى ام لابنتين سلمى وريم تعيشان في فرنسا بعدما اكملتا تكوينهما العالي هناك في باريس، تقول: "حرصت على منحهما الوقت الكافي وقررت مع والدهما أن ينفتحا أكثر على عالم أرحب، لم تختارا الفلاحة، واحدة اختارت مجال الإدارة المالية والتسيير وأخرى طب الاسنان، أعيش هنا في بركان اغلب الوقت، حيث لا أستطيع أن ابتعد عن رائحة الأرض والبرتقال، وفي نفس الوقت أزور ابنتاي في باريس كلما سنحت لي الفرصة. الفلاحة حياتي ولن أحيد عنها أبدا ولن أتوقف عن العمل لأنه يعني لي كل شيء، إنه الصحة".