زمزم، البئر الأطول عمراً على سطح الأرض، يبلغ عمرها نحو 5 آلاف عام منذ أن تدفق بين قدمي إسماعيل عليه السلام وأمه هاجر زوجة النبي إبراهيم عليه السلام، وتضخ البئر الشهيرة الماء بمعدلات تصل في حدها الأقصى إلى 18.5 لتر في الثانية، وحدها الأدنى 11 لتر في الثانية، ويصل عمقها 30 متر.
قصة وتاريخ بئر زمزم
بدأت قصة بئر زمزم -كما روى الإمام البخاري في صحيحه-، منذ أمر الله نبيه إبراهيم عليه السلام بترك زوجته هاجر وابنها إسماعيل في وادٍ غير ذي زرع -مكة المكرمة- فوضعهما هنالك ووضع عندهما جرابا فيه تمر، وسقاء فيه ماء، فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه، استقبل بوجهه البيت، ثم رفع يديه فقال: (رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ).
وعندما نفد ما في السقاء عطشت وعطش ابنها، وجعلت تنظر إليه يتلوى، فانطلقت وسعت سعي الإنسان المجهود بين الصفا والمروة سبع مرات، فإذا هي عند موضع زمزم، فبحثت حتى ظهر الماء، فجعلت تغرف من الماء في سقائها وهو يفور فشربت، وأرضعت ولدها. ومن حينها توافدت القبائل من كل حدب وصوب نحو مكة المكرمة.
وبعد مدة من الزمن نضب البئر، واندثرت معالمه، وكان ذلك قبل عهد عبدالمطلب جد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، حيث قام بحفرها من جديد بعد أن رأى رؤية تحدثه بمكانها، وأصبح يسقي الحجاج منه، وهكذا بقيت السقاية والرفادة في آل عبدالمطلب وورثها من بعده ابنه العباس بن عبدالمطلب.
معجزة موقع البئر
تبعد بئر زمزم حوالي 20 مترا عن الكعبة المشرفة في اتجاه الشرق، ويتم تغذيتها من ثلاث جهات رئيسة، ويعد الموقع الجغرافي للبئر من المعجزات، كونه يتواجد في منطقة مباركة بجوار البيت المحرم ويعد اخفض نقطة في منطقة الحرم المكي داخل حوض وادي إبراهيم، وهو يخضع للنظام الجيولوجي والهيدروجيولوجي والهيدرولوجي السائد في المنطقة، حيث تتأثر كمية ونوعية المياه الواردة اليه بمعدلات الهاطل المطري ونسب شحن الخزان الجوفي لوادي إبراهيم عبر الزمن كما هو مثبت في السجلات الخاصة بأداء البئر الواردة بالتوثيق التاريخي للحرم المكي الشريف عبر الزمن بكتب التراث.
عمارة بئر زمزم
عني الخلفاء والملوك والحكام على مر العصور ببئر زمزم، فقاموا بعمارتها، وأدخلوا عليها من التحسينات ما يليق بمكانتها. وقد ولع بذلك الخلفاء العباسيين الذين أنيطت بهم السقاية منذ عهد جدهم العباس بن عبد المطلب.
وأول من عمل الرخام على زمزم وعلى الشباك وفرش أرضها بالرخام أبو جعفر أمير المؤمنين في خلافته، ثم المهدي، ثم غيره عمر بن فرج الرخجي في خلافة أبي إسحاق المعتصم بالله أمير المؤمنين، وكانت مكشوفة قبل ذلك إلا قبة صغيرة على موضع البئر، وفي ركنها الذي يلي الصفا على يسارك كنيسة على موضع مجلس ابن عباس رضي الله عنه، فغيرها عمر بن فرج فسقف زمزم كلها بالساج المذهب من داخلها، وجعل عليها من ظهرها الفسيفساء، وأشرع لها جناحا صغيراً كما يدور تربيعها، وجعل في الجناح كما يدور سلاسل فيها قناديل يستصبح فيها في الموسم، وجعل على القبة التي بين زمزم وبين بيت الشراب الفسيفساء، وكانت قبل ذلك تزوق في كل موسم، عمل ذلك كله في سنة عشرين ومائتين.
في العهد السعودي
كان إلى وقت قريب تُستخدم الدلاء لاستخراج الماء من البئر، حتى أمر الملك عبد العزيز رحمه الله بتركيب مضخة عام 1373هـ تضخ ماء زمزم إلى خزانين علويين من الزنك، ووُصِّل بكل خزان اثنا عشر صنبورًا موزعة حول البئر؛ لاستخدامها إلى جانب الدلاء حسب الرغبة، ثم أزيلت المباني المقامة على البئر.
وفي سنة 1382هـ صدر الأمر من الملك سعود رحمه الله بتوسيع المطاف، فخفضت فوهة البئر أسفل المطاف في قبو عمقه (2.7) م، ويتم النزول إليه بدرج لتنتهي بذلك مرحلة الدلاء نهائيًا، واستبدلت بالصنابير.
تنظيف البئر
عام 1399هـ صدر أمر الملك خالد رحمه الله بتنظيف بئر زمزم على أحدث الطرق وأتم وجه بواسطة غواصين متمرسين، وكان هذا العمل من أعظم أعمال التنظيف في تاريخ بئر زمزم، ونتج عنه أن فاضت البئر بفضل الله بماء أغزر مما كان بكثير.
وأصبح ماء زمزم متاحًا في كل أنحاء الحرم المكي الشريف وبواسطة حافظات موزعة في كل أنحاء الحرم يصل عددها وقت الذروة في المواسم إلى 13.800، إضافة إلى المشربيات ووصل عدد الصنابير بها إلى 1073 صنبورًا، إضافة إلى مجمعات زمزم خارج الحرم لملء الجوالين، وسبيل الملك عبد العزيز رحمه الله بمنطقة كدي.