صوفي ماسيو، الصحفية التي حققت أحلام الكثير، أثبتت أنه لا يمكن لعاهة مهما كانت قاسية أن تمنع الإنسان من متعة الحياة والمعرفة معاً، فصوفي صحفية فرنسية عمياء جابت العالم، وسجلت مسلسلاً توثيقياً عن رحلتها، بصحبة كلبها بونجو، رقصت مع فتيات المغرب العربي على الموسيقا العربية، تعرفت على آلام النساء في إثوبيا وما يبذلنه من جهد؛ لصنع رغيف اليوم، دقت القهوة العربية، ركبت الجمل في وداي رم في الأردن.
حواس أخرى
لعلها جعلت الكثير يتساءلون: لماذا نعتمد فقط على حاسة النظر لنرى العالم؟ ماذا عن حواسنا الأخرى؟
صوفي ذات العينين الملونتين، اخترقت كل الحواجز في آن واحد، بابتسامة ودية، وهمة عالية، وهدوء ساحر، ورسمت لنا ولها عالماً مختلفاً، معتمدة على يديها وحاسة الشم القوية؛ للتعرف على عوالم وبلدان وشعوب وثقافات، فذهبت في نزهة على الأقدام مع السكان المحليين في نوربرت، وركبت على متن قارب في مستنقع في لويزيانا، حيث تعج التماسيح، مؤكدة أن الشجاعة ليست حكراً على أحد، عاشت أياماً استثنائية وتجارب أدهشت العالم، هدفها من الرحلة، كما تقول: أنا لا أستطيع أن أرى، ولكني أريد أن أشعر بالعالم، أريد أن أعرف.
سباستيان ديوره ديلي، منتج السلسلة الوثائقية (ما هو الذي تراه أنت؟) التي قدمت على تلفزيون «آر تي إل» الألماني، يقول عنها: «إنها شابة ولديها الكثير من المواهب، الإحساس القوي من لمسة، والأذن الجيدة والأنف الرائع».
صيادة ماهرة
تعرفت صوفي على الشابة مي جيان في شنغهاي وزارت ناطحات السحاب هناك، ومشت في أحياء هونغ كونغ القديمة، لمست الحجارة فأدركت الأصالة، عاشت طقس حفل الشاي التقليدي، في الصين تعرفت على الحجامة، التي تمارسها السيدات هناك كنوع من الشفاء من الأمراض، تقول صوفي عن هذه التجربة إنها كانت مؤلمة، تضحك وتضيف: اضطررت للنوم على بطني ليلتين كاملتين.
ومارست هواية الصيد، وكانت تردد لمرافقها، لا تقلق طالما أنني أشعر بأن الريح في وجهي، فهذا يعني أني في الاتجاه الصحيح.
في المغرب قامت بزيارة المنازل الموجودة على القمم الشاهقة، حيث لا كهرباء هناك في أغلب الأوقات، والناس تتدثر كل الوقت بأغطية لتحتمي من البرد، في الصباح شاركت الفتيات الرقص الشرقي، وأدهشتهم بقدرتها على تسلق الجبال كالماعز.
في إثيوبيا رافقت النساء هناك في رحلة مشقة، لجمع القصب الخاص وتقشيره بالسكين وتحضيره؛ ليكون رغيف خبز تقتات منه العائلة بكاملها، حملت الأثقال على ظهرها كما تحملها النساء هناك، حتى كادت تصرخ من الألم لكنها لم تفعل، احتراماً لألم النساء كما عبرت.
في بلدان أخرى جمعت الثمار وتنشقت عبقها، وربما أدركت ألوانها ومدى نضوجها من رائحتها، فكانت تصفها وكأنها تراها، وهي التي لا يصعب عليها مهمة، تعلمت جز العشب، قطف التفاح، ورقص الفلامكنو في إسبانيا، في فرنسا صنعت الجبن في مزرعة لاتزال تعمل على طاقة الرياح، ضحكت وهي تهز الغربال لتخرج شيئاً لا تراه من صلب شيء آخر لا تراه أيضاً.
لم تشارك الناس مهنهم وأعمالهم وتفاصيل حياتهم فقط، بل شاركتهم المعتقد، فقد دخلت المساجد في إستنبول، والتقطت صوراً لها بجانبها؛ لتتعرف على الموروث الحضاري للشعوب، لم تضع حدوداً لنفسها؛ لتكتشف مقدمة صورة رائعة عن المرأة وقدرتها وعن الإنسان وإرادته، تركت العديد من الانطباعات، ومنها من تحدث عنه الذين رافقوها في عملية التصوير، فالكاميرات كانت موجودة في كل منحدر، وخمسة صحفيين يرافقونها لنقل تقارير عالمية من كل مكان تزوره، يقولون إنها تعمل بشكل دؤوب وبحماسة رائعة إنها مثقفة ولا يخاف عليها، ففي الغالب كنا ننسى أنها عمياء.
أما الكلب بونجو، الكلب الديمنشين الرائع، والذي رافقها في جميع رحلاتها، متقدماً ببطء، مراقباً بصمت، المدرب على هذا النوع من الواجبات، لم تكن لمهته أن تنجح، لولا حصوله على مقصورة خاصة مجانية بموجب توجيهات الاتحاد الأوربي، على جميع الرحلات الأوربية، تقول صوفي عنه إنه يمكن أن يكون في أي مكان، وأصبح متأقلماً على اختلاف التوقيت، ولكنه يكره ركوب السفن والمياه.
إن صوفي حقيقة عمياء، ولكنها في الدرجة الأولى صحفية.