كثيراً ما نعتقد أننا أكثر تفهما لمن حولنا ونناقش أفكارنا وندير خلافاتنا بشكل منطقي، ولكن هل فعلا نحن عادلون في أحكامنا هذه؟ وإذا كان الاجابة نعم ماذا نفعل لو عرفنا أن الكثير ممن دخلنا معهم في نقاشات وجدالات شعروا نفس شعورنا من أنهم كانوا على حق، أين الحقيقة هنا، وهل يجب ان نمضي قدماً أم نقف ونراجع أنفسنا قليلاً؟.
أستاذ علم النفس في جامعة ديوك في الولايات المتحدة مارك ليري، كتب في مقال نشرته مجلة سيكولوجي في عدد شهر يناير معلومات وأفكار لافتة رغبنا مشاركتكم إياها حول هذا الموضوع.
تابعي المزيد: أسباب وعلاج مرض الشك
هل نحن دائماً على حق؟
طرح ليري قبل بضع سنوات، كما كتب، هذا السؤال على عينة عبر الإنترنت تضم عدة مئات من البالغين الأمريكيين: فكر في جميع الخلافات التي لديك مع أشخاص آخرين بدءاً من الخلافات البسيطة حول أشياء غير مهمة نسبيًا وبالخلافات الكبرى حول الأمور المهمة. واذكر نسبة الأوقات التي شعرت أنك كنت على حق فيها؟ الإجابة الصحيحة على هذا السؤال حسب ليري من المنطقي أن لا تزيد النسبة عن 50 % لآنه إذا كان ثمة شخص على حق وآخر على خطأ في كل خلاف، فإن شخصًا ما يكون مخطئًا بنسبة 50٪ على الأقل. إلا أنه في الواقع قد تختلف مع شخص آخر حول موضوع وقد يكون كلاكما على خطأ.
تابعي المزيد: الشك المرضي ما هو علاجه وأسبابه؟
ابتعاد عن الواقع
لكن معظم الناس لا يرون الأمر بهذه الطريقة، فقد جاء رد أكثر من 80 % .من المشاركين بأنهم أنهم كانوا على حق في أكثر من 50 % من مرات الخلاف، أي ما يعني نسبته ثلثي المشاركين شعروا أنهم محقين، كما أكد 15 % من المشاركين أنهم كانوا على حق في أكثر من 80 % من مرات الخلاف، وهنا يبدو جلياً أن معظمنا لديه وجهة نظر مبالغ فيها حول دقة تقديراته ووجهات نظره. وعلى عكس ما يبدو عليه الأمر، لا أحد منا يرى العالم كما هو "حقًا". إن تصوراتنا ، بما في ذلك تصوراتنا تجاه الآخرين وأنفسنا ، هي دائمًا مزيج من الواقع الموضوعي والتفسيرات الشخصية للواقع. نحن غير قادرين على رؤية العالم من أي منظور آخر غير منظورنا ولا ندرك العالم إلا من خلال مرشح مصلحتنا الذاتية.
تابعي المزيد: طرق لفهم مثيري الفتن، وكيفية التعامل معهم
نرى الواقع على مقاسنا
بالطبع ، يبدو عادةً أننا نرى الأشياء بوضوح وأن ردود أفعالنا هي ردود فعل على أحداث حقيقية في العالم الحقيقي. لكننا دائمًا نلعب دورًا في تفسير العالم الذي نتخيله. فندمج العالم الحقيقي وتفسيراتنا له بإحكام لدرجة أننا نادراً ما ندرك مدى عمق تصوراتنا للواقع عن طريق معتقداتنا وآرائنا الذاتية ووجهات نظرنا وخبراتنا الحياتية. حتى عندما ندرك أن وجهات نظرنا قد تكون ملوثة بمنظورنا الضيق الأناني ، فإننا نواجه صعوبة بالغة في فصل تفسيراتنا للواقع عن الواقع نفسه.
إن المبالغة في تقدير دقة وجهات نظرنا عن العالم تخلق عددًا من المشاكل. يقودنا ذلك إلى اتخاذ قرارات سيئة بناءً على معلومات غير صحيحة ، والدخول في صراعات غير ضرورية مع أشخاص آخرين حول اختلافات في الرأي ، والحد من اهتمامنا بالتفاوض والتسوية. لماذا يجب أن أتفاوض معك أو أتصالح معك إذا كنت تعتقد أنك على صواب وأنت مخطئ؟
تابعي المزيد: كيف تبقين هادئة تحت ضغط حدث عملي مهم؟!
التشكيك شعور صحي
لا يمكننا أبدًا الهروب من فخ المركزية الأنانية تمامًا ، ولكن أحد الحلول الجزئية هو تطوير شعور صحي بالشك في الأنا - للتشكيك في وجهات نظرنا وتفسيراتنا للأحداث. لا يمكننا أن نكون جميعًا على صواب ، وسيكون من الغريب أن تكون آرائك أو آرائي الشخصية دائمًا أكثر موضوعية وحيادية ودقة من آراء الآخرين. يجب أن ندرك أن كل واحد منا لديه وجهة نظر ضيقة أحادية الجانب للأشياء ، حتى عندما نعتقد أننا لا نعتقد ذلك ، وأن وجهات نظرنا ، في المتوسط ، خاطئة تمامًا مثل آراء أي شخص آخر.
يشعر بعض الناس بالقلق من أنه إذا ما تم تجاوز الحدود ب التشكيك في الأنا ، إنه قد يؤدي إلى حالة من عدم اليقين: إذا لم نتمكن من الوثوق برؤيتنا للواقع ، ألن نصبح مليئين بالشك ، وغير قادرين على معرفة ما يجب تصديقه أو كيفية التصرف ؟ إذا أصررنا على أن يكون لدينا يقين ثابت في الحياة قبل أن نقرر ما نصدقه أو كيف نتصرف ، فربما تكون الإجابة نعم.
لكن التشكك الصحي في الأنا لا ينطوي على تعميم الشك وعدم اليقين أو افتراض أن جميع معتقداتنا وتصوراتنا ربما تكون خاطئة. ففي النهاية إن العديد من معتقداتنا وتصوراتنا صحيحة في الواقع وتسير ضمن الأهداف التي وضعت لها، ومعظم قراراتنا تعمل بشكل جيد، وعلينا أن ندرك أن التشكيك في الأنا هو لتذكير أنفسنا بأن وجهات نظرنا منحازة أحيانًا بسبب أنانيتنا التي لا مفر منها وأننا يجب أن نتمسك بوجهات نظرنا بشكل أقل قوة مما نفعل عادة ، خاصة عند ظهور أدلة أو خلافات معاكسة.
