لا يزال قدماء المصريين يأسرون العقول في جميع أنحاء العالم بما قدموه من إنجازات مذهلة ومساهمات غير عادية في الحضارة البشرية، حتى في الأخلاق والمثل والمبادئ العليا، وبخاصة تلك التي تتعلق بالمرأة؛ فقد كانت المرأة الفرعونية تحظى بمكانة كبيرة ومهمة. وعلى طول التاريخ الفرعوني وعرضه ارتقت المرأة سياسياً؛ لتكون حاكمة وملكة صاحبة نفوذ، وهو ما لم يتحقق للعديد من الحضارات التي كانت تعامل المرأة على أنها كائن مُهمًل، مهمش لا حقوق له. وَفْقَ هذا السياق، وفي ظل الاحتفال باليوم العالمي للمرأة «سيدتي» تعرِّفك إلى أول ملكة امرأة تحكم في تاريخ العالم، وهي فرعونية واسمها ميريت نيث، فمَن ميريت نيث؟
• مَن ميريت نيث؟
يقول أحمد عبد الغفار -وهو باحث أثري ومرشد سياحي يعمل بوزارة الآثار- لـ«سيدتي»: يعتقد معظم علماء الآثار أن ميرنيث هي أول امرأة مصرية تتولى عرش مصر، إلى جانب ذلك، ورد اسمها في قائمة حكام مصر على حجر باليرمو، كما أن الملكة ميريت نيث، تُعرف بأنها ميرنيث، وهي Meritneith و Meryt-Neith. ويعنى اسمها المحبوبة نيث.
يحمل اسم «نيث»، خصائص شمال مصر، ويعني الإلهة الحبيبة، مضيفاً أن اسم «نيث» كان مصحوباً بملكات السلالات المصرية القديمة، ولطالما تمت مقارنتها من قبل علماء المصريات مع الملكة «نيث حتب» زوجة الملك نارمر.
يوضح عبد الغفار أن ميرنيث كانت أم الملك «دن»، وبنت الملك «جر» وزوجة الملك «واجيت» رابع ملوك الأسرة الفرعونية الأولى، وقد تمكنت ميرنيث من اعتلاء العرش بعد وفاته، في حين يعتقد باحثون آخرون أنها اعتلت العرش بعد وفاة والدها الملك جر.
تابعي المزيد: كيف اختلف يوم الحب عند المصريين القدماء عنه عند المصريين الآن
• أول سيدة تحكم في تاريخ مصر والبشرية
تُعد ميريت نيث أول سيدة تحكم في تاريخ مصر والبشرية؛ حيث استمرت فترة حكمها عشر سنوات خلال الفترة من «2939 ـ 2929 ق.م»، وعُرفت ميريت بذكائها وحكمتها فكانت امرأة من طراز فريد استطاعت بفضل قوة رأيها ورجاحة عقلها وفطنتها وذكائها حماية مصر بعد وفاة زوجها، فشاركت ابنها الملك «دن» في الحكم؛ حيث كانت وصية عليه، وكانت هي من تتخذ القرارات؛ فقد ورث الغلام أبيه طفلاً صغيراً تحت وصاية أمه.
• امرأة ذات طموح
تُعد ميريت أول سيدة حكمت في مصر وفى تاريخ البشرية؛ حيث تؤكد الأدلة صعود ميرنيث إلى عرش مصر وحصولها على حكم ذاتي مستقل، فهي الملكة الوحيدة في الأسرة الأولى التي لديها مقبرتان في سقارة وأبيدوس. ولا يزال قبرها في سقارة يحمل نقوشاً رائعة وتفاصيل فنية مدهشة، وكان محاطاً بمقابر أصغر لفناني عصرها وخادماتها وعمالها لخدمتها بعد الموت، وكان اسمها الملكي مكتوباً على لوحة عُثر عليها في قبر ابنها الملك «دن»، ويضم شاهد القبر اسم ميرنيث بوصفها أحد حكام الأسرة الأوائل.
على الرغم من أن الحكم في ذلك الوقت كان ذكورياً، فالرجال فقط هم الآلهة والحكَّام، والنساء يأخذن مكانة التابع المجاور؛ فإن نفوذ ميريت كان كبيراً فلم تُمَكِن أحداً من شؤون الحكم، وأصرت أن تقوم هي بالوصاية على العرش، رغماً عن التقاليد الدينية وعدم موافقة الكهنة، فقامت هي بالوصاية على ابنها «دن» وعلى العرش، وحصلت على لقب «الحوري» هو لقب ملكي كان يُتخذ في الفترة التي حكم فيها الملك نارمر «مينا»، ويُعتبر من أوائل الألقاب الملكية.
• العودة لدور الملكة الأم
يقول عبد الغفار: عندما استقر الأمر في الحكم للملكة ميريت نيث، وتأكدت من استتباب الأمر لابنها واستقراره؛ انسحبت من المشهد السياسي بهدوء، وتركت لابنها مقاليد الحكم والسلطة، وعادت لمكانها ومكانتها بوصفها أُماً تقف جوار ابنها يتخذ منها الحكمة والمشورة، على أنها ظلت صاحبة رأي في كثير من الأمور، وكان ابنها يلجأ إليها؛ ليعرف رأيها ويستعين به.
لم تحظَ أم ملك فرعونية بمكانة ميريت نيث بوصفها ملكة حاكمة وليست مجرد زوجة ملك أو أم ملك؛ فقد كانت لها مكانة كبيرة لدى ابنها ولدى الشعب في ذلك الوقت، فهي «المحبوبة»، وقد تمتعت مصر في عهدها برخاء اقتصادي واستقرار سياسي وأمني، ولم يجرؤ أحد على مهاجمة الدولة أو حتى التفكير فى الاقتراب منها؛ فقد كانت لمصر في ذلك الوقت مكانة وسيادة وسلطة كبيرة، وقد اهتم الملك «دن» بمشاركة والدته الرأي والنصيحة؛ فقد كان مدركاً مدى حكمتها وذكائها، وتحول الملك «دن» لأحد أهم ملوك العصر العتيق بفضل والدته؛ ما يُظْهِر مقدرة المرأة الفريدة في تَبَوُّءِ أعلى مكانة حتى في العصور القديمة.
• أهم إنجازات الملكة ميريت نيث
يقول الباحث الأثري:
- حافظت لابنها الملك «دن» على ملكه من طمع الطامعين.
- اهتمت بتوسعة الحدود المصرية، وحافظت عل وحدة الدولة.
- تمتعت مصر في عهدها برخاء اقتصادي واستقرار سياسي واجتماعي.
- أحبها الشعب المصري، وكان لقبها «المحبوبة».
- تميز عهدها بوضع أسس الحكم الملكي المقدس الذي اتبعه ملوك مصر في ما بعد.
تابعي المزيد: في السعودية آثار فرعونية وبعثة مصرية للتنقيب عن رمسيس الثالث
