لا تشعر الزوجة بقيمة الزوج الحقيقية في أحيانٍ كثيرةٍ إلا بعد فراقه لأي سبب، أو أن تصبح أرملة، حينذاك تبدأ المعاناة، ويبدأ الألم، ويبدأ حمل الهم والمسؤولية. فبالأمس كانت في رعاية الزوج وكنفه، واليوم، راح الناس ينادونها بـ «أرملة». إن مجرد هذه الكلمة توقظ المرأة من غفلتها، لتتسلم المسؤولية، وتصبح هي الأم والأب في آن واحد.. لقد انفضت فجأة المؤسسة التي كانت ترعاها، وهي مقبلة على مرحلة عدم اتزان كامل، فقد تتحامل على نفسها وتقف، وقد تترنح وتسقط، فمن الأرامل من يستطعن الوقوف أمام التحدي، فتراها ثابتة أمام المسؤولية التي أصبحت تطوق عنقها، وهؤلاء يضربن المثل والقدوة حين يقمن بتربية أولادهن على أفضل ما يكون. بمناسبة (اليوم الدولي للأرامل) الذي أقرته الأمم المتحدة في يونيو من كل عام، تستضيف «سيدتي» نساءً أراملَ من الوطن العربي لإسماع أصواتهن، والتعريف بتجاربهن، وحشد الدعم الذي يَحْتَجْنَ إليه.
أعدّت الملف | لينا الحوراني Lina Alhorani
تصوير | محمد فوزي Mohamed Fawzy
جدّة | ولاء حدّاد Walaa Haddad
الرياض | زكية البلوشي Zakia Albalushi
البحرين | عواطف الثنيان Awatif Althunayan
المغرب | سميرة مغداد Samira Maghdad
تونس | منية كوّاش Monia Kaouah
القاهرة | أيمن خطّاب Ayman Khattab
بيروت | عفت شهاب الدين Ifate Shehabdine
من جدّة
سوزان إسكندر: لم أستطع السيطرة على كثير من أمور الحياة بكل جوانبها كما كان يفعل
سوزان إسكندر
ليس كل زوج يمكن نسيانه
عندما تحمل المرأة لقب أرملة، يغلب عليها الشعور بالوحدة والحزن لفقدان شريك حياتها ورفيق دربها... هذا ما تعارف عليه الناس في مجتمعنا.لقّبت بمصورة الحرمين الشريفين، وقد فقدت زوجها منذ سنوات، صوتها الحزين، أتى بعد تنهيدة ثم قالت: «تزوجت في عمر مبكرة، وعشت مع زوجي كل مراحل حياتي، فكان نعم الزوج والأخ والصديق، احتواني سنين طوال، وكان الداعم الأول والأهم لي في مسيرتي المهنية؛ حيث وقف بجانبي وقدم لي كل ما أحتاج إليه». شعرت سوزان، بعد وفاة زوجها، وكأنها في منزل انطبق سقفه على أرضه، حسب تعبيرها، وتابعت: «لا أعمدة، ولا من يحميني، خسرت السند والرفيق، وخسر أبنائي الأب الحنون، وتغيرت حياتي كثيراً من بعده، ولم أستطع أن أكمل كما كنت في عملي، ولم أستطع أن أسيطر على كثير من أمور الحياة بكل جوانبها كما كان يفعل، ولم أكن أعلم كيف كان يدير كل تلك الأمور من دون أن نشعر بشيء». أرادت سوزان أن تقول كلمتها لكل من حولها، تستدرك، بحزن شديد: «إلى من يطالبونني في كل مرة بالزواج مرة أخرى، أقول لهم، ليس كل زوج يمكن نسيانه، والمرأة الأرملة قادرة على أن تعيش من دون زوج، وفاءًً لمن كان حسن الخلق والمعشر معها، وكان يحترم رغبتها في كل ما تقوله».
من الرياض
فاطمة الزهراء منصور:
التضحية من أجل الأبناء
تحدثت فاطمة الزهراء منصور، محاميةٌ ورئيسة مؤسسة «بصمة خير» ونائبة رئيس جمعية «الأسر» الاقتصادية وخبيرة الموارد البشرية، عن تجربتها بعد أن أصبحت أرملة، والصعوبات التي تواجهها بالقول: «وجدت من خلال تجربتي بعد أن صرت أرملةً، أن دوري بوصفي أماً، يفرض عليَّ التضحية بوقتي وجهدي ومالي من أجل أن ينعم أبنائي بحياةٍ أفضل». وأضافت: «بعد وفاة زوجي أصبحت مسؤوليتي أكبر، وزاد الحمل علي، إذ كنت في السابق أتقاسم معه رحمه الله مسؤولية البيت وتربية الأبناء، أما اليوم فأقوم بمهام الأم والأب في وقتٍ واحد، لذا يتوجَّب عليَّ أن أظهر قويةً أمامهم، وأن أعوِّضهم عن أي شيءٍ فقدوه برحيله عن الدنيا كيلا يتأثروا نفسياً». مؤكدةً أنها تفتقد زوجها كثيراً. وحول الصعوبات التي تواجهها بعد أن أصبحت أرملة، أوضحت فاطمة الزهراء، أنها تواجه عديداً من الصعوبات، لكنها تتعامل معها بوصفها تحدياتٍ، مؤكدةً أن «الصعوبات موجودة في كل جوانب الحياة، وبفضل الله تمكَّنت من تجاوز أي عقبةٍ اعترضتني بعد وفاة زوجي، ورسولنا محمد، صلى الله عليه وسلم، يقول: أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين. والحمد لله أقوم بدوري برعاية أبنائي على أكمل وجه». وشدَّدت على أن «المرأة الأرملة تنال التقدير والاحترام من مجتمعها إذا أثبتت نفسها، وأصبحت قدوةً لدى أبنائها، وبذلت كل جهدها لوضعهم على الطريق الصحيح، وتعويضهم عن فقدان الأب»، مبينةً أن «هذه المسؤولية صعبةٌ في البداية، لكنني تخطيت هذه المرحلة والحمد لله بالعزم والإصرار». وعن أحلامها في هذه المرحلة، قالت فاطمة الزهراء: «أحلامي كثيرة، وأستودعها الله، وأطلب دائماً من ربي أن تزهر أحلامي في أبنائي، الذين أحاول إشراكهم في أعمالي، وأجتهد في رسم الابتسامة على وجوههم، وأحضهم على عمل الخير». وتطرَّقت إلى احتياجات المرأة الأرملة، موضحةً في هذا الجانب، أن «المجتمع والجهات الحكومية عليهم تلمُّس حاجات الأرامل، خاصةً الضعيفات منهن، اللاتي لا حول ولا قوة لهن، وتسهيل أمورهن.
تابعي المزيد: اليوم العالمي للفتاة والدعم المطلوب طوال العام
من الإمارات
مها علي: أحلم بالحصول على وظيفة لرفع مستوى دخلي، وإكمال دراسة الماجستير
كنت امرأة خلف رجل
ليست كل النساء قادرات على تجاوز محنة وفاة الزوج، هناك نساء يحتجن إلى سنين حتى يعاودن الوقوف على أرجلهن. توفي زوج مها علي، إعلامية واستشارية نفسية، وصانعة محتوى، منذ سنتين، وهي أم لبنتين وولد، وتجد أن إيمانها بالله، وخلفيتها، وثقافتها، ومحيطها من أهل وصديقات وجيران؛ كل ذلك ساعدها لتتخطى هذه المحنة، تتابع قائلة: «المسؤولية عن بيت كامل، ليست مهمة سهلة، لكنني التحقت قبل وفاته، بالمصادفة، بدورة عنوانها: «كيف تتخطين الصدمات»، وقد استرجعت كل ما درسته، وكان العون لي، بعد الله، في تخطي هذه الصدمة».
أمارس دور الرجل
تتذكر مها، صعوبة إخبار الأولاد بأن والدهم لن يعود، خصوصاً أن الوفاة كانت مفاجئة، تستدرك قائلة: «شعروا بعد عودتهم من المستشفى بأننا سنعود وحدنا نحن الأربعة إلى البيت، وبعد الصدمة جاءت الأسئلة، منها لماذا ذهب وحده، كنت أرد عليها، لأن الله اختاره وحده، كانت ابنتي الوسطى، تتواصل معه عبر تلفونه، وتسألني لماذا لم تتركي تلفونه معه؟ بينما تعمدت، عدم رفع صوره من البيت، حتى كندورته، هي معلقة إلى الآن، وأضع مصاريف البيت في جيبها، لأطلب منهم الاستعانة بها كي يشعروا بالأمان بوجوده معهم». يحز في نفس مها، نظرات أولادها، لأي عائلة يرونها في حديقة أو مطعم، بينما توجههم هي للدعاء له، وألا يعدّوا غيابه نقصاً، تتابع مها: «على الرغم من أنني أتابع دراستي، لكنني كنت أعتمد عليه تماماً، في الأمور الطبية والبنكية ودفع الفواتير، ومتابعة مدارس الأولاد، وحتى مشتريات البيت، التي كانت أغلبها مشاركة، والآن أمارس دور الرجل، وهذا ما أتعبني نفسياً». لم تتعود مها، التي دام زواجها 22 سنة، حتى تعلم دفع الفواتير، تعلّق قائلة: «كنت امرأة خلف رجل». تحلم مها، بالحصول على وظيفة في مجالها، لرفع مستوى دخلها، وإكمال دراسة الماجستير، تستدرك قائلة: «ولله الحمد دولة الإمارات تساند الأرامل والأيتام، ولله الحمد».
تابعي المزيد: في يومها العالمي الأسرة..مركزٌ التفاعلات بين الأجيال
من البحرين
ليلى السيد حبيب:
أدعو المجتمع لتغيير النظرة التقليدية للأرامل
تؤمن ليلى السيد حبيب، بأن الله اختار لها أن تكون يتيمة الأب؛ حيث توفى والدها وهي جنين في رحم والدتها، وشاء القدر أن تصبح أرملة لخمسة أطفال، ثلاثة أولاد وفتاتَيْن.
انتبهت ليلى إلى كلمة أرملة بعد صدمة وفاة زوجها، معيلها وشريك حياتها؛ حيث كانت تعيش معه حياة سعيدة هانئة، لكنه توفي في حادث أثناء العمل. فوجدت نفسها في دوامة حيرة ويأس وضغط مالي كبير، تتابع قائلة: «حاصرتني المسؤوليات ومهمات جديدة لم أعتد عليها، فصرت أوفر لهم احتياجاتهم من أقساط دراسية وصحية، فتحملت القروض والمصاريف الباهظة لتوفير كل ما يلزمهم، وها قد مضت تسع سنوات على وفاة زوجي بحلوها ومرها». أكبر الصعوبات التي واجهتها ليلى هي القروض التي أرهقها، ولم تدر أي باب تطرق، تعلّق قائلة: «جاءني الفرج من حيث لا أحتسب، فهي تضيق وتنفرج، وسفينة الحياة تسير».
باب أمل
تطمح ليلى بمصدر لتحسين ظروفها المعيشية بعد تقاعدها من العمل من إحدى شركات القطاع الخاص، وحالياً التحقت بدورة تدريبية في سلامة الغذاء ودورة طبخ مع المؤسسة الملكية في نتاج خير البحرين، وتحلم أن تكون هذه الدورة باب أمل لها، تتابع قائلة: «أدعو المجتمع لتغيير النظرة التقليدية للأرامل، ومنحهن الدعم والتشجيع لمواجهة الحياة، كما أطالب الجهات الرسمية بتأهيل الأرامل والأيتام لسوق العمل، ومنحهن الأولوية في الوظائف، مقدمة شكرها للجمعيات التي تساند هذه الفئة من أرامل وأيتام».
تابعي المزيد: في اليوم العالمي للتوعية بشأن إساءة معاملة المسنين.. 8 معلومات مدهشة عن كبار السن!
من المغرب:
عفيفة أبرام:
عانيت من النظرة الذكورية
فقدت عفيفة زوجها منذ 10 سنوات، تجد هذا الوضع صعباً في مجتمعاتنا، سواء من حيث نظرة المجتمع الذكوري، أو من خلال التحديات بسبب مسؤولية تربية الأولاد.
طفلا عفيفة كانا في سن حرجة 11 سنة للبنت و8 سنوات للصبي. تضيف عفيفة: «عندما توفي زوجي بشكل مفاجئ، كانت ابنتي في سن المراهقة، مرتبطة بوالدها كثيراً، فحرمت نفسي من كثير من المناسبات العائلية والترفيه عن النفس لأجل أن أكون معهما وأواكب دراستهما، وهما شابان يأخذان بثبات طريقهما نحو المستقبل».
أسرة عفيفة ساعدتها في اختيار بيت مناسب في حي آمن ووسط جيران جيدين خشية الرفقة السيئة، تستدرك قائلة: «يبقى تأمين الجانب المادي مهم بالنسبة إلى أي أرملة، وعلى الدولة أن تفكر أكثر في وضعية الأرامل غير العاملات، والاستثمار في دعم صندوق الأرامل الذي تبنته الدولة لهذا الغرض. كما يجب أن تحل المؤسسات الاجتماعية مشكلة المصاريف، وضمان مدخول ثابت لتتفرغ الأرملة لتربية أبنائها وتنشئتهم، فالتربية في غياب الأب في حد ذاتها تحدٍ كبير لنا».
تشير عفيفة إلى النظرة الذكورية التي تعاني منها الأرملة، بسبب العقلية السائدة عن المرأة، تعلّق قائلة: «أنا دائماً واثقة من شخصيتي، الموقف ليس سهلاً، لكنني سخرت تجربتي بالحياة ومعرفتي وثقافتي لأكون متفرغة لمسؤولياتي تجاه أبنائي حتى يصلوا إلى بر الأمان».
تابعي المزيد: اليوم العالمي للوالدين كيْفَ نَرُدُّ الجَميْل؟
من تونس
حياة بالواعر:
عملت مدبرة منزل لضمان حياة كريمة لولدي
في أحد الأحياء الشعبية المتاخمة لتونس العاصمة، تعيش حياة بالواعر التي توفّي زوجها، تاركاً لها بنتاً تبلغ من العمر 12 سنة وابناً لم يتجاوز 5 سنوات. تستعيد حياة ذكريات السّنوات الأولى بعد وفاة زوجها، مع منحة المعاش التقاعدي الضئيلة جدّاً، فزوجها كان عاملاً بمصنع، ولأنها لم تكن تحمل شهادة أو تمارس حرفة، اضطرت للعمل في إدارة المنازل، تتابع قائلة: «كنت أخاف من المجهول، وأعجز في بعض الأحيان عن توفير ضروريات الحياة من مأكل وملبس ومسكن ولوازم دراسة الأبناء، لكنني لم أقف مكتوفة اليدين، لأبعد عن طفليّ نظرات الشّفقة والعطف».
الصبر والمثابرة
تقطن حياة برفقة طفليها في غرفة واحدة في منزل عائلة زوجها، لتوفير المال لبناء مسكن خاص بها وبأبنائها على قطعة أرض تركها لها زوجها، تستدرك قائلة: «لجأت إلى عملٍ ثانٍ، وهو حضانة أطفال رضّع إلى جانب مواصلة عملي الأول، فشعرت بالإنهاك، وعانيت من بعض الأمراض المزمنة، لكنني لن أفقد الصبر».
لم تقصّر حياة في تربية طفليها، مضحّية براحتها لتوفّر لولديها كلّ ما يحتاجان إليه للدّراسة، حتى أصبحت ابنتها اختصاصية تجميل، وابنها اختصاصي كهرباء، تتابع قائلة: «كل ما أتمناه أن يحصل كل منهما على وظيفة، وحلمي أن أنتهي من بناء البيت الذي بدأت في تشييده».
تابعي المزيد: في اليوم العالمي لمكافحة الظاهرة ..عمل الأطفال مخاطر جسدية ونفسية آنيّة ومستقبلية
من بيروت
مارغريت داغر أيوب:
أرفض نظرة الشفقة لأنها لا تهمني
هي والدة دانييلا وجورجيو التي خسرت زوجها، لتجد نفسها على استعداد لاتخاذ جميع القرارات بنفسها. واجهت مارغريت صعوبات نفسية لرعاية ابنتها في غياب والدها، أما على الصعيد المادي، فقد نزلت إلى ميدان العمل، تضيف قائلة: «بعد خسارة زوجي شعرت بأن البوصلة ضاعت وبأنني فقدت السيطرة والتوازن على كل شيء، وأقول بأنه إحساس لا يوصف. ولكن مع مرور الوقت عدت إلى حياتي، وإلى روتيني اليومي من خلال عملي والاهتمام بولدي ولقاءاتي مع الجمعيات التي أعمل معها... ولكنني أشعر دائماً بالفقد». شعور خسارة الزوج لا تفهمه سوى من عاشت هذه التجربة البشعة، كما تقول مارغريت وتعلّق: «أفرح وأبتسم أمام الناس، ولكنني أخفي حزناً كبيراً في داخلي».
مجتمعٌ قاسٍ
تطلب مارغريت الدعم، خاصة أنها والدة لطفل يعاني من شلل دماغي، وتتمنى وجود أماكن متاحة تستقبل مثل هذه الحالات، وتقدّم لهم كافة احتياجاتهم، تستدرك قائلة: «المساعدة المالية مطلوبة أيضاً». تجد مارغريت أن المجتمع قاسٍ يدين المرأة بكل حالاتها، فهو لا يقدّم الاحترام والتقدير للعائلة التي فقدت شخصاً عزيزاً، بل يتدخل في خصوصيتها للتعرف إلى تفاصيل حياتها، تتابع قائلة: «أرفض نظرة الشفقة؛ لأنها لا تهمني، بل ما يهمني الكلمة الطيّبة التي تترك أثراً جميلاً في داخلي وقلبي، وحلمي أن يكبر ولدي بنعيم وسلام وأمان، وأن أتابع تحصيلي العلمي من خلال الحصول على شهادة الدراسات العليا».
تابعي المزيد: اليوم العالمي للأرامل دعوة نحو مستقبل أفضل