الحضارة هي المعرفة والقيم والأهداف والتقاليد التي تكوِّن حياة أي جماعة، أما التاريخ فهو وسيلة لبناء المعرفة البشرية لتحقيق فهم أفضل للمعرفة، ودوره أن يقوم بحفظ تاريخ الأمم وتراثها، فما الفرق بين الحضارة والتاريخ؟ "سيدتي" التقت بالباحث في التاريخ، الدكتور سعيد المرزوقي، بجامعة الإسكندرية، ليعرفك على الفرق بينهما. يقول المرزوقي لـ"سيدتي": إذا كان الإنسان هو من صنع تاريخه، فهو أيضاً من صنيعة هذا التاريخ، والإنسان صانع الحضارة ونتاجها في الوقت نفسه، ولذلك فإن التاريخ يحمل مفهوماً حضارياً، كما أن الحضارة تحمل مفهوماً تاريخيّاً.
• هل للتاريخ والحضارة معنى واحد؟
يقول المرزوقي: "نعم التاريخ والحضارة يحملان معنى واحداً، وهما مترادفان يحملان نفس المعنى، فالتاريخ يحمل قصة الإنسان في الكون، ورحلته عبر الزمان، وهي رحلة لا تزال مستمرة، وكانت بداية خطوات الإنسان في مسيرته التاريخية هي نفسها خطواته الأولى في محاولة بناء الحضارة، ولهذا السبب كانت رحلة المعرفة التاريخية تكمل رحلة الإنسان عبر الزمان، وإذا كانت الحضارة هي ما أنجزه الإنسان على المستوى المادي واللامادي على امتداد هذه الرحلة وحتى الآن، فالتاريخ يحمل قصة الإنسان ورحلته عبر الزمان، فنجد الحضارة هي ما أنجزه الإنسان على امتداد هذه الرحلة، وببساطة نقول إن التاريخ هو كل شيء حدث في الماضي، سواء أكان سياسياً أو اجتماعياً أو اقتصادياً أو دينياً، أما الحضارة فهي هذه الأشياء السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية التي بقيت من التاريخ، سواء أكانت هذه الأشياء مادية أو غير مادية، والحضارة هي النتاج الفكري والثقافي والمادي، وتنتقل الحضارة بسهولة من دون بذل الكثير من الجهد إلى الجيل القادم. تابعي المزيد: متاحف خاصة تجمع بين التاريخ والثقافة الحاضرة
• أهمية دراسة التاريخ
- تفيد دراسة التاريخ في فهم الأحداث التي ارتقت بالإنسان إلى ما هو عليه الآن، فتمنحنا دراسته الأدوات اللازمة لتحليل مشكلات الماضي والاستفادة من التجارب، وبالتالي توفير حلول لفهم المشكلات الحالية وفي المستقبل، ويفسر التاريخ الأحداث والأسباب التي ساهمت في عالمنا الحاضر. - كذلك يساعدنا التاريخ على إدراك مدى اختلاف تجربتنا المعيشية عن تجربة أجدادنا، ومع ذلك مدى تشابهنا في أهدافنا وقيمنا، وعلى تعزيز القيم الاجتماعية والأخلاقية لدى دارسيه، خاصة أولئك الذين يعيشون في بيئات متعددة الثقافات والأعراق. - ويعتبر التاريخ سجلاً لجهود الإنسان في حل مشكلات عديدة في شتى المجالات، وكيفية التغلب عليها، كما أنّ لأهمية التاريخ ودراسته قيمة أخلاقية لمساعدة الإنسان على أن يكون حذراً لامندفعاً بأعماله وتفكيره. - وتعرفنا دراسة التاريخ معرفة الصديق من العدو، وتعلم كيف يفكر خصمك، وما هي أساليب مكره، وكيف يخطط لك ذلك عبر تحليل الحروب الماضية وأشهر قصص الخيانة. - ويسلط التاريخ الضوء على الحركات الدينية والسياسية والعلاقة الجدلية بينهما، والأهداف التي أدت إلى تلك الحركات وأسبابها وغاياتها. - تغرس دراسة التاريخ فينا قيم معاني التسامح ونبذ التعصب الديني أو العرقي، وبث الشعور بالانتماء والهوية والولاء في نفوس المواطنين لعراقة بلادهم في الماضي. - يعد التاريخ وسيلة لبناء المعرفة البشرية، لذلك فهو يساعدنا على تجنب الأخطاء التي وقعت فيها الأمم السابقة، وعدم تكرارها في الوقت الحاضر. - يمكننا أن نتعلم كيف تم بناء المجتمعات والأنظمة والأيديولوجيات والحكومات والثقافات والتقنيات في الماضي، وكيف تعمل، وكيف تغيرت.
• أهمية فهم ودراسة الحضارة
قول المرزوقي: الحضارة هي الوسيط الذي يؤهل الأفراد للاشتراك في عضوية الجماعة، وتساعد على نمو شخصيته. وهي نتاج فكري وثقافي ومادي متراكم لأمةٍ من الأمم، والتي تمحنها خاصية مميزة عن الأمم الأخرى، وهي الجهد الذي يُقدَّم لخدمة الإنسان في كل نواحي حياته، أو هي التقدم في المدنية والثقافة معاً، والحضارة هي المحيط الذي يخلقه المجتمع ويعيش من خلاله لتأمين احتياجاته المادية والمعنوية، وهذا المحيط دينامي متطور؛ يتعلمه أفراد المجتمع بالتوارث الاجتماعي. وعند الحديث عن حضارة أي دولة، لابد أن نتحدث عن تاريخ الدولة نفسها التي قدمت هذه الحضارة، وعن ميادين حضارتها، مثل الزراعة، والصناعة، والتعليم، وعلاقة هذه الدولة بغيرها من الدول، وما قدمته من إنجازات في هذا الميدان. فالتقدم والتطور يبدأ بآخر ما وصل إليه الآخرون، ثم تضيف الحضارة الجديدة لتكمل ما بدأته الحضارات الأخرى. ومن أهمية دراسة الحضارات هو التعرف على تاريخ أقوام سابقين، ومعرفة كيف كانت معيشتهم، وكيف استمرت واستطاعت أن تكون جزءاً من تاريخ العالم، وكيف استطاعت بناء إمبراطوريات كبيرة وضخمة، وأيضاً كيف استطاعت بناء هذه الآثار المهمة، والتي لا تزال موجودة حتى الآن. تابعي المزيد: ماذا تعني الحضارة..؟
