أثبتت الفنانة القطرية دانة الفردان، أن النساء باستطاعتهن صنع المستحيل، وتحقيق إنجاز غير مسبوق في مختلف الصناعات والقطاعات. شقت طريقها بنفسها وحددت أهدافها، متجاوزة الأعراف البالية التي تعيق نجاح المرأة وتقدمها. فاختارت طريق اقتصر في موطنها «قطر» على الرجال، وهي «التأليف الموسيقي والغناء» وحققت فيهما نجاحاً كبيراً، لتكون نموذجاً للكفاح والمثابرة للمرأة العربية، التي اقتنصت عن اقتدار لقب أول مؤلفة موسيقية قطرية. من الشرق والغرب، ومن الشمال إلى الجنوب صالت وجالت الفردان بموسيقاها حاملة هويتها الموسيقية الشرقية، التي طورت منها مستعينة بأدواتها الفنية، فزاوجت بين التراث والغربي المعاصر مع الحفاظ على السمات الأصيلة والمميزة للموسيقى الخليجية.
إشراف | سلطانة كيروز Sultane Kayrouz
حوار | بوسي عبد الجواد Boussi Abd Aljawad
تصوير | أحمد مصطفى Ahmed Moustafa
تنسيق إبداعي وأزياء | فاروق شقوفي Farouk Chekoufi
تصفيف شعر | رياض شريمو Riad Shrimo
مكياج | Ketrin Secka
مدير المشروع | Grace Cruz
شكر خاص لـ Haya Samain
موقع التصوير I قطر The St. Regis Marsa Arabia Island, The Pearl Qatar
تصفحوا النسخة الرقمية العدد 2176 من مجلة سيدتي
لم تقتصر صعوبة الخيار على دخولي في مهنة لا حضور للنساء فيها، ولكن أيضاً على دخولي في صناعة تعد من الأكثر تنافسية في العالم
الموسيقى التي قدّمتها في «إنديغو» أوركسترالية بالمقام الأوّل،تجمع بين الموسيقى الكلاسيكية الجديدة والسينمائية
تُدين دانة الفضل لعائلتها التي دعمتها على طول الطريق وآمنت بموهبتها، ونسبت الفضل لـ جدها، الذي كان مرجعاً كبيراً لها للتعرف والتعمق في الموسيقى الخليجية وتراث بلدها الفني، التي قررت فيما بعد أن تكون سفيرة له بالخارج.
بفضل إلهام «نظرية الألوان» للشاعر والفنان والسياسي الألماني جوهان وولفغانغ فون غوث، قررت دانة أن تجعل ألبومها «إنديغو» الجديد مليئاً بالأصوات والألوان لتقدم لنا تجربة تشعل حواسنا وتأخذنا إلى عالم آخر.
التقت «سيدتي» الفنانة القطرية دانة الفردان، للحديث عن ألبومها الجديد الذي يحمل عنوان «إنديغو»، وذلك بمناسبة اقتراب انطلاق مونديال كرة القدم 2022 في قطر، حيث تطرقنا معها في الحديث عن التحديات التي اعترضت طريقها في بداياتها الموسيقية، وعن رحلة النجاح وما فيها من نجاحات وانتكاسات، وتعمقنا معها في رؤيتها الموسيقية خاصة أنها تمتلك رؤية فنية فريدة خاصة بها تعبر عن أحلامها وتتفق مع قناعاتها. وهنا نص الحوار:
سابقة في قطر
تعدين من النساء اللواتي حطمن الحواجز ودخلن عالم الموسيقى الكلاسيكية من خلال تحدي المعايير الاجتماعية لتأليف الموسيقى.. ما التحديات التي واجهتك في بداية الطريق؟
أن يقدم شخص ما على خطوة هي الأولى من نوعها، هو تحدٍ بحد ذاته. من الطبيعي أن يؤدي أي تغيير كبير نقوم به إلى خلق بعض المخاوف لدينا، فنحن نجهل الآثار التي قد تنجم عنه وما ستؤول إليه الأمور. ولم يسبق أن شهدت قطر خروج مؤلفة موسيقية وملحنة من قبل، لذلك لم نكن نعلم حتى ماهيّة ومعالم هذا النشاط وهذه الصناعة، لكنّ غياب التأليف الموسيقي لا يعني أنه مرفوض في مجتمعنا، فغياب الممارسة كانت نتيجة عدم إعطاء هذا القطاع قيمة في السابق. ففي منتصف التسعينيات كانت الأولوية لبناء قطر والبنية التحتية للدولة والتنمية الاقتصادية، وقد غابت الفنون عن جدول الأولويات كون لا قيمة اقتصادية لها. أما اليوم فقد اختلف المشهد تماماً. تلعب الفنون دوراً أساسياً في بناء الوعي الاجتماعي للأمة، لذلك لم أتردد في اعتلاء المشهد، والبدء من الصفر في تشكيل صورة حقيقية ووضع الركيزة الأساسية للبنية التحتية للفن الذي أقدّمه، ولم تقتصر صعوبة الخيار على دخولي في مهنة لا حضور للنساء فيها، ولكن أيضاً على دخولي في مجال وصناعة تعد من الأكثر تنافسية في العالم، وذلك من وسط بيئة ومجتمع تغيب عنه صناعة الموسيقى تماماً، لذلك انصبّ جلّ تركيزي على تطوير مهاراتي الفنية على كافة الأصعدة لكي أشكل إضافة إيجابية لمجتمعي من خلال عملي.
تابعي المزيد:الطبيبة والسبّاحة السعودية مريم بن لادن: أحاول ربط إنجازاتي بأعمالٍ إنسانية
ما الذي أردتِ أن تقوليه من خلال رحلة نجاحك في عالم الموسيقى؟
أردت التأكيد على مدى حاجتنا اليوم إلى الحفاظ على الأصالة في كافة الأعمال الفنية، وفي صناعة لا تزال تسعى إلى توحيد المعايير، وأنّ النجاح الحقيقي يكمن في القدرة على إحداث تأثير إيجابي وتغيير في وجهات النظر بدلاً من الانجراف لتكرار ما يفعله الآخرون.
عشق الموسيقى الفلكلورية..
زاوجتِ بين الموسيقى العالمية والإيقاعات الكلاسيكية العربية.. برأيك ما أوجه الترابط بين الفنين؟
أنا من عشاق الموسيقى الفولكلورية بشكلٍ عام، بدءاً من الموسيقى العربية، وصولاً إلى موسيقى شمال أوروبا، والموسيقى السلتية، وموسيقى جنوب شرق آسيا، وغيرها من الموسيقى التراثية. أساس هذا النوع من الموسيقى يكمن في تقديم الإيقاعات التي ترتبط بها جميع الثقافات، الفطرة البشرية هي التي تشعل أحاسيسنا عند الاستماع إلى إيقاعات تحرك دواخلنا على هذا المستوى العميق، وهو شيء يتجاوز تجربتنا المعاصرة، ولكنه سمة دائمة وقوية، لذلك فإن الدمج بين الموسيقى العربية الأصيلة والموسيقى العالمية يحدث تأثيراً هائلاً، ويعكس ثقافتي الموسيقية المميزة كملحنة عربية.
ومن أين جاءت فكرة المزج هذه.. خاصة أن منطقة الخليج معروفة بخصوصيتها الموسيقية، فهي صاحبة لون خاص أبهرت كل من سمع لها لحناً أو أغنية؟
عادة ما أتجنب كلمة «دمج» عندما أتحدث عن الموسيقى لأنها تشير إلى تطويع أحد الأشكال الفنية ليناسب الآخر، وهذا يتناقض مع ما أقوم به، فأنا أعمل على الحفاظ على السمات الأصيلة والمميزة للموسيقى الخليجية وأختار أحد هذه السمات لدمجها مع بنية موسيقية أخرى سعياً لإبراز إيقاع ونغمة موسيقية مميزة. لقد ألهمتني موسيقى بحّاري اللؤلؤ بشكل كبير، فهي من الخصوصيات المهمة لعائلتنا.
المرأة باستطاعتها تحقيق أحلامها
دانة أنت تحملين درجة البكالوريوس في العلاقات الدولية من الجامعة الأمريكية، وكنت تعملين مصممة للمجوهرات، كيف غيرت مسارك واتجهتِ لعالم الموسيقى ومتى بدأ شغفك بهذا العالم؟
لطالما كانت الموسيقى شغفي منذ صغري، كنت أعزف البيانو منذ أن كان عمري 8 سنوات وكانت الموسيقى هي اللغة الوحيدة التي أفهمها حقاً في جوهرها. لم أتوقع يوماً أني سأتخذ من الموسيقى مهنة، أو حتى اعتبار هذه الخطوة ممكنة إلى أن حملت بابنتي، أردت أن أكون مثالاً يثبت لها أن باستطاعتنا تحقيق أحلامنا وأنه لا مستحيل مع الإيمان والعمل الجاد.
الموسيقي ينتظر دوماً الوحي أو الإلهام الذي يحرك أنامله وأفكاره في تدوين مقطوعة موسيقية.. فما الذي يحرك دانة الفردان؟
الإلهام موجود في كل الأمكنة، كل ما نحتاجه هو تذكير أنفسنا بأن علينا بالنظر، كما أنّ كل فرد منا يمتلك في داخله قوة إبداعية نحتاج فقط إلى الاستفادة منها، لذلك، الوقت وحده ضروري، بالإضافة إلى القراءة والاستماع إلى الموسيقى وجذب الحوافز الإيجابية بشكل دائم بدلاً من السلبية.
الموسيقى لديكِ لم تختصر معانيها في نغمات عابرة تلامس القلوب فحسب، وإنما أجراس تدق تنادي بالمساواة وتنتصر للإنسانية.. والعرض الذي قدمته مع أوركسترا قطر الفلهارمونية تحت شعار «بناء الرخاء للجميع من خلال الثقافة والتعليم والمساواة بين الجنسين والرياضة والاستدامة» خير مثال.. فما الرسالة التي تريد دانة نقلها للعالم من خلال النوتة الموسيقية؟
الموسيقى هي لغة عالمية توحد البشرية جمعاء وتكشف عن أوجه التشابه بيننا بدلاً من اختلافنا.
عائلتي هي الداعم الأساسي لي
من الداعم الأكبر لكِ؟
عائلتي هي الداعم الأساسي لي، فأنا لم أصل إلى ما أنا عليه اليوم لولا دعمهم ومساندتهم لي على طول الطريق، وكان والداي الداعم الأكبر منذ اليوم الأول، كما لجدي حصّة من ذلك، فهو مصدر ثقافتي بالموسيقى الخليجية التقليدية، فبفضله وجدت الشغف لدمج موسيقانا مع الموسيقى الدولية.
سبق وقلتِ في تصريحات سابقة.. أنك كنتِ ملتزمة بمشاهدة عروض برودواي خلال رحلاتك إلى الخارج أثناء طفولتك.. هل أثرت في تشكيل ثقافتك الموسيقية؟
بدأ شغفي بالمسرح من لندن حيث نشأت، كانت والدتي تأخذني بشكل دائم إلى العروض المسرحية الموسيقية، لا يمكنني أن أنسى الشعور الذي يراودني وأنا أشاهد العرض، وسرعة التمثيل والصوت، لقد كان متسامياً. حينها قطعت وعداً على نفسي أنه في يوم من الأيام سيكون لدي العرض الموسيقي المسرحي الخاص بي، واليوم أنا فخورة جداً بالعملين اللذين قمت بتلحينهما مع زميلي الكاتب نديم نعمان، وهما: «الأجنحة المتكسرة» وهي قصة لجبران خليل جبران، و»الرومي» قصة الفيلسوف والشاعر جلال الدين الرومي في القرن 13.
أتمنى أحياء حفلات موسيقية في السعودية
يعيش المجتمع السعودي انفتاحاً فنياً كبيراً حيث تقام الحفلات الموسيقية والعروض المسرحية.. هل تحجز دانة مكانة لها وسط المجتمع الثقافي السعودي؟ وهل تخططين لإقامة حفلات موسيقية في المملكة؟
لقد سمعت الكثير عن التطورات الثقافية الواسعة في المملكة العربية السعودية وأتمنى أن أحيي حفلات موسيقية هناك.
تابعي المزيد:في اليوم العالمي للمرأة الريفية..نساء الزراعة حكاية حب للأرض والطبيعة
باستطاعتنا تحقيق أحلامنا ولا مستحيل مع الإيمان والعمل الجاد
بم تصف دانة أعمالها الموسيقية؟
كل مشروع فني أقوم به مختلف اختلافاً جوهرياً عن الآخر، وجميعها تمثل العديد من العناصر والألوان والأنسجة المختلفة التي تنبع من داخلي، فالموسيقى التي قدّمتها هي موسيقى أوركسترالية بالمقام الأوّل، تجمع بين الموسيقى الكلاسيكية الجديدة والسينمائية، هكذا أصف ألبومي «إنديغو - Indigo». أنا أكتب الموسيقى بأسلوب مناسب للمسرح الموسيقي والبوب، ولكن جميعها تتمتع بالحس السينمائي المميز.
«انديغو».. واكتشاف طريق السعادة
على ذكر ألبوم «انديغو» الذي طرح مؤخراً في الأسواق.. كيف كانت التحضيرات له.. ومن أين ولدت الأفكار الخاصة به؟
قمت بتأليف كل قطعة موسيقية وتنسيقها مع ألوان معيّنة، لإضفاء شعور ورسالة محددة، كل أغنية تحمل فكرة معينة وستتجسد في فيديو يسمح للمشاهد بالذهاب في رحلة ذاتية يكتشف بها طريقه للسعادة.
بجانب عملك الموسيقي أنتِ أم كذلك.. كيف توفقين بين العمل والأمومة؟
يعد التوازن من أهم مقومات الحياة، وتعد الأمومة السبب الرئيس وراء دخولي عالم الموسيقى، لذلك أحرص على ألا تتداخل أوقات عملي مع الوقت المخصص لأمومتي.
كأس العالم في قطر
هل تتذكرين أين كنت عندما أعلنوا أنّ قطر ستستضيف كأس العالم؟ كيف شعرت؟
نعم، أتذكر أنني شاهدت إعلان الخبر في المنزل، بحماسة تامة، مع مجموعة من الأصدقاء، وإحساسي الشخصي كان بأن كل شيء أصبح ممكنًا الآن!
ما أكثر ما تتطلعين إليه عند بدء منافسات مونديال كأس العالم لكرة القدم في قطر؟
أتطلع إلى كمية الطاقة والحيوية التي ستعمّ البلاد، خلال تلك الفترة. يبدو بالفعل وكأنها ستكون احتفالية ضخمة، وتجمع عالمي لافت.
تأثير تجارة اللؤلؤ
تعتبر دانة سليلة لعائلة عريقة في قطر.. فأنتِ الابنة الكبرى لرجل الأعمال القطري حسين الفردان.. هل نسبك اختصر عليكِ مشوار العالمية؟
التاريخ العريق لعائلتي في تجارة اللؤلؤ هو ما أثر على ألواني الموسيقية، وقد كان النجاح الكبير الذي حققه جدي على الرغم من الصعاب وبداياته المتواضعة، القوة والدافع وراء مثابرتي في مهنة تعد من أصعب المهن، فلا يوجد طرق مختصرة في صناعة الموسيقى، ولا يمكن لأحد أن يأتي لك بالنجاح على صعيد دولي، أنا آمنت بنفسي وقدراتي منذ اللحظة التي أدركت فيها الموسيقى، ومنذ ذلك الحين لم أنظر لحظة إلى الوراء.
التاريخ العريق لعائلتي في تجارة اللؤلؤ هو ما أثر على ألواني الموسيقية
أربي ابنتي لتكون أفضل نسخة من نفسها، وهذا الأسلوب في التنشئة يغرس قيم التسامح وقبول الآخرين
ما الذي تحاولين غرسه في ابنتك؟
أنا أربي ابنتي لتكون أفضل نسخة من نفسها، التركيز هنا هو نفسها بالدرجة الأولى، وليست المحاولة لكي تكون نسخة من شخص آخر، هذا الأسلوب في التنشئة يغرس قيم التسامح وقبول الآخرين واختلافاتهم وعدم الشعور بالحاجة إلى التشابه. فالثقة بالنفس ليست غطرسة، بل على العكس تماماً، الأشخاص الواثقون من أنفسهم يحترمون الآخرين ولا يشعرون بالتهديد أو عدم الأمان، ولذلك أعلّم ابنتي أن تتمتع بالثقة بالنفس وأن تنشر الإيجابية وتتجنب المساحات السلبية.
تابعي المزيد: اليوم العالمي للوالدين كيْفَ نَرُدُّ الجَميْل؟
هل ربت دانة ابنتها على الحرية وصنع القرار؟
أحاول بقدر الإمكان أن أوفر لابنتي مجموعة الأدوات التي تساعدها على تطوير رغباتها وأفكارها والإيمان بها في الوقت عينه.
بعيداً عن الفن..
تفضلين الصيف أم الشتاء؟
الصيف.
علاقتك بالمطبخ؟
أنا من محبي الطهي، ولكن للأسف لا أجيده.
صفة تتمنين أن تتخلصي منها؟
أحاول تدريب نفسي أن أكون راضية لمجرد أن أكون.
صفة تحبينها في دانة؟
الإرادة والتصميم.
أكلتك المفضلة؟
المطبخ اللبناني.
تابعي المزيد: فعاليات وحوارات تسهم في التقارب الإنساني..التنوع الثَقافي قوة محرِّكة للتنمية