الفتوى أمر لابد من وجوده في المجتمع، حيث إن الناس في حاجة دائمة إلى التبصرة بأمر دينهم ودنياهم، فهي معالجة للجهل، وتبصرة بأمور الشرع، وركود الفتوى من علامات الركود الفكري في المجتمع، مما يؤدي إلى كثرة الجهل وعدم الاهتمام بأمور الدين، أما الحكم التشريعي فلا يكون إلا لله عز وجل، وكلُّ تشريع من غيره باطل. "سيدتي" التقت بالشيخ عمرو سيد أحمد، من علماء الأزهر الشريف، ليعرفنا إلى الفرق بين الفتوى والحكم الشرعي
يقول الشيخ عمرو لـ"سيدتي": الفتوى لها ضوابطها الشرعية، فسؤال أهل الذكر عامل مهم من عوامل نشر الفكر والوعي الديني والثقافي، لذلك اهتم العلماء الاهتمام البالغ بشأنها، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أُفْتِيَ بِغَيْرِ عِلْمٍ كَانَ إِثْمُهُ عَلَى مَنْ أَفْتَاه". أما الحكم الشرعي فلا يكون إلا لله، لكن الله يثبتُه في كتابه أو على لسان رسوله، أو يستنبطه المجتهدون بالإجماع، وقال تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّه}. كما بيّن النبي، صلى الله عليه وسلم، أن المتجرئ على الفتوى بغير علم إنما هو بفعله هذا يثقل ظهره بحمل أوزار الذين اتبعوه على فتواه.
- مكانة الفتوى ومنزلتها في الإسلام
يقول الشيخ عمرو: يقول سبحانه وتعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}؛ أي ارجعوا إلى أهل الاختصاص والمعرفة وأهل الخبرة، وهذه قاعدة في الحياة كلها لابد أن تتبع، فإذا شعرنا بالحيرة من أمر ما؛ فلنلجأ للجنة الفتوى وهم أهل العلم والاختصاص، ولا يجب أن يفتي كل من كان بما لا يعلم، ففي حياة النبي، صلى الله عليه وسلم، أصيب أحد الصحابة بجرح، وكان عليه جنابة، ولابد أن يغتسل ويتطهر، فأفتاه بعض من معه بأن ينزل الماء ويغتسل مع هذه الجراحة، فكانت النتيجة أن الرجل توفاه الله نتيجة لذلك، فلما بلغ النبي، صلى الله عليه وسلم، خبر وفاته؛ قال في شأن هؤلاء الذين أفتوه: "قتلوه، قتلهم الله، ألا سألوا إذا لم يعلموا".
وللإفتاء مكانة عظيمة، وكان النبي، صلى الله عليه وسلم، يتولى هذا المنصب في حياته؛ نظراً لرفعة شأن الفتوى، فقد جعلها الله وظيفة سيد المرسلين، صلى الله عليه وسلم، باعتبار التبليغ عن الله، وقد تولى هذه الخلافة بعد النبي، صلى الله عليه وسلم، أصحابه الكرام، ثم أهل العلم بعدهم، فالمفتي خليفة النبي، صلى الله عليه وسلم، في أداء وظيفة البيان، وتتضح مكانة الفتوى ومنزلتها في الإسلام، من خلال معرفتنا بأن الله تعالى قد أفتى عباده، يقول الله تعالى: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ}، ويقول تعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ}. والمفتي هو خليفة النبي، صلى الله عليه وسلم، وقائم مقامه في أداء وظيفة البيان، وتبليغ الأحكام، ولرفعة مكانة الفتوى وشرف قدرها؛ فقد حرم الله تعالى التساهل في أمرها، فلا يجوز أن يتولاها إلا عالم بكتاب الله وسنة رسوله، قال تعالى مخاطباً المستفتين: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}.
- الفرق بين الحكم الشرعي والفتوى
لابد من التفريق بين الحكم الشرعي والفتوى، فالحكم الشرعي ثابت، بينما الفتوى تتغير بتغير الحال والزمان والمكان، فلكل حالة فتوى خاصة بها، وأن المفتى قد يرى في سائل ما لا يرى في غيره من السائلين، والنبي كان يأتيه الشخص، فيسأله عن أفضل الأعمال، فينصح الأول بالصلاة على وقتها، وينصح آخر بعدم الغضب، وينصح ثالث بالجهاد، فالحكم الشرعي هو خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين؛ طلباً أو اقتضاء أو تخييراً، أما الفتوى فهي إنزال الحكم الشرعي على واقع المستفتي، إذن فالمفتي قائم في الأمة مقام النبي، صلى الله عليه وسلم؛ لأن العلماء ورثة الأنبياء، والمفتي نائب في تبليغ الأحكام، فكانت فتاوى النبي، صلى الله عليه وسلم، جوامع الأحكام، وكان هو أحكم الحاكمين في فصل الخصومات، والجواب عن الاستفسارات.
إذن فالفتوى هي مرسوم ديني في دين الإسلام؛ يقوم بإصداره علماء في الشريعة الإسلامية، حسب الأدلة الشرعية من القرآن الكريم والسنة النبوية، ويعتبر إصدار الفتوى في الاسلام أمراً عظيماً ومسؤولية كبيرة.
الفتوى والحكم الشرعي يتفقان في أمر، ويختلفان في أمور. يتفقان في أن كلاً منهما يكون مبنياً على ما أتى به الشارع الحكيم، ففتوى المفتي لا بد أن يكون اعتماده فيها على الأدلة الشرعية، فهو في طلب الفتوى منه مسؤول عن استنباط حكم الشرع من هذه الأدلة، وليس له الخروج عما جاء بـه الشرع الحكيم، فلا ينبغي لأي من القاضي والمفتي الخروج على ما جاء به الشرع الحكيم. ويختلفان في أن المفتي في الفتوى مخبر عما فهم من حكم عن الله عزّ وجلّ لما يسره الله له من فهم الأدلة والاستنباط منه، أما حكم الحاكم فهو إنشاء الحكم في واقعة ظهر النزاع فيها بين متخاصميْن أو أكثر لإظهار حكم الشرع فيها.
فإن الفتوى أوسع من مجال الحكم، فميدان الإفتاء أوسع وأعمّ؛ لأن المفتي إنما يفتي في جميع الوقائع التي تتعلق بأمور الدين، والتي تتعلق بأمور الدنيا، أما القضاء فإنه لا يكون في أمور العبادات، وإنما مجاله يكون في أمور المعاملات، وما يتعلق بأمور الدنيا فقط.
ومن هنا نعلم أن الحكم الشرعي ما قضاه الشرع وحكم به في المسألة، وأما الفتوى فإنها ترجع إلى اجتهاد المجتهد، وما أداه إليه، ولذلك نصّ كثير من أهل العلم على مسألة تغيّر الفتوى بتغيّر الحال.