«ما أغلى من الولد إلا ولد الولد» عبارة تقليدية موروثة تبرّر العلاقة الوطيدة بين الأجداد والأحفاد. يصادف الأول من شهر أكتوبر من كل عام يوم المسنّ العالمي. وجدت «سيدتي» هذه المناسبة فرصة للتعرّف عن كثب إلى عائلات عربية في لبنان والكويت، كان للمسنّ دور كبير في حياتها الشخصية والمهنية، وباتت بعض تلك الشخصيات مشهورة جداً على مختلف منصات التواصل الاجتماعي.
في «اليوم العالمي للمسنين» الذي يوافق الأول من أكتوبر كل عام، التقينا في «سيدتي» الكويتية شفيقة عبد الوهاب المطوع وحفيدة شقيقها تهاني الأيوب، فاستعرضتا بمحبَّةٍ شريطَ الذكريات، وسردتا وقائعَ أعوامٍ خالدةٍ في النفس والوجدان بين محطاتٍ جمعتهما بحبٍّ مع أحبةٍ، زيَّنوها، وعطَّروا مرفأها الراسي على شاطئ الذكريات. خرجنا من اللقاء بتجربةٍ ثريةٍ، ودروسٍ ملهمةٍ في العمل الإنساني والعطاء حتى آخر العمر.
حوار | عتاب نور Etab Nour
تصوير | عادل جاويد Adel Javed
إخراج وتنسيق مظهر | جمانة صوفي Joumana Soufi
الكويتية شفيقة المطوع مديرة مؤسسة «الينابيع الجارية» وعضوٌ في لجنة الزكاة التابعة للجمعية الثقافية : راحتي في العمل
شفيقة المطوع
ذكريات الطفولة
بدأت المطوع قصتها الجميلة بمرحلة الطفولة، فهي، كما أخبرتنا، من أجمل مراحل عمرها، وتزخر بالذكريات اللطيفة، والمواقف العفوية. توقَّفت السيدة شفيقة عن الكلام لحظةً، وعلى شفتَيها ارتسمت ابتسامةٌ بريئةٌ، ثم شردت بذاكرتها لعالمٍ جميلٍ، بقي محفوراً في وجدانها، لتكسر هذا الصمت في ثوانٍ بالقول: «مرحلةُ الطفولة بالنسبة لي تفيضُ ببراءةٍ، بقيت خالدةً في ذاكرتي. هي مرحلةُ اللعب بالألعاب الشعبية القديمة، مثل الحيلة المفضَّلة لدى البنات، وفيها يتمُّ رسم خطوطٍ على الأرض، غالباً ما تكون أمام البيوت، ثم تتنافس بنات العائلة والجيران بمحبةٍ ووسط ضحكاتٍ جميلةٍ للفوز، وهناك أيضاً ألعابٌ أخرى، مارسناها بمرحٍ وحبٍّ في فترة الخمسينيات الميلادية. صدقاً، تلك الفترات القديمة كانت الأجمل. عشت تفاصيلها في بيتنا الكبير بحي القناعات بالقرب من مدرسة الوسطى المتوسطة التي أكملت فيها دراستي قبل أن ألتحق بثانوية المرقاب».
البيت الكبير
بيت الأهل، أو البيت الأول، الذي قال عنه أبو تمام: «كم منزلٍ في الأرض يألفه الفتى وحنينه أبداً لأول منزل»، هو بيتُ الذكريات، وضجيج أصوات الأحبة، وعن أسرار هذا البيت، قالت السيدة شفيقة: «بيتنا القديم الذي شهد كل ذكرياتنا، وأفراحنا وأحزاننا بمساحته الكبيرة، وغرفه المتعددة، وفنائه الواسع، لا أنساه أبداً. ذلك البيت جمعني بوالدتي وإخوتي، وتفرَّع منه بيتٌ لأخي عبدالله وزوجته، وآخر لأخي عبدالعزيز، اللذين كانا لنا بمنزلة الوالد. كان بيتنا مفتوحاً للجميع، تستقبل فيه والدتي، رحمها الله، وشقيقاتي نساءَ الحي يومياً، حيث يتحلَّقن جميعاً في جلسةٍ على سجادٍ من الحصير لمدة ساعةٍ، أو ساعتين، يتبادلن الأخبار، ويروين المواقف الجميلة، وتُقدَّم لهن أطباق الحلوى مع الشاي، وغالباً ما تنتهي الجلسة قبل المغرب وحلول الظلام».
الزواج
تابعنا مع السيدة شفيقة التنقيبَ في الذكريات الخالدة، ووصلنا إلى محطتنا التالية، محطةٌ ذات شجونٍ، بل والأجملُ في حياة أي امرأةٍ، الزواجُ وطقوسُ الاحتفال بهذه المناسبةِ السعيدةِ في الماضي، فروت لنا ضيفتنا قصة ارتباطها بالقول: «تزوَّجت وأنا في عمر 19 عاماً من ابن عمتي المهندس هشام حسين العيسى بعد تخرُّجه في أمريكا وعودته إلى الكويت عام 1961. كان وقتها ثاني مهندس بترولٍ في البلاد، وجاء زواجنا بعد عامٍ من عودته حيث أقمنا حفلاً بسيطاً جداً، كما كان شائعاً في تلك الفترة، فالمدعوون هم الجيرانُ والأقاربُ، أما مكانُ الحفلِ، فكان في حوش البيت. أقمنا بعده احتفالاً بسيطاً آخر في اليوم الثالث من الزواج، يُسمَّى التحوال نسبةً إلى تحوُّل العروس من بيتها إلى بيت زوجها». وتابعت: «انتقلت إلى بيت الزوجية في منطقة الأحمدي، لنكون بالقرب من عمل زوجي في شركة البترول، وحقيقةً كانت من أجمل المناطق في الكويت من حيث التنظيم، والتخطيط العمراني، وأمضينا فيها ستة أعوامٍ، أستطيع وصفها بالأروع في عمري، ولأننا مخلوقاتٌ اجتماعيةٌ مفطورةٌ على التواصل وبناء الروابط والعلاقات الاجتماعية، فقد تعرَّفت في ذلك الحي على عديدٍ من العائلات العربية والأجنبية، وقضيت معهم أوقاتاً ممتعةً، وتعلَّمت منهم كثيراً من الأمور، في مقدمتها تنظيم الوقت، والالتزام بالمواعيد، والرقي، وتبادل المعلومات والمعارف، كما التحقت خلال تلك المرحلة بجامعة الكويت من أجل إكمال دراستي الجامعية في مجال الترجمة» .
وأكملت السيدة شفيقة حديث الذكريات بسرد مرحلةٍ جديدةٍ من حياتها، مرحلةُ السفرِ، قائلةً: «بعد أن تولَّى زوجي، رحمه الله، منصب الأمين العام المساعد لمنظمة الأقطار العربية المصدِّرة للنفط أوبك، بدأت مرحلةٌ أخرى في حياتنا، تميَّزت بكثرة السفر والترحال، وكنت غالباً ما أرافقه في بعض تلك الرحلات، وأستمتعُ وأستفيدُ منها كثيراً، والحمد لله أثمر زواجنا عن ثلاثة أولادٍ وابنةٍ، أكملوا جميعاً دراستهم الجامعية، وتخصَّص اثنان منهم في مجال الهندسة أسوةً بوالدهما، وتزوَّجوا، ورُزِقَ اثنان منهم أحفاداً».
ʼ كلما صادفني مقطعٌ مفيدٌ، أو رسالةٌ هادفةٌ، في منصات التواصل، أحرصُ على إرسالها إلى أحفادي مع نصيحتي الدائمة لهم بالابتعاد عن اللغوʻ
شفيقة المطوع
روشتة النجاح
«لا أحب الفراغ، فراحتي في العمل». بهذه العبارة، ردَّت السيدة شفيقة على سؤالٍ حول برنامجها اليومي. هذه الإجابة حملت خلاصة تجربتها ونجاحها المهني، فالسرُّ وراء ذلك، كما أوضحت، يكمنُ في ضرورة الخروج من منطقة الراحة لصنع أحداثٍ جديدةٍ، تحرِّك رتابة الأيام، كما كشفت عن سببٍ آخر لاستمرار عطائها، وهو برنامجها اليومي الذي فصَّلته بالقول: «أبدأ يومي بالاستيقاظ عند صلاة الفجر، وقراءة القرآن الكريم لنيل الخير البركة، والشعور بالراحة والنشاط، قبل أن أتوجَّه إلى عملي في إدارة الينابيع الجارية، وهي مؤسسةٌ، تتلخَّص فكرتها في تسلُّم التبرُّعات العينية من الملابس، والحقائب، والأحذية المستعملة والجديدة، وأدوات المنزل من أجل بيعها، واستثمار ريعها في أعمال الخير ومساعدة المحتاجين داخل الكويت، وهي من المبادرات الإنسانية التي تعكس الكرم والإحسان وحب الخير لدى أهل البلاد، وغالباً ما ينتهي يومي بلقاءٍ، يجمعني مساءً في المنزل بأبنائي وأحفادي. تلك اللحظاتُ هي الأجمل لدي، إذ أستمتع فيها بالتفافهم حولي لتبادل الأحاديث والضحكات».
هل تريدين التعرف على دراسة جديدة: الأحفاد يعلِّمون الأجداد
أدوار متعددة
ولا يقتصر دور السيدة شفيقة على إدارة مؤسسة «الينابيع الجارية» فحسب، بل وتحرص أيضاً على زيارة دار الآثار الإسلامية، التي ترأسها الشيخة حصة الصباح، أسبوعياً، وتؤكد ضيفتنا أنها من أجمل الأماكن وأكثرها استمتاعاً بزيارتها، إذ تحضر فيها أنشطةً ومحاضراتٍ مختلفة في مجالات الفن والثقافة، والمعلومات العامة.
كما أنها عضوٌ في لجنة الزكاة التابعة للجمعية الثقافية، وهي، كما أوضحته لنا، من أقدم اللجان، حيث يعود تاريخها إلى عام 1982، في حين تحتضن الجمعية نحو 850 أسرةً، وتقدِّم لهم المساعدات الخيرية سنوياً. وأكثر ما يدعو للفخر من وجهة نظر السيدة شفيقة، هو وجودُ المرأة الكويتية في هذا المجال، عضوةً وناشطةً ومتطوعةً.
وأثنت السيدة شفيقة على المرأة الكويتية وما حققته من إنجازاتٍ محليةٍ وعالميةٍ، مبينةً أنها بفضل تميُّزها، أصبحت نائبةً في مجلس الأمة، ووزيرةً، وسفيرةً، ورئيسة شركةٍ، ومديرة جامعةٍ، وحتى موظفةً في شركة «جوجل» العالمية، وعضوةً في مجموعة الأمن السيبراني بهيئة الأمم المتحدة.
التواصل الاجتماعي
وكشفت السيدة شفيقة، في حديثها لنا، طبيعة علاقتها بوسائل التواصل الاجتماعي، ذاكرةً: «هناك إيجابياتٌ وسلبياتٌ لهذه الوسائل، وما يجذبني لهذه القنوات غالباً بعضُ المقاطع الخاصة بالصحة والطبخ، والتواصل مع الصديقات والأقارب بالرسائل الصوتية توفيراً للوقت»، مضيفةً: «كلما صادفني مقطعٌ مفيدٌ، أو رسالةٌ هادفةٌ، أحرصُ على إرسالها إلى أحفادي مع نصيحتي الدائمة لهم بالابتعاد عن اللغو».
ʼ عمتي شفيقة تسعى إلى تحقيق التوافق بين عملها الخيري وعائلتها، وأكثر ما يجذبني فيها أفكارُها المتطوِّرة دائماً، كما أنها مستمعةٌ من الطراز الأول، ولديها ذوقٌ رفيعʻ
تهاني الأيوب
الاستفادة من التجارب
تهاني الأيوب، حفيدة عبد العزيز المطوع شقيق السيدة شفيقة، التي أطلقت مبادرةً لتوثيق ذكريات العائلة من خلال لقاءاتٍ، تجريها مع سيداتٍ فيها، وتصوِّرها، وتبثها عبر حسابها في «إنستغرام»، شدَّدت في لقائنا بها على ضرورة الاستفادة من تجارب الجميع، مؤكدةً أن كبر السن شيءٌ جميلٌ، فكلما تقدَّم الإنسان بالعمر صار أكثر خبرةً. طلبنا من تهاني، بناءً على علاقة القرابة، أن تصف السيدة شفيقة بكلماتٍ فقالت: »يمكن أن أصفها بالإنسانية، والإيجابية، والمعطاءة، والدقيقة في عملها. هي تسعى إلى تحقيق التوافق بين عملها الخيري وعائلتها، وأكثر ما يجذبني فيها أفكارُها المتطوِّرة دائماً، كما أنها مستمعةٌ من الطراز الأول، ولديها ذوقٌ رفيع». وأضافت: «أشعر بأنها قريبةٌ من تفكيرنا، ولا تعارض أي شيءٍ جديدٍ، ودائماً ما تدعو لتجمُّع العائلة، وتحبُّ البساطة التي أصبحنا نفتقدها». وأكملت تهاني: «دائماً ما أحبُّ الاستماع إلى قصة نجاحها في مشروع الينابيع الجارية. كيف بدأت القصة، وكيف تطوَّرت إلى أن أصبحت من أهم المشروعات الخيرية في الكويت. السيدة شفيقة، تأمل دائماً أن تساعد أكبر قدرٍ من المحتاجين، وتتمنَّى لو أنها تملك مركزَ إيواءٍ كبيراً ومنظَّماً، يحتضنُ بالمجان كل شخصٍ، يمرُّ بظروفٍ صعبةٍ، ولا يجد سكناً، يلجأ إليه».
نصائح الجدة للأحفاد
وعدَّدت تهاني بعض النصائح التي تكرِّرها السيدة شفيقة دائماً على أحفادها، في مقدمتها ألَّا يترك الإنسان نفسه من دون عملٍ أو إنجازٍ، وألَّا يتمنَّى أن يرجع بالزمن إلى الخلف، لأن ذلك سيأخذ من تجاربه وخبراته، أو أن يقفز للمستقبل، فهذا الأمرُ سيأخذ من راحة باله، فالصحيح أن نعيش لحظاتنا في يومنا الذي أنعم الله عز وجل به علينا بكل ما فيه من نعمٍ مع أهلنا وأصدقائنا وعائلاتنا، فهم الثروة الحقيقية. ووصفت تهاني العلاقة التي ربطت السيدة شفيقة بوالدتها بالقول: «جمعتها بوالدتي، رحمها الله، علاقة انسجامٍ وودٍّ بفضل أعمارهما المتقاربة، وعضويتهما في لجنة الزكاة بدءاً بعام 1982، وهي أول لجنة زكاةٍ في الكويت».
المسنون في الكويت
وبمناسبة «اليوم العالمي للمسنين»، تطرَّقت تهاني إلى الخدمات المقدَّمة لهذه الفئة في الكويت بالقول: «تسعى الدولة إلى توفير مرافق خاصَّة بالمسنين، وأنديةٍ مختلفةٍ، وأن تكون لهم الأولوية في المرافق العامة، إلى جانب توفير الضمان الصحي الشامل». وفي ختام لقائنا، لقاء الذكريات، الحافل بالذكريات والطاقات الإيجابية، وجَّهت تهاني رسالةً خاصَّةً عبر «سيدتي» لشقيقة جدها السيدة شفيقة، جاء فيها: «إنجازاتكِ، وترتيب أولوياتكِ، جعلتنا نتمنى أن نكبر ونحذو حذوكِ».
يمكنك أيضاً الاطلاع على العلاقة بين الأجداد والأحفاد لا تتوقف على مجالستهم فقط
أما من لبنان وتحت عنوان "حب ودلال لا يعرف الحدود جدو نبيل : أحفادي مصدر سعادتي" التقت سيدتي جدو نبيل مع حفيدته نادية لتضيء على المحتوى العائلي بامتياز الذي يقدم على حسابهما ويتضمّن الفرح والضحك والرسائل الهادفة بامتياز.
كما التقينا تيتا ماري في لقاء تحت عنوان "المؤتمنة على الأسرار والأحفاد تيتا ماري: وجودي بين أحفادي هو سر سعادتي "