في عالمنا الحديث، أصبحت عادة مشاهدة الأفلام والبرامج التلفزيونية، سواء عبر الشاشات التقليدية أو الإنترنت، جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية. ومع هذا التحول الثقافي، لوحظ تزايد في عادة تناول الطعام أثناء هذه المشاهدات؛ ما يعكس تأثيراتها العميقة ليس فقط في تجربتنا الترفيهية، ولكن أيضاً في صحتنا البدنية والعقلية.
هذه العادة، التي قد تبدو بسيطة وغير ضارة، قد تحمل في طياتها تأثيرات سلبية على الصحة، مثل السمنة والأمراض ذات الصلة، لذلك من الضروري فهم تأثير سلوك تناول الطعام أمام الشاشة، والذي يعرف بـ«وقت الشاشة». لإلقاء الضوء على هذه المشكلة التقت «سيدتي» إرم عبد الله الباجري، أخصائية التغذية الإكلينيكية، أستاذ مساعد في جامعة الملك عبد العزيز، حاصلة على التخصص الدقيق في السمنة وإنقاص الوزن - علم النفس الغذائي.
إعداد : يسرا فيصل
يهدف هذا الموضوع إلى استكشاف العلاقة بين تناول الطعام أثناء مشاهدة التلفزيون أو الأفلام وتأثيره في زيادة الوزن، محللاً العوامل المختلفة التي تسهم في هذه الظاهرة. من الأكل من دون وعي، الذي غالباً ما يتم تجاهله، وصولاً إلى تأثير الإعلانات، وتمتد هذه العادة بسلاسة إلى نسيج ثقافتنا الحديثة، وتشكل جزءاً من روتين وقت الفراغ للكثيرين. سنقدم أيضاً نصائح عملية للحفاظ على وزن صحي أثناء الاستمتاع بأوقات الترفيه، مستكشفين كيف يمكن للممارسات البسيطة أن تحدث فرقاً كبيراً في عاداتنا الغذائية وصحتنا العامة.
كيف تؤثر مشاهدة الأفلام والبرامج التلفزيونية في الوزن؟
تؤدي مشاهدة التلفاز إلى زيادة الوزن لأسباب رئيسة عدة، وهي:
أولاً: الأكل بلا وعي
أثناء مشاهدة التلفاز، يميل الأشخاص إلى الانخراط في الأكل من دون وعي؛ حيث يتناولون الطعام بشكل آلي ومن دون تركيز؛ ما يؤدي إلى الإفراط في تناول الطعام، وعدم الانتباه إلى إشارات الجوع والشبع التي يرسلها الجسم.
يقلل الأكل من دون وعي، المعروف أيضاً بـ Mindless Eating، من الوعي بكمية الطعام المتناولة، ويمكن أن يسهم في تجاوز الكميات الموصى بها؛ ما يزيد من خطر زيادة الوزن والمشكلات الصحية الأخرى.
ووفقاً لدراسة نُشرت في المجلة الأميركية للتغذية السريرية، وُجد أن تناول الطعام أثناء التشتت، خاصةً أثناء وقت الشاشة، يؤدي إلى زيادة كبيرة في كمية الطعام المتناولة على الفور، ويؤثر في أنماط الاستهلاك اللاحقة؛ ما يزيد السعرات الحرارية الإجمالية المتناولة. وهذا يتعارض مع مفهوم الأكل الحدسي Intuitive Eating، الذي يشجع على الاستماع لإشارات الجسم وتناول الطعام استناداً إلى الجوع الحقيقي.
يمكن أن يؤثر استخدام الشاشة أثناء تناول الطعام سلباً على قدرة الفرد على التمييز بين الجوع الحقيقي والعاطفي؛ ما يقلل من فعالية الأكل الحدسي، ويسهم في الإفراط في الأكل وزيادة الوزن.
ثانياً: اختيارات غذائية غير صحية
غالباً ما يرتبط تناول الطعام أثناء مشاهدة الأفلام أو التلفاز بالوجبات الخفيفة والأطعمة المعالجة التي تكون عالية في السعرات الحرارية، والدهون، والسكريات. وهذه الأطعمة تزيد من خطر زيادة الوزن والمشكلات الصحية المرتبطة بنمط الحياة، كما تزيد من تناول السعرات الحرارية اليومية بشكل كبير؛ ما يؤدي إلى زيادة الوزن واضطرابات التغذية.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي هذا النوع من الأكل إلى تكوين عادات غذائية سيئة على المدى الطويل؛ حيث يصبح الجسم معتاداً على تلقي الطاقة من مصادر سريعة وغير مغذية. كما أن الافتقار إلى التنوع الغذائي والاعتماد على الأطعمة المصنعة يمكن أن يؤدي إلى نقص في العناصر الغذائية الأساسية؛ ما يؤثر سلباً في الصحة العامة والرفاهية.
ثالثاً: قلة النشاط البدني
إنّ قضاء وقت طويل في الجلوس ومشاهدة التلفاز يعني قضاء وقت أقل في الأنشطة البدنية، ويقلل من النشاط البدني؛ ما يؤدي إلى انخفاض في الحرق الأساسي للسعرات الحرارية. لذلك، عندما ينخفض النشاط البدني، ينخفض معدل الأيض؛ ما يقلل من كفاءة الجسم في حرق السعرات الحرارية، ويمكن أن يسهم في زيادة الوزن وتراكم الدهون.
رابعاً: تأثير الإعلانات
الإعلانات الغذائية، خاصة تلك التي تستهدف الأطعمة الغنية بالسعرات الحرارية والدهون، يمكن أن تزيد من الرغبة في تناول هذه الأنواع من الأطعمة؛ حيث لوحظ أن مشاهدة التلفزيون ترتبط بزيادة استجابات الجسم للمكافآت عند رؤية أطعمة مغرية. تؤدي الصور والإعلانات التي تعرض أطعمة شهية على شاشة التلفزيون إلى تحفيز مناطق المكافأة في الدماغ؛ ما يزيد من الرغبة في تناول هذه الأطعمة. هذا التأثير يمكن أن يقود الأشخاص إلى الرغبة في تناول الطعام حتى عند عدم الشعور بالجوع، وخاصة الأطعمة الغنية بالسعرات الحرارية والدهون والسكريات. وتشير هذه الظاهرة إلى كيفية تأثير وسائل الإعلام والبيئة المحيطة في عادات الأكل والاختيارات الغذائية.
خامساً: الأكل العاطفي
مشاهدة التلفاز، خاصةً عند مشاهدة برامج أو أفلام مشحونة عاطفياً، يمكن أن تؤدي إلى تحفيز الأكل العاطفي Emotional Eating؛ حيث يستخدم الأشخاص الطعام بوصفه وسيلة لتفريغ مشاعرهم. تعمل المشاعر القوية التي تثيرها هذه البرامج على تحفيز الرغبة في تناول الطعام بما هو طريقة للتعامل مع التوتر، والحزن، أو حتى الفرح.
يمكن لهذا النوع من الأكل أن يؤدي إلى تناول كميات كبيرة من الطعام من دون الشعور بالجوع الفعلي، وغالباً ما تكون هذه الأطعمة غنية بالسعرات الحرارية والدهون والسكر؛ ما يزيد من خطر زيادة الوزن، ويؤثر سلباً في الصحة العامة.
سادساً: صحة النوم
يؤثر الوقت الطويل أمام الشاشة سلباً في قدرتنا على النوم، والإرهاق، ومستويات الطاقة؛ ما يؤدي إلى عدم انتظام هرمون الليبتين (هرمون الشبع لدينا)، وزيادة هرمون الجريلين (هرمون الجوع)؛ ما يزيد بشكل عام من الجوع وتناول الطعام.
سابعاً: ارتباط الشاشة بتناول الطعام
من الناحية السلوكية، تخلق عادة الأكل أثناء المشاركة في الترفيه البصري استجابة مشروطة. تصبح الشاشة إشارة للأكل غالباً بغض النظر عن الجوع.
ما رأيك بالاطلاع على بعيداً عن زيادة الوزن... أغذية لتحسين حالة المزاج
"الأكل بوعي يقود إلى اختيارات غذائية صحية"
إرم الباجري
أخصائية تغذية إكلينيكية
هل تأثير مشاهدة التلفاز بكثرة مرتبط بعمر معين؟
لا يقتصر تأثير مشاهدة التلفاز بكثرة في الوزن على عمر معين، بل يمكن أن يؤثر في الأشخاص في جميع الأعمار، ولكن قد يختلف هذا التأثير بحسب الفئة العمرية:
أولاً: الأطفال والمراهقون
في هذه الفئة العمرية، يرتبط الجلوس لفترات طويلة أمام التلفاز بزيادة خطر الإصابة بالسمنة والأمراض المرتبطة بها. لا توصي منظمة الصحة العالمية بوقت الشاشة للرضع والأطفال بعمر سنة، أما الأطفال من عمر سنتين إلى أربع فمسموح لهم لمدة 60 دقيقة.
ثانياً: البالغون
بالنسبة إلى البالغين، يمكن أن يقلل الجلوس لمشاهدة التلفاز لساعات طويلة من الوقت المخصص للنشاط البدني، ويساهم في اتباع نمط حياة مستقر. وهذا يمكن أن يؤدي إلى زيادة الوزن ومشكلات صحية أخرى، مثل أمراض القلب والسكري من النوع الثاني.
ثالثاً: كبار السن
في هذه الفئة، يمكن أن يؤدي قضاء وقت طويل في مشاهدة التلفاز إلى نقص النشاط البدني وتدهور الصحة العامة، وقد يكون له تأثير سلبي في الوزن واللياقة البدنية. لا توجد توصيات خاصة، ولكن منظمة الصحة العالمية تنصح بتقليل الوقت الساكن واستبداله بالنشاط البدني.
يمكنك أيضًا الاطلاع على 7 أنظمة غذائية لا تتبعيها هذا العام.. إليك أفضل رجيم
هل يجب الامتناع عن مشاهدة التلفاز أو الأفلام لتجنب خطر زيادة الوزن؟
قد يعتقد البعض أن الترفيه البصري ومشاهدة الأفلام يشكلاً عائق لتبني وزن صحي، وهذا غير صحيح، والمطلوب التوازن وتطبيق بعض الاستراتيجيات التالية، التي قد تساعد للوصول إلى هذا التوازن:
أولاً: تجنب تناول الطعام أمام التلفاز
من الأفضل تناول الوجبات على الطاولة بدلاً من أمام الشاشة؛ لتعزيز التركيز على الطعام، والانتباه إلى إشارات الشبع بالجسم. تشير الأبحاث إلى أن قدرتنا على معالجة إشارات الشبع تعتمد بشكل كبير على تركيز انتباهنا أثناء تناول الطعام. وبالتالي، يمكن لهذه الممارسة أن تساعد في تبني الأكل الحدسي.
ثانياً: ممارسة الأكل بوعي Mindful Eating
يتطلب عمل هذه الممارسة جلب الوعي الكامل إلى تجربة تناول الطعام، بدءاً من اختيار الطعام وحتى كل قضمة. يتضمن ذلك إعطاء الانتباه الكامل للحظة الحالية، بما في ذلك الإحساس بطعم الطعام، وملمسه، ورائحته. من خلال هذه الممارسة، يصبح المرء على وعي بكيفية تأثير الطعام في جسمه وعقله، وتقدير كل لقمة يتناولها.
يساهم الأكل بوعي في تعزيز الاتصال بين الجسم والعقل؛ ما يقود إلى اختيارات غذائية أكثر وعياً وصحة.
ثالثاً: تحديد وقت مشاهدة التلفاز
احرص على تحديد وقت محدد لمشاهدة التلفاز بدلاً من تركه يعمل باستمرار. هذا يساعد على تقليل الوقت الذي تقضيه جالساً.
رابعاً: وضع خطة للوجبات
يمكن أن يساعد التخطيط للوجبات مسبقاً في تجنب الأكل غير الصحي والإفراط في تناول الطعام.
خامساً: اختيار وجبات خفيفة صحية
إذا كنت ترغب في تناول شيء أثناء مشاهدة التلفاز، فاختر الوجبات الخفيفة الصحية مثل الفواكه، والخضروات، والمكسرات، وفشار لايت، والزبادي قليل الدسم.
سادساً: ممارسة النشاط البدني
حاول دمج بعض التمارين الخفيفة أثناء مشاهدة التلفاز، مثل: التمارين الرياضية، أو المشي في المكان.
سابعاً: تجنب الإعلانات المغرية
قم بتغيير القناة أو إيقاف التلفاز خلال الإعلانات لتجنب التأثر بإعلانات الأطعمة غير الصحية.
ثامناً: شرب الماء
احرص على شرب الماء أثناء مشاهدة التلفاز للمساعدة في الشعور بالشبع وتجنب الأكل بدافع الملل.
تاسعاً: الوعي الذاتي
كن واعياً لعاداتك الغذائية أثناء مشاهدة التلفاز، وحاول تطوير استراتيجيات للتعامل مع الإغراءات والأكل العاطفي.
يمكنك متابعة الموضوع على نسخة سيدتي الديجيتال من خلال هذا الرابط محاذير الأكل خلال مشاهدة التلفاز