تتعرَّض مريضاتُ سرطانِ الثدي إلى تحدِّياتٍ مختلفةٍ خلال رحلةِ العلاجِ نحو الشفاءِ من المرض، إذ يمكن أن تنتابهن سلسلةٌ كاملةٌ من المشاعرِ المختلطة بدءاً بالشعور بالذنبِ لتجاهلِ الأعراض المبكِّرة للسرطان، وصولاً إلى الخوفِ من فقدانِ الثدي، أو حتى الوفاة. حول تعزيزِ قوَّة الإيجابيَّة في رحلتكِ مع السرطان، تشيرُ ناتالي رفُّول، الاختصاصيَّة في علمِ النفس العيادي، إلى أن هذه ليست المرَّة الأولى التي تتحدَّاكِ فيها الحياة. ليست المرَّة الأولى التي تصارعين فيها الظروفَ الصعبةَ من أجلِ البقاء، من أجلِ الشفاء، من أجلِ الحياةِ نفسها.
أنتِ تستحقين العيش
في مجتمعٍ مليءٍ بالتحدِّيات، والأدوارِ الجندريَّة، واللامبالاةِ لأنوثتكِ، كبرتِ لتكوني من أفضل البناتِ، والزوجاتِ، وحتى الأمَّهات. أنتِ تشاركين نساءَ العالمِ في أوجاعٍ كثيرةٍ، وربما حقَّقتِ انتصاراتٍ أكثر منهن بكثيرٍ. انتصاراتكِ لا تقتصرُ فقط على الشفاءِ من سرطانٍ، يحاولُ تدميرَ جسدكِ، بل وفي الإرادةِ داخلكِ أيضاً، فهي أعظمُ مقارنةً بغيركِ. وبما أن جزءاً كبيراً من انتصارِ هذه المعركة، يتوقَّف على طريقةِ تفكيركِ، وإيمانكِ بأنكِ تستحقين العيشَ، وعدمِ استسلامكِ مهما بدا الأمرُ مستحيلاً.
ما الأمورُ الأساسيَّة التي يمكن أن تفعليها لتمرَّ هذه المرحلةُ بأكثرِ الطرقِ صحيَّةً؟
- اتركي مساحةً بينكِ وبين الأشخاصِ الذين يستنزفون قوَّتكِ، ويمدُّونكِ بالطاقةِ السلبيَّة.
- أحيطي نفسكِ بأشخاصٍ داعمين، واسمحي لهم بمساندتكِ في أصغرِ التفاصيل.
- دوِّني أسئلتكِ، واطرحيها شخصياً على طبيبكِ.
- تابعي ملفَّكِ الطبي لتشعري بأنكِ تمسكين بزمامِ الأمور، وأنها تحت سيطرتكِ.
- تقبَّلي أن هناك أموراً وتغييراتٍ لا تستطيعين السيطرةَ عليها، لكنْ ما من شيءٍ مستحيلٍ، أو محتَّمٍ.
- أعطي جسدكِ الراحةَ خاصَّةً بعد الجلساتِ العلاجيَّة، فالإصغاءُ إلى احتياجاته، يجعله أكثر استعداداً للتعافي.
- اختاري ما يُريحكِ، وما يشبهكِ في الظهورِ للمجتمع مثل ارتداءِ شعرٍ مستعارٍ، أو عدمِ وضعه، وتذكَّري جيداً أن ظروفَ مرضكِ، ومراحلَ العلاج لا تدعو للخجل، بل على العكس، هي دليلٌ على قوَّتكِ، وتذكيرٌ لنا أن الحياةَ تستحقُّ المحاربةَ من أجلها.
- سامحي نفسكِ على تقلُّباتِ مزاجكِ، وتغيُّر تصرُّفاتكِ فما تمرُّين به من الطبيعي أن يُتعبكِ نفسياً، ويؤدي إلى اضطرابٍ في هرموناتِ جسدكِ.
- عند بدءِ رحلةِ العلاج، يُنصح بقضاءِ يومٍ مميَّزٍ مع أفرادِ عائلتكِ، والقيامِ معهم بأشياءَ تحبِّينها مثل التنزُّه، أو التسوُّق، أو حتى تناولِ الطعامِ خارجاً، ما يسهم في إمدادكِ بطاقةٍ إيجابيَّةٍ، والتخلُّص من مشاعرِ الألمِ والخوفِ من رحلةِ العلاج المضنية.
- تشجَّعي، ومارسي رياضةً خفيفةً لتساعدكِ في التخلُّص من المشاعرِ السلبيَّة التي يُخلِّفها مرضُ سرطانِ الثدي وعلاجاته.
دورِ الجانبِ النفسي في الشفاء
ركَّزت الدراساتُ الحديثةُ على دورِ الجانبِ النفسي في تحقيقِ نسبةٍ عاليةٍ من الشفاء لدى مريضاتِ السرطان من خلال رفعِ روحهن المعنويَّة حيث توصَّل الطبُّ أخيراً إلى أن السيطرةَ على المرض، لا يقتصرُ فقط على العلاجاتِ الحديثة، بل إن الدعمَ النفسي له دورٌ مهمٌّ أيضاً في رفعِ نسبةِ الشفاءِ والتعافي من المرض، إذ إن الحالةَ النفسيَّة لها تأثيرٌ كبيرٌ في الجهازِ المناعي ليقوى، ويقاومَ المرض. من هنا، فإن نتائجَ العلاج، تختلفُ من امرأةٍ لأخرى، كلٌّ حسبَ الدعمِ النفسي الذي تتلقاه من الزوجِ، والأبناءِ، والعائلةِ والأصدقاء، فكلّما كان هذا الدعمُ كبيراً، ارتفعت نسبةُ مقاومتها للمرضِ بتعزيز الجهازِ المناعي لديها، ليصبح تجاوبها مع بروتوكولِ العلاجِ الخاصِّ بحالتها أكبر من غيرها. هذه المساعدةُ النفسيَّة تدعمُ المريضةَ في التغلُّب على التوتُّر الذي تشعر به، والخوفِ الذي ينتابها حيث يقدِّم فريقُ الدعم النفسي الشرحَ اللازمَ لها حول طبيعةِ مرضها، وما ستمرُّ به. وحسبَ الأرقام، فإن نسبة 30% إلى 40% من الاستقرارِ النفسي لمريضاتِ الأورام، ينعكسُ إيجاباً على تحسُّن حالتهن الصحيَّة، وقد أثبتت دراساتٌ علميَّةٌ أن الحالةَ النفسيَّة للمريضة من أهمِّ مقوِّماتِ شفائها، ونجاحِ علاجها.
أن تكوني قويَّةً، لا يعني أن تُظهري للجميع أنكِ متماسكةٌ دائماً، وغير متأثِّرةٍ، فكبتُ حزنكِ ومشاعركِ، يمكنه أن يُتعب جهازكِ العصبي، ما يقلِّل من قدرتكِ على التحمُّل، ويُضعِف مناعتكِ. الحزنُ، والبكاءُ ردَّةُ فعلٍ نفسيَّةٌ طبيعيَّةٌ، ولأنه من الصعبِ جداً في هذه المرحلةِ المحافظةُ على الإيجابيَّة، لذا أعطي نفسكِ المساحةَ للتعبيرِ عن مشاعركِ، ومعاناتكِ، ومخاوفكِ، وأفكاركِ مع اختصاصي نفسي حتى يساعدكِ في تفريغها، ومتابعةِ المسير.
تشجَّعي، وشاركي في جلساتٍ علاجيَّةٍ نفسيَّةٍ ضمن مجموعاتٍ، وسترين أنكِ لستِ الوحيدة فهناك كثيرٌ من النساءِ اللاتي لديهن المعاناةُ نفسها، وستدعمن بعضكن في هذه الرحلة. إن رؤيةَ حالةٍ أصعبَ من حالتكِ، تحاربُ بقوَّةٍ، ستشجِّعكِ على أن تكوني قويَّةً، وأن تحاربي بشراسةٍ. لا تخافي من تناولِ أدويةٍ مضادةٍ للاكتئاب، يصفها لكِ الطبيبُ فهذا لا يدلُّ على أنكِ ضعيفةٌ، بل إن جسمكِ في حاجةٍ إلى ما يساعده على فرزِ هرمون السيروتونين لتبقي إيجابيَّةٍ، وبحالةٍ نفسيَّةٍ مستقرَّةٍ.
تذكَّري دائماً أنكِ أولويَّةٌ، ولا تشعري بالذنبِ على عدمِ قدرتكِ على الاهتمامِ بالآخرين مثلما كنتِ تفعلين سابقاً، فمَن حولكِ أيضاً في حاجةٍ إليكِ لتكوني بخيرٍ كيلا يخسروكِ أبداً.
أما نحن، فنتألَّم معكِ، نراقبكِ، نندهشُ من صمودكِ وقوَّتكِ، نتعلَّم منكِ كيف نستمتعُ بالحياة كأنَّها المرَّةُ الأخيرة، وكيف نخطِّط للمستقبل كأنَّنا نعيشُ أبداً. بعد مرافقتي لكثيرٍ من مريضاتِ سرطانِ الثدي، أقول لكِ: إنه يُدهشني حقاً تمسككِ بالحياةِ على الرغمِ من أن النتائجَ الطبيَّة، تشيرُ في بعض الأحيان إلى النهاية! تُدهشني محاولتكِ المستمرَّة والمتكرِّرة مع أنكِ تظنين أنكِ مستسلمةٌ! أرى قوَّةً في كلِّ دمعةٍ، صرخةِ ولادةٍ، مع كلِّ صرخةِ ألمٍ، استغناءٍ عن قيودٍ ماضيةٍ، مع كلِّ سقوطِ شعرةٍ من رأسكِ، والتحرُّر من هويَّةٍ، فُرِضَت عليكِ، ليصنع منكِ الألمُ هويَّةً أكثر جمالاً، أكثر نضجاً، أكثر صلابةً، وأكثر تحرُّراً.
من المهم الاطلاع الى أعراض سرطان الثدي التي يجب على كل امرأة معرفتها وفق طبيبة.
قصّة ناجية
شهادةٌ حيَّةٌ لناجيةِ من سرطانِ الثدي، تروي كيف تقبَّلت إصابتها بالمرضِ بطريقةٍ إيجابيَّةٍ جداً وتخطَّته.
تقولُ سناء دياب، التي تبلغُ 47 عاماً، وتعملُ في مجالِ الصحافة، في حديثها لـ «سيدتي»: «كنت وحدي في منزلي حين سمعتُ رنينَ هاتفي المتنقِّل. لم يكن اتصالاً عادياً. قرأتُ على الشاشةِ الصغيرةِ اسمَ المستشفى الذي أجريتُ فيه الفحوصاتِ الدوريَّة: مدام، مع الأسف، تبيَّن بعد الفحصِ أنكِ تعانين من ثلاثةِ أورامٍ سرطانيَّةٍ، اثنان منها في الصدرِ، والثالثُ في الغدد الليمفاويَّة. هذا ما قالته الطبيبةُ عبر الهاتف. خرجتُ من هذا الخبرِ المفاجئ على عجلٍ. سألتها عمَّا يمكنني فعله، فأشارت عليَّ بضرورةِ التحدُّث إلى طبيبٍ جرَّاحٍ. مَن؟ أضفتُ، فاقترحت عليَّ اسماً، ودوَّنتُ رقمَ الهاتف على دفترِ ملاحظاتي. انتهت المكالمةُ. بكيتُ بهدوءٍ، ثم نظرتُ إلى السماءِ، وقلتُ: الحمد لله. امنحني القوَّةَ يا رب. اتَّصلتُ بعدها بزوجي، وأعلمته بما حدث، فعاد إلى المنزلِ فوراً. قبل وصوله، استفدتُ من مساحةِ الوقت، وحدَّثتُ نفسي قائلةً: لن أموت. لديّ من القوَّة ما يكفي لمواجهةِ المرض. لن أنهار، سأعيش. نعم، قرَّرتُ خلال دقائقَ قليلةٍ ألَّا أدع العواطفَ تغلبني، وأن أجعل عقلي سيِّد الموقف. أبلغني الطبيبُ الجرَّاح بضرورةِ أن أخضع لعمليَّة استئصالٍ لكاملِ الثدي، والغددِ الليمفاويَّة. أبديتُ استعدادي التام لذلك، وتمَّ الاتفاقُ على موعدِ الجراحة. في ذلك اليوم، أصبحتُ أكثر إصراراً على المواجهةِ حين قدَّم لي زوجي كلَّ ما أحتاج إليه من دعمٍ نفسي. قال لي: لا تجزعي، سأدعمكِ بكلِّ ما أوتيت من قوَّةٍ. بعد ذلك قرَّرتُ إبلاغ عائلتي، فكتبتُ على مجموعةِ واتساب: أنا مصابةٌ بالسرطان، شجِّعوني».
تضيفُ: «بعد أيامٍ قليلةٍ، خضعتُ للعمليَّة الجراحيَّة. تمَّ استئصالُ كاملِ الثدي المصاب، وفي مساءِ ذلك اليوم، قرَّرتُ التصالحَ مع واقعي الجديد، وذهبتُ إلى حمَّام غرفتي في المستشفى خلسةً، ونظرتُ إلى موضعِ البتر. تعافيتُ من أثرِ الجراحةِ خلال مدةٍ قياسيَّةٍ، وأعاد الطبيبُ الأمرَ بأن أعتمد نمطَ حياةٍ صحياً، وأكد أن جسمي خالٍ من السموم. اتَّبعتُ كلَّ إجراءاتِ ما بعد العمليَّة إلى أن حان موعدُ أولى جلساتِ العلاجِ الكيميائي. في الليلةِ السابقةِ لها، عزمتُ على النومِ في وقتٍ مبكِّرٍ، ولعددِ ساعاتٍ كافٍ، وفي صباحِ اليوم التالي، كان عليَّ بدءُ رحلةٍ جديدةٍ. كانت مدةُ الجلسةِ الأولى طويلةً إلى حدٍّ ما، ووُضِعت على رأسي قبَّعةٌ جليديَّةٌ لتمنعَ تساقطَ الشعر. رجوتُ زوجي أن يغادر إلى مكانِ عمله. رفض، فكرَّرتُ الطلبَ حتى تمكَّنت من إقناعه بالذهاب».
تتابعُ الناجية: «أيقنتُ أن مدةَ العلاجِ طويلةٌ، لذا يجب ألَّا تتوقَّف حياةُ المقرَّبين مني بسببها. حرصتُ على جعلهم يشعرون بالاطمئنان، وعلى دفعهم إلى التصرُّفِ كما لو أنني أعاني من مرضٍ عادي.
هكذا أصبحت جلساتي الـ 16 مناسبةً لأعيدَ النظرَ في كثيرٍ من شؤونِ حياتي، وفي نهجِ التفكيرِ الخاصِّ بي، وفي بعضِ سلوكياتي. كذلك كانت فرصةً لأتابع عملي، وأؤدي فروضَ اللغةِ الألمانيَّة. نعم، لم تكن الجلساتُ ثقيلةَ الظلِّ، بل كانت خفيفةَ الوزنِ، وسهلةً على الرغم من أنها أدَّت إلى معاناتي من آثارٍ جانبيَّةٍ مزعجةٍ. غثيانٌ، قيءٌ، ألمٌ في كلِّ أنحاءِ الجسم، بثورٌ موجعةٌ في الفم، وألمٌ في أصابع اليدين. في الجلسةِ الثانيةِ وما بعدها، رفضتُ وضع القبَّعةِ الجليديَّة. قصصتُ شعري، وأعلنتُ استعدادي لفقدانه. قرَّرتُ تحمُّل كلِّ التبعات، كلِّ النتائج، كلِّ الأعراض، لأنني كنت أعلمُ تماماً أنها مجرَّد مرحلةٍ عابرةٍ، مجرَّد جولةٍ في معركةِ الحياةِ الطويلة. والآن وُلِدت من جديدٍ. أصبحت أكثر قوَّةً، أكثر قدرةً على مواجهة المصاعب، أكثر تفاؤلاً، ابتساماً وإيجابيَّةً. أنا مستعدِّةٌ دائماً لتقديمِ الدعم النفسي لكلِّ مَن يحتاج إليه من أمثالي من مرضى السرطان».
يمكنك متابعة الموضوع على نسخة سيدتي الديجيتال من خلال هذا الرابط
*ملاحظة من "سيدتي": قبل تطبيق هذه الوصفة أو هذا العلاج تجب استشارة طبيب مختص.