مرحلة ذهبية يعيشها قطاع الأزياء في المملكة العربية السعودية، تنمو فيها الصناعة بشكل متسارع ومتين، وتكبر العلامات التجارية المحلية، وتتنوع الأحداث والفعاليات المتخصصة مستقطبةً رواد هذه الصناعة من كل أنحاء العالم من اتحادات ومنظمات وشركات، ومشكلة منصة تواصل بينهم وبين قادة هذه الصناعة في السعودية.
ولأن الأزياء صناعة مهمة ومادة تصدير ثقافي أساسي للدول الأوروبية التي تُعد مدنها مقارّ للعديد من بيوت الأزياء المعروفة، استضافت العاصمة السعودية الرياض مؤخراً مجموعة متمثلة بعدة اتحادات وشركات كبرى من مختلف الدول الأوروبية بالإضافة إلى تركيا، تمثل قطاعاتٍ مختلفةً من صناعة الملابس والأقمشة إلى الأحذية والجلود والفراء وغير ذلك.
هذه الاستضافة أتت على هامش SAUDI LIFESTYLE WEEK 2024، الحدث الذي تمت فيه مناقشة الصناعة بشكل مفصل بدءاً من العادات الاستهلاكية في المملكة العربية السعودية، إلى المهارات التصميمية والإبداعية ونمو العلامات المحلية، والتصنيع، والتصدير والاستيراد وتواجد العلامات التجارية العالمية وصولاً إلى قطاعات مكملة كالتسويق والإعلان والإعلام الخاص بقطاع الأزياء.
"سيدتي" التقت الوفد الزائر وكان لنا معهم نقاش مثر حول قطاعات الأزياء المتعددة وواقعها الاقتصادي اليوم، وأجمع ممثلو الاتحادات والشركات التي ضمها الوفد على أهمية هذا النوع من الزيارات، التي من شأنها توضيح الصورة حول نقاط التشابه والاختلاف بين الأسواق المختلفة ومواطن النمو الرئيسية في السوق السعودي.
الخصوصية الثقافية
فيديريكا دوتوري، رئيسة قسم الترويج الدولي في الاتحاد الإيطالي للنسيج والأزياء SMI (Sistema Moda Italia) تحدثت عما يمثله هذا الوفد من خبرات ومعرفة، قائلة: "نحن كأوروبيين واجهنا أوضاعاً مشابهة من حيث السوق، لذا نحن نفهم بعضنا البعض ولهذا نحن هنا اليوم معاً للتركيز على مسائل تهمنا وأتينا هنا لتكوين معرفة عميقة حول هذا السوق وهذا المجتمع والمساهمة في تعزيز نموه وسنحصل على مساعدة من المصممين المحليين للتعرف إلى الخصوصية الثقافية في هذا المجتمع. نظمنا مجموعة من ممثلي المنظمات والشركات الأوروبية وكانت لنا فرصة لنقوم معا بزيارة قطاع التجزئة في السعودية والالتقاء بمنظمي الأحداث والفعاليات الكبرى والإعلام، وهذا ساعدنا على فهم السوق والتحديات فيه بشكل أكبر وعندما سنعود إلى بلادنا سنعلم الشركات هناك ما الذي يحتاجونه تعلمه قبل دخول هذا السوق".
وأضافت: "أنا سعيدة جداً أن أكون في الرياض ممثلة الاتحاد الإيطالي الذي يجمع كل الشركات في مجال الخياطة والأقمشة والطباعة والتصميم لمختلف الفئات، نحن نمثل خط الإنتاج المباشر في قطاع الأزياء في إيطاليا وكنا نتساءل حول الفرص التي يحملها لنا السوق السعودي ولهذه الشركات التي تركز بشكل كبير على الاستدامة والإبداع التقني مع خبرة لأكثر من 200 عام، حيث بدأت كشركات عائلية واستمرت".
من جهته أكد كوراي سوس، من وكالة EXPOTIM التركية: "تواجدنا هنا يحقق المنفعة لكافة الأطراف، ويدعم المصنعين والمستهلكين والتجار في المملكة وفي الدول التي أتينا منها، من خلال بناء علاقات عملية تخدم القطاع وترفع مستوى العمل فيه".
اشتروا أقل، اشتروا بعناية..
مارلين أوليفيرا، رئيسة الوحدة الدولية فيCENIT البرتغال، أشارت في حديثها لـ"سيدتي" إلى أنه "يوجد تجمع متكامل وسلسلة قيمة متكاملة في أوروبا وخاصة في البرتغال"، وأضافت: "لدينا مدارس أزياء رائعة ولدينا تصنيع ولدينا فعاليات خاصة بالأزياء ونحن نصنع دولة مُصدرة في هذا المجال، واعتدنا التواجد في فعاليات تجارية وعروض أزياء في باريس في نيويورك ولندن وطورنا مشاريع مصممة بعناية وبجودة عالية، وكل هذا يجعلنا قيمة مضافة في القطاع ويعزز نشر المنتجات الأوروبية".
وتابعت حديثها بالقول: "بشكل عام نحن مستعدون لتقديم منتجات عالية الجودة وفاخرة لكن تراعي في الوقت نفسه مفاهيم الاستدامة وحماية البيئة وإنتاج منتجات يمكن إعادة استخدامها للسنوات وإعادة تدويرها وهذا ما يجعل المشاريع تبقى فعالة لوقت طويل، ولهذا نقول اشتروا أقل لكن اشتروا بطريقة أفضل وبهذه الطريقة نحن بيئتنا ونحمي مستقبلنا".
إيجاد الهوية
ماتيو سكاربارو، رئيس قسم التجارة العالمية وخدمات الأعمال في ANCI (Assocalzaturifici) – إيطاليا، اعتبر في حديثه لـ"سيدتي" أن "هناك هوامش عديدة لتطوير صناعة الأزياء في السعودية لا سيما في ظل رؤية 2030"، وأضاف: "نحن نسعى لتكوين فهم عميق لهذا البلد وثقافته وسوقه ونرى الكثير من الأحداث الضخمة التي تقام هنا الآن مثل أسابيع الأزياء وغيرها، لذا أتينا لنرى أنه في حال كانت علاماتنا ستتواجد هنا فكيف سيكون هذا التواجد وما الذي سيحققه".
وفي سياق حديثنا معه عن ريادة الأعمال توجه سكاربارو بنصيحة لرواد الأعمال في مجال الأزياء قائلاً: "عليكم إيجاد هوية قوية في القطاع وإقناع المستهلك مصادر إلهام الخاصة بعلامتكم وأن تكون لديكم قصة تروونها من خلال هذه العلامة، وعليكم تحديد مصادر للاستثمار في هذه العلامة"، وتابع: "الجودة أيضاً تلعب دوراً كبيراً وهي إحدى أهم القيم التي يجب التركيز عليها".
اقرؤوا أيضاً: فنون التراث تستعرض كنوزها الخفية في أسبوع الأزياء في الرياض
حلول مستدامة
حديثنا مع جواو مايا، المدير العام لـAPICCAPS (منظمة الأحذية البرتغالية)، تناول قطاع صناعة الأحذية في البرتغال وما تشهده هذه الصناعة من تغيرات، فقال: "سأتحدث بالتحديد عن التزامنا بمفهوم الاستدامة، حيث لدينا مشروع متكامل لتطوير المواد وتقديم حلول مستدامة لصناعة الأحذية، وهذا المشروع تم تمويله بمبلغ 140,000,000 يورو وسيتم تنفيذه خلال السنوات الثلاث المقبلة، هذا المشروع يقوم على عدة دعائم منها المواد ذات الأسس الحيوية، والمواد المعتمدة على مواد طبيعية"، وأضاف: "مثلاً في ما يخص الجلود الذي يعد أمراً جدلياً قد يصعب شرحه للبعض، نحن لا نربي الحيوانات للحصول على جلودها، وإنما نستفيد من الجلود التي هي بقايا قطاع الطعام، فلا تهدر من دون الاستفادة منها، وبشكل أساسي الجلود الطبيعية لها جوانب تتعلق بالاستدامة ونحن قادرون على إثباتها وهناك أيضاً العديد من المواد الطبيعية من الأشجار والتي يمكن الاستفادة منها دون قطع الأشجار، ثم بعد كل ذلك لدينا عمليات تصنيع الأحذية ومستوى المواد الكيميائية التي تستخدم تشغيل المصانع ونحن نتطور بشكل مذهل في إيجاد الحلول المبتكرة لذلك وتقليل تواجد الكربون في منتجاتنا، ونحن نأمل أن نأتي بكل ذلك إلى هنا لأننا نرى كيف أن السعودية تطورت اقتصادياً بشكل مذهل".
وفي قطاع صناعة الأحذية تحدثنا أيضاً إلى السيد مانفريد يونكرت، الرئيس التنفيذي لـ HDSL (منظمة الأحذية الألمانية)، والذي تحدث بشكل محدد عن التميز الأوروبي في هذا القطاع، قائلاً: "هناك العديد من العناصر التي يمكن ذكرها في هذا السياق، لكن بالنسبة للصناعة الأوروبية فهي مبنية 100% على أسس تقليدية تعني بشكل أساسي الخبرة والمعرفة وخلاصة التفاعل العالمي، وشراء منتجات أوروبية تعني الاستفادة من عقود من الخبرة والمعرفة في هذا المجال"، وأضاف: "أما في التفاصيل، فعلينا التحدث عن الإبداع في التصميم وعن الاستدامة ومواكبة الأنماط المعاصرة للصناعة، حيث أننا في أوروبا بتنا مثلاً نستخدم الذكاء الاصطناعي في العديد من العمليات".
جدلية قطاع الفرو
أما قطاع الفرو الذي يعد من القطاعات الجدلية في مجال الأزياء، كونه يحظى بشعبية من جهة ومعارضة من جهة أخرى لا سيما من قبل أشخاص وجهات ومنظمات تنادي بحقوق الحيوان، فناقشناه مع كيران محمود، المديرة المالية ورئيسة الموارد البشرية والامتثال في IFF (الاتحاد الدولي للفراء)، والتي بدأت حديثها بالقول: "كنا هنا لبضعة أيام للمشاركة في SAUDI LIFESTYLE WEEK وكانت أياماً رائعة وغنية، تعرفنا إلى الكثير من الأمور المهمة حول صناعة الفرو وكيف تجد طريقها ضمن هذا السوق هنا وقمنا بعدد من الزيارات المليئة بالمعلومات حول السوق والثقافة في العاصمة السعودية".
وتابعت حديثها بالقول: "في اتحاد الفرو العالمي لدينا 55 منظمة كأعضاء من أكثر من 40 دولة حول العالم، وهذه المنظمات لديها تحت مظلتها أعضاء آخرون، لذا لدينا قاعدة كبيرة من الأعضاء وعملنا يتوزع ما بين التجارة والتصنيع"..
وأضافت: "نعم، عن قطاعنا قطاع جدلي لكننا وكما الصناعات الأخرى، نواجه تحديات لكننا نحتوي هذه التحديات بأفضل ما يمكن، فمثلاً القيود المتعلقة برعاية الحيوان، نحن نحرص أن المواد التي تخرج من تحت مظلة الاتحاد تكون منتجة بطريقة أخلاقية وقابلة للتتبع".
وأشارت كيران محمد إلى أن: "هناك العديد من المشاهير الذين يؤخذون بالحملات المقاطعة لهذه الصناعة لكن هناك في الجانب الآخر عدداً كبيراً من المشاهير والشخصيات المؤثرة التي تحب الفرو الطبيعي".
وأضافت: "بالنسبة لنا إن الادعاء أن الفرو الصناعي صديق أكثر للبيئة هو ادعاء غير صحيح، فهو يحتوي على الكثير من المواد الكيميائية والبلاستيك بينما الفرو الطبيعي مستدام وصديق للبيئة ويحتضن تراث وثقافة ممتدة لسنوات".
وفي المجال نفسه كان لنا حديث مع روسيو مينجيز، الأمينة العامة ومديرة الاتصالات في SFA (رابطة الفراء الإسبانية)، والتي أكدت: "النظر لقطاع الفرو بعين التعاطف مع الحيوانات هو أمر رائج جدا الآن في أوروبا والعالم لكن علينا أن ننظر إلى ما مدى متانة وجودة القطعة، وكم مرة يمكن استخدامها"، وأضافت: "الفرو الطبيعي يمكن أن يحافظ على جودته حتى 50 أو 70 عاماً ويمكن تمريره للأجيال ويمكن إعادة تغيير شكله أو حتى تدويرها ونحن ندري أن كونه من مصدر حيواني هو أمر يثير الجدل مؤخراً، لكنه برأينا أفضل بيئياً بكثير من البدائل التي تطرح".
أخيراً، يُذكر أن زيارة الوفد الأوروبي للرياض نظمتها شركة معارض الرياض بالتعاون مع شركة هونيغر، الشركة الإيطالية المتخصصة بالتسويق وتنظيم المعارض التجارية، وقد حضر إداريون من الشركتين خلال لقاءات الوفد مع جهات متعددة في المملكة، منهم هيئة الأزياء وجمعية الأزياء وعلامات تجارية محلية وغير ذلك.
ومن الأحداث الرئيسية في قطاع الأزياء في السعودية اليوم يأتي أسبوع الأزياء في الرياض، لذا اقرؤوا معنا: في ختام أسبوع الأزياء في الرياض ماذا حقق هذا الحدث؟