عالم الأطفال مليء بالتعقيدات والأسرار، يدهشنا بقدرته على الجمع بين النقيضين: الهدوء والصخب، البساطة والتعقيد، العبقرية والتحديات، الذكاء وفرط الحركة لدرجة التشتت وعدم التركيز، ومن بين التحديات التي تواجه الآباء والأطفال في مراحلهم العمرية المبكرة مرض اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه (ADHD)، الذي يُعدّ من أكثر الاضطرابات شيوعاً بين الأطفال.
لكن ماذا لو كان لهذا الاضطراب علاقة وثيقة بالذكاء؟ قد يبدو الأمر غريباً، لكن الحديث مدعوم بعدد كبير من الدراسات العلمية، التي تؤكد ارتباط الذكاء العالي باضطراب وتشتت يعيق التركيز؟ وكيف يمكن للأهل والمربين تفهم التعامل مع هذه المعضلة؟ اللقاء والدكتورة فاطمة الشناوي أستاذة طب النفس ومحاضرة التنمية البشرية لحل ذلك اللغز، والاجابة عن السؤال: اضطراب فرط الحركة لدى الطفل بين الذكاء والعبقرية والتشتت والتحدي؟
ذكاء الأطفال: هدية أم تحدٍّ؟
الذكاء، يعني القدرة على الفهم، التفكير النقدي، والإبداع في حل المشكلات، والأطفال الأذكياء غالباً ما يظهرون مهارات متقدمة في وقت مبكر، مثل سرعة تعلم اللغات، التفكير المنطقي، أو حبهم للاستكشاف والبحث.
ومع ذلك يُلاحظ أن هؤلاء الأطفال أحياناً يعانون من مشكلات سلوكية، أبرزها عدم القدرة على الجلوس بهدوء لفترة طويلة أو التململ المستمر، مما يقومون به من رسم وتلوين أو قراءة قصة أو حتى مشاهدة الشاشات.
بعض العلماء يعتبرون أن الذكاء العالي قد يكون سبباً في زيادة نشاط الدماغ، مما يؤدي إلى ظهور أعراض تشبه اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه.
والطفل الذكي غالباً ما يشعر بالملل من الأنشطة التقليدية الموجهة للأطفال في عمره، فيبحث عن تحديات جديدة قد تخرجه عن نطاق السلوك المتوقع.
تعرفوا إلى مهارات التفكير النقدي لحل المشكلات.. حتى تكسبي الكثير.
ما هو اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه؟
اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه هو حالة عصبية تؤثر على قدرة الطفل على التركيز، أو التحكم في سلوكه، أو المحافظة على مستوى مناسب من النشاط، ويتميز هذا الاضطراب بثلاثة محاور رئيسية:
- نقص الانتباه: يجد الطفل صعوبة في التركيز على المهام، يتشتت بسهولة، ويفقد اهتمامه سريعاً بما يفعل أو ما هو منشغل به.
- فرط الحركة: يتحرك الطفل بشكل مفرط، لا يستطيع الجلوس لفترة طويلة، ويشعر برغبة دائمة في الحركة.
- الاندفاعية: يتصرف الطفل دون التفكير في العواقب، ويجد صعوبة في انتظار دوره أو التحلي بالصبر، وفقاً للإحصائيات العالمية، يؤثر هذا الاضطراب على حوالي 5-7% من الأطفال في سن المدرسة الأولية، وتختلف شدته من طفل لآخر.
العلاقة بين الذكاء واضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه
رغم أن اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه يُنظر إليه أحياناً كعائق للتعلم، إلا أن العديد من الدراسات أظهرت أن هناك ارتباطاً مثيراً بين الذكاء العالي وظهور أعراض هذا الاضطراب، وفي الواقع، يمكن تلخيص العلاقة بين الذكاء واضطراب فرط الحركة في النقاط التالية:
زيادة النشاط الدماغي: الأطفال الأذكياء لديهم أدمغة أكثر نشاطاً، مما قد يجعلهم أكثر عرضة للتشتت وعدم القدرة على التركيز لفترات طويلة.
الشعور بالملل: الطفل الذكي غالباً ما يتخطى المستوى التعليمي المخصص لعمره، فيشعر بالملل ويتصرف بسلوكيات تبدو كأنها اندفاعية أو مفرطة الحركة.
التفكير المتعدد: الأطفال الأذكياء يميلون إلى التفكير في عدة أشياء في وقت واحد، مما يجعل من الصعب عليهم الالتزام بمهمة واحدة.
الإبداع المفرط: يرتبط الذكاء العالي بالإبداع، لكن الإبداع يحتاج إلى مساحة من الفوضى والحرية، مما قد يجعل الطفل يبدو غير منظم أو مشتتاً.
الجانب الإيجابي لفرط الحركة ونقص الانتباه عند الأذكياء
رغم أن اضطراب فرط الحركة قد يسبب مشكلات في الأداء الأكاديمي والاجتماعي، إلا أن له جوانب إيجابية، خاصة عندما يتعلق الأمر بالأطفال الأذكياء، هؤلاء الأطفال غالباً ما يظهرون مهارات استثنائية في:
- الإبداع والابتكار: لديهم قدرة فريدة على التفكير خارج الصندوق.
- حل المشكلات: يميلون إلى رؤية المشكلات من زوايا مختلفة، مما يجعلهم متميزين في إيجاد حلول غير تقليدية.
- القيادة: طاقة فرط الحركة قد تتحول إلى حافز قوي للقيادة والتأثير الإيجابي في الآخرين.
التحديات التي تواجه الأهل والمربين
التعامل مع طفل ذكي يعاني من اضطراب فرط الحركة يتطلب وعياً خاصاً وتوازناً دقيقاً بين احتواء ذكائه وإدارة طاقته، وتشمل هذه التحديات:
التوفيق بين احتياجاته التعليمية والسلوكية:
قد يحتاج الطفل إلى برامج تعليمية متقدمة تتناسب مع ذكائه، لكن في الوقت نفسه، يحتاج إلى دعم خاص لإدارة سلوكه.
التعامل مع الإحباط:
يشعر الأهل أحياناً بالإحباط بسبب صعوبة السيطرة على عادات وتصرفات الطفل، لكن الصبر والفهم هما المفتاح.
الحفاظ على ثقته بنفسه:
الطفل الذكي قد يشعر بالإحباط إذا تم التركيز على جوانبه السلبية فقط.
كيفية دعم هؤلاء الأطفال
لحسن الحظ، هناك استراتيجيات فعّالة يمكن أن تساعد الأطفال الأذكياء المصابين باضطراب فرط الحركة على تحقيق إمكاناتهم الكاملة.
- تعزيز التعليم المخصص: توفير بيئة تعليمية تناسب احتياجاتهم الفكرية والسلوكية.
- الاهتمام بالأنشطة البدنية: تساعد الرياضة في تفريغ طاقة الطفل الزائدة.
- التواصل الإيجابي: بناء علاقة قائمة على الحوار والثقة بين الطفل والأهل.
- الاستفادة من التكنولوجيا: استخدام التطبيقات والألعاب التعليمية التي تجمع بين المتعة والتعلم.
- الاستعانة بالمتخصصين: اللجوء إلى أطباء نفسيين ومعالجين متخصصين لتقديم الدعم اللازم.
*ملاحظة من "سيدتي": قبل تطبيق هذه الوصفة أو هذا العلاج، عليك استشارة طبيب متخصص.