مع تطور المجتمعات وتغير الأدوار الأسرية، لم يعد دور الأب مقصوراً على كونه المعيل المالي للأسرة، بل بات يشمل أبعاداً أعمق، تتعلق بالدعم العاطفي والتوجيه التربوي وتعزيز الاستقرار الاجتماعي للأسرة، في هذا التقرير نستعرض أبرز الجوانب التي تؤكد على أهمية دور الأب في استقرار الأسرة ورفاهية الأطفال من الناحية المالية والعاطفية والاجتماعية مع تقديم حلول عملية لتعزيز هذا الدور في ظل التحديات المعاصرة. التقت "سيدتي" الدكتور محمود حجازي استشاري طب نفس الطفل؛ لشرح تفاصيل دور الأب وتأثيره على أطفاله وتداعيات عدم وجوده أيضاً.
دور الآباء

لا شك أن دور الأب في استقرار الأسرة ورفاهية الأطفال يشكل عنصراً جوهرياً لا يمكن إغفاله، فإلى جانب كونه مصدراً للدعم المالي، يضطلع الأب بدور تربوي وعاطفي واجتماعي، يسهم في تنشئة جيل متوازن نفسياً واجتماعياً.
وهذا الدور يتطلب جهوداً تكاملية من الأسرة والمجتمع وصناع القرار، لضمان بيئة أسرية داعمة تُمكّن الأطفال من النمو في أجواء آمنة ومستقرة، مما يعزز رفاهيتهم وإحساسهم بالأمان ويسهم في بناء مجتمع أكثر تماسكاً وازدهاراً.
الدور المالي للأب وتأثيره على استقرار الأسرة
يمثل الاستقرار المالي إحدى الركائز الأساسية لنجاح الأسرة؛ حيث يساهم الأب من خلال دوره الاقتصادي في توفير متطلبات الحياة الأساسية، مما ينعكس إيجاباً على الصحة النفسية والاجتماعية للأطفال.
الأطفال الذين ينشأون في أسر مستقرة مالياً يتمتعون بمعدلات نجاح أكاديمي أعلى بنسبة 30% مقارنة بأقرانهم من الأسر التي تعاني من ضغوط مالية؛ فالاستقرار الاقتصادي يلعب دوراً حاسماً في تكوين بيئة داعمة لنمو الأطفال وتطورهم بشكل صحي.
كما أن الاستقرار المالي يساهم في تحسين جودة الحياة داخل الأسرة؛ حيث يوفر للأبناء فرصاً أفضل في التعليم، والرعاية الصحية، والمشاركة في الأنشطة الترفيهية والثقافية التي تعزز مهاراتهم وتوسع مداركهم.
كما أن الاستقرار الاقتصادي يقلل من التوتر داخل الأسرة، مما يخلق بيئة أكثر انسجاماً بين الوالدين، ويحد من النزاعات العائلية التي قد تؤثر سلباً على الأطفال.
من ناحية أخرى، فإن الضغوط المالية قد تؤدي إلى شعور الأطفال بعدم الأمان والقلق بشأن المستقبل، مما يؤثر على صحتهم النفسية وأدائهم الدراسي.
حرصاً على صحة طفلك النفسية.. عشرات الخطوات تابعيها داخل التقرير
دور الأب ركيزة لدعم الطفل عاطفياً

إلى جانب المسؤولية المالية للأب، يبرز الدور العاطفي كعامل أساسي في تعزيز الاستقرار الأسري؛ فالأب الحاضر عاطفياً يساهم في بناء ثقة الأطفال بأنفسهم، مما يقلل من احتمالات تعرضهم للمشكلات النفسية.
دراسة صادرة عن منظمة الصحة العالمية أشارت إلى أن الأطفال الذين يحظون بعلاقة دافئة مع آبائهم أقل عرضة للإصابة بالاكتئاب بنسبة 25%، لذلك، فإن تفاعل الأب مع أبنائه، عبر الحوار أو الأنشطة المشتركة، يخلق بيئة أسرية مشجعة لنموهم النفسي والاجتماعي بشكل صحي.
كما أن الدعم العاطفي من الأب يلعب دوراً أساسياً في تطوير الذكاء العاطفي لدى الأطفال؛ حيث يساعدهم على التعرف إلى مشاعرهم والتعامل معها بشكل صحي.
الآباء الذين يستمعون إلى أبنائهم ويعبرون عن حبهم واهتمامهم يساهمون في تحسين قدرتهم على التعامل مع الضغوط والتحديات الحياتية، علاوة على ذلك، فإن الأطفال الذين يشعرون بالدعم العاطفي من آبائهم يكونون أكثر قدرة على بناء علاقات اجتماعية ناجحة.
الدور التربوي والاجتماعي للأب في تنشئة الأبناء

يُعد الأب عنصراً أساسياً في غرس القيم الأخلاقية والاجتماعية لدى الأطفال؛ حيث يسهم من خلال توجيهه ومشاركته في الأنشطة اليومية في بناء شخصية متوازنة لديهم.
والأبحاث الحديثة تشير إلى أن الأسر التي يشارك فيها الآباء في التربية اليومية وأعمال المنزل، تشهد زيادة في التحصيل الدراسي للأطفال بنسبة تصل إلى 20%.
وهذا يؤكد أن انخراط الأب في الحياة اليومية للأبناء لا يعزز فقط الروابط العاطفية والأسرية، بل يرسّخ لديهم مفاهيم المسؤولية والانضباط واحترام الآخرين.
دور الأب وأهمية مشاركته في تطوير مهارات أطفاله

إضافةً إلى هذه الأدوار، فإن الأب يلعب دوراً حيوياً في تطوير مهارات الأطفال الاجتماعية، من خلال تعريفهم بأهمية التعاون والعمل الجماعي.
عندما يكون الأب نموذجاً يُحتذى به في الالتزام والانضباط والاحترام، فإنه يغرس هذه القيم في أبنائه، مما يساعدهم على تحقيق نجاح أكبر في حياتهم المهنية والاجتماعية مستقبلاً.
كما أن مشاركة الأب في الأنشطة المدرسية والرياضية والثقافية للأبناء تعزز من ثقتهم بأنفسهم وتحفزهم على تحقيق طموحاتهم.
الأطفال الذين ينشأون في بيئة يتفاعل فيها الأب بشكل إيجابي، يكونون أقل عرضة للسلوكيات السلبية مثل: التنمر أو العزلة الاجتماعية.
أنشطة تنمية مهارات التفكير عند الأطفال.. تتبعي تفاصيلها بالتقرير
تداعيات غياب الأب أو ضعف دوره في الأسرة
يترتب على غياب الأب أو ضعف دوره انعكاسات سلبية متعددة على الأسرة، خاصة فيما يتعلق بالسلوكيات الاجتماعية والنفسية للأطفال؛ حيث إن الأطفال الذين ينشأون في بيئة يغيب فيها الأب عن دوره الفعّال، يكونون أكثر عرضة للمشاكل السلوكية بنسبة 30%، كما يرتفع لديهم معدل التسرب المدرسي والجنوح نحو السلوكيات غير السوية.
وعليه، فإن وجود الأب ليس مجرد حضور فيزيائي، بل يجب أن يكون تفاعلياً ومؤثراً في حياة الأبناء لضمان توازنهم النفسي والسلوكي، بالإضافة إلى ذلك، فإن غياب الأب قد يؤدي إلى شعور الأطفال بعدم الأمان العاطفي، مما ينعكس على سلوكهم وتفاعلهم مع الآخرين.
كما أن الأطفال الذين يفتقدون دور الأب الفعّال قد يعانون من انخفاض في مستوى احترام الذات، مما قد يدفعهم إلى البحث عن نماذج بديلة قد تكون سلبية أو مؤثرة بشكل خاطئ على تكوينهم الشخصي، كما أن غياب الأب قد يزيد من الأعباء على الأم، مما قد يحد من قدرتها على توفير بيئة متوازنة للأطفال، وهو ما قد يؤدي إلى تفاقم المشكلات الأسرية.
توصيات لتعزيز دور الأب في الأسرة الحديثة
في ظل التغيرات الاجتماعية والاقتصادية، يتطلب تعزيز دور الأب تبني استراتيجيات عملية، من أبرزها:
- تشجيع المشاركة اليومية: ضرورة تخصيص الأب وقتاً يومياً للتفاعل مع أطفاله، سواء عبر الحديث المباشر أو ممارسة الأنشطة المشتركة.
- تنمية المهارات الأبوية: المشاركة في برامج تدريبية تهدف إلى تأهيل الآباء لفهم احتياجات أبنائهم النفسية والاجتماعية بشكل أفضل.
- سياسات عمل داعمة: استخدام القوانين واللوائح التي تسمح للآباء بالعمل عن بُعد، مما يمكنهم من تحقيق توازن أفضل بين العمل والحياة الأسرية.
- توفير الدعم النفسي للأب: تفهم التحديات التي يواجهها الأب وتشجيعه على أداء دوره بطريقة فعالة.
- تعزيز الوعي المجتمعي: نشر ثقافة الأبوة الإيجابية عبر وسائل الإعلام والمؤسسات التعليمية لتشجيع الآباء على الاضطلاع بأدوارهم الأسرية بكفاءة أكبر.
- تعزيز الحوار الأسري بين الآباء والأمهات: وذلك لضمان توزيع متوازن للمسؤوليات التربوية، مع تشجيع إنشاء مراكز استشارية للآباء لتثقيف الآباء حول أساليب التربية الحديثة.
17 توصية خاصة للأب الداعم

- اقضِ وقتاً كافياً مع طفلك: لابد أن الطفل بحاجة إلى قضاء وقت ممتع مع والديه على حدٍ سواء، ومشاركتك له بشكل إيجابي على علاقتكما.
- كن قدوة لطفلك: في هذا العمر، يكون الطفل أشبه بورقة بيضاء؛ لذا اهتم بما تعلمه لطفلك، وما تفعله أمامه، فطفلك سيقلدك.
- شارك طفلك الحوار: عندما تشارك طفلك الحوار حول موضوعٍ ما، وسؤاله عن رأيه فيه، ستعلمه بهذا أساسيات الحوار.
- شارك في تدريس طفلك: لدور الأب أهمية في النمو المعرفي والعقلي لدى الطفل بشكلٍ صحي، وهذا يعزز اهتمام طفلك بالدراسة.
- شارك طفلك الجلوس للطعام: فهذا سيقوي علاقتك بأطفالك، وسيشجعهم على التحدث عما حدث معهم خلال اليوم.
- شارك طفلك القراءة: لابد أن مشاركتك له القراءة، ستعزز اهتمامه بها في زمن التكنولوجيا والإنترنت، وكثرة الألعاب ووسائل الترفيه.
- وفِّر لطفلك بيئة أسرية آمنة: بالاحترام المتبادل ما بين الوالدين، سيشعر الأبناء بالأمان الداخلي والاستقرار، مما يعزز الجانب النفسي لديهم.
- علِّم طفلك تقدير ثمن الأشياء التي يمتلكها، وحمد الله عليها؛ من المسكن، والمأكل، والملبس، وقد يظنها من المسلمات.
- كن منفتحاً مع طفلك: فالأذواق كلها تتغير مع مرور الوقت؛ لذا يجب عليك أن تتماشى مع رغبات طفلك، وتمنحه حرية ضمن المحدود.
- لا تصرخ في وجه طفلك: قد تشعر بالغضب من طفلك بسبب موقف أو سلوك ما خاطئ، لكن الصراخ ليس هو الحل الأفضل في هذه المواقف.
- لا تدع طفلك يرى أنك تفقد السيطرة على نفسك: سيخاف منك وربما سيحاول تجنب التعامل معك مجدداً، وسيفضل إخفاء الحقيقة عنك.
- تقبل فكرة أن طفلك شخص منفرد وليس نسخة منك: لذا لا تحمّل طفلك مسؤولية تحقيق أحلامك، وإنما اتركه يكتشف نفسه.
- كن داعماً لطفلك: ادعم طفلك في الوصول إلى رغباته، وأحلامه، وتعزيز مهاراته ومواهبه.
- ساعد طفلك في مواجهة مخاوفه، والمشكلات: إذ يجب عليك أن تعلمه كيفية إيجاد الحلول، ووضع الخطط البديلة.
- علّم طفلك مراعاة مشاعر الآخرين والاهتمام به ومساعدته: وهذا سيعزز الجانب الاجتماعي ويقوي شخصيته.
- قدم لطفلك المكافأة عند قيامه بأشياء جيدة: فجميعنا بحاجة لأشياء لطيفة تدعمنا؛ لنستمر بالأشياء الجيدة التي نفعلها.
- كن صارماً مع طفلك عندما يخطئ؛ لكي لا يكرر فعلته، وليتعلم أنه مسؤول عن أخطائه، فيفكر في أفعاله قبل الإقدام عليها.
*ملاحظة من "سيدتي": قبل تطبيق هذه الوصفة أو هذا العلاج عليك استشارة طبيب متخصص.