هل استيقظت يوماً من النوم وشعرت أنّك لا تستطيع الحركة، أو إعتراك نعاس شديد يصعب التغلّب عليه أو أصابك الهذيان؟.. تشير هذه الأعراض المذكورة آنفاً إلى الإصابة بـ «الخدار» الذي يشكو منه حوالي 12% من الناس في العالم. وتسبّب هذه الحالة الإحراج والتوتر وتدنياً في مستوى التحصيل والإنتاج الوظيفي. وبعيداً عن التشخيص والعلاج، يتحوّل هذا المرض إلى عبء ثقيل، وتنتج عنه علاقات مضطربة بين المصاب وأفراد أسرته، وارتفاع في نسبة التعرّض لخطر حوادث السير أو الحوادث أثناء العمل. "سيدتي" تسلّط الضوء على مرض «الخدار» وتوضح أسبابه وأعراضه من خلال هذه المعلومات المستمدة من الاستشاري في الأمراض الصدرية واضطرابات النوم، ومدير مركز اضطرابات النوم بمدينة الملك عبد الله الطبية بجدة الدكتور أيمن بدر كريم.
«الخدار» هو عبارة عن اضطرابات تصيب المرء وتؤدي إلى وهن عام، تنتج عنه وفي أيّة ساعة من ساعات النهار «موجات» شديدة من النعاس، ما يجعل المرء ينام فجأةً أثناء محادثة أو اجتماع أو خلال تناول الوجبات. وهذا المرض هو صورة غير طبيعيّة لمرحلة النوم الحالم، إذ يحدث خلالها وفي حالة اليقظة بشكل فجائي، شلل تام للعضلات الإرادية وحركة العينين السريعة، ما يؤدّي إلى نوبة ارتخاء لعضلات الوجه والظهر والساقين والذراعين وشعور بالخمول والنعاس الشديدين، والأمر الذي قد يسبب سقوط المريض في بعض الأحيان، وخلوده المفاجئ إلى النوم لمدّة تتراوح بين عدّة دقائق إلى ساعة، ليستعيد بعدها نشاطه! كما يمكن أن يتعرّض المريض لهذه الحالة أثناء نوبات الضحك المفرط أو الخوف أو التركيز الشديد!
وقد استطاع العلماء وصف هذا الداء بأنّه نتيجة حتمية لنقص في «الهيبوكرتين»، كما حدّدوا الجين المسؤول عن صنع «الهيبوكرتين» وموضع إنتاجه في الجسم. وأشاروا إلى أن هذه الحالة قد تكون نتيجةً لخلل في المناعة الذاتية تصيب مرضى الذئبة والتصلب المتعدد، إذ تقوم المناعة الذاتية لدى هؤلاء الأشخاص بتدمير بنياتها الضرورية.
أسباب مسؤولة
«الخدار» هو خلل مزمن في الجهاز العصبي المركزي، يؤدّي إلى فشل المخ في ضبط الدائرة اليومية للنوم واليقظة. ويؤدّي هذا القصور الوظيفي إلى اضطرابات في حركة العين السريعة وتوقيت النوم واليقظة. ويعاني شخص من بين كل ألفي شخص من هذه الحالة، ويؤثّر على الجنسين بالتساوي، وتلعب الوراثة دوراً حاسماً في الإصابة، إذ أن معاناة شخص من الأقارب من «الخدار» يزيد من احتمال الإصابة بنسبة تتراوح بين 20 إلى 40 مرّة. ومن الملاحظ انتشاره في مرحلة المراهقة أو البلوغ المبكر.
أعراضه...
تشمل الأعراض المعروفة لهذا المرض:
النعاس المفرط أثناء النهار: يشعر المصابون بالنوم القهري أو الخدار برغبة جامحة في النوم خلال الأوقات التي يجب أن يكونوا متيقظين فيها. وهم يخلدون غالباً إلى النوم، حتى وإن حاولوا مقاومة هذه الرغبة، لمدّة تتراوح بين 5 إلى 10 دقائق أو حتى ساعة كاملة. وغالباً ما يشار إلى هذه النوبات من النوم غير المرغوب فيها بـ «هجمات النوم» لأنها تأتي سريعةً وقويةً للغاية، وتظهر على الشخص عندما يكون جالساً أو واقفاً، وتتسم هذه الحالة بالخطورة إذ قد يفقد المريض وعيه بسببها، ويسقط أرضاً.
«الصدمة الخشبية»: يعاني ما يربو عن نصف المصابين بهذا المرض من فقدان القوة العضليّة المفاجئ. وهذا العارض هو عبارة عن نوبات خفيفة من الفقدان المفاجئ لوظيفة العضلات أثناء الاستيقاظ، ومن قصور وظيفي في حركة العين السريعة، وقد ينجم عن نوبات من الضحك أوالغضب أو المشاعر القوية... ويتجلّى في الحالات البسيطة، بصورة ثني للركبتين أو بإصابة عضلات الفك والرقبة، أمّا في الحالات الشديدة فتصاب العضلات بشلل تام، يكون المريض خلالها متيقظاً تماماً ومدركاً لما يدور حوله، لكنه غير قادر على التحدّث.
شلل النوم: تتراوح نسبة المصابين بهذا العارض بين 50% إلى 60%، حيث يفقد المريض ولعدّة دقائق، القدرة على التحدّث والحركة عندما يخلد إلى النوم أو يستيقظ، ويعود السبب في ذلك إلى انغلاق العضلات أثناء النوم. وقد يصاب المريض بالخوف الشديد في المرة الأولى، خشيةً من عدم القدرة على التنفّس.
الهذيان في المرحلة الأولى من النوم: لدى خلود المصاب إلى النوم أو عند الاستيقاظ، يرى أحلاماً مخيفة يصعب عليه تمييزها عن الحقيقة، وغالباً ما يكون الهذيان في خلال المرحلة الأولى من النوم (مطاردة شخص ما أو احتراق المنزل...). وتظهر هذه النوبات بالتزامن مع شلل النوم مما يزيد من خوف المريض. وإذا لم يتم تشخيص الهذيان خلال المرحلة الأولى من النوم على أنه عارض لمرض الخدار، فسوف ينحرف تفسير وجوده إلى إحدى علامات الخلل العقلي!
الأرق والنوم المتقطّع: رغم الخلود إلى النوم مرات عدّة أثناء النهار، فإن المصابين بـ«الخدار» غالباً ما يكونون عرضةً للنوم والاستيقاظ على نحو متكرّر.
العلاج
يبدأ تشخيص المرض نمطياً عبر تسجيل الأعراض التي تنتاب المصاب. فيقوم الطبيب بفحص جسدي له، والاستعلام منه عن تاريخ المرض، وما إذا كان يعاني من النعاس المفرط أثناء النهار أو «الصدمة الخشبية». لكن هذه الحالة قد تنجم عن مشكلات صحية أخرى أبرزها انقطاع التنفّس أثناء النوم.
ويرتكز العلاج على دفع المريض إلى اليقظة في أثناء النهار وانتهاج أسلوب حياة صحي متمثّل في تنظيم مواعيد النوم والاستيقاظ، وممارسة الرياضة والنوم لساعات كافية أثناء الليل، والنوم على أحد الجانبين بدلاً من الاستلقاء على الظهر، فضلاً عن تجنّب أسباب التوتر والسهر وعلاج القلق بالوسائل السلوكية، مع إمكانية وصف الأدوية المهدئة أو بإجراء علاجات الاكتئاب لتخفيف التوتر وتثبيت مرحلة النوم.