إن شهر رمضان الكريم من أكثر الأشهر التي ننتظرها بشوق الغائب، والشهر الفضيل هو شهر الطاعات والعبادات كما هو متعارف عليه، ومن الطبيعي أن تكون كل أيامنا طاعة وعبادة، فرب الشهر الكريم هو رب باقي الأشهر، ولا ينبغي علينا اختصار العبادات في شهر رمضان فقط والتقصير باقي الأشهر، والالتزام لابد أن يكون طوال السنة، والشهر الكريم يكون الشهر الذي تكثر فيه العبادات، فلابد من اغتنام فرصة هذا الشهر الفضيل، ووضع خطط مختلفة قابلة للتعديل وفقاً للظروف المختلفة في شهر رمضان؛ حتى نكثر من الطاعات.
الدكتورة شيخة أبو القاسم الحائزة على إجازة الفتوى من دار الإفتاء والعضوة في تأليف المقررات الدينية سابقاً، تحدثت لنا حول الموضوع قائلة: إذا أنت لم تزرع وأبصرت حاصداً وندمت على التفريط في زمن البذر حقاً، فرمضان مزرعة للآخرة، فماذا تعد له؟ من أهم الإعدادات في شهر رمضان الكريم:
الخطة الأولى: أداء الصلاة في وقتها
لما سئل صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أفضل؟ قال: الصلاة في أول وقتها، ثم أي؟ قال: "بر الوالدين"، فاحذر من أن تقصر في أداء الصلاة في أوقاتها بحجة النوم، وفي الشهر الكريم يمكن عمل فكرة مختلفة تشجيعية لك ولأفراد أسرتك، وهو تخصيص ركن محدد للصلاة وقراءة القرآن في المنزل، فالديكور الرمضاني وتخصيص جزء لأداء الصلاة فيه سيشجع كل أفراد البيت على أداء الصلاة في أوقاتها، لذا عليك باختيار ركن هادئ في البيت، ووضع سجاد الصلاة فيه مفروداً طوال الوقت، إضافة إلى السبحة وعدد من المصاحف، ويكون هذا الركن بمثابة زاوية ثابتة لأداء الصلاة فيه، فيجتمع أفراد البيت ليصلوا فيه جماعة، وليس كل فرد في غرفته.
الخطة الثانية: بر الوالدين
من أهم الخطط التي يجب أن توضع بالحسبان، وبر الوالدين ثاني أحب الأعمال إلى الله وأفضلها، ولابد من استغلال هذا الأمر في الشهر الفضيل، ولأن اليوم يمر بسرعة في ذلك الشهر الكريم، فعلينا وضع خطط للقاء الوالدين والأهل بشكل دوري ومستمر، فإذا كانا في نفس البيت في هذا الشهر تحديداً، فلا تنسَ أن تضع قبلتك يومياً على يديهما وجبينهما، واحرص على التباري مع أهل البيت كافة على من سيكون الأول في تقديم التمر أو العصائر للوالدين ليأخذ ثواب إفطارهما، ولابد من أن يقلل الشباب من الإفطار بعيداً عن الجو الأسري وقضاء أغلب أيام الإفطار مع الأصدقاء، أما الفتيات فلابد أن يساعدن أمهاتهن ويقمن بقضاء طلباتهن بصدر رحب، فالبارون بالوالدين لهم منزلة كبيرة عند الله، لذا اغتنموا رمضان كفرصة لكم.
الخطة الثالثة: إفطار صائم
هل ترغب في صيام الشهر مرتين وأخذ ثواب صوم اليوم بيومين؟ عليك باغتنام فرصة غير متاحة إلا في هذا الشهر الكريم، وذلك بالحرص على إفطار صائم، حيث قال رسولنا الحبيب عليه أفضل الصلاة والسلام: "مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ لا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا"، وهنا من الممكن عمل فكرة مختلفة وجميلة لإفطار الصائمين، فهناك فقراء يقومون بالإفطار في موائد الرحمن، ولكن قد تطبق فكرة جديدة تتمثل في عمل إفطار جماعي مع الجاليات المغتربة التي تعرفها أنت وأسرتك، وحينها سيشعرون معكم بالجو العائلي وستأخذون ثواب إفطارهم، كما أن هناك فكرة مختلفة وممتازة تكمن في الإفطار يومين أسبوعياً في القرى، فقط قم بوضع جدول بعدد من القرى، واذهب إليها في رمضان وقم بتقديم الإفطار لمن فيها، أو قدم الإفطار للجيران والأصدقاء، فثواب إفطار الصائم ليس فقط لغير المقتدرين، إنما يجوز للصائمين كافة.
الخطة الرابعة: قراءة القرآن الكريم وتفهم معانيه
علينا دائماً في الشهر الكريم القيام بقراءة المصحف وختمه، وهناك أفكار تشجيعية للحرص على قراءة القرآن وشرحه، وذلك من خلال عقد حلقات لتلاوة القرآن الكريم في المنزل مع جمع الأصدقاء أو الأهل أو الجيران، وعمل جدول متقن للانتهاء من جزأين في اليوم، فيقوم كل فرد بقراءة صفحة ويتلوها من القرآن، ثم يقوم بشرحها من كتاب المعاني أو التفسير إن كانت هناك آيات تحتاج إلى شرح، وفي نهاية الأسبوع يتم توزيع جوائز رمزية تحفيزية على الملتزمين بحضور الحلقات يومياً، فهذه الفكرة ستخلق جواً من التنافس والتحدي وسيمتلئ البيت بروح المشاركة، كما ينبغي الحرص على فهم الآيات والاتعاظ منها، فقال محمد بن الحسين في تفسير قوله تعالى: "أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ" ينبغي أن يكون همّ العبد عند تلاوة السورة إذا افتتحها: متى أتعظ بما أتلوه؟ ولا يكون مراده متى أختم السورة؟
الخطة الخامسة: الهدايا الرمضانية
اهتم في كل يوم أن تكون سبباً في إسعاد الغير وأخذ الثواب من خلال توزيع هدايا رمضانية متعلقة بالأمور الدينية، وحاول أن تقوم بتوزيع هدايا تتمثل في ما يلي: مصحف، سبحة، سواك، أدعية، أسطوانات قرآن كريم، كتيبات أدعية، قصص الأنبياء، إضافة إلى العديد من الكتب التي تتعلق بالأمور الدينية من أحكام شرعية أو فقه أو سيرة الأنبياء، وبالطبع تلك الهدايا ستكون بذرة تزرع في الشهر الكريم لتجني ثماره بالحسنات إن شاء الله وحصاد أعمالك الصالحة في الدار الآخرة.
الخطة السادسة: الصدقة في رمضان
قال تعالى: "الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ" (سورة البقرة الآية: 274).
إن الصدقة في الشهر الكريم من أحب الأعمال التي يجب الإكثار منها، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تصدقت عائشة رضي الله عنها بـ180 ألف درهم وهي صائمة، فأفطرت على خبز وزيت، قالت لها الجارية: أما استطعت فيما قسمت هذا اليوم أن تشتري لنا لحماً بدرهم؟ قالت: لو ذكرتِني لفعلت.
هناك أنواع مختلفة للصدقات، مثل: إرسال الصدقات للجمعيات الخيرية لإطعام الفقراء، مساندة مرضى بعينهم، كفالة الأيتام، وبالإمكان وضع مبلغ معين يومياً يتم تحديده لبند الصدقات، فحتى إعطاء المال لعامل نظافة يعد من الصدقات، لذا حدد يومياً جدولاً به أوجه الصدقة، وفي كل يوم تقوم بالتصدق قم برسم 7 سنابل، وفي نهاية الشهر احسب حسناتك، فقد قال تعالى: "مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ"- (سورة البقرة الآية: 261).
الخطة السابعة: الاهتمام بصلاة التراويح
إن صلاة التراويح لها رونق خاص؛ لأنها مرتبطة بالشهر الكريم فقط، لذلك لابد من اغتنام تلك الفرصة المتاحة لنا في شهر واحد طوال السنة، وعلينا الالتزام بصلاة التراويح، خاصة السيدات، فقد ينشغلن بالأطفال والولائم، ولكن ذلك زاهداً أمام التجمع مع النساء المسلمات والتسبيح والدعاء والصلاة في جو جماعي، لذلك لديك فكرتان مختلفتان من خلالهما تستطيعين قضاء صلاة التراويح وأنت مطمئنة الفكرة، وهما: أن تتفقي مع العديد من صديقاتك وأخواتك وأهلك للصلاة يومياً في مسجد بعينه، وأن تقوم كل يوم امرأة مختلفة منكن بالجلوس مع أطفال كل هؤلاء السيدات حتى تتاح الفرصة للجميع في الصلاة في الجامع، أما الفكرة الثانية فهي التجمع في منازل بعضكن البعض والصلاة جماعة، وتكون إحداكنّ إماماً للمصليات، وبذلك تضمنّ ثواب الجماعة.
الخطة الثامنة: صندوق الفتاوي
هذا الصندوق هو فكرة هائلة للتواصل مع الأسرة والأصدقاء والجيران والشيوخ، فقط قوموا بعمل صندوق خشبي، واكتبوا عليه "صندوق الفتاوى"، ثم ضعوه في مكان محدد في البيت ليقوم كل فرد في البيت أو شخص تعرفونه بوضع سؤال خاص وبحاجة إلى فتوى فيه، ويقوم الأب أسبوعياً أو الابن بتفريغ محتوى الأسئلة والجلوس مع إمام الجامع بعد صلاة التراويح لإلقاء الأسئلة التي يريد الإفتاء فيها، وهذه الفكرة هي فرصة لمعرفة العديد من بواطن الأمور في الدين والأحكام للعديد من المواقف، وبهذه الطريقة ستكسب ثواباً كبيراً لإنارة العديد من الاستفهامات لمختلف الأشخاص.
الخطة التاسعة: الإكثار من الدعاء والاستغفار
إن وسائل التواصل مع الله سبحانه وتعالى كثيرة، ومن أهمها: الدعاء، إذ ندعو الله لكي يحقق مطالبنا، وندعوه لكي يخفف عنا البلاء ولكي نستغفره على تقصيرنا، وكان من دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم: "اللهم اجعلني لك شاكراً لك ذاكراً لك راهباً لك مطواعاً لك مخبتاً إليك أو منيباً"، ولابد أن تكون ألسنتنا طيلة الشهر الكريم رطبة بذكر الله تعالى والاستغفار واغتنام الدعاء قبل الإفطار، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن للصائم عند فطره دعوة لا ترد"، كما لابد أن نسبح ونذكر الله آناء الليل وأطراف النهار، حيث قيل لابن هاني: ما نرى لسانك يفتر كم تسبح كل يوم؟ قال: "مِائَةَ أَلْفٍ إِلا أَنْ تُخْطِئَ الأَصَابِعُ" كما قال ابن القيم: إن أفضل أهل كل عمل أكثرهم فيه ذكراً لله، فأفضل الصوام أكثرهم ذكراً لله، وأفضل الحجاج أفضلهم ذكراً لله، وهكذا سائر الأعمال، وهناك فكرة جميلة حتى لا تنسى الذكر، وهي: قم بوضع لوحات على جدران المنزل بها أذكار حتى تذكر الله كلما تجولت في غرفتك أو منزلك، وقم بلبس العداد الذكي لتقوم بالتسبيح عليه لتستطيع معرفة كم مرة قمت بالتسبيح اليوم، وضع رقماً معيناً كل يوم لتجتازه في التسبيح والذكر.
الخطة العاشرة: السحور وقيام الليل
قال صلى الله عليه وسلم: "السحور بركة فلا تدعوه ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء، فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين"، لذلك لابد أن تحرص على أن يتناول السحور أفراد المنزل سوياً، فيزيد الترابط الأسري وتعم البركة، كما يفضل قبل السحور عند قيام الليل أن يتجه أفراد المنزل كافة إلى الركن الذي تم تخصيصه للعبادة في بداية الشهر الكريم، فيقرأ أحدهم القرآن، ويصلي آخرون، ويسبح غيرهم، فالجو الجماعي يزيد من النشاط وعدم النوم والكسل، وبعد السحور خصصوا لكل يوم فرداً يقوم بقراءة الدعاء وباقي أفراد الأسرة يرددون معه حتى صلاة الفجر، ثم يذهب الرجال إلى الصلاة في المسجد، وإن أمكن نزول السيدات كان أفضل، وإن لم يتمكنّ تجتمع سيدات البيت ويقمن بالصلاة جماعة، فثواب ذلك أعظم من أن يصلي كل فرد في غرفته لا يعلم عنه أحد.
ومن خلال تلك الخطط العشر وطرق تنفيذها المختلفة ستقضون شهراً مفعماً بالطاعات وتكونون قد زرعتم فيه الأعمال الصالحة؛ لتجنوا في الدار الآخرة الثواب الجزيل.