بينما العالم يترقب ويشاهد لاعبي أولمبياد «ريو دي جانيرو» بالبرازيل أمام الشاشات، وفي لحظة تاريخيَّة ظهرت تلك الفتاة المصريَّة (18 عاماً)، الصغيرة بعمرها الكبيرة بطموحها، لتتحدى إمكاناتها وترفع ما تجاوز ٢٠٠ كجم من الأثقال، وتحرز الميداليَّة البرونزيَّة برياضة رفع الأثقال، وزن الـ٦٨ كجم.
وفي لحظات الفوز سجد مدربها شكراً لله، وبكت البطلة سارة سمير على منصة التتويج، ورفعت علم مصر عالياً مرفرفاً بفخر بما قدمته، أما في الجانب الآخر وفي بلدها مصر، يبلّغ مندوب وزارة التربية والتعليم أسرتها برسوب ابنتهم، لكن لم يمنع ذلك أن ملأت والدتها القرية بـ«الزغاريد» المختلطة بدموع مرارة خبر الرسوب.
وفي ذات اللحظة أيضاً، لحظة الفرح، صرّح وزير التعليم المصري بوعد بأنَّه سيقف إلى جانب سارة وستدخل امتحانات الدور الثاني، وستحصل على جميع الدرجات كاملة كامتحانات الدور الأول تماماً.
أهل سارة يعلمون بوضع عودة سارة، لذلك حاولوا إقناع الوزارة بإجراء امتحانات الثانويَّة العامَّة في السفارة بالبرازيل أو التأجيل لحين عودتها، لكن الوزارة رفضت الطلب بحجة أنَّ سارة لم تتقدم بتعبئة استمارة تأجيل الامتحانات، ويتساءل شقيقها محمد: كيف تقدم سارة الطلب وهي منذ أكثر من ٤ أشهر في معسكرات التدريب؟ ألم يكن ذلك دور وزارة الشباب، بما أنَّ سارة ابنتهم والبطلة، التي ستمثلهم أمام العالم أن تخاطب وزارة التعليم وتنقذ مستقبل سارة التعليمي؟
وكان موعد امتحانات الدور الثاني في الثالث عشر من أغسطس، لكنَّها عادت في ١٩ أغسطس؛ أي بعد بداية الامتحانات رغم أنَّها لم تكمل مدَّة الدورة الأولمبيَّة، وحاولت العودة مسرعة لإتمام اختباراتها، لكن الصدمة أنَّها مُنعت من الدخول للامتحانات.. فماذا عن وعد الوزير بدعم بطلة بلده؟
استقبلتها مصر بعرس من الأهازيج وزفات الفرح ولافتات التهنئة ولقطات التصوير بالهواتف المحمولة، لكن غصة رسوبها ظلّت تنغص عليها فرحتها، متسائلة في داخلها: هل خذلني وزير التعليم؟ ألم يفرق معه ما قدمته للبلد ليسمح لي بدخول الامتحان ويقدّر ما كنت فيه؟
في اليوم التالي أقيم لها حفل تكريم في مركز شباب قريتها، قرية «الهوانية» بمدينة القصاصين الجديدة في محافظة الإسماعيلية، وفي ذلك الحفل ناشدت سارة الرئيس عبدالفتاح السيسي، ووزير التربية والتعليم، بسرعة التدخل في أمر امتحاناتها؛ حفاظاً على مستقبلها العلمي، وعدم ضياع عام من عمرها، لكن حتى الآن لا حياة لمن تنادي!
وللأسف لم تكن الثانويَّة العامَّة الوحيدة التي خذلت سارة، بل تناقلت وسائل الإعلام بعد فوزها فسخ خطوبتها من زميلها في رياضة رفع الأثقال رجب عبدالحي، الذي شارك بنفس دورة الأولمبياد، لكنه حاز على المركز الخامس.
خرجت سارة أخيراً في أحد اللقاءات المصورة ويبدو أنَّها بدأت بالتصالح مع الوضع، لتقول بإصرار: تم وضعي في اختيار صعب بين الأولمبياد والثانويَّة العامَّة، لكني سعيدة بأن خضت تجربة الأولمبياد، خاصة أنَّها لا تتكرر إلا كل ٤ سنوات، أما الثانويَّة العامَّة فتتكرر كل عام، وقد عاهدت والدي ـ يرحمه الله ـ بالاستمرار في تحقيق أحلامه التي طالما شجعني لخوضها ودفعني لهذه الرياضة مؤمناً بقدراتي، لذلك ضحيت بالثانويَّة العامَّة، التي خذلتني وكسرت فرحتي عقب عودتي بالميداليَّة البرونزية.
حال سارة ككثير من الشباب المبدع والمميَّز في بلداننا العربيَّة؛ التي ما زالت تفرض بيروقراطيَّة محبطة على قرارات التعليم، وفي مجتمع لا يرى مستقبل المرء إلا بشهادة، ووقف عقبة أمام هواياته وهويّته الإبداعيَّة وقتلت إمكاناته، حتى تكدس أصحاب الشهادات وشحّ المبدعون العالميون من العرب.