شهدت دبي وبرعاية إعلامية من «سيدتي» افتتاح فيلم «بركة يقابل بركة» الذي حظي باهتمام عالمي، إذ استخدم السخرية والجاذبية؛ لتقديم رسالته السياسية عن الشباب المطالب بالحرية.
هذا ما عبّرت عنه لجنة التحكيم المسكونية في مهرجان برلين السينمائي. هذا الفيلم استطاع إلقاء حجر في مياه راكدة لسنوات في المجال الفني السعودي والذي لا يملك بنية تحتية لصناعة أعمال سينمائية حسب تصريحات الكثير من النقاد، وكانت المفاجأة الأكثر دوياً في مهرجان برلين السينمائي هي حصول الفيلم -على جائزة لجنة تحكيم المهرجان؛ ليدرك مخرج الفيلم محمود صباغ أن فيلمه الروائي الأول لن يكون تقليدياً، وإنما خطوة ثورية بشكل عملي. «بركة يقابل بركة» فيلم من بطولة الممثلين السعوديين الهشام فقيه وفاطمة البنوي، اللذين التقيناهما بحوار شفاف تحدثا من خلاله عن تفاصيل الفيلم.
بدأنا حديثنا حول كيفية اختيارهما للمشاركة بالفيلم فقال هشام: «أعرف محمود صباغ منذ سنوات؛ لأننا كنا ندرس معاً في جامعة كولومبيا في الوقت نفسه تقريباً، وعندما عرض النص أعجبتني الفكرة المليئة بالمفارقات والمرح، ومع تطور الفكرة تحولت إلى فيلم صادق ولطيف.
فاطمة قالت: «معرفتي بمحمود معرفة قديمة وصادقة، فقد جَمَعَتنا حوارات وأفكار وأحلام منذ سنوات عدة. وراسلني وأنا على وشك الانتهاء من برنامج الماجستير من جامعة هارفارد، فطلبت منه الاطلاع على النص، وكانت المصادفة أن يصبح الفيلم هو الامتداد لتلك الأفكار وتحقيق للأحلام».
ت عبير صادق
سألناهما فيما إذا كان الفيلم يمثل انعكاساً حقيقياً للواقع السعودي؟
هشام رأى أنه يعبّر عن الواقع السعودي بصدق شديد، فما يحدث في الفيلم ـ حسب قوله ـ فيما يتعلق بالمواعدة بين الشباب هو ما يحدث في الواقع، وأكد أن الفيلم تطرق لاستعراض صغير ومكثف للحياة العامة الحالية في السعودية مع مقارنتها بما كان في الماضي، وهذه المقارنة تعبّر عن الكثير، فالفيلم تدور أحداثه في جدة ويعكس صورة حقيقية للمجتمع السعودي كما هو دون مبالغة أو تشويه، وبصورة تحمل روح الطرافة ليعبّر عن جيل الشباب السعودي أو كما يذكر صباغ: «الفيلم يحكي قصة جيل الشباب، أو جيل الألفية؛ أي من هم أقل من 35 سنة، وهم أغلبية ديموغرافية، لكنها تنال تمثيلاً أقل اجتماعياً، وسياسياً، وعلى مستوى الفرص الاقتصادية. ليس نشرة تبجيلية للجيل، فالسينما لا تضع أحكاماً تقييمية جاهزة، لا تنزّه ولا تُدين، لكنها تنقل الواقع كما هو، ربما فقط من الزاوية التي اختارها صانع الفيلم».
أما فاطمة فرأت أن الفيلم انعكاس صادق وملامسة حقيقية، ويحكي قصة قد يكون الواقع السعودي يعيشها الآن، أو عاشها في ذاكرته من خلال قصص أجدادنا ورواياتهم، وقالت إن: «الفيلم يحكي قصة عاشقين يجمعهما القدر (لكن في بيئة معادية للمواعدة الرومانسية من أي نوع). هو بركة الموظف في بلدية جدة ذو الأصول المتواضعة، والممثل الهاوي في فريق مسرحي يتدرب؛ من أجل تقديم دور نسائي في مسرحية هاملت. وهي بركة الفتاة ذات الجمال الجامح، والتي تعمل في الترويج لمتجر والدتها، بينما تدير مدونة فيديو صاخبة مشهورة على الإنترنت. يُظهر الاثنان براعة مثيرة في التحايل على التقاليد والعادات بالإضافة إلى الشرطة الدينية. «بركة يقابل بركة» هو فيلم لأي شخص يريد أن يعرف كيف تجري هذه الأمور في السعودية».
لا لابتزاز المشاعر
وحول سؤالنا فيما إذا استطاع تصحيح وجهة النظر الخاطئة التي نقلت عن الواقع السعودي بعدة أعمال؟
أكد هشام أنه لا يؤمن بوجود صورة حقيقية مطلقة عن المجتمع السعودي، وقال: «نحن كفريق عمل بركة حاولنا عمل شيء واقعي حسب معلوماتنا، والفيلم صريح وصادق ليس فيه أي ابتزاز للمشاعر، لم نحبذ أن نصنع فيلماً يجذب رأي الغرب مقابل أن يُسفل بالسعودية، ولكن في النهاية نحن فريق محدود، وهناك 30 مليون نسمة في السعودية ومن الطبيعي ألا يكون هناك اتفاق على كل الانعكاسات وكل الآراء وكل الصور؛ لأن بطلي الفيلم بركة وبركة (بيبي) يرمزان إلى صورة جديدة لمدينة جدة والسعودية بشكل عام غير النمطية المنتشرة، ومدينة مثل جدة تقدم صورة حديثة عن الطريقة التي ينبغي النظر بها للسعودية وهي رؤية أمينة للغاية»، ولقد أراد صباغ رسم صورة عن البلد وأهلها أكثر إشراقًا؛ فالسعودية مثل أي مجتمع آخر يمر بمرحلة انتقالية يوجد فيه السيئ والجيد، وليس الهدف هو الدعاية بل الحكي عن الحياة بكل صدق وبشكل يتسم بالخفة والمرح إلى حد ما».
وتطابقت رؤية فاطمة: مع هشام وقالت: «لا توجد صورة حقيقية واحدة للمجتمعات، ولو وجدت لما اختلفنا أبداً، حاول صناع هذا الفيلم جاهدين أن ينقلوا صورة من الصور الحقيقية لمجتمعنا السعودي. فمثلاً، ابتعد الفيلم عن أسلوب التبرير وعن صورة الضحيَّة التي لطالما اعتدنا مشاهدتها في الأفلام الأخرى التي تتحدث عن واقع السعودية والعالم العربي والإسلامي، وبالتالي فإن فيلم «بركة يقابل بركة» جمع جيل الألفية، من داخل السعودية وخارجها، على بساط واحد ليتحدث إليهم بصورة شفافة وبحميمية صادقة، فيضحك ويبكي ويبهج الجمهور المحلي والدولي على حد سواء».
فاطمة البنوي: شاركت في الفيلم بشغف عارم
عن السينما والدراما وهل هي مكلفة بنقل الصورة الحقيقية للمجتمع كان سؤالنا؟
فاطمة رأت أن «القصص من الوسائل الأساسية التي تعرفنا على الآخر، والتي لطالما اعتمدت عليها الأجيال والعصور السابقة لنقل معارفها وحضاراتها لغيرها. السينما في عصرنا هذا، عصر التكنولوجيا هي الصورة الحديثة لفن رواية القصة، والتي تساعدنا على فهم المجتمع والتعايش مع أهله».
وقالت: «عندما قررت خوض التجربة وجدت بيبي (بركة) والتي تمثل الطرف المعاكس للشاب، حيث سلوكها الفردي الذي يفضل مصلحته على الجماعة أو لا يضعها في اعتباراته الشخصية، إلى جانب أنها تمثل خطاً جديداً لتمرد الشباب السعودي، فهي «تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي حتى تكون مرئية، وهي حركة متنامية بين جيل الألفية، وهم المستهلكون الرئيسيون للإعلام الاجتماعي إذ تشكل بالنسبة لهم بديلاً للمجال العام المقيد والممنوع الاختلاط فيه». وجدتها صورة حقيقية لواقع معيش وصادق وصادم فاحترمت هذه الشخصية التي للوهلة الأولى اعتبرتها سطحية، ولكن بعد أن تعمقت بها رأيت الأمر ليس مقتصراً على نشر صورها بل شعورها بالمسؤولية لمشاركة قيمها ومعتقداتها مع متابعيها، فقررت بكل شغف أن أشارك بهذا الفيلم الذي استطاع أن يخرج من عباءة النمطية والمعروف؛ ليعطي صورة أكثر وضوحاً.
رأى هشام أنه «من المفترض ذلك ولكن لا تكون كذلك بكل الأوقات لأسباب مختلفة، وهناك أفلام من الممكن أن تُصوّر بكاميرا جوّال وتكون أكثر صراحة وواقعية من أفلامٍ صُرِفَت عليها مليارات وتراها كاذبة وخادعة لمشاعر المشاهد، لذلك الأمر يعود للرؤى والأهداف التي يراد تسويقها من خلاله».
فقيه: نحن محظوظون بهذه التجربة
وفي ما يتعلق بحصول الفيلم على جائزة لجنة المهرجان في برلين قال هشام: «إنه إنجاز عظيم في تاريخ السينما السعودية، وهذا أول فيلم طويل يخرج من جدّة وثاني فيلم في تاريخ المملكة إنتاج سعودي، ويعتبر الإنجاز في وصولنا للنقاد والنخبة في بداية مشوارنا، فنحن من ضمن المحظوظين بهذه التجربة. وفي المهرجان انتهت التذاكر في كل عرض، كان الجمهور يدخل الفيلم؛ كي يشاهد فيلماً عن السعودية، وهذا شيء رهيب جعلني أحب الحياة، وأحب التجربة أكثر وأكثر».
فاطمة أكدت بالقول إن «تجربة مهرجان برلين كانت من أقوى اللحظات التي عشتها مع فريق عَمِلَ جاهداً من أجل تحقيق رؤية وحلم كبيرين، إلا أن رؤية الابتسامات على وجه الجمهور وسماع تحيتهم غير المنقطعة بعد عرض الفيلم، جعلتني أؤمن بأننا لا زلنا في بداية الحلم. الحلم سيكبر ويكبر مع ناسه وجمهوره».
وحول ردود الفعل التي قيلت عن الفيلم، وبعد انتهاء عرضه كيف يقيمانها؟
20 من 10 العلامة التي أعطاها هشام للفيلم وعبّر ضاحكاً بالقول: «أنا إنسان نرجسي، وأريد الكل أن يشاهدوا الفيلم ويحكموا بأنفسهم عليه. إنه خطوة في الاتجاه إلى الأمام».
فاطمة عبّرت عن رضاها عن الفيلم؛ حيث قالت: «فيلم «بركة يقابل بركة» بركة... نعم إنه بركة للسينما السعودية ولبنة أساسية للنهوض بها».
ما هي أكثر المشاهد التي أثرت بهما ولامست روحهما؟ وما نسبة التوافق بينهما ؟ ما السلبيات والإيجابيات التي وجدها كل منهما عند الآخر؟ ما رأيهما بالدراما الخليجية؟ ما رأيهما باستقطاب كتّاب أتراك لكتابة أعمال خليجية؟ تابعوا الإجابات عن هذه الأسئلة وغيرها مع هشام فقيه وفاطمة البنوي في العدد 1854 من مجلة "سيدتي" الموجود حالياً في الأسواق
ماذا يتوقع السعوديون لرؤية 2030؟ تابعوا التفاصيل في العدد 1854 المتوافر حاليا في الأسواق .