عندما يتزوج رجل وامرأة، فإن تاريخهما المشترك يبدأ من لحظة عقد القران، وكل ما قبل ذلك من مغامرات وحماقات غرامية يجب أن تؤرشف كقضايا منتهية؛ لاختفاء الأدلة.
فالماضي الشخصي لكل إنسان يخصه هو بالتحديد، وليس من الضروري إقحام الآخرين في الأوهام والتخيلات والتصورات حول الماضي إلا إذا كان ذلك ضرورياً لفهم أطباع وشخصية الآخر وبالاتفاق بين الطرفين والتعهد بعدم الشعور بالامتعاض أو الغضب أو جرح المشاعر أو الغيرة.
ولكن برغم وجود اتفاقات ثنائية بين الرجل والمرأة حول عدم فتح صفحات الماضي الغرامي فإن الأمور غالباً ما تؤدي إلى إساءة فهم الآخر، وأخذ الموضوع على محمل الجد، وكأن ما حصل في الماضي يعيد نفسه الآن.
بعد اطلاع «سيدتي نت» على إحصائية نشرها معهد "غاريبالدي" الاجتماعي في مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية حول ماضي النساء والطلاق، وأكدت الإحصائية بأن 19 % من أسباب الطلاق هو الماضي الغرامي المفترض للمرأة، تحدثنا مع عدد من المختصين في العلوم الإنسانية والنفسية؛ لمعرفة مزيد من التفاصيل حول هذه الظاهرة.
المستقبل هو الأهم
باتريسيا مورايس والمختصة بعلم الاجتماع في مدينة ساو باولو تؤمن أن فكرة الزواج، بحد ذاتها، تعني المستقبل بأشكاله المختلفة، تأسيس أسرة وإنجاب الأولاد والمعاشرة بين كائنين ينتميان للصنف البشري. كل ماحدث قبل ذلك هو عبارة عن صفحة انطوت وانتهت، ولم يبق منها سوى ذكريات في اللاشعور قد تبرز إلى الذهن أو تبقى نائمة.
وأضافت: "إن فتح صفحة الماضي يزيل بشكل مؤقت التفكير في المستقبل، وهو الأمر الذي يؤدي إلى سوء تفاهم بين الأزواج، مرده يجب أن يفهم منه أنه توضيح لأمر ما، وليس تكريساً لفكرة أو موقف حدث في الماضي. فما يحدث عندما تسرد المرأة تاريخها، وبخاصة الجانب العاطفي تجاه أشخاص آخرين قبل زواجها الحالي، يقلب الأمور رأساً على عقب، فيصبح ذلك الماضي هو الحاضر، في حين يتحول المستقبل إلى ماض لا وجود له."
مغامراته
هذا الشرح هو تفسير نفسي لما يشعر به شخص يعتقد أنه الوحيد في هذا العالم، وليس هناك آخرون سعوا من قبله للزواج وتأسيس أسرة وإنجاب الأولاد مع المرأة التي تزوج منها. فما هو الخطأ عندما تكون المرأة قد خطبت من قبله ولم يحدث النصيب في الزواج؟ ولماذا تُحمَّل المرأة مسؤوليات ليس لها فيها من ذنب سوى أن القدر قد جلب إليها ما حدث في الماضي؟
وتساءلت باتريسيا: أليس للرجل مغامرات عاطفية سابقة؟ لماذا سردها لايهز شعرة في رأس المرأة؟ هل لأنها الأقوى على تحمل الصدمات العاطفية، وهي كتلة من المشاعر الملتهبة؟ هذا التحمل الذي تظهره المرأة تجاه ماضي زوجها إنما ينبع من حرصها على عدم المساس بالزواج. المرأة عادة لا تعطي أهمية لما فعله زوجها قبل أن يتزوجها؛ لأن اختياره لها للزواج يعني أنها كانت المفضلة والمرغوبة أكثر من سابقاتها.
لايمكن تغيير الماضي
مارتا راميروس المختصة بالعلوم الإنسانية في ساو باولو أكدت أن اكتشاف الرجل لماضي زوجته الغرامي يعتبر ثالث أسباب الطلاق في العالم. الموضوع حساس جداً بالنسبة للرجل وذلك بسبب طبيعته كذكر. ولتفادي هذه الحساسية يكفي أن يفكر الرجل بأن الماضي قد ولى وانتهى، ومهما غضب أو غار أو تعذب بسبب ماضي زوجته فإن الماضي لا يمكن تغييره.
وأضافت: "من أفضل الوسائل لتفادي الصراع حول ماضي المرأة هو امتناع المرأة عن سرد تفاصيل لا لزوم لها لزوجها؛ لأن تفسير الرجل يرتبك حال معرفته بشيء عن تاريخ زوجته العاطفي، بحيث يعتقد أنها ربما كانت تحتفظ بأحاسيس تجاه رجل آخر في زاوية من قلبها. سبب هذا التفسير هو عقليته، التي تتجه دائماً نحو تخيلات العلاقة الحميمة المفترضة بين زوجته ورجل آخر ربما خطبها فقط، ولم يلمس شعرة منها قبله".
ماضي المرأة المطلقة أخطر
ومضت مارتا تقول: إنه إذا كان ماضي المرأة التي خطبت يهز تفكير زوجها الحالي فإن ماضي المطلقة يهز كيانه بالكامل. وأكبر خطر تواجهه المرأة المطلقة التي تزوجت من رجل آخر هو فتح صفحة العلاقة الحميمة مع الزوج.
تعلّق مارتا: إن هناك رجالاً يؤكدون في البداية أنهم لا يهتمون بماضي المرأة المطلقة، وهم مستعدون للزواج من مطلقات، ولكن بمجرد أن تصبح هذه المطلقة على ذمته يتغير موقفه، وتبدأ التخيلات الفارغة بغزو رأسه، والتلاعب بعواطفه، ويتصور الأشياء كما لو كانت تحدث الآن، فيتحول الماضي إلى الحاضر، ما يؤدي إلى تعقيدات غير قابلة للحل نتيجتها الطلاق.
نقض الاتفاقات
وتابعت مارتا تقول: " قد يتفق زوجان على فتح صفحات ماضي كل منهما، بحجة أن ذلك سيساعدهما على فهم شخصية الآخر بشكل أفضل، ولكن ما يلبث أن تختلط الأمور وتسقط الاتفاقات؛ بسبب التعنت وسوء الفهم وخصوبة المخيلة. الاتفاقات الثنائية لفتح صفحات الماضي غالباً ما تطرح من قبل الرجل؛ لأن خجل المرأة لا يشجعها على الحديث عن أي مغامرة طائشة في الماضي، كما أنها، أي الاتفاقات، تنقض من قبل الرجل أيضاً".
السر في السرد
الطبيبة النفسانية مارينا أوزفالدو ترى إن طريقة سرد الماضي يكون له أحياناً كثيرة تأثير على اتخاذ الموقف من الماضي. فإن كانت الغاية هي إشعار الآخر بالغيرة وبالدونية، فمن الأفضل تجنب قلب صفحات الماضي. كما أن سرده كأسلوب للانتقام من الآخر أمر خطير جداً، وبخاصة بالنسبة للرجل؛ لأن الرجال معروفون بتفسيرهم للأمور حسب رغباتهم واهتماماتهم بالمواضيع.
وأضافت: نصيحتي الشخصية للنساء اللواتي خطبن من قبل وتزوجن من آخرين، هو حذف أشياء كثيرة من سرد الماضي إن لم يكن هناك مفر من السرد. فقد يعلم الزوج من الآخرين أن زوجته قد خطبت لرجل آخر من قبله دون أن تخبره هي بالذات، فإن سألها ينبغي أن تلجأ إلى اختيار أسلوب للسرد، يتضمن حذف ما يمكن أن يثير غيرة الرجل، كالحديث عن وسامة الآخر وكرمه ونخوته وإلى ما هنالك من أمور.
إذن فإن مقولة السر في السرد صحيحة تماماً، وبإمكان ذلك المساهمة في تفادي تفاعلات لالزوم لها.