تستقبلك هند البلوشي مطربةً، وتتحاور معك مؤلفةً، وتجادلك مسرحيةً ومعلمة لغة عربية وتبتسم كما يليق بممثلة.دخلَتْ الفن مصادفة عندما رآها الفنان جمال الردهان في إحدى بروفات مسرحية «شباب كول» وعندها أخبرها بأنها ستكون بطلة مسلسله المقبل، صنعت لنفسها طريقاً خاصاً؛ وقرّرت أن تصبح منتجةً لأعمالها الخاصة، بعدما وجدت احتكار المنتجين وزوال جيل من شباب الفن الصاعد تحت وطأة «الشللية والجروبات».
«سيدتي» حاورت الفنانة الكويتية هند البلوشي التي فتحت لنا قلبها من خلال هذا الحوار: .
أنت مدرِّسة لغة عربية وروائية ومؤلفة ومطربة ومنتجة سينمائية وفنّانة ومسرحية.. ما سر هذه الخلطة العجيبة؟
كل ما يندرج تحت كلمة فن، هذه أنا. وهناك موهبة جديدة ربما لا يعرفها عنّي أحد وهي أنّني رَسّامة، وأخذتُ جوائز في المرحلة المتوسطة (الإعدادية) وفي التصوير أيضاً، ولكني لم أتطوّر بها لأني لم أغذِّها. والحمد لله الذي أعطاني هذه الملكاتِ في سنٍّ صغيرة، وكل ملَكة موجودة تمّ اكتشافها من قبل المخرجين الذين عملت معهم. أما الغناء فاستخدمته في التمثيل، خصوصاً في المسرح، وهذا ما حدث في مسرحيتي «سالي»، و«نور الظلام»، أما «ساعة موريس» فسيتم تحويلها لفيلم قريباً.
بدأت مؤلفة أغان
وكيف كانت بداياتك الفنّية؟
بدأتُ مؤلفةَ أغانٍ، ثم جاءتني فرصةُ الغناء، ولكن قوبلَتْ برفض والدي، لأنّه كان يريدني محاميةً. أما بالنسبة للتمثيل فلم يخطر ببالي وجاءَ بالصدفة، فعند دخولي الجامعة وبينما كنت موجودةً في بروفة مسرحية «شباب كول» مع أختي مي البلوشي، وكانت ساعتَها استأذَنَتْ لبضعِ ساعات فحضرت مكانها، رآني الفنان جمال الردهان وقال لي: «أنت ممثّلة بالفطرة» وحين أخبرته بأنني لم أفكّر في هذا، ردّ عليّ بأنني سأكون بطلة مسلسله القادم، وهو «زينة الحياة»، مع الفنّان حمد العماني، وفهد البناي.
ولماذا لم تتّجهي للعمل الإذاعي والتقديم التلفزيوني؟
رغم أنّني أستطيع أن أحاور، وأن أُجْهِد من أمامي بالنقاش عن فهم، فإنّني لم أجد نفسي في هذا المجال، ولكن إذا أردتُ أن أقدِّم برنامجاً فلن يقلَّ عن قوة ومكانة برنامج «أوبرا وينفري» في المجال الإنساني، أو مثل الفنّانة إسعاد يونس، حيث أُريدُ أن أقدّم شيئاً هادفاً.
تخطّيتِ الـ 32 عاماً وأعمالك تجاوزت الـ 52.. كيف استطعتِ تقديمَ كلِّ هذه الأعمال رغم كونك بدأتِ التمثيل منذ 15 عاماً فقط؟
الحمد لله الذي بارك في هذه السنوات، واستطعتُ إنجازَ كل هذه الأعمال سواء الـ 32 عملاً درامياً، أو الـ 18 مسرحية أو الفيلمين، ولكن رغم هذا كلّه فأنا أقلّ فنّانة خليجية عندها رصيد فنّي، حيث أنّ أيّ ممثّلة خليجية تعمل في السنة 4 أو 5 مسلسلات، ولكنني أقدِّم مسلسلاً واحداً أو اثنين؛ لأنّ الإنتاج الفنّي في الكويت مقتصر على منتج أو اثنين، فالمنتج الفلاني عنده 7 أعمال، والثاني عنده 3 مسلسلات، فيوزّع الفنّانة خاصته على 4 أعمال، ولكنّني كنتُ أرفض ذلك.
ولماذا الإنتاج الفنّي في الكويت مقتصر على منتج أو اثنين فقط؟
عندما بدأتُ في 2003 لم يكن المشهد الفنّي هكذا، فقد كان هناك منتجون مثل سعاد العبد الله وغيرها الكثير، وكان ثمةَ أكثر من 10 منتجين. والسبب في ذلك أن «صباح بيكتشر» تبنّت الإنتاج الفنّي، وأصبح اسمها أهم اسم في السوق، حيث إنّها قدّرت الممثّلين مادياً وأدبياً، فعندها توجّه الفنّانون إليها لأنّها تريح الفنان مادياً وأعطت أسعاراً لم يقدر المنتجون الآخرون عليها، فاحتكرت السوق عندها.
وهل لاحتكار سوق الإنتاج الفنّي بالكويت أضرار؟
بالفعل أضراره كثيرة جداً.. فأيّ جهة منتجة لها صبغة معيّنة؛ ولكن الفنّ بالذات لا يصحّ معه التوحُّد وأن يكون بيد جهة واحدة فقط؛ إن اسمه فن، ولا بدّ أن يكون متنوّعاً، سواء في الطرح والشكل والرؤية والروح والإنتاج وفي الموضوع أيضاً، وحينما يكون هناك تنوّع في الإنتاج سيكون هناك تنوّع في المسلسلات المشاهَدَة، وفي طريقة طرحها وتقديمها وموضوعاتها، وبالتالي ستختفي ظاهرة «الشللية والجروبات» المرفوضة والسيئة، التي تسبّبت في قتل فنّانين كبار كثيرين وأيضاً شباب، وأقعَدَتهم في بيوتهم دون عمل، ونتيجة لذلك هناك جيل كامل فنّياً انتهى، ولحسن الحظ أنني أنقذت نفسي ولم أنضم لهذا الجيل.. ولهذا السبب كنت أعمل عملين في السنة لا أكثر، لأنني كنت أختار المناسب لي، والذي يشكّل إضافة بالنسبة إليّ وليس العمل لمجرّد العمل؛ لأنّ مبدئي فنّي، وأن أشارك في عمل يحقّق الشهرة.. وللأسف الشهرة في هذا الزمن سهلة جداً.
وسائل التواصل تدمير اجتماعي
كنتِ قد صرّحتِ مسبقاً بأن وسائل التواصل الاجتماعي «تدمير اجتماعي».. لمَاذا؟
لأنها سبّبت قطيعة الأرحام، وخلافات بين الرجل وزوجته، وأيضاً انتقل أثرها للأبناء، ودمّرت القيم المجتمعية بشتى صورها بسبب «السناب شات» و«إنستقرام»، وانقطاع الحياء، وقلّة الأخلاق، وكثُرَت حالات الطلاق والخيانات الزوجية، وانخفض مستوى اهتمام الأسرة بالأبناء، بالإضافة إلى ما تسبّبت فيه من كسل للمجتمع الكويتي وقلة سوق العمل.
رغم رفاهية العيش بالكويت، يصف البعض الفنّ الكويتي بأنه فنّ «بكّاء» ومحصور في القضايا الاجتماعية والمحلية الزائدة كالزواج والطلاق.
للأسف أصبح الفن مهنة من لا مهنة له؛ وتعبنا في نقاشاتنا الثقافية بأنه «يكفي بكاء على الأطلال»، ولكن للأسف، هذه مشكلة منتجين، وكُتّاب السيناريو لدينا غير مؤهلين، ونتج عن ذلك انعدام التجديد والإبداع والفكر والابتكار. والمضحك في الأمر أنّ المنتجين يأخذون عملاً درامياً من مؤلف عنده 15 أو 18 سنة أو حتى 22 سنة، فماذا تنتظر من ذلك؟ ومن أين يأتي بتجارب حياتية لكي يكتب مسلسلاً؟
مثّلت العديد من الأدوار الدرامية والمسرحية.. أيّ منها كان علامة فارقة في مشوارك الفنّي؟
المسلسل التراثي «الفرية» مع حياة الفهد، و«أمنا رويحة الجنة» مع سعاد العبد الله، ثم «الخراز» مع غانم الصالح، وأخيراً «دموع الأفاعي» لهبة مشاري. أما في المسرح فأهم المسرحيات التي شكّلَت نقلة في المسرح الاجتماعي عامة، ومسرح الطفل خاصة هي «نور الظلام»، فكانت في شكل المسرح الاستعراضي الغنائي، ثم «ساعة موريس» التي كانت مثل مسرح الجريمة، وبعدها «سالي» مع المخرج يوسف البغلي، ومن إنتاجي، وتمّ التحضير لها في 8 أشهر، وتمّ اختيار الفريق بالكامل على أساس إجادة الغناء باحترافية والتمثيل بتمكّن شديد، وأغلبهم شباب.
السينما الكويتية ليس لها حضور قوي في المهرجانات الدولية العربية.. ما السبب؟
لا يوجد التفاتٌ جدِّيٌّ للسينما رغم امتلاكنا كل الإمكانات، سواء البشرية أو المادية، كما أن الدراما أسهل، وفُرَص الربح فيها أفضل من السينما، لأنّ ليس عندنا شركات إنتاج سينمائي سوى شركتين خاصتين «سينما سكيب»، و«سكاي»، والقوانين التي وضعتها هاتان الشركتان صعبة وغير مربحة. كما أن ثقافة الشعب الكويتي في المسرح والدراما أصبحت أكثر من السينما، ولأنّ الرقابة أيضاً شديدة؛ لأنّنا نشكّل وعي الناس، وتُحذف الكثير من المشاهد.
وهل عُرض عليك المشاركة كعضو لجنة تحكيم في أيّ من المهرجانات الدولية؟
عُرِضت عليّ المشاركة في لجنة تحكيم مهرجان الإسكندرية السينمائي، وفي تونس بـ «مهرجان أيام قرطاج»، كما عُرِضت عليَّ المشاركة كممثّلة للكويت، لكنني اعتذرتُ لأنه «لسه بدري عليّ»، وسيأتي ذلك بعد استكمال شهادتي في أكاديمية الفنون؛ فالخبرة والموهبة لا تكفيان للمشاركة في تلك اللجان العالمية ولا بدّ من صَقلِها بالدراسة.
وما رأيك في البطولة المطلقة، هل حان موعدها أم تفضّلين البطولة الجماعية؟
البطولة الفردية لم تعد متصدّرة في الدراما، والبطولة الجماعية هي الأفضل لي في الوقت الحالي لأنّها تضيف للفنّان، فلم يعد لدينا النجم «السوبر» الذي يستطيع أن «يشيل» مسلسلاً أو فيلماً بمفرده لأنه سيفشل.
مالت كفة الأعمال الدرامية والسينمائية في الفترة الأخيرة إلى جانب المرأة، طارحةً مشكلاتها وقضاياها، فهل ترين أن المرأة أُنصفت في هذه الأعمال؟
في الدراما تمّت مناقشة قضايا المرأة بكثرة، وأخذت حقّها وزيادة.. بل سأذهب أكثر من ذلك وأقول: هذا ليس صحيّاً على الإطلاق؛ ففي المقابل لم تعد تناقش الأعمال دور الرجل في الحياة رغم ما له من حيِّزٍ مهم وأساسي، فلم يعد أحد يتطرّق لقضاياه ومشكلاته. انظر إلى مصر ففيها الفنان عادل إمام الوحيد الذي يقوم بعمل بطولة رجالية تكون المرأة مكمّلة فيها، وهو الذي يتكلّم عن قضايا الرجل ويصوِّره في جميع أحواله، فهو يمثّل نفسه، ويُكتَب المسلسل له فقط، ويناقِش قضايا الرجل بتوسُّع وبعمق. أما في الخليج فلا يوجد مَن يتكلّم عن الرجل، إلا عبد الله بو شهري الذي تحدّث عن مشاكل الرجل في أعماله.. وللأسف، الدراما الخليجية دراما نسائية.
هل لديك مبادرات مجتمعية توعوية وإنسانية تشاركين فيها؟
أشارك في التوعية بمعاناة مرضى السرطان في مبادرة اجتماعية بالأردن، وأيضا أشارك بفكرة إعلان في «دار العجزة».
ما الذي تعدّين له من أعمال؟
أعدّ لمشروع تجاري ضخم في الكويت، لأنّ الفن ليس ضماناً اجتماعياً، ولا هو كل حياتي.
ماذا استفدتِ من أعلام الكويت كحياة الفهد وسعاد العبد الله والراحل عبد الحسين عبد الرضا؟
استفدت منهم احترام الفن، والفن من أجل الفن، واحترام الذات، والوقت، وقلة الظهور، وألا أشارك في عمل إلا إذا كان سيضيف لي، وليس من أجل الظهور فقط.
وما رأيك في «مسرح مصر»، والمسرح الغنائي في مسرحية «ليلة»؟
«مسرح مصر» تجربة ناجحة، وأبطاله من خريجي مسرح «إبداع».. ولكن تبقى رغبتهم في التطوير بالفكرة والمضمون وأسلوب التمثيل، هل سيقدّمون «الإسكتشات» الكوميدية نفسها أم يطوّرون من أدائهم، لأنه من الصعب أن تقدّم نوعاً واحداً فقط، فالجميع سيملّ. أما مسرحية «ليلة» فهي جيدة جداً وأعادت المسرح الغنائي المصري لسابق عهده، وأداؤهم الغنائي كان أفضل من التمثيلي..
أنا ومرام
هل تغارين من نجاحات أختك مرام على الساحة العربية بعد مسلسلي «غرابيب سود»، و«ذكريات لا تموت».. وهل اجتمعتما معاً في عمل درامي واحد؟
بالعكس هذا لم يحدث، بدليل أن دور مرام في «غرابيب سود» كان معروضاً عليّ ولكني رفضته ورشّحتُها بدلاً عني، لأنني لا أعطي الأولوية للدور على حساب شهادتي وإكمال دراستي، وهذا سر إعطائه لها. .