القاسم المشترك بين زمان واليوم، هو أن رمضان ضيف كريم، وشهر مجلل مهاب بنور الإيمان العظيم،وقدرته عجيبة على وصل الأرحام خاصةً المقطوعة منها لشهور وأيام، ووسيلة الله في إيصال الخير للمحتاجين والأرامل والأيتام في شهر يوازي كافة شهور العام، وبابه مفتوح للتوابين المستغفرين العابدين الدامعين المعتكفين عن الدنيا مكتفين بقيام الليل والصلاة والصيام،ولو أمضينا في حصر فضل شهر رمضان لن تكفينا الأيام ولا الأزمان لذلك.
ولمعرفة فضل شهر رمضان الكريم على عباد الله التقت "سيدتي نت" بالدكتور عامر الحافي- باحث إسلامي وأستاذ الأديان في كلية الشريعة في جامعة "آل البيت" الذي راقه التحدث عن فضل وقيمة شهر رمضان الفضيل فقال:
خير الكلام ما بدأ في الحديث القدسي، حيث قال الله تعالى عز وجل "كل عمل ابن آدم له،إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به". وهذا يؤكد عظمة الصيام عند الله،ويجازي عليه بالكثير دون حساب لأنه أحب العبادات إليه من عباده المسلمين.
فضل الصيام العظيم في رمضان عند الله
كلنا نعرف أن معظم الأعمال التي تكون لوجه الله يجزى المسلم عليها،لكن للصيام مكانة أكبر عند الله تعالى، لماذا؟
لأن الصيام يؤسس لعلاقة إيمانية خالصة بين الإنسان والله سبحانه وتعالى،والصيام تعبير عن الإخلاص لله،وتوحيد العبادة لله بدون شريك له،والصوم عبادة أساسية عند الله لا يجب أن يتخلى عنها المسلم الصادق الموحد لله.
الصيام: أبعد العبادات عن الرياء
والله اختص لنفسه الصوم من بين سائر الأعمال المقدمة له من المسلم،لتميزه بأنه أبعد العبادات الأخرى عن الرياء،والصوم دليل إخلاص المسلم لربه،ويظهر الإخلاص بالصوم،لأنه سر بين العبد وربه،لايطلع عليه إلا الله،فالصائم في خلوته يستطيع تناول ماحرم الله تناوله في رمضان بمنأى عن الناس،لكنه لا يفعل،لأنه يعلم أن له رباً مطلع عليه في خلوته بمنزله،فيترك ماحرم تناوله في رمضان خوفاً من الله،وحباً به،ورغبةً في نيل ثوابه بالجنة،جزاء المتقين الصائمين.
وكثير من الناس يجهل أن الصوم وجد قبل أن يفرض صيام شهر رمضان على الناس،حيث كانت قريشاً تصوم يوم عاشوراء قبل ظهور الإسلام بفترة طويلة،وكان النبي محمد "صلى الله عليه وسلم" يصوم عاشوراء مع قومه من أهل مكة قبل هجرته للمدينة،وعندما هاجر النبي محمد "صلى الله عليه وسلم" إلى المدينة المنورة،ورأى يهود المدينة يصومون "عاشوراء" لأنه اليوم الذي أنجى الله النبي موسى عليه السلام وأغرق الله آل فرعون،فصام موسى شكراً لله،وصامه قومه اليهود وغيرهم من بعده،فقال النبي محمد "صلى الله عليه وسلم" أنا أولى بموسى منهم،وأمر المسلمين أيضاً بصوم يوم "عاشوراء" في السنة الأولى لهجرة المسلمين إلى مكة.
فرض صوم شهر رمضان في السنة الثانية للهجرة إلى المدينة المنورة
وشرعّ وفرض الإسلام على الناس صيام شهر رمضان في السنة الثانية للهجرة،وأصبح بذلك صوم يوم "عاشوراء" نافلة غير مفروضة على المسلمين ،فمن شاء صامه،ومن شاء تركه ،ولا يؤثم تاركه.
ولم يذكر تسمية شهر رمضان في القرآن الكريم سوى مرةً واحدة في سورة قرآنية واحدة،هي سورة "البقرة" .
ولعل سائل يسأل: "لماذا؟" تأخر فرض صيام شهر رمضان،وهو ركن أساسي ورئيسي من أركان الإسلام إلى السنة الثانية للهجرة؟
السبب هو أن المجتمع الإسلامي في المدينة المنورة قد تأسس وأستقر بين المسلمين المهاجرين والأنصار،وأصبح بحاجة إلى تشريعات إسلامية جديدة تقوي أواصر التضامن والتكافل بين المسلمين جميعاً.
وفضل صوم شهر رمضان أنه يشعر الصائم بضعفه البشري،وجوعه طوال اليوم،يشعره بجوع وحاجة الفقير في رمضان وغير رمضان،فيشعر المسلم الصائم بالتعاطف مع المحتاجين والفقراء واليتامى والأرامل،ويقوي شهر رمضان علاقة التكافل بين الأغنياء والفقراء،فالصوم نوع من الزهد الإيماني بالدنيا وملذاتها ،ويمكن الإنسان من التحكم والسيطرة على رغباته الدنيوية الزائلة لصالح معتقداته الدينية المخلصة لله.
نزول القرآن الكريم في شهر رمضان
وسر مكانة شهر رمضان العظيمة في الإسلام، أنّ فيه أنزل الله القرآن الكريم ووحيه على النبي محمد "صلى الله عليه وسلم"،ونزول القرآن الكريم في شهر رمضان أعظم فضائل الشهر الكريم،لأنه يعبر عن نزول الرحمة الإلهية من السماء إلى الأرض لتشمل الإنسان وخلق الله جميعاً من إنس وحيوان.
شهر الرحمة والمغفرة
يتفرد هذا الشهر أيضاً بأنه شهر الرحمة والمغفرة والخير حيث تغلق أبواب النار،وتفتح أبواب الدعاء والجنة ،فيغفر الله للذين أتوه تائبين متبتلين مخلصين له بالطاع والعبادة .وفي يوم القيامة يحاسب الله الإنسان على خطاياه حتى لم يبقى إلا الصوم،فأن وجده قد صام رمضان يتحمل الله عنه مابقيّ ويدخله الجنة بالصوم.
شهر التكافل والتراحم
إنه شهر التكافل الإنساني والتراحم بين ذوي القربى والأرحام،فتكثر فيه أعمال الخير تجاه الفقراء والأيتام والمحتاجين والصدقات،ويزيد فيه تعاون المسلمين على البر والتقوى أكثر من أي شهر آخر.
ليلة القدر المختارة
أن شهر رمضان خير شهور السنة،فيه ليلة القدر المختارة ،وهي ليلة خير ،وأخير من ألف شهر وشهر،واختار الله نزول القرآن الكريم فيها على نبيه ورسوله الأمين محمد "صلى الله عليه وسلم"،ومن أحياها نال شرف الدين والدنيا،ومغفرة الله ورحمته.
فاللهم بلغنا رمضان،اللهم سلمنا لرمضان،اللهم أعنا على الصيام والقيام في رمضان،اللهم آمين.