نادية لطفي فنانة ذهبية وأميرة زمن الفن الجميل الحاضرة بقوة من الأمس لليوم، ورائدة السينما المصرية لتقديمها كافة أشكال الشخصيات الدرامية الشعبية والأرستقراطية والإنسانية فتميزت بين كوكبة الممثلات في عصرها بعدم اعتمادها على جمالها ورقتها الأنثوية الآسرة لقلوب الملايين من متابعيها في العالم العربي، وتقديمها أدواراً مركبة صعبة لا تجرؤ أي ممثلة محدودة الموهبة على تقديمها، واتسمت شخصيتها الفنية بالجرأة وثراء التعبير والأداء، فبقيت رقماً صعباً وصاحبة تاريخ سينمائي لا يندثر ولا ينسى.
من هي نادية لطفي؟
اسمها الحقيقي بولا محمد مصطفى شفيق، ولدت في 3 يناير عام 1937 في حي عابدين وسط القاهرة التي أحبتها وانطلقت منها لعالم الفن، وتبلغ الآن من العمر "81 عاماً" .
قبل دخولها الفن بفترة بسيطة حصلت على دبلوم المدرسة الألمانية بمصر عام 1955 ، لم تفكر يوماً بأن تصبح ممثلة قبل لقائها المنتج الشهير رمسيس نجيب صاحب روائع السينما المصرية العربية الذي اكتشف بحدسه الذكي إنها بجمالها المعبر مشروع ممثلة أولى من الطراز الرفيع فعرض عليها العمل معه سينمائياً، فوافقت وهي غير مصدقة ما يحصل معها، فاختار لها اسماً فنياً اقتبسه من فيلم "لا أنام" بطولة فاتن حمامة التي قامت بدور بطلته نادية المأخوذ عن رواية بالاسم نفسه للكاتب الراحل إحسان عبد القدوس، فأسماها "نادية لطفي".
ذكاؤها الفني انحاز لأفلام مناصرة لحقوق المرأة والتسامح الديني، وقد برزت في فترة ظهورها الفني برزت نجمات سلكنّ طريق السينما السهلة الرومانسية كناهد شريف وشمس البارودي وميرفت أمين ولبلبة ونجلاء فتحي وسهير رمزي وشهيرة ونعيمة عاكف وهند رستم، وقد توجهت ناديا لطفي للسينما الجادة والإنسانية التي تعيش في الذاكرة البشرية والفنية معاً. فكانت معروفة بحسن اختيارها لأفلامها ونصوصها السينمائية وكانت تتحمس للأفلام ذات العمق الإجتماعي ومبادىء التسامح الديني والقضايا المناصرة لحقوق المرأة فقدمت فيلم "الناصر صلاح الدين" وأدت دور جندية مخلصة مسيحية لآرثر قلب الأسد لكن شجاعة وإخلاص وإيمان عيسى البحري جعلها تحبه وتعود للعيش معه في مدينة القدس إلى جانب إخوانهم المسلمين تعزيزاً للتسامح الديني، وقبلت بجرأة غير عادية أداء دور فنانة إستعراضية بكباريه تحب شاباً بريئاً أصغر منها سناً "عبد الحليم حافظ" بفيلم "أبي فوق الشجرة" الذي أثار الجدل بواقعيته حول إغراء فنانات الكباريهات للمسنين والشباب، لكن الشاب يصحو من غفلته معها بعودته لخطيبته "ميرفت أمين"، وأدت دور ناشطة حقوقية جريئة تحاول كشف حقيقة عدو المرأة "رشدي أباظة" الكاتب الذي يهاجم المرأة بكتاباته، فتدخل حياته، وتوقعه بحبها ثم تندم حين تحبه حقاً وتعرف إنه كان ضحية امرأة مخادعة في فيلم "عدو المرأة"، وفيلمها المميز "للرجال فقط" يدافع عن حق المرأة بالعمل في كافة المهن والمواقع حين تتنكر مع سعاد حسني بزي رجال بدلاً من خبراء بترول للعمل في موقع تنقيب بترول مع المهندسين والعمال الرجال ثم تنكشف حقيقتهم لزملائهم.
وتجاوزت أفلامها حاجز الـ "70" فيلماً سينمائياً، ومسرحية واحدة بعنوان "ناس ولاد ناس"، ومسرحية واحدة بعنوان "بمبة كشر" حيث كانت تعيش السينما أكثر من باقي الفنون الأخرى لأنها الأكثر خلوداً فنياً والأبقى من الدراما والمسرح التي تتطلب منها تفرغاً أكبر لا تملكه إلا إذا كان على حساب وقتها مع عائلتها.
أشهر ألقابها هي: "الصعيدية الأوروبية" لتمتعها بملامح أوروبية مع إن أصلها يعود لمحافظة قنا، وجمالها الأوروبي وأدوارها المتنوعة المميزة بالألوان التاريخية والاجتماعية والرومانسية والروائية منحها لقب "لؤلؤة السينما المصرية" أيضاً.
وكانت تهوى كتابة القصة القصيرة والرسم بإبداع حسب المقربين منها، وربما لو لم تكن ممثلة صف أول لأصبحت قاصة أو روائية أو فنانة تشكيلية.
ناديا والقضية الفلسطينية
رغم إبداء معظم نجوم مصر تأييدهم الكلامي للقضية الفلسطينية إلا أن نادية لطفي قرنت قولها بالفعل، وكانت أشجعهم حين كسرت الحصار الإسرائيلي الشهير للعاصمة بيروت، ودخلت بيروت لتعلن مناصرتها للفدائيين الفلسطينين المحاصرين في مخيمات صبرا وشاتيلا عام 1982 فتناولت ما يتناولون، وعاشت مهددة معهم تحت الحصار ونيران العدو بشجاعة نادرة وصفها الشاعر الفلسطيني عز الدين المناصرة بأنها امرأة وطنية شجاعة لزيارتها الفلسطينين وكسرها الحصار الإسرائيلي لهم في بيروت، وصمدت معهم غير خائفة من الموت للنهاية، ورافقتهم في رحلة خروجهم من بيروت على متن "سفينة شمس المتوسط اليونانية" إلى ميناء طرطوس السوري الذي وصلوه جميعاً يوم 1-9-1982.
وظلت ناديا لطفي داعمة كبرى للقضية الفلسطينية فكان الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات يكن لها احتراماً كبيراً.
كما كانت مناصرة لحقوق الفئة المهمشة في المجتمع وحقوق الحيوان.
العدوان الثلاثي على مصر
لم تلتزم نادية لطفي الصمت والحياد خلال العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، ولم تستطع ترك بلدها مصر وحيداً في أزمته العسكرية فتطوعت في مجال التمريض لإسعاف المرضى والمصابين في المستشفيات الحكومية، وهجرت منزلها الفخم المريح لتقيم طوال العدوان الثلاثي في مستشفى القصر العيني أثناء الحرب مساهمةً منها في المجهود الحربي بينما قامت فنانات أخريات بحملات جمع التبرعات للجيش المصري.
واستمرت ناديا لطفي في دعمها للدول العربية بدافع قومي طوال حياتها. وكانت نموذجاً حياً إيجابياً لكيفية دعم النساء لجيش بلادهن وقت الحاجة.
حياتها الخاصة
مثل كل الفنانات الشهيرات لم تحظ نادية لطفي بحياة مستقرة، وكل زيجاتها كانت تنتهي بالطلاق، فتزوجت ثلاث مرات، زواجها الأول تم قبل بلوغها سن العشرين من ابن جيرانها الضابط البحري "عادل البشاري" ووالد ابنها الوحيد" أحمد" الذي اختار العمل في مجال المصارف إثر تخرجه في كلية التجارة، وسر زواجها المبكر هروبها من تحكم والدها بها، ورفضه عملها في التمثيل لكن هجرة زوجها لأستراليا كان وراء طلاقها منه واحتفاظها بحضانة ابنهما، وتم زواجها الثاني من المهندس إبراهيم صادق شريف في فترة السبعينيات من القرن العشرين الماضي، ودام زواجها الثاني فترة طويلة لمدة 6 سنوات لكنه انتهى بالطلاق أيضاً من دون أن يثمر أبناء لعدم رغبة زوجها بإنجاب أبناء في سنوات زواجهما الأولى، وتم زواجها الثالث من محمد صبري كبير مصوري دار الهلال المصرية للمنشورات الصحفية والأدبية لكن زواجها منه انتهى قبل أن يتم عامه الأول لكثرة المشاكل بينهما ولعدم توافقهما.
جائزة الدولة التقديرية 2018
نالت نادية لطفي الكثير من الجوائز والتكريمات الرسمية والفنية من أهمها: تكريم الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات لها لشجاعتها بكسر الحصار المفروض عليهم في العاصمة اللبنانية بيروت عام 1982، كما كرمتها مؤسسات فنية وإعلامية عربية ومحلية مهمة لا سبيل لحصرها، لكن أكثرها أهمية فوزها في فجر يوم الأربعاء 13 حزيران الحالي بجائزة الدولة التقديرية في بلدها مصر في مجال الفنون، وجاء فوزها المستحق عن جدارة بعد اجتماع واقتراع دام ثلاث ساعات بحضور نخبة من كبار الأدباء في مصر أعلن على إثره المجلس الأعلى للثقافة أسماء الفائزين بجوائز الدولة التقديرية في مختلف المجالات، ومن بينها: الفنون التي فازت عنها الفنانة الكبيرة نادية لطفي بأعلى نسبة أصوات عن سيرتها المهنية الرفيعة ومجمل أدوارها التي ارتقت بالذوق العام، وعبرت لطفي عن سعادتها بفوزها المفاجيء قائلة لوسائل الإعلام: "فوجئت بالخبر السعيد الذي جاء في وقت مناسب، رغم إنني أعتبر الجائزة الحقيقية بالنسبة لي هي الحب الذي يربطني بالجميع سواء المثقفين أو الفنانين أو الأصدقاء أو الجمهور".
وكشفت عن تلقيها الكثير من اتصالات التهنئة بفوزها فتابعت: "تلقيت اتصالات تهنئة عزيزة على نفسي من وزيرة الثقافة الدكتورة إيناس عبد الدايم ومن الدكتور زاهي حواس ومن مدير مكتبة اسكندرية الدكتور مصطفى الفقي".
وعلى الرغم من مسيرتها الحافلة بالأفلام إلا أن كرم نادية لطفي الحاتمي أفقدها ثروتها فلم يتبق لها سوى القليل لتعيش فيه بكرامة في منزلها الخاص حيث كانت من فنانات زمن الفن الجميل اللواتي ينفقنّ على المحتاجين وذوي القربى أكثر مما ينفقون على أنفسهن فلما تعرضت لوعكة صحية في عام 2017 تعالجت لأشهر في مستشفيات حكومية ولم تسافر للعلاج في الخارج.