ترتبط روائح بعض الأشياء بذاكرتنا، ففي غضون دقائق تنقلك تلك الرائحة إلى زمان ومكان له علاقة بها، وتعيد لك الموقف والقصة المتعلقة بها بشكل كامل. سواء كان موقفًا سعيدًا أو حزينًا؛ وذلك نظرًا لارتباط حاسة الشم مباشرة بالمركز العاطفي من الدماغ، لذا فالسؤال هنا: هل للعطور تأثير على حالتنا النفسية؟
يؤكد دكتور الطب النفسي محمد الشوبكي أنه لو لم يكن للعطور تأثير على حالتنا النفسية، لما استمر استخدامها منذ العصور المندثرة حتى يومنا هذا بشكل فردي وفي المناسبات الاجتماعية والاحتفالات.
وقال: «حاسة الشم مرتبطة بشكل مباشر بالدماغ، والذي يتميز بخاصية الفلترة في انتقاء الروائح، حيث تشع ملايين الروائح من المحيط الذي نعيشه من مادة، وسلعة، أو نبات، أو إنسان».
وأضاف: «وقد وجد أن جزئي الدماغ -ما يعرف بنظام ليمبيك في الدماغ (Lmbic system) وأميجدولا (Amegdola)- على اتصال مباشر ومبرمج مع حاسة الشم، فهما المركزان الرئيسيان المسؤولان عن الوجدان، والمزاج، والعواطف، والذاكرة».
العطور تُحسّن السلوك
وأشار الشوبكي إلى أن الدراسات المخبرية أثبتت في علم «النيوروبيلوجي» زيادة في النشاط لهذين الجزْءَين من الدماغ في حال التعرض للعطور، «مع عدم إنكارنا أن خبرات الإنسان منذ طفولته ذات صلة عميقة لهذا التأثير، فقد تم دراسة هذا الموضوع في كثير من الأبحاث العلمية القديمة والحديثة، والتي تتطابق في نتائجها، حيث توصل العلماء إلى أن العطور تؤدي إلى تحسين السلوك الاجتماعي من ناحية، ومن ناحية أخرى فإنها تحسن من القوى الذهنية كالتركيز، والانتباه، والاستيعاب، والفهم، والتواصل الذهني، والتحليل، والوصول لحل معضلات الحياة اليومية، وزيادة الدافعية والإرادة والنشاط العملي والأكاديمي والاجتماعي».
ولفت إلى أن الدراسات أكدت أن العطور تحسّن من نظرة الإنسان إلى بيئته والظروف والناس المحيطين به، حيث إنها تزيد من التلقي والقبول والاستمتاع بمجريات الحياة، وخبراتها كالسفر، والزيارات، والشراء، والعمل، وتحسين صورة الأشياء والناس في نظر الشخص، مما يجعله أكثر راحة وانسجامًا مع البيئة المحيطة، وأكثر إنجازًا في مختلف نواحي الحياة.
العاملون في مجال العطور أكثر انسجامًا
كما كشفت الأبحاث أن العاملين في الشركات والمصانع الخاصة بالعطور أكثر أداءً اجتماعيًا وانسجامًا وتعاونا عمليًا، وارتياحًا نفسيًا في الأجواء التي يسودها روائح عطرة، وأن العطور ترفع من المزاج، وتُشعِر الإنسان بالراحة، والسعادة، وتقلل من الشعور بالإحباط، القلق، والكآبة،
وكذلك الحال بالنسبة إلى الذاكرة؛ فقد وجد أن التركيز والانتباه وقوة استرجاع الذاكرة، والقدرة على تخزين المعلومات يزداد بشكل صارخ في الأجواء المعطرة، على العكس تمامًا من الأجواء غير المعطرة، أو التي يشوبها روائح كريهة.
الروائح لغة عالمية
«وعليه فإن الجمال لا يُرى بالعين فقط، بل أيضًا عن طريق الأنف من خلال حاسة الشم، والروائح الزكية العطرة، إنها كالموسيقى، لغة عالمية لا تعرف الحدود، والإنسان يستطيع أن يحسّن من مزاجه وصورة العالم من حوله، وقدراته الذهنية، وكذلك الحال بالنسبة للإنجاز العملي بأسهل الطرق، وذلك عن طريق إضفاء الروائح العطرة على المستوى الفردي والجماعي، وفي الأماكن التجارية، والمؤسسات الخاصة والعامة؛ لإعطاء مزيد من الإنجاز، والإنتاج، واستمرار روح المثابرة، بعيدًا عن الشعور بالكلل والملل.