علاج الاكتئاب قد يحتاج إلى وقت طويل. لكن المفارقة هي أنَّه تمَّ اكتشاف، وبالصدفة، أنّ السباحة في الماء البارد تغني عن تناول مضادات الاكتئاب.
ضمن إطار السلسلة الوثائقية التي تعرضها محطة الـ"بي بي سي" بعنوان "الطبيب الذي تخلى عن وصف الأدوية"، عرض البرنامج فيلماً لامرأة شابة تبلغ من العمر 24 عاماً تمَّ تصويرها في ظروف خاصة جداً: كانت تعاني من الاكتئاب، ووصف لها طبيبها كريستوفر فان توليكين جلسة سباحة أسبوعية في الماء البارد. وصفة غير إعتيادية نوعاً ما!
وقال الباحث في كلية لندن الجامعية: "لقد كانت سارة تخضع للعلاج نتيجة إصابتها باكتئاب وقلق حاد، منذ أن كانت في سن السابعة عشرة، ولكن الأعراض التي تعاني منها كانت تقاوم العلاج الرئيسي، كما أن الأدوية التي كانت تأخذها جعلتها وكأنها في (غمامة كيميائية)" .
"انخفاض تدريجي لأعراض الاكتئاب"
خدمت قصة سارة كخلفية أساسية لتقرير نشر في المجلة الطبية البريطانية The British Medical Journal، شارك في كتابتها كريستوفر فان توليكين. وقال كريستوفر وفريقه إنه عندما ولدت سارة ابنتها أرادت أن تتوقف عن تناول الأدوية. ووصف لها الطبيب أن تقلل بالتدرج من الجرعات وتبدأ في الوقت ذاته برنامجاً أسبوعياً للسباحة في المياه المفتوحة التي تبلغ درجة حرارتها 15 درجة مئوية.
وبعد أربعة أشهر من هذا العلاج غير التقليدي، توقفت عن أخذ مضادات الاكتئاب واختفت أعراض الاكتئاب. وأكدَّ الباحثون قائلين: " أدى ذلك إلى تحسن فوري في المزاج بعد كل جلسة سباحة، وانخفاض ملحوظ وتدريجي في أعراض الاكتئاب، ونتيجة لذلك انخفاض، ثم التوقف عن تناول الأدوية." وبعد مرور عام على ذلك، لم يعد مرض الاكتئاب يصيب سارة مرة أخرى.
على المستوى العالمي، هناك حوالي 300 مليون شخص يعانون من الاكتئاب. وحسبما يقول الطبيب فإنَّ الوصفات لتناول مضادات الاكتئاب في ارتفاع. ويوضح قائلاً: "في العالم الفعلي الحقيقي، تؤخذ مضادات الاكتئاب عدة سنوات. وأما التحليل الشامل الذي أجري حول فعالية هذه الأدوية وتمَّ نشره في مجلة لانست- Lancet فقد تم َّ إجراؤه من هذا المنظور لمدة ثمانية أسابيع فقط، ولهذا يدرس الباحثون البدائل لذلك".
فوائد الماء البارد
منذ عدة سنوات والعلماء مشغولون بدراسة النواحي الخطرة وليس المفيدة للغطس في الماء البارد. إذ أنّ صدمة الشعور بالماء البارد مع الجلد قد تسبب انخفاضا فوريا في درجة حرارة الجسم وتسارعا في التنفس وفي معدل ضربات القلب، ولهذا السبب فإنّ هذا التكنيك خطر بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من أمراض معينة.
ولكن في المقابل، من شأن الغطس في الماء البارد أن يقوي نظام المناعة ويقلل التهاب العضلات ويحفّز الدورة الدموية ويساعد على الاسترخاء. ويقول د. كريستوفر فان توليكين: "على الصعيد النظري إذا كان جسمك متكيفا مع الماء البارد، فسوف يقل كذلك مستوى التوتر لديك في مواجهة ضغوطات الحياة اليومية الأخرى، مثل الغضب نتيجة قيادة السيارة، والخوف من الامتحانات، أو عند فقدان الوظيفة".
وعلى أية حال، فإن الانغماس في الماء البارد بالنسبة لشخص واحد لا يكفي لإثبات تأثير ذلك على معالجة الاكتئاب، فقد يكون السبب التعافي بشكل طبيعي تلقائي أو بسبب الاستجابة إلى ذلك كعلاج وهمي. ولذلك فإنَّ الباحثين بحاجة إلى المزيد من إجراء الأبحاث على أشخاص آخرين للتأكد ما إذا كانت السباحة في الماء البارد ستُحدث التأثير ذاته على مرضى آخرين.