من معجبة كانت تدور أصقاع الأرض لتشاهد حفلاتها، إلى صديقتها المقرّبة، تقول السيدة إيدا القطريب بكري إنّ صداقتها بالفنانة صباح لم تنقطع حتى رحيلها قبل ثلاث سنوات، وإنّ اللقاء الأخير كان قبل أيام من وفاتها، عندما احتفلت أيدا بعيد ميلاد الصبوحة في فندق برازيليا حيث قضت سنواتها الأخيرة.
في ذكرى رحيلها تفتح أيدا قلبها لـ"سيدتي"، تتحدّث عن الأيام الأخيرة للصبوحة، تقول إنّها لم تملّ الحياة يوماً، ولم تتمنّ الموت رغم صعوبة وضعها الصحّي. تسترجع ذكرياتها معها، وتؤكّد أنّه لو عاد الزمن بالصبوحة إلى الوراء لما كانت تزوّجت أكثر من مرّة، مؤكّدة أنّ الفنانة الكبيرة لم تغرم بأيِ من أزواجها بما فيهم رشدي أباظة.
تكشف أيدا الوفية لصديقتها صباح أنّ الفنانة الكبيرة باعت بيتها لأنها كانت تعلم أنّ ابنتها هويدا لن ترثه في حال موتها بسبب اختلاف ديانة الأم والإبنة، وتؤكّد أنّ هويدا كانت وجع صباح الأوّل.
في ذكرى وفاتها تسترجع أيدا اليوم الذي فارقت فيه صباح، كان يوماً ممطراً، السماء يومها بكت الصبّوحة.
نسألها عن لقائها الأوّل مع صباح تقول:
-تعرفت إلى الصبوحة سنة 1968، أثناء تقديمها مسرحية "القلعة" في مهرجانات بعلبك، كنت حينها في الـ18 عشر من عمري، وحضرت من أفريقيا حيث كنت أقيم، خصيصاً لأشاهد المسرحية، يومها نزلنا في فندق في شتورا، لأنّ منزلنا كان في طرابلس، فالتقيت في الفندق بالراحل نجيب حنكش وطلبت منه أن يعرّفني إلى الصبّوحة، فأعطاني بطاقة كانت في جيبه وطلب منّي أن أعطيها لشخص في المسرح ليصلني بالصبوحة. يومها قال لي أهلي إنّ صباح ستكون مشغولة في كواليس المسرحيّة ولن تكون بحالة تسمح لها بلقائي، لكنّي أصرّيت وكانت المفاجأة أنّها وافقت على مقابلتي، وأخبرتها يومها أنّي حضرت خصيصاً من أفريقيا لأشاهد المسرحية، فتفاجأت وسألتني "أنتِ صغيرة جداً ما سر إعجابك بي؟". وفي العام التالي، حضرت أيضاً إلى لبنان لأشاهد حفلاً لها في عاليه، وعندما شاهدتني عرفتني على الفور وسلّمت عليّ بلهفة ثم طلبت رؤيتي. وبتنا صديقتين، وتوطّدت علاقتنا عام 1970 عندما سافرت إلى أفريقيا وأقامت في منزلي 20 يوماً، وبعدها سافرت إلى باريس ولندن والأردن وسوريا لحضور حفلاتها، إلى أن عدت إلى لبنان عام 1974 ومن حينه لم تنقطع علاقتنا حتى وفاتها قبل ثلاث سنوات.
-في سنواتها الأخيرة كانت الصبوحة تقيم في غرفة في الفندق، وكانت تصرّح للإعلام أنّها باعت منزلها بإرادتها لتكفل مستقبل ابنتها، وأنّها ترتاح في الفندق أكثر، هل فعلاً كانت مرتاحة في مقر إقامتها أم أنّها كانت تشعر بالحنين إلى منزلها؟
لا شكّ أنّ الصّبوحة كانت تشعر بالغصّة عندما باعت منزلها، وقد اتّخذت هذا القرار لأنّها لم تعد قادرة على تحمّل مصاريف البيت من خدم وفواتير مرتفعة، كما أنّها تعبت صحياً ولم تعد قادرة على استقبال الناس الذين كانوا يزورونها باستمرار من إعلاميين وفنانين وأصدقاء، فضلاً عن أنّها مرضت قبل انفصالها عن فادي لبنان ودخلت المستشفى، وبدأت حالتها الصحيّة بالتراجع، كلها أمور دفعتها إلى بيع المنزل، والأهم من كل ذلك، أنّ صباح مسيحيّة وابنتها هويدا مسلمة، ولم يكن بمقدورها أن تورثها المنزل لأنّ الإرث بين الأديان المختلفة غير متاح، لذا باعت المنزل وأعطت هويدا جزءاً من ثمنه، وقالت لها هذا ما تبقى من المال، خذيه وأمّني مستقبلك.
-دخول صباح إلى المستشفى قبل انفصالها عن زوجها السابق فادي لبنان أثار يومها الكثير من الشائعات، والبعض ذهب إلى القول إنّ فادي قام بتعنيفها، هذا الأمر صحيح؟
لا، هذا غير صحيح على الإطلاق. أنا عشت مع فادي وصباح 14 عاماً، كنت قريبة منه، كما كنت أعرف كل أزواجها السابقين. مثلاُ الراحل وسيم طبارة لم أحبّه يوماً لأنّه استغلّ الصبوحة التي كانت تقول لي "ما تقول عن فلان ما بحبو لأن ذلك ينعكس على مشاعري تجاهه". كنت أرى وسيم في حفلاتها يقوم بجمع الغلّة لنفسه، ولم يكن يعطها شيئاً، بينما فادي لبنان لم يكن كذلك. كانت تحدث بينهما خلافات ومشاكل، لكنّه لم يضرب صباح يوماً كما قيل، عندما داخت ونقلت إلى المستشفى، كانت قد بدأت تعاني من أعراض الضغط، يومها وصف لها الطبيب دواءً أهملته فداخت ووقعت أرضاً، وذهبت عند الفجر لزيارتها في المستشفى ولم أتركها، لكنّي واثقة أن فادي لم يضربها.
_هل تأذّت الصبوحة من إهمال فادي لبنان لها قبل طلاقهما، أم تخطّت الأزمة كما كانت تفعل في زيجاتها السابقة؟
فادي كان شاباً طيباً، لكنّه عندما ذهب إلى مصر، تعلّقت به إحدى صديقات الصبوحة وهي سيّدة من عائلة معروفة، فترك صباح ثلاثة أيّام في الفندق ولم يكن يسأل عنها حتى بالتلفون. يومها تحجّج بابنته الراحلة رنين التي كانت ترافقه إلى مصر، وقال إنّه كان يقوم بجولة سياحيّة معها، لكنّ الصبوحة لم تقتنع بأنّ هذا سبباً كافياً ليهملها في الفندق، وكان يومها صديقها جوزيف غريب في مصر، فطلبت منه أن تحزم حقائبها وتعود إلى بيروت، وعندما عادت وقع الطلاق بينهما. وهذا الأمر أذاها نفسياً، فقامت بإعلان خطوبتها من الشاب عمر محيو لتغيظ فادي.
-هل ندمت لاحقاً على علاقتها بعمر سيّما وأنّها أعلنت بعدها أمام الصّحافة أنّ الهدف من العلاقة كانت تحقيق الشهرة للشاب الذي كان يحمل يومها لقب ملك جمال لبنان؟
كانت الصّبوحة قد تعرّضت لجرح كبير من فادي لبنان، فقرّرت أن تغيظه بشابٍ وسيم، وأن تثبت لنفسها أنّها لا تزال صباح المرغوبة من قبل الجميع، وقد اعترفت لي يومها أنّ ما فعلته لم يكن صائباً وقالت لي "كانت غلطة"، ثم حصلت الأمور بعدها بسرعة، باعت المسكينة بيتها وتبعثرت أغراضها، لكن كلمة حق تقال كانت مرتاحة في الفندق. وارتاحت أكثر عندما انتقلت إلى فندق برازيليا، حيث كانت الغرفة أوسع وتحتوي على مطبخ.
-هل زارها فادي لبنان عندما مرضت في سنواتها الأخيرة؟
زارها مرّة واحدة، هو أصلاً ليس مرتاحاً، تزوّج وأنجب، ولديه الكثير من المشاكل.
-هل تدهور حال صباح الصحيّة في أيّامها الأخيرة كان بسبب إصابتها بالفالج أم بسبب أمراض الشيخوخة؟
صباح أصيب بالفالج سنة 2009 من الجهة اليسرى، لكنّها تحسّنت كثيراً بعد خضوعها للعلاج الفيزيائي، حتى أنّ وجهها استعاد طبيعته، لكنّ "العمر إلو حق"، كبرت الصبوحة ولديّ الكثير من الصور معها في آخر أيامها لم أقبل أن أعرضها حتى على أولادي، لأنّي أريد دوماً للصبوحة أن تكون مشرقة في عيون محبّيها. واللافت أنّ ذاكرتها كانت لا تزال حاضرة وبقوّة، وكانت تذكّرني أحياناً بأمورٍ نسيتها، وكانت تعرف كل من يأتي لزيارتها، وقبل وفاتها بـ13 يوماً احتفلنا بعيد ميلادها الأخير.
-كانت تتألم بسبب وضعها الصحّي؟
كانت مؤمنة بالله، وكانت تقول "كل شي من الله بقبل فيه" كلنا سنكبر.
-رافقت الصبوحة في أيّامها الأخيرة، هل كانت محبطة بسبب وضعها الصحّي؟ هل تمنّت الموت يوماً؟ أم بقيت الصبوحة التي كانت تشعّ حياةً؟
لم تمل صباح يوماً من حياتها، كانت تجلس في سريرها، تشاهد التلفزيون، كانت تهتم بأناقتها حتى يومها الأخير. لم تكن تخشى الموت أبداً، كانت تقول الموت علينا حق لا أحد سيخلّد في الدنيا، لكن رغم كل ما حصل معها لم تكن قد ملّت من الحياة، حتى عندما باتت مقعدة. في أيامها الأخيرة كنت أنصحها بأن تأكل قلت لها "أعطيتي كل حياتك للمرآة اليوم جاء الوقت لتعطي حياتك لنفسك".
-هل كانت تحرم نفسها من الطعام؟
كانت تحافظ على رشاقتها، فتتجنّب الأكل، في الصباح كانت تأكل تفاحة واحدة، وكانت تحبّ القهوة، لكنّها لم تكن تشرب سوى فنجاناً في اليوم وعلى دفعات، كانت تحب الأناقة وتحب المحافظة على رشاقتها، وأذكر أنّها في فترة السبعينيات زاد وزنها، فقامت يومها بعمل ريجيم قاسٍ ونحفت كثيراً وارتدت الشورت الذي تسبّب بمشكلة كبيرة يومها مع زوجها السابق جو حمود.
-ما صحّة ما قيل عن أنّ فناناً خليجياً هو من تكفّل بدفع تكاليف الجنازة؟
لا هذا الأمر غير صحيح، من دفع التكاليف كانت محطة MTV التي قامت قبل رحيل الصبوحة بأشهر بعمل حلقة تكريمية جمعت فيها الأحبة والأصدقاء، وأحضرت يومها هويدا من أميركا. كما أنّ الشيخة بدرية الحيساوي لم تترك الصبوحة في سنواتها الأخيرة، وكانت ترسل لها مبلغاً من المال بصورة شهرية، تدفع منها تكاليف الممرضة التي كانت ترافقها باستمرار، مع أنّها لم تطلب يوماً المال من أحد وكانت نفسها عزيزة.
-هل كانت الصبوحة تعاني من الوحدة في أيامها الأخيرة؟
لم تكن صباح وحيدة، فبالإضافة إلى وجود الممرضة هنادي، كانت ابنة أختها كلودا تزورها كل يومين، وتستقبل ضيوفها باستمرار من فنانين وإعلاميين وأصدقاء، كما أنّ جوزيف غريب لم يتركها يوماً، وقبل أن تصبح مقعدة كان ينزّهها بالسيارة ويعيدها إلى الفندق، وكل شهر كان يقيم مأدبة عشاء في التراس في الفندق ويدعو الأصدقاء المقربين، وكنت أحضر العشاء باستمرار، وظلّ التقليد مستمراً حتى بعد أن باتت صباح تتنقّل على كرسيها المتحرّك. كما كان يهتم باستمرار بماكياجها وتسريحة شعرها. بقيت صباح حتى آخر يوم في حياتها معزّزة مكرّمة.
-هل كنتِ راضية عن جنازتها؟
جنازة صباح لم تحصل لفنانٍ من قبل، كانت أشبه بجنازة زعيم ولم يبقَ رئيس لم يحضرها، كما جاء فنانون من دول عربية للمشاركة بها. كانت جنازة تليق بالصبوحة.
-لماذا لم تحضر ابنتها هويدا الجنازة؟
لم تكن تريد أن تحضر الجنازة، قالت إنّ أمها توفيت فما الداعي لحضورها، كانت ترى أنّ حضورها سيكلفها لقاء الإعلام والتصوير وستكون كل الأضواء مسلّطة عليها فتتعب أكثر ممّا هي متعبة. جاء شقيقها الدكتور صباح ثلاثة أيام وسافر بعد الدفن بيوم واحد.
-كيف كانت علاقة صباح بهويدا في سنواتها الأخيرة؟
قبل 4 أشهر من وفاتها كانت هويدا في لبنان وبقيت مع والدتها فترة، والاتصالات بينهما لم تنقطع يوماً.
-هويدا عادت إلى لبنان بعد وفاة والدتها؟
عادت وقالت إنها ستبقى في لبنان، ثمّ غيّرت رأيها وعادت إلى أميركا، هناك فتحت معهداً للرقص تعلّم فيه الباليه. هويدا شخصية غامضة بعض الشيء، لا تستطيعين معرفة الكثير عنها.
-من كان أقرب إلى الصبّوحة هويدا أم صباح؟
صباح كانت تقول إبني عين وابنتي عين، لكن هويدا كانت دلوعة أمها رغم كل العذاب الذي ذاقته. لا أستطيع أن أتكّهن من كانت الصبوحة تحبّ أكثر، الأم تحبّ كل أولادها سواسيّة لكن هناك دائماً ولد يكون لديه مكانة خاصّة. الصبوحة كانت مطمئنة على ابنها، نال شهادة في الطب، تزوّج أنجب وزوّج ابنته وسيصبح جدأ، أما هويدا فكانت قلقة عليها، لأنها تزوّجت وفشلت مرتين، ولم تكن متّزنة أو مهيّئة للزواج، كانت تريد أن تعيش حياتها حرّة، ولم تخفِ صباح يوماً قلقها على ابنتها.
-تعقّدت هويدا من الزواج بسبب زيجات والدتها المتعدّدة؟
لا شك أنّ الأمر لم يكن سهلاً على هويدا أن تتقبّل زواج أمها مرّات عدّة. هذا الأمر تسبّب لها بالشعور بانعدام الاستقرار، فقد كان ثمّة رجل غريب في البيت، وكان عليها أن تعتاد عليه، لم يكن بالأمر البسيط أن يتغيّر أزواج أمّها وتعتاد عليهم.
-في سنواتها الأخيرة صرّحت صباح أكثر من مرّة أنّها ندمت بسبب تعدّد زيجاتها، هل كان ندمها بسبب ابنتها هويدا؟
عندما يكبر الإنسان وينضج، يراجع نفسه ويتمنّى لو يعود به الزمن ليصحّح الكثير من الأمور ويغيّرها. كانت تقول لو عاد بي الزمن إلى الوراء لما تزوجت أكثر من مرّة. هي بالمناسبة لم تحب أحداً، وكانت تقول لي إنّها تتزوّج ليكون لديها رفيق وسند وإنها لا تقبل أن يكون لديها صاحباً، لذا كانت تلجأ إلى خيار الزواج.
-لكنها قالت في مناسباتٍ عدّة إنها أغرمت برشدي أباظة؟
أنا متأكّدة أنّ صباح لم تحب رشدي، صودف وجوده في بيروت وطلب أن يعرّفها إلى شقيقته المقيمة في صيدا، وفي السهرة طلب منها الزواج، فأحضروا الشيخ وتمّ كتب الكتاب، وفي اليوم التالي سافرت إلى المغرب حيث كانت مرتبطة بحفلة، وعادت بعدها وطلب الطلاق. لا أعرف لماذا أخذت قصتها معه كل هذه الضجّة، قد تكون أعجبت به كممثل، لكنّها لم تغرم به ولم تغرم بأحدٍ يوماً، كان تظن أنّها أغرمت لتعود وتكتشف أنها على خطأ.
-هذه المقابلة أجريناها العام الماضي مع صديقة الصبوحة إيدا بكري ونعيد نشرها في الذكرى الرابعة لرحيلها.
لمشاهدة أجمل صور المشاهير زوروا أنستغرام سيدتي