خديجة شاكر امرأة من الزمن الجميل، عاشقة للفن والأدب، عملت طيلة حياتها المهنية في مجال التربية والتعليم، وتدرجت إدارياً إلى أن أصبحت مفتشة عامة بوزارة التربية والتعليم، لها مسار مهني حافل في مجال التربية والتعليم وفي النضال المدني والحقوقي، ولأنها لا تؤمن بتقاعد مريح لرجالات ونساء الفكر والثقافة، ظلت وفية لخدمة المجتمع وتنوير أبناء وبنات بلدها، فكان أن جعلت من منزلها مقراً لمؤسسة أطلقت عليها اسم «مؤسسة الربوة للثقافة والفكر».
مؤسسة من البيت
دأبت خديجة شاكر من خلال هذه المؤسسة، على تنظيم لقاءات ثقافية أصبحت تقليداً شهرياً، تفتح فيه باب بيتها؛ ليستقبل نخبة من نساء المغرب، يجتمعن حول مناقشة إبداعات أدبية مميزة من خلال قراءات تتجاوز المنهج الأكاديمي الجاف، إلى خلق روابط وجدانية مع النص والفكر في جو حميمي وجميل من داخل بيتها.
يأتي اسم المؤسسة «الربوة»، من موقع منزلها الذي يتربع على ربوة عالية، بمدينة الرباط يطل منها على المدى الشاسع، لواد عكراش، أحد روافد نهر أبي رقراق الذي يفصل مدينتي الرباط وسلا. من هذا الموقع، اختارت خديجة شاكر أن تحول منزلها إلى صالون ثقافي الذي يعتبر اليوم، أهم صالون أدبي بالمغرب. وارتبط اسم المؤسسة باسم خديجة شاكر التي أصبحت تعرف بسيدة الربوة..
سيدات الربوة
حين تتحدث خديجة شاكر عن صالونها تتحدث بصيغة الجمع، وتقول «هو صالون سيدات الربوة» وحتى على صفحات «السوشيال ميديا» تجده باسم «سيدات الربوة».
مع نهاية كل شهر، تفتح سيدة الربوة باب بيتها، للنساء المغربيات المنتميات لعوالم الفكر والثقافة، وتستقبل ضيفاتها بابتسامة ترحيب، وتمنحن لحظات من المتعة والفائدة، في أجواء من السمو والرقي في جلسات من النقاشات الفكرية النسائية على إيقاع الشاي والحلويات المغربية، تلامس قضايا من خلال مناقشة كتب وروايات متعددة يتم أحياناً الإعداد لقراءتها مسبقاً لخوض النقاش حول موضوعاتها.
مواعيد شهرية
يتميز الصالون بحضور نوعي ومداخلات قيّمة، تؤثث هذا الصالون الأدبي، تفتتحه خديجة بكلمة ترحيب، وتوطئة لموضوع اللقاء وتقديم ضيفة اللقاء، وتسند مهمة التسيير لواحدة من «سيدات الربوة»، قبل أن تمنح الكلمة للأديبة أو الباحثة أو المفكرة، ويفتح بعدها باب المداخلات والأسئلة والتفاعل مع الكتاب موضوع النقاش أو مع الكاتبة التي حلت ضيفة لحلقة الشهر.
وقد فاق عدد لقاءات الربوة حتى اليوم، الخمسين موعداً، وكثيرة هي الأسماء التي حضرت، صالون «سيدة الربوة» بدءاً بالأديبة ليلى أبو زيد، مروراً بجسرين اللعبي، وحنان الدرقاوي ولطيفة لبصير، والباحثة في الثقافة الحسانية العالية ماء العينين، والكاتبات لطيفة باقا وربيعة ريحان وعائشة البصري، والأستاذة الباحثة في الفكر الإسلامي أسماء لمرابط، وعائشة بالعربي، وغيرهن كثيرات، ممن يحملن همّ القضية النسائية، ويساهمن بكتاباتهن في تكسير الصمت والقيود المحيطة بعوالم النساء والرقي بفكر المرأة المغربية وتحررها.
حين تسأل «سيدة الربوة» عن أهداف مؤسسة الربوة للثقافة والفكر، تجيبك: «بأنها تسعى إلى أن تسهم ولو بالنزر اليسير في التعريف بالثقافة المغربية المتنوعة، وفي بعث الكامن من الرغبات لدينا، في السفر الجميل والممتع والمفيد بين صفحات الروايات والقصص والدراسات الإنسانية ودواوين الشعر والزجل».
لقاءات الحنين
تستحضر خديجة بعض من اللحظات الأليمة التي عرفتها لقاءات الربوة، وهي كذلك عناق للزمن الجميل الذي عاشته نساء مغربيات، رهن حياتهن لأجل الدفاع عن قضايا النساء وتطوير مجتمعاتهن؛ إذ تقول: «لم تكن كل مواعيد الربوة مواعيد للفرح، فقد التأم الجمع حين غادرتنا الناشطة الحقوقية والمناضلة زهور العلوي إلى دار البقاء وهي إحدى عرابات هذا المجمع الثقافي، وتركت صوتها الدافئ يخيم على الصالون، فرغم أنها كانت تدرك قرب رحيلها، لم تستسلم وظلت وفية للقاءات وكانت تحاور وتتحدث وتسجل على الورق، كمن يعيش حتى اللحظات الأخيرة من الحياة».
من يحضر لأول مرة إلى هذا المنزل، ويستمتع بجمالية المكان والفضاء، ويستمع لهؤلاء النساء، وينصت لبوحهن، ونقاشاتهن الغنية، يصبح وفياً لهذا الموعد الذي يضرب يوم سبت من نهاية كل شهر.
في ماي من السنة الماضية 2018، نظمت مؤسسة الربوة، لقاءً تاريخياً، حول تجربة جريدة 8 مارس. ، أول جريدة نسائية بالمغرب، وكان من بين أعضاء تحريرها، أسماء هي اليوم من مؤسسات «صالون الربوة»، وطرح خلال هذه المناسبة، كتاب صدر عن مؤسسة الربوة، تحت عنوان: « أوراق الربوة» الذي يوثق لسنتين من عمر هذه المؤسسة، ويجمع بين دفتيه القراءات العاشقة التي أنجزتها سيدات الربوة للأدب النسائي المغربي.
كل هؤلاء النساء اللواتي يجتمعن فوق ربوة منزل «سيدة الربوة»، هنّ نساء ينتمين لحب الوطن، نساء لا يتوقفن عن الحلم بوطن أجمل وبواقع أفضل للمرأة المغربية والعربية بصفة عامة.