شبّه العلماء مرحلة البلوغ والمراهقة بركوب قارب تتقاذفه الأمواج بدون توقف؛ بسبب المستويات الهرمونية المرتفعة، فالانفعالات المزاجية كثيرة؛ ما بين فكاهة ودهشة وخوف، في لحظة يضحكون ويتحدثون وينسجمون، وفي أخرى يتغير مزاجهم، ويرغبون في البكاء.
من هنا يؤكد العلماء أن مهمة الآباء والأمهات في فهم واستيعاب هذه المرحلة ليست سهلة، فما علاج هذه الصراعات.
يضع الدكتور إسماعيل يوسف، أستاذ الطب النفسي بجامعة قناة السويس، تصورًا لعدد من المشاعر التي تتصارع بداخل المراهق، فيقول: إحساس بالاغتراب والتمرد، محاولات متكررة للانسلاخ عن ثوابت ورغبات الوالدين، صراعات دائمة بين الاستقلال عن الأهل وبين الاعتماد عليهم، بين مخلفات الطفولة بداخلهم ومتطلبات الرجولة أو الأنوثة، تتذبذب مشاعرهم بين الخجل والانطواء وحدة الطباع، وبين الرغبة في إثبات الذات وتحقيق الأحلام.
وكلها خيارات مضطربة وتحديات صعبة تتفاعل في حياة المراهق أو المراهقة، وتشكل صراعات محتدمة بداخلهم، تأتي على شكل غضب وإثارة وحدة طبع عند الذكور، وعصبية واكتئاب عند الإناث.
والسؤال: هل يفهم الآباء ذلك؟ وهل يملكون القدرة على التواصل معهم؟
5 تحديات سلوكية
يدرج الدكتور إسماعيل أبرز هذه الصراعات:
1- الاغتراب والتمرد: المراهق يشعر دائمًا بعدم فهم والديه له، فيبتعد عن ثوابتهما ورغباتهما؛ كمحاولة لتأكيد الذات واثبات تفرده، ولإحساسه بالاغتراب يبدأ سلوكه المتمرد المكابر، المعاند، المتعصب، العدواني تجاههم.
2- الصراع الداخلي: بين الرغبة في الاستقلال عن الأسرة واعتماده الفعلي عليهم، بين رواسب الطفولة ومتطلبات الرجولة -أو الأنوثة للبنت- بداخله، بين طموحاته الزائدة وتقصيره في الالتزامات، بين غرائزه والتقاليد الاجتماعية، بين تفكيره وفلسفته الناقدة وبين أفكار الجيل القديم.
3- الإحساس بالخجل والانطواء: والذي يُقلل من تفاعله واندماجه الاجتماعي؛ نتيجة لقسوة الآباء أو تدليلهم الزائد، وهذا يدفعه للاعتماد على الآخرين في حل مشاكله.
4- الغضب والتوتر وحدة طباع في تعاملاته مع الأهل: وتأتي بسبب رغبة المراهق في تحقيق مطالبه بالقوة والعنف الزائد؛ مما يسبب إزعاجا كبيرًا للمحيطين به.
5- السلوك المزعج مع من يرفضه: فالمراهق يرغب في تحقيق مقاصده الخاصة دون اعتبار للمصلحة العامة أو مشاعر الغير، فينشأ صراع متكرر بينه وبين والديه، فيصرخ ويسبّ، وأحيانًا يسرق، ومرات كثيرة يتلف الممتلكات، ويجادل في أمور لا تستحق، أو يتورط في مشاكل داخل البيت أو خارجه.
طرق للعلاج
لابنك وابنتك على السواء:
- حاوريهم يوميًا -حتى لو كان عبر الهاتف- عن أحداثهم اليومية وإنجازاتهم الحياتية، فهذا يكسبك ثقتهم، ويشعرهم بالراحة وأهميتهم في حياة الأسرة.
- تواصلي معهم بالحب، فالمراهقون في أشد الحاجة لمشاعر الأبوة والأمومة والرعاية دون شرط التميز والتفوق. يحبون وجود الأهل من حولهم وتقديمهم للحماية والاحترام لهم. يحتاجون لحب بمحاسنهم ومساوئهم معًا.
- اتركي ابنك لفترة من الوقت، فهو يحتاج الانفراد بنفسه، ولكن لا تنسحبي كلية، شاركيه شؤون حياته وبعضًا من أنشطته اليومية؛ مثل مشاهدة التليفزيون أو القراءة، أشعريه بأن وجوده لا يُسبب مشكلة في حياتك.
- أشركي ابنك -أو ابنتك المراهقة- في المناقشات العلمية التي تتناول علاج مشكلاتهما، وعوّديهما على طرح ما يشغلهما، وشاركيهما بعضًا من أنشطتهما.
- أحيطي ابنك أو ابنتك علمًا بالأمور الجنسية بصورة علمية موضوعية؛ حتى لا يقعا فريسة الجهل والضياع من استشارة أصحاب السوء.
- شجعي ابنك على المشاركة في النشاط الترويحي الموجه، واتركيه يتعايش مع جو الرحلات ومفهوم التسامح في محيط الأندية الرياضية والثقافية.
- أعطي ابنتك مساحة للنقاش والحوار معك، واسمحي لها باستضافة بعض صديقاتها بالمنزل، مع الحرص على التعرف عليهن والجلوس معهن لبعض الوقت.
- لا تتحدثي معها بفظاظة وعدوانية أو تتصرفي معها بعنف؛ حتى تعززي ثقتها في نفسها.
- حققي لها الأمان، وابعدي عنها مخاوف التفكك الأسرى، أو الفشل الدراسي، وقدمي لها الحب والعدل في المعاملة والاستقلالية، تزداد فرصك في التفاهم معها.
- اجعلي حديثك مع ابنتك المراهقة بلا تهديد، وخففي من سلطتك عليها، وأعطيها الثقة بنفسها بدرجة أكبر من مراقبتها ومتابعتها من بعيد.
- بصّري ابنك المراهق بعظمة المسؤوليات التي وقعت عليه كرجل، وعلّميه كيفية الوفاء بالأمانات، وصوبي له المفاهيم الخاطئة في ذهنه، وشجعيه على مصادقة الجيدين، وأرشديه لبعض طرق حل الأزمات.
- أخبري ابنك وابنتك المراهقة بأنهما انتقلا من مرحلة الطفولة إلى مرحلة جديدة، وهي المراهقة والتكليف، وأنهما كبرا وأصبحا مسؤوليْن عن تصرفاتهما، وبأن مسؤولياتهما ازدادت وحقوقهما أيضًا.
- ابنك المراهق أصبح عضوًا مشاركًا في الأسرة ويُؤخذ برأيه، فأقيمي معه علاقة وطيدة وحميمة معًا، ودعميه وشجعيه كلما صدر عنه سلوك حسن، ولا تواجهيه بأخطائه على الملأ.
- أعطي ابنك قدرًا من الحرية بإشرافك، واتفقي معه على احترام الوقت، ولا تستخدمي سلطتك إلا لمنع وقوع الأخطاء، وأنصتي إليه وأجيبي عن تساؤلاته بمنطق وحبّ.