مع انتشار العولمة، تُمارس الثقافة الغربية تأثيراً عميقاً على النسيج الثقافي للشباب في جميع أنحاء العالم. يبدأ الفحص بالتعمق في النظرة الغربية، وإلقاء الضوء على كيفية تسلل العناصر الثقافية الغربية وإعادة تشكيل قيم ومعايير وسلوكيات الشباب. يشمل التحليل جوانب متنوعة، بما في ذلك خيارات نمط الحياة واتجاهات الموضة والسلوكيات الاجتماعية، مما يوضح التفاعل المعقد بين العولمة والتحول الثقافي.
تأثير الثقافة الغربية على قيم الشباب من وجهة نظر مختص

سامي البيطار متخصص في علم النفس العيادي يشرح في مقابلة مع "سيدتي" تأثير الثقافة الغربية على قيم ومبادئ الشباب.
ويقول: "إن التطور التكنولوجي الذي شهدته البشرية في مختلف أوجهه، بدءاً من اختراع الراديو والتلفاز، مروراً بالإنترنت، وصولاً إلى الهواتف الذكية، كان له تأثير كبير على الثقافات العالمية بشكل عام، والثقافة العربية بشكل خاص. هذا التطور جلب معه مجموعة من التغيرات، بعضها إيجابي وبعضها سلبي".
يمكنك متابعة مجالات يسيطر الذكاء الاصطناعي عليها
ومن أبرز الأوجه الإيجابية لهذا التطور هو عولمة التواصل؛ وهنا يوضح البيطار أن "التواصل بين الناس في مختلف أنحاء العالم أصبح أمراً سهلاً ويسيراً. كما أن الوصول إلى المعلومات أصبح أسرع وأكثر سهولة، مما ساعد في اختصار الوقت والجهد مقارنة بما كان عليه الحال في السابق".
من جهة أخرى، تترتب على هذا التطور بعض الآثار السلبية بحسب البيطار،" مثل الاستغراق في متابعة التقدم التكنولوجي والانغماس في العالم الافتراضي، مما يؤدي إلى الإدمان على استخدام الأجهزة الذكية والإنترنت، وبالتالي يؤثر على تفاعلات الأفراد مع محيطهم الواقعي".

وحدد البيطار الآثار السلبية لانتشار الثقافة الغربية مسلطاً الضوء على الفئات الأكثر تعرضاً لتأثيرات التكنولوجيا. من أبرز هذه الفئات " نجد الأطفال والمراهقين، أي الفئة الشبابية بشكل عام. هؤلاء الشباب هم الأكثر تأثراً سواء من الناحية الإيجابية أو السلبية بالتكنولوجيا وعولمة الثقافة".
أما من حيث الآثار الثقافية، يشير البيطار إلى أن "من أبرز النتائج التي نشهدها اليوم هي التأثيرات الثقافية الغربية على الشباب العربي". مضيفاً: أن الثقافة الغربية، بما تحمله من قيم وأفكار وعادات، أصبحت تشكل جزءاً من الواقع الذي يعيشه الشباب العربي، مما يثير تساؤلات حول تأثير هذه الثقافة على الهوية العربية والمجتمعات التقليدية.
واعتبر البيطار أن "الثقافة الغربية اخترقت الحواجز الجغرافية كما والحواجز الفردية، وأصبحت في متناول الصغير كما الكبير في عالمنا العربي. وهنا لا بد من الحديث عن ازدواجية في الآثار المترتبة على اجتياح الثقافة الغربية لعالمنا العربي. لعل أبرزها من الناحية الإيجابية الاطلاع على العالم الخارجي ومتابعة كل ما يجري في دول العالم من أحداث وأخبار جديدة، كما والحصول على وفرة من المصادر العلمية المختلفة التي تصب في خدمة البحث العربي والتطور في العالم العربي".
أما على الجانب الآخر، فقد تطرق البيطار إلى وابل من الآثار السلبية لأثيرات الثقافة الغربية على الشباب، وأبرزها" تتمثل في السلوك عند الشباب، والقيم والعادات، كما ونهج التفكير، وبالتالي الأحاسيس. من ناحية السلوكيات، نلحظ اتباع الشباب للموضة الخارجية، سواء كان ذلك من خلال طريقة الملبس أو اتباع صيحات الموضة الجديدة، من مواكبة الألعاب والترندات، وكل ما في ذلك من رواسب هذه الثقافة الغربية. الأمر الذي، بطبيعة الحال، يجعل هؤلاء الشباب يتبنون هذه السلوكيات الغربية ويحاولون دمجها بثقافتهم العربية؛ لتصبح نوعاً من العادات والتقاليد، والتي بدورها يمكن أن تأتي بالإيجابية من ناحية تطوير الحضارة أو المحافظة عليها وتطويرها. لكن من ناحية أخرى، قد يؤدي ذلك إلى تشويه ملامح الحضارة العربية وانصهارها بالحضارة الغربية".
أما من ناحية الأفكار، فتحدث البيطار "عن بعض الأفكار الغربية التي تتماشى مع المجتمع العربي، ومنها ما يتنافى كلياً مع الثقافة العربية. يتبنى شباب اليوم بعض هذه الأفكار، مما يُحدث خللاً أو فجوة في التكيف مع الواقع العربي. هذا الأمر يؤدي إلى تقوقع الشباب في عالمهم الخاص الفردي، الذي يقوم على أسس ازدواجية، مما يجعل الشاب العربي عُرضة للانسحاب الاجتماعي، وبالتالي المعاناة من اضطراب في سوق التكيف المختلفة والاضطرابات الشخصية، كون أن القيم المجتمعية السائدة تعد من الركائز الأساسية لبناء الشخصية".
ورأى البيطار "أن هذا الأمر يُزيد من الشرخ ويُعمق الفجوة بين الشباب وبين المجتمع العربي، مما قد ينعكس أيضاً على الحركة الديموغرافية الاجتماعية لدى الشباب من ناحية الرغبة في الهجرة والانتقال إلى البلاد الغربية. كما يمكن الحديث عن أيديولوجيات معينة يتم الترويج لها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والتي منها ما يسهم ويدعم الثقافة العربية، ومنها ما هو هدام وفتاك بالمبادئ والأخلاقيات العربية المختلفة، مما يزيد من اضطراب الشباب بشكل عام".
ما رأيك الاطلاع على كيف سهّل الذكاء الاصطناعي حياتنا؟
وشدد البيطار في ختام حديثه على أهمية "التقنين والترشيد الأمثل لاستخدام الأدوات التكنولوجية المختلفة، التي تبث مراراً وتكراراً الثقافة الغربية، وإنشاء الحلقات التوعوية التي من شأنها توعية أولياء الأمور والشباب على حد سواء بالاستخدام الأمثل للتطور التكنولوجي". لافتا إلى أن "الهدف هو أن نجعل من هذا التطور التكنولوجي تطوراً إيجابياً لثقافتنا العربية بدلاً من هدمها ودمجها بالثقافة الغربية".