تشهد الخدمات اللوجستية في الخليج تحولاً استراتيجياً جعل منها أحد أهم أعمدة الاقتصاد الرقمي، خاصة مع الانتشار الواسع للتجارة الإلكترونية وتطور أنماط الاستهلاك.
حول هذا الموضوع، التقت "سيدتي" بالدكتورة دانة صافتلي، كوتش في ريادة الأعمال والقيادة الرؤيوية، وشريك مؤسس في منصة "يوفجن" العالمية لتنمية الذات، والتي تمتلك خبرة تمتد لأكثر من 13 عاماً في مجال التوصيل والخدمات اللوجستية؛ حيث عملت مع مؤسسة "توزيع" التابعة لشركة أبوظبي للإعلام؛ لتكون من بين القيادات البارزة في هذا القطاع الحيوي.
في هذا الحوار، تسلط الدكتورة دانة الضوء على التحولات الكبرى التي يشهدها قطاع الخدمات اللوجستية، ودوره في دعم الاقتصاد الرقمي، خصوصاً في دول الخليج.
كيف ساهمت تطبيقات الشراء أونلاين في نمو شركات التوصيل؟

يشهد السوق الخليجي نمواً هائلاً في التجارة الإلكترونية، خاصة في الإمارات والسعودية والكويت، مما يعزز دور التجارة الإلكترونية كقطاع رئيسي في الاقتصاد الرقمي الخليجي. وذلك مع التزايد المستمر في الطلبيات عبر الإنترنت، مما يعكس توسعاً كبيراً في السوق.
تقول د. دانة: "هناك تغيير ملحوظ في توجه النمط الاستهلاكي؛ ليصبح أكثر اعتماداً على شراء المنتجات عبر الإنترنت. وأصبح شراء المنتجات من خلال إعلانات منصات التواصل الاجتماعي والتسويق عبر المحتوى جزءاً أساسياً في بيع المنتجات عبر الإنترنت بشكل فعال؛ حيث تعتمد غالبية التجار على بناء علاماتهم التجارية الإلكترونية وتقديم عروضهم للعملاء على المواقع الإلكترونية، وتسويقها على منصات التواصل الاجتماعي مع سهولة استهداف فئات العملاء الآن من خلال الميتا".
ومع تزايد الطلبات عبر الإنترنت، يأتي دور الشريك اللوجستي الرئيسي لدعم التجارة الإلكترونية، وهي خدمات التوصيل، التي تُعد عموداً مهماً في نجاح التجارة الإلكترونية.
دور شركات التوصيل في تعزيز التسوق أونلاين
تلعب شركات التوصيل أدواراً فعالة ساهمت في تعزيز عمليات الشراء الإلكترونية مثل:
- استلام الدفعات النقدية
- توثيق عملية الاستلام عبر البصمات الإلكترونية أو البايومترية، خاصة للبنوك والدوائر الحكومية
- التوقيع الإلكتروني أو الورقي
- تخزين المنتجات وشحنها
- إدارة وتتبع الشحنات
تشير د. دانة إلى الإحصائيات التي أثبتت وجود أكثر من 51 شركة توصيل في الإمارات بمعدل نمو 7% على الطلبيات، وأكثر من 66 شركة توصيل في السعودية بمعدل نمو 9% على الطلبات، وتشمل هذه الشركات خدمات توصيل محلية وشحناً دولياً.
فرص ريادية لشباب الخليج

يُعد قطاع التوصيل من أكثر القطاعات الواعدة، التي تمنح الشباب الخليجي فرصاً ذهبية لتأسيس مشاريعهم الناشئة، سواء من خلال تقديم خدمات جديدة أو عبر ابتكارات تكنولوجية تُلبي احتياجات السوق المتنامية.
ابتكارات وخدمات موجهة
يمكن لرواد الأعمال الشباب تطوير نماذج أعمال مبتكرة في هذا القطاع، مثل:
- تقديم خدمات توصيل جديدة ومخصصة
- استهداف فئة معينة من العملاء بخدمات موجهة
- تطوير حلول ذكية عبر دمج الذكاء الاصطناعي في أنظمة التوصيل
- بناء وتشغيل أنظمة تتبع ذكية للشحنات
- تصميم تطبيقات متخصصة في عمليات التوزيع
- تحسين خدمات العملاء الرقمية، بما يتماشى مع متطلبات شركات التوصيل
حلول صديقة للبيئة
ومع التوجه المتزايد نحو الاستدامة البيئية، بات من الضروري على الشباب التفكير في تقديم حلول توصيل صديقة للبيئة، مثل:
- استخدام الطائرات بدون طيار للتوصيل في المناطق القريبة
- اعتماد الدراجات الكهربائية كوسيلة بديلة ومستدامة لتقليل الانبعاثات الكربونية
عمل مرن وتجارب ميدانية
إضافة إلى فرص تأسيس الشركات، يوفر قطاع التوصيل للشباب إمكانية العمل الجزئي خلال فترات الدراسة، سواء عبر العمل كسائقين أو عبر أنشطة التوصيل الحرة، مما يمنحهم خبرة عملية ومصدر دخل مرناً.
قصص نجاح مُلهمة
يشير الواقع إلى نماذج ناجحة بدأها شباب خليجيون بأفكار بسيطة تحولت إلى قصص نجاح بارزة، من أبرزها:
- شركة "طلبات" التي انطلقت من الكويت على يد أربعة من رواد الأعمال الشباب، بفكرة بسيطة لتوصيل المأكولات؛ لتصبح لاحقاً واحدة من أبرز منصات التوصيل في الشرق الأوسط.
- شركات سعودية مثل "مرسول" و"جاهز" التي أسسها رواد أعمال شباب نجحوا في كسب رضا العملاء، وانطلقت مشاريعهم من أفكار متواضعة؛ حتى أصبحت من كبرى شركات التوصيل في المنطقة.
تحديات تواجه قطاع التوصيل

رغم نمو قطاع التوصيل وتصاعد شركات الخدمات اللوجستية إلا أن هذا المجال يواجه أيضاً كثيراً من التحديات، مثل:
ضعف البنية التحتية في المناطق النائية
لا تزال بعض المناطق النائية والبعيدة عن المدن تعاني من نقص في البنية التحتية اللازمة لسير مركبات التوصيل بكفاءة، مما يؤثر على قدرة الشركات في الوصول إلى جميع العملاء.
محدودية التغطية الشاملة
تُعد القدرة على تغطية جميع المناطق بكفاءة من أبرز مؤشرات نجاح شركات التوصيل. وأي خلل في هذا الجانب يؤثر سلباً على جودة الخدمة وثقة العملاء.
ارتفاع تكاليف التشغيل بسبب الوقود
يشكل ارتفاع أسعار الوقود تحدياً كبيراً أمام شركات التوصيل، كونه يرفع من تكاليف التشغيل، وينعكس ذلك في النهاية على ارتفاع أسعار الخدمات المقدمة للمستهلك.
حلول مستدامة لمستقبل الخدمات اللوجستية

في ظل التحديات التي يواجهها قطاع التوصيل، تبرز مجموعة من الحلول المقترحة التي يمكن أن تُحدث تحولاً نوعياً في كفاءة العمليات وخفض التكاليف:
التحول إلى مركبات صديقة للبيئة
يُعد تحويل الأسطول اللوجستي إلى مركبات كهربائية أو هجينة من أبرز الحلول الفعالة؛ حيث يسهم في تقليل استهلاك الوقود، وخفض الانبعاثات الكربونية. ولتنفيذ هذا التحول، من الضروري توفير بنية تحتية ملائمة، تشمل محطات شحن كهربائية سريعة موزعة في أغلب المناطق.
توظيف الذكاء الاصطناعي في إدارة الخدمات
مع توسع قطاع التوصيل، أصبح من الضروري دمج الخدمات اللوجستية مع التقنيات الحديثة، وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي، لما له من دور كبير في تطوير العمليات الحيوية مثل:
- تحسين تخطيط المسارات من خلال تحليل المسافات واختيار الطرق الأقصر والأقل ازدحاماً
- تقليل التكاليف التشغيلية
- رفع جودة الأداء
- مراقبة الهدر في استهلاك الوقود
- إدارة المخازن بذكاء
- وتقديم تجربة سلسة في خدمة العملاء
الاستعداد لفترات الذروة
مع ازدياد الاعتماد على الشراء الإلكتروني، من المتوقع أن يشهد القطاع زيادة في الطلب على خدمات التوصيل، خاصة في فترات الذروة. لذلك، على الشركات وضع استراتيجيات مرنة تشمل:
- تخطيط مسبق للموارد البشرية واللوجستية
- تطوير حلول للتعامل مع ضغط الطلب
- إعادة تنظيم الموارد في فترات الركود عبر إطلاق مشاريع بديلة تعزز استدامة النشاط
الاستثمار في التكنولوجيا المستدامة
يمثل الاستثمار في الحلول التكنولوجية المستدامة ركيزة مستقبلية مهمة، ومنها:
- استخدام الطائرات بدون طيار (Drones) في عمليات التوصيل، خاصة في المناطق القريبة أو محدودة الوصول.
- تبني المركبات ذاتية القيادة كوسيلة مستقبلية؛ لتقليل الاعتماد على الموارد البشرية.
- إنشاء شبكات طرق ذكية تتفاعل مع المركبات الحديثة، وتوفر بيئة تشغيلية آمنة وفعالة.
اقرأوا أيضاً الفرنشايز: طريقٌ سريعٌ لدخول عالم الأعمال.. أم حقلٌ محفوفٌ بالتحدّيات؟