في اليوم العالمي للإذاعة : رحلة الذكريات مع المذيعة نوال بخش


يحتفل العالم اليوم 13 فبراير، بإنطلاق أول بث إذاعي قبل 100 عام ، وبدورالإذاعة التاريخي على مر العصور، وتربعها وبتفرد لسنوات طويلة على عرش الإعلام ونقل الأخبار ، واستمرارها حتى اليوم في جمع المستعمين، رغم ما تواجهه من منافسة وتحديات وتقنيات حديثة.
وفي السعودية على وجه التحديد كان عام 1949 تاريخ أول بث إذاعي سعودي من مدينة جدة ، بمرسوم ملكي من الملك عبدالعزيز آل سعود ،وبعدها بسنوات تحديد ا في عام 1965 انطلقت إذاعة الرياض ، ليصدح صوت المذيعة نوال بخش المميَّز متجاوزةً كافة العراقيل المجتمعية في ذلك الوقت، عندما ذهبت برفقة شقيقها حسين، الذي كان يعمل مهندساً للصوت في الإذاعة، إلى مقرِّها بعد أن تمكَّن من إقناع والدتهما بأن تؤدي "اختبار الصوت".وحقاً، أذهلت نوال الجميع بموهبتها الفطرية، وتجاوزت التجربة بنجاحٍ، ليتمَّ تكليفها بالعمل في "برامج الكبار" مباشرةً، وإذا لم تتجاوز حينها 12 من عمرها ، وبعد ذلك بعامٍ، جاء الظهور الأول لها وللمرأة السعودية بشكلٍ عامٍّ على شاشة التلفزيون، لتستمرَّ في التقديم والإنتاج في شتى أشكال العمل الإعلامي إلى أن وصلت لمرحلة التقاعد، تاركةً بصمةً لا تنسى، وسيرةً تاريخيةً حافلةً بالإنجازات.
سيدتي التقت نوال بخش لنستعيد معها شريط ذكريات البدايات ومحطات مفصلية في تاريخ إذاعة الرياض .

مديرة إبداعية - نينورتا مالكي
مكياج - منار جميل


صعوبة البدايات

نوال بخش


البدايات دائماً ما تكون مصحوبةً بصعوباتٍ ومخاوفَ، لكنَّ القناعة والثقة والرغبة في الاستمرار، كان سلاح نوال بخش في تجاوزها. تحدَّثت عن ذلك ضيفتنا بالقول: "أقدارنا هي غالباً مَن تختارنا، وهذه حقيقةٌ، فأنا لم أختر الإذاعة، بل هي التي اختارتني للعمل بها". مضيفةً: "لقد كنت الفتاة الوحيدة بين خمسة إخوةٍ، وعندما أنهيت المرحلة الابتدائية، أهداني أخي الأكبر جهازَ راديو صغيراً، ترانزيستور، حتى يُسلِّيني. كنت شغوفةٌ بمتابعة كل ما يأتي منه، ولعل هذا السبب وراء التحاقي بالعمل في الإذاعة".
وعن بداياتها في المجال، أجابت نوال: "لم يكن طريقي مفروشاً بالورد، إذ عانيت كثيراً من عقباتٍ وتحدياتٍ مجتمعيةٍ هائلةٍ. حفرت في البدايات على الصخر بأظافري، وتشبَّثت بهدفي السامي، وواجهت كل تلك العوائق باقتدارٍ وصلابةٍ، اكتسبتها من والدتي، رحمها الله. كان عمري حينها 12 عاماً، ومع ذلك كنت مؤمنةً بالاستمرار لتحقيق أهدافي بخدمة وطني ومجتمعي وأسرتي لتحقيق التغيير المأمول".
وبسؤالها عن تلك الصعوبات، ردَّت: "لعل أصعب ما مررت به في تلك الفترة طردي من جميع مدارس المرحلة المتوسطة في السعودية، لأنني بزعمهم كنت أشكِّل خطراً على الفتيات، فأنا في نظرهم مثالٌ للتمرُّد على المجتمع ومعارضة القيم والأخلاق! وعليه اضطررت إلى مقابلة الملك فيصل، رحمه الله، للعودة إلى تعليمي. هناك أيضاً كثيرٌ من المواقف التي تخطَّيتها بألمٍ وأملٍ، وبصبرٍ عظيمٍ".

دور الإذاعة المجتمعي

وأكدت نوال، استناداً إلى خبرتها وريادتها في المجال، أن "الإذاعة لها دورٌ مهمٌّ وفاعلٌ في حياة الأفراد والأسرة والمجتمع، المحلي والعربي، خاصةً قبل ظهور الفضائيات والسوشال ميديا، إذ كانت المصدر الوحيد لنشر الثقافة والوعي بشموليةٍ، وبمنزلة مدرسةٍ، بل وجامعةٍ مفتوحةٍ على الهواء في أرجاء الوطن الشاسعة من مدنٍ، وقرى وهجرٍ، وجبالٍ وأوديةٍ وصحارى، فالبث التلفزيوني لم يكن يصل إلى كل المناطق حينها، وكان للمذيع، بوصفه عنصراً بشرياً، دورٌ عظيمٌ ومؤثرٌ، بالتالي كان لابدَّ أن تكون لديه أهدافٌ يخدمها لصالح الإنسان والمجتمع".
استفسرنا منها أيضاً عن أبرز إنجازات إذاعة الرياض في المجتمع، فأوجزتها نوال بالقول: "بدءاً من السبعينيات، وإذاعة الرياض تحمل رسالة التنمية والتغيير عبر تسليط الضوء على الخطط التنموية الخمسية الجبَّارة التي غيَّرت مسار الحياة في وطني. بدوري تمكَّنت من حمل هذه الرسالة الوطنية العظيمة بكل اقتدارٍ منذ البداية عام 1970 حتى آخر خطةٍ من خلال إنتاج برامج خاصة بالأسرة والمجتمع، لنشر أهداف وإنجازات تلك الخطط، التي تشكِّل الأساس الذي بُنيت عليه رؤية 2030 المذهلة".

للمزيد من المعلومات عن اليوم العالمي للإذاعة وتأثيرها في اليوم العالمي للإذاعة، المديرة العامة لليونسكو: الإذاعة وسيلةً فريدة لبناء السلام

الإذاعة والإنترنت

المذيعة نوال بخش


وتطرَّقت نوال إلى التغييرات التي أحدثتها التقنية في العمل الإذاعي، مبينةً في هذا الجانب، أن "التغيير التقني بات له حضورٌ لافتٌ في الإذاعة حيث أخذت خطواتٍ جادةً وتفاعليةً لمجاراة التطوير، مثلاً حضرت أخيراً تجربةٌ تفاعليةٌ جميلةٌ في استديو إذاعة الرياض، إذ لاحظتُ وجود كاميرات التلفزيون في الوقت نفسه، ونقل البرنامج عبر الإنترنت، ليصبح إرسال الإذاعة مسموعاً ومُشاهداً، ريدبو + Tv، على الهواء مباشرةً عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وأعتقد أن على الإذاعة أخذ هذه التجربة بوصفها استراتيجيةً ضروريةً في وقتنا الجاري، لتواكب المتغيِّرات، وتحافظ على وهجها وسط الزحام التقني الفضائي".
ووصفت الذكاء الاصطناعي بـ "الثورة التقنية الخطيرة والقوية والمهمة"، وقالت: "علينا أن نتحكَّم به قبل أن يتحكَّم بنا، ويدير حياتنا، وأن نتعلَّم كيف نستفيد منه في إثراء برامج الإذاعة والتلفاز، وأرجو ألَّا يأتي الوقت الذي نجده يدير برامجنا الإعلامية بمزاجه، ويقوم بالدور البشري كاملاً، وهذا متوقَّعٌ. علينا ألَّا نسلِّمه القيادة، لأننا حينها سنفقد أجمل ما يملكه الإنسان، وهو التفاعل العاطفي الدافئ بين المؤدي والمتلقي، ونصبح جميعاً مجرد صورٍ وآلاتٍ وأجهزةٍ باردةٍ".
ومع كل هذا التأثير الذي حدَّدته للتقنية، لا تعتقد نوال أن تلغي وسيلةٌ جديدةٌ وسيلةً إعلاميةً سبقتها، وذكرت: "اليوم أمسيت أشكُّ في صحة مقولة: إن الصحافة تحتضر. فالكتاب المطبوع لا يزال شامخاً، لأنه الوعاء الثقافي الإنساني الأول، وسيظلُّ الأقوى حضوراً وبقاءً".
وبرَّرت رأيها: "مجرد فيروسٍ، يتسلَّل إلى الأجهزة الذكية قد يعطلها تماماً، فتفقد محتواها، ويظلُّ الكتاب أمامها صامداً لآلاف السنين، وقد رأينا كيف أن التلفاز لم يلغِ الإذاعة، إذ لا تزال حاضرةً بقوةً حتى الآن، لكن عليها تطوير أدواتها، لتساعد نفسها على الصمود أمام هذا الجنون التقني المتسارع، وتستفيد منه لتستمرَّ بأمانٍ".

البث التلفزيوني

بعد عامٍ من عمل نوال في الإذاعة، تمَّ افتتاح محطة التلفزيون في 1965، وكانت من أوائل النساء ظهوراً على شاشتها بتكليفٍ من وزير الإعلام وقتها الشيخ جميل الحجيلان، ونجحت في تقديم عديدٍ من البرامج للأسرة والطفل، لتتوقَّف بعد فترةٍ بسيطةٍ من أجل استكمال دراستها الجامعية، ورعاية أسرتها، وتربية أبنائها الصغار،" عبدالعزيز زنزف ونجود وفيصل " ثم فضَّلت مواصلة العمل في الإذاعة، لأنه مسائي، ولا يضطرُّها للغياب عن البيت طويلاً، وتجهيز الملابس والمكياج، والبقاء ساعاتٍ تحت إضاءةٍ حارقةٍ. وأتمت نوال دراستها لتتخرج اختصاصية مجتمع وتنمية مستدامة بالاضاضة لشهادة من كامبردج في اللغة الإنجليزية وآدابها

المرأة السعودية

طلبنا من ضيفتنا توجيه رسالةٍ للسعوديات بشكلٍ عامٍّ والمذيعات خاصةً، اللاتي يعشن عصرهن الذهبي، فقالت: "نعيش اليوم أمجاد الرؤية المباركة، وننعم بالدعم اللامحدود في كافة المجالات، لذا تسلَّحي بالعلم والمعرفة، وتابعي تطوراتهما ومستجداتهما المتسارعة في كل التخصُّصات، واستفيدي من الفرص فقد أصبحت مفتوحةً وممكنةً أمامكِ، وحافظي على قيمكِ الدينية والأخلاقية الرفيعة، فهي إرثنا الحقيقي في هذا الوطن. إنَّ الحرية لا تعني التخلي عنها، بل التمسُّك بها أكثر، لأنها سبيلنا لتماسك الأسرة".
وتابعت نوال: "كل ما تتمتَّع به المرأة السعودية الآن في وطني، كنت أول مَن نادى به في برامجي الأسرية المجتمعية، مثل حقها المشروع في قيادة السيارة، والتمكين في المناصب والمراكز الوظيفية العليا، إلى المطالبة بفتح أقسامٍ للإعلام، والدعوة إلى مشاركة الرجل في البناء والعطاء في كل المجالات. من خلال برامجي كنت أغذِّي الفكر الأسري الجمعي بما يجب أن نكون عليه في حياتنا المستقبلية التي كنا ننتظرها بفارغ الصبر، ولله الحمد تحقَّق لنا ما كنت أسعى إليه، وأتمنى أن تكمل بناتنا المسيرة المباركة مسيرة العطاء والوفاء للوطن الغالي، فهو يستحقُّ منا أن نكون له فعلاً شعبَ جبل طويق".

مهارات المذيع الناجح

ولأنها خبيرةٌ في هذا المجال فقد استفسرنا من بخش عن مهارات المذيع الناجح، فذكرت نوال، أن "المذيع يجب يكون موهوباً بالفطرة، وشغوفاً بطبيعة العمل، فالإعلام ليس شهادةً أكاديميةً ووظيفةً، إنه مهنةٌ واحترافٌ، والخبرات التراكمية تُحسب فيه. كذلك يجب أن يكون طموحاً لتطوير نفسه باستمرارٍ، وأن يملك أهدافاً، وأن يسعى إلى تحقيقها بجدٍّ. أيضاً يحتاج إلى إتقان اللغة العربية بامتيازٍ، ولغةٍ أخرى مساندة، وأن يكون واسع الثقافة، وعميق الوعي بالمجتمع المحلي والإنساني، وعالي المصداقية عندما يخاطب عقل وروح المتلقي، ولبِقاً وسريع بديهةٍ في المواقف الحرجة، وأن تكون لصوته بصمةٌ مميزةٌ، ترسخ في الأذهان".