بأقدم قصيدة عرضة سعودية: موضي الدهلاوي تُلهم "تحدث العربية"


في المناسبات الوطنية، تتنافس الجهات الإبداعية؛ لتظهر اعتزازها وانتماءها، من خلال محتوى توظّف فيه العناصر البصرية واللغوية لإيصال الرسائل والمشاعر والتطلعات.
ويُعد يوم التأسيس من أبرز المناسبات التي تُلهم صناع الإبداع في المملكة العربية السعودية، كونه يجسد مسيرة بناء وإرْث وتاريخ هذه المملكة الممتد إلى ثلاثة قرون من الزمن، وما يحمله من أمجاد وبطولات وعراقة متأصلة.
من هذا المنطلق كان عمل "ياهل الحزم" الذي نفذته شركة "تراكيب" مع فريق "تحدّث العربية"، وهو عبارة عن فيديو تمثيلي يُجسد أقدم قصيدة "عرضة" موثقة في عهد الدولة السعودية الأولى، كتبتها الشاعرة موضي الدهلاوي، وقت حصار الرس عام 1232 هـ؛ لتحث المدافعين على الصمود والتصدي للأعداء.


وانطلاقاً من حرصها على تسليط الضوء على الإبداع المحلي ولا سيما في محاكاة الرسائل الوطنية، "سيدتي" التقت بصناع العمل، بدءاً من الرئيس التنفيذي لشركة "تراكيب" ومؤسس شركة "تحدث العربية" عبد الإله الأنصاري؛ وصولاً إلى مبتكري الفكرة وموجهي العملية الإبداعية وكُتاب السيناريو والفريق التصميمي.

 

الذاكرة الوطنية والتاريخية

عبدالإله الأنصاري الرئيس التنفيذي لشركة تراكيب ومؤسس شركة تحدث العربية


في بداية حديثه، تطرق عبد الإله الأنصاري إلى الرسالة التي حملتها "تحدث العربية" منذ انطلاقتها، وأشار إلى أن "موضوع اللغة والهوية يجب أن يكون همّاً اجتماعيّاً". وأضاف: "نحرص في "تحدث العربية" أن تكون اللغة والهوية ممارسة بالفعل ومستخدمة بطريقة يستفيد منها الناس، ويعرفون قيمتها، ليس لأنها فقط كقضية انتماء للغة والحفاظ عليها كأنها تحفة، بل كشيء قابل للاستخدام بدءاً من اللسان وحتى طريقة اللبس والذائقة والرموز والشخصيات التي تستحضرها دوماً في حياتك".
وأكد مؤسس "تحدث العربية" أن "اللغة كانت في خطر"، مشدداً: "كنا نقول قبل فترة، إن هناك انقطاعاً بين الأجيال ونسياناً واندثاراً للموروث وللذاكرة الاجتماعية، لكن اليوم الحمد لله نرى أن اللغة بخير، الهوية بخير، والدليل كل هذه الاحتفالات التي تحدث الآن في يوم التأسيس وغيرها من الاحتفالات، لا سيما في المملكة العربية السعودية؛ حيث نرى عودة الناس بكل فخر لموروثهم ولغتهم".


وتحدث الأنصاري عن عمل يوم التأسيس الخاص بشركة "تحدث العربية"، قائلاً: "الكثير من الجهات في يوم التأسيس كان عندهم الطابع الحماسي، وطابع الدعاية، بعيداً عن المعلومات وعن المضمون والرسائل، لكن هذا من أول الأعمال اللي فيها إيصال لمعلومة، بالإضافة إلى الحفاظ على عاطفة الناس وحماسهم في هذه المناسبة الجميلة، فأهمية هذا العمل أنه مشاركة اجتماعية منا كـ"تراكيب" وكذلك تعزيز لفكرة "تحدث العربية" أنها ليست مقصورة على اللغة فقط وإنما كذلك الهوية المحلية تحديداً والعربية بشكل عام، وكذلك وصّلنا قيمة حقيقية وأبرزنا رموزاً".

 

تجسيد شخصية موضي الدهلاوي في العمل - مصدر الصورة شركة تراكيب


وتحدث الأنصاري عن الشخصية الرئيسية في العمل "موضي الدهلاوي"، معتبراً أنها رمز، وأضاف: "هي شخصية لم تُحشَ في التاريخ، وإنما كان لها دور حقيقي وفعَّال في الحروب وفي الدفاع، وقصائدها حربية كلها، والعرضة كما يسمونها عندنا هي رقصة حرب، وصدمنا بعد البحث أن أقدم وثيقة شعرية موثقة للعرضة السعودية، والتي بعثت الحماسة في الجيش في ذلك الوقت، كانت قائلتها امرأة".
وأشار الأنصاري إلى بعض الصعوبات التي ترافق هذا النوع من الأعمال التي تحاكي الذاكرة الوطنية والتاريخية لـ المجتمع السعودي؛ مؤكداً: "الصعوبة تكمن في البحث التاريخي، وكذلك تجسيد هذا الشيء، كيف تُوصل معلومة تاريخية إلى الجمهور، وبالشكل الصحيح، وكيف تحقق التميز، ففي هذا اليوم يكون هناك زخم كبير في الأعمال، وخلط ما بين الاحتفال وما بين إيصال المعلومة، لكن الحمد لله، هنا يأتي دور التحالف بين "تراكيب" وبين "تحدث العربية"، القدرة على أخذ المعلومة الصعبة والثقيلة وتبسيطها دون إخلال، وإيصال الفكرة والرسالة، وبعد ذلك تعزيزها بمحتوى ممتد يشرح أكثر ويشد الناس، محتوى مستدام أكثر، يُعاد له، ويكون مرجعاً في هذا الموضوع".


العمل ولَّد لدى الفريق والأنصاري بالتحديد مشاعر عميقة، وعندما سألناه عن ذلك قال: "الحقيقة عندما تكون داخل عمل، بعض الأحيان تفقد الشعور، لكن أن يستمر معك الحماس من مجرد وصول المعلومة إلى النشر إلى لقائكم الجميل هذا، يدل أنها فعلاً معلومة حقيقية تلمس المشاعر، وتُشعر الشخص بقيمة ما لديه، وبثقل القصة، وكذلك الشخصية، شعور فخر ممتد، يحمسنا أكثر لاكتشاف المزيد من تاريخنا".

 

تعرفوا اكثر على الصورة التي قدم بها العمل موضي الدهلاوي في هذا المقال: قصائد المرأة في عرضة الشموخ.. موضي الدهلاوي: إرث راسخ في ذاكرة التأسيس

 

أقدم الوثائق الشعرية

وفاء العبدالله مدير إبداعي مساعد في شركة تراكيب


من جهتها تحدثت وفاء العبدالله المدير الإبداعي المساعد في شركة "تراكيب" وصاحبة فكرة العمل عن كيفية ظهور الفكرة وأسباب اختيار شخصية موضي الدهلاوي وقصيدتها كمحور لهذا العمل، وقالت: "هذا العمل أتى؛ ليجسد ويخلد شيئاً تاريخياً وإرثاً ثقافياً، وبعد البحث مع فريق "تحدث العربية" قررنا أن نُسلط الضوء على شخصية مهمة برزت في الدولة السعودية الأولى، فوقع الاختيار على موضي الدهلاوي؛ لأن أقدم الوثائق الشعرية التي كانت في العرضة كانت تقريباً من كتابة الدهلاوي؛ لذلك قررنا إعادة إحياء قصيدتها هذه في إرثنا الذي هو العرضة السعودية".


ووصفت العبدالله شخصية موضي بأنها: "مثال ورمز للمرأة السعودية قديماً وحتى الآن"، وأضافت: "برز دور المرأة السعودية في شتى المجالات، واليوم في داخل كل نساء السعودية موضي صغيرة، أو بمعنى آخر نكمل ما بدأته موضي كرمز في الشجاعة ورجاحة العقل والحكمة، وفي امتلاك أدوار أساسية في الدولة السعودية، أيضاً لم تنظر قيادتنا للمرأة بمنظار ضيق، بل بالعكس رأتنا في أدوار أكبر".
وأشارت صاحبة فكرة العمل إلى أن "الجديد فيه، أنه كما نعلم جميعاً العرضة السعودية ليس فيها نساء، لكن العمل يقول بصريح العبارة إن دور المرأة فعال وكبير منذ الدولة السعودية الأولى، فظهور موضي وهي تحيط بالمؤدين كان هو الفكرة الأساسية".

 

التاريخ ليس مجرد تعداد للسنوات

عادل الشريف المدير الإبداعي في شركة تراكيب


من جهته أكد عادل الشريف المدير الإبداعي في شركة "تراكيب" لصناعة المحتوى، أن "الكثير من الأعمال تناولت العرضة السعودية، لكن الحمد لله كان لنا السبق في أن نتناول عملاً يُعنى بأول وأقدم عرضة في تاريخ المملكة الممتد إلى ثلاثة قرون، هذا العمل لم يقتصر فقط على تقديم الشعر الذي أُلقِي في هذه العرضة أو التعريف بالشاعرة، إنما حاول أن يجسد ملحمة وطنية توظف فيها كل عناصر الإبهار من الصورة والموسيقى والاستعانة بشخصية مثل شخصية الأستاذ صالح العبد الواحد وهو رمز من رموز العرضة السعودية المعروفين، فبالتالي كل العناصر هذه تكاملت وصنعت صورة بصرية قوية جداً، وأيضاً ساهمت في أنها تخلد تاريخ هذه الاحتفالية الممتدة مع السعوديين عبر ثلاثة قرون، وأيضاً التعريف بشخصية موضي الدهلاوي".

 

العرضة السعودية كما بينها العمل ويتقدمها الأستاذ صالح العبد الواحد - مصدر الصورة شركة تراكيب


وأشار الشريف إلى أن "هذه الأعمال يجب أن يكون معك فيها المتخصصون الذين يؤكدون لك صحة المعلومة، ومكانتها في التاريخ".
وتحدث الشريف عن أهمية الكلمة والدور الذي تلعبه، قائلاً: "الكلمة، هي القادرة أكثر من أي شيء آخر، على أن ترسم مسارات تاريخ الشعوب، وأن تؤكد على القيم التي تجمع الشعوب، وبالتالي الكلمة لا يمكن الاستهانة بها؛ وإذا وُضعت في مكانها المناسب تستطيع أن تعبر بصدق عن مشاعر الفخر والاعتزاز، وأن تربط أجيالاً كثيرة بهوية بلدهم الثقافية والتاريخية، وأن تؤكد أن هذا التاريخ ليس مجرد تعداد للسنوات، هذا تاريخ يحق لأبناء هذا البلد أن يفخروا به".


وبالكلمات، نصور لكم في يوم التأسيس السعودي.. الفن في عصر الدولة السعودية الأولى

 

سيناريو العمل

سارة طلال كاتبة محتوى في شركة تراكيب


وكان لا بد من أن نلتقي أيضاً كاتبة سيناريو هذا العمل سارة طلال، وهي كاتبة محتوى في شركة "تراكيب" والتي قالت: "أنا شخص مهتم بـ التاريخ السعودي والموروث السعودي خصوصاً العرضة، وفي يوم مهم مثل عمل التأسيس؛ لذلك تحمست كثيراً للعمل، أخذت الفكرة وبدأت البحث فيها بشكل متعمق، حول القصيدة وحول تاريخ العرضة نفسها وأسسها، واستعرضنا القصائد التي تم اقتراحها، فلفتتنا قصيدة موضي، "يا راكـب حمـرا ظهـــيرة"، وأبهرتنا جداً شخصية موضي وقصتها وطريقتها وكلماتها".
وعن كيفية الخروج بالتصور الأول للشخصية قالت سارة طلال: "كان هناك مقال صحافي تحدث عن قصيدة موضي قيل فيه: بينما تقرأ هذه القصيدة قد يتبادر لذهنك أن الكاتب فارس على جواده، ومن هنا انطلق تصور موضي الدهلاوي كفارسة عربية".

 

الجانب التصميمي

أسيل حسين قائدة فريق التصميم في تراكيب
أسيل حسين قائدة فريق التصميم في تراكيب

 

وبعد أن التقينا بكافة أعضاء الفريق المبتكر لهذه الفكرة، كان مهماً لنا أن نطّلع على الجانب التصميمي لهذا العمل مع قائدة فريق التصميم في "تراكيب"، أسيل حسين، التي قالت: "قبل أن نبدأ التصميم حددنا خطواتنا، بدءاً من الفكرة، التي كانت مميزة جداً، فالكل في يوم التأسيس ذهب بأعماله إلى صورة الحروب وكيف تأسست الدولة، لكن "تحدث العربية" تميزت، واتجهت أكثر نحو الصورة الإيجابية، والشخصيات التي أثرت في مرحلة التأسيس، فاخترنا شخصية وأوضحنا أثرها ودورها، وهذا كان المغزى من الفيديو، وعكسناه في التصميم في أن نركز على الفكرة وليس على هوية يوم التأسيس التي تكررها الأعمال الأخرى، وعكسناها في كل شيء له علاقة بالتصميم، في السوشيال ميديا، في الكافيهات، في المطبوعات، في الإعلانات المدفوعة، في كل شيء".
وأضافت: "شخصية موضي صراحة لم يكن الجميع يعرفونها، فبعد بحث عميق في مراجع مختلفة عرفنا تأثيرها في العرضة السعودية، فأخذنا الشخصية وبدأنا برسم تصور لكل جوانبها ودخلنا بالعمق وهذا ما جعل العمل غير عادي".
وأكدت أسيل حسين أن تجسيد هذه القصيدة التاريخية بأدوات وعناصر حديثة لم يكن صعباً، لكن المعضلة كانت في أنه موضوع يحتاج إلى الدقة، مشيرة إلى أن "الفريق درس الموضوع بشكل كامل، مما سهل الأمور كثيراً".


أخيراً، هل تعرفون ما هي عناصر شعار التأسيس الخمسة، بالفيديو .. تعرفوا إلى رموز شعار يوم التأسيس السعودي