أولت رؤية السعودية 2030 اهتماماً لافتاً بالثقافة والفنون، ونجحت في أن تكون مركزاً إقليمياً للفنون، مع مدها الجسور للمواهب المحلية لإظهار إبداعاتهم الفنية في أرقى المحافل العالمية، ولعل وجود الفيلم السعودي" نورة "ضمن مهرجان كان السينمائي في دورته الـ77 شاهد على القفزات الكبرى التي يشهدها قطاع الفن في السعودية بجميع مجالاته.
ولطالما كانت فرنسا بمدنها حاضنة للفنون وللإبداعات الفنية السعودية، ومنهم الفنانة التشكيلية شاليمار شربتلي التي حققت شهرة واسعة في عالم الفن التشكيلي، وحجزت مكاناً متقدماً لإبداعاتها الفنية في متحف اللوفر الفرنسي، وقدمت مفهوماً جديداً إلى عالم الفن تحت اسم الموفينغ آرت «الفن المتحرك».
"سيدتي" حاورت الفنانة العالمية السعودية شاليمار شربتلي حول تجربتها الفنية في باريس وأهم ملامح ومحطات هذه التجربة، والعلاقات الفنية والثقافية بين الرياض وباريس. إلى تفاصيل الحوار.
باريس عاصمة الفن
في بداية حديثها لـ"سيدتي" أشارت التشكيلية السعودية العالمية شاليمار شربتلي، التي تُصنف أسلوبها الفني ضمن "مدرسة السريالية الوحشية"، وتٌعد واحدة من أهم الفنانين التشكيليين المعاصرين في السعودية؛ إلى تعدد أوجه التعاون الثقافي بين السعودية وفرنسا، حيث شهدت العلاقات الثقافية بين السعودية وفرنسا تطوراً ملحوظاً بمرور الوقت؛ ما يعكس حرص البلدين على الدفع بمجالاتها إلى آفاق أرحب، في اتجاه تعميق الروابط المعرفية والحضارية بين الشعبين وبناء جسور التواصل بينهما، في إطار تعزيز المشتركات الإنسانية.
وتضيف شاليمار: "باريس عاصمة الفن وقبلة الفنانين التشكيلين والحاضنة التي تجذب إليها الفنانين والشعراء والمبدعين في مختلف المجالات من شتى بقاع العالم، وقد رعت فرنسا منذ زمن طويل شغفاً واسعاً بالثقافة على اختلاف أبعادها، من الأدب والفن والموسيقى، إلى المسرح والأزياء والسينما".
وتؤمن شاليمار بالدور المهم للفنانين التشكيليين، أو لمن تسميهم "القوى الناعمة"، معتبرة أن "الوضع الحالي بحاجة إلى الفن التشكيلي"، وللرسامين من وجهة نظرها دور خاص؛ كون لغتهم عامية وتصل لكل الناس على اختلاف أديانهم ولغاتهم.
وتؤكد أن الفن التشكيلي هو اللغة الأكثر شعبيه في أوروبا، ويضاهي عندنا كرة القدم، وبالتالي هو جسر بصري إنساني تعبيري بيننا وبينهم.
رؤية السعودية 2030
ووصفت شاليمار شربتلي الخطوات التي يجري اتخاذها في السعودية لتنفيذ خطة رؤية السعودية 2030 بالمهمة جداً، التي ستعود بالنفع على المجتمع؛ فالجميع يتابع تنفيذ هذه الخطوات المخطط لها بعناية، ومن الضروري أن يتم تطوير الموسيقى والفن لتجسيد دورهما في القوة الناعمة؛ لأن أوروبا تحترم وتقدر الفن، وهذا سيكون الجسر الدبلوماسي الأكثر فعالية الذي يمكننا بناؤه.
فن الموفينغ آرت
كان لاتجاه الفنانة شاليمار إلى فن “الموفينغ آرت” قصة ترويها: "فكرت يوماً في تغيير لون سيارتي، وقررت وضع بصمة ومنظور للجمال بنفسي، وأحضر لي شقيقي جميع الألوان المستخدمة لتلوين الأسطح المعدنية، وقضيت أياماً طوالاً في التجربة، وفوجئت بتدفق الموهبة، وبعد فترة اكتشفت أنني الوحيدة التي أقوم بعمل ذلك.
وبذلك أصبحت أعمالي تعيش وتحيا على أجسام غير تقليدية، فـ"تحتل" سيارة، أو دراجة كهربائية، أو أزياء عصرية؛ لأكون من رواد "الفن المتحرك" في العالم، ومن أبرز الفنانين الذي ينقلون رسوماتهم إلى فضاءات غير مألوفة: إلى الشارع، إلى الناس وللناس وبين الناس".
رحلة شاليمار الفنية
بدايات شاليمار في عالم الفن كان في عمر ثلاث عشرة سنة، وفي سن الخامسة عشرة، كانت شاليمار أصغر رسامة في العالم العربي تعرض لوحاتها في معرضٍ فنيٍّ منفرد، وفي عام 2006 كانت أول مشاركة لها في عاصمة الفن باريس من خلال معرض أُقيم في ساحة "تارتر" التي تُسمى ساحة الفنانين والرسامين بحي "مونمارتر" في أعالي العاصمة الفرنسية باريس، وهو معرض مشترك مع الفنان المصري العالمي عمر النجدي والفنان الإسباني العالمي خوان راميرز الوريث الشرعي لسلفادور دالي، وكان الرسم بريشة دالي نفسه، واحتل المعرض اهتماماً واسعاً في الأوساط الفنية العالمية، وتصدرت صور شاليمار أغلفة المجلات الفنية حينها.
اللوفر يحتضن إبداعات شربتلي
تقول شاليمار: "الفن ليس له جنسية نحن نبتكر أعمالنا الفنية مثل بقية العالم، وبعد ذلك يتم عرض عملنا في جميع أنحاء العالم، ونفوز بجوائز دولية كبرى. وبالتالي فنحن نقدم فننا للعالم بوصفه مصدراً للقوة الناعمة لبناء الجسور بين العرب والغرب"، وتضيف: "سيارة "البورش" التي رسمت عليها بنفسي كانت معروضة عند المدخل الرئيسي لمتحف اللوفر في باريس، وكانت هذه المرة الأولى التي يتم فيها عرض سيارة في المتحف مصممة فنياً.
وفي عام 2015 اختار المتحف لوحتين عرضهما في إحدى صالاته المتميزة، كما اختارت إدارة المعرض لوحة أخرى بعنوان "قبلة" لتضعها في منشورها الدعائي الذي ضم عشرة فنانين فقط من بين الـ450 فناناً المختارين للمعرض، وإمعاناً في الاحتفاء اختار المتحف أن يضع لوحتي في صدارة الكتالوج الخاص بالعرض باعتباري الفنانة العربية الوحيدة التي شاركت في هذه التظاهرة الفنية العالمية.
وعرض المتحف في عام 2016 باقة من أعمالي الفنية التي تنتمي إلى فن "الموفينغ آرت" من منتجات البورسلين والأعمدة الجاهزة والأطباق والفازات والأكواب، التي رسمت عليها بعضاً من لوحاتي، وشهد المعرض إقبالاً كبيراً، وحضوراً فنياً وأدبياً مميزاً، وتم اختيار إحدى لوحاتي لوضعها في منتصف البوستر الدعائي لمعرض "آرت شوبينج"، الذي يُقام سنوياً.
وتضيف شاليمار : في عام 2021 كُنتعلى موعد مع المشاركة الخامسة على التوالي في معرض "آرت شوبينج " بمتحف اللوفر، حيث شاركت بثلاث لوحات جديدة، وقد اختار اللوفر لوحة من لوحاتي ضمن 10 رسامين فقط للدعاية للمعرض".
وقالت شاليمار شربتلي: "إن اختيار لوحة من لوحاتي الفنية يمثل إضافة مهمة لتاريخي الفني، حيث يُعد معرض " آرت شوبينج " واحداً من أهم المعارض الفنية على مستوى العالم، ويحتضن سنوياً عشرات الأعمال الفنية لأهم فناني العالم المعاصرين، ويعده الوسط الفني في باريس مناسبة مهمة لعرض أهم التجارب الفنية في العالم".
سباقات السيارات الدولية
كان لشاليمار بصمة في سباقات السيارات الدولية، وحققت إنجازاً عربياً غير مسبوق، والأول من نوعه في تاريخ مونديال باريس الدولي للسيارات، تقول لـ"سيدتي": "كانت مشاركتي عام 2014 بسيارة "كاريرا بورش 911" من تصميمي، وهي أول سيارة يتم رسم مظهرها الخارجي، وتُعرض في ذلك المونديال على مدى تاريخه، الذي استوحيت فيه عدداً من لوحاتي التشكيلية المتميزة مستخدمة ألوان الدوكو الخاصة بالسيارات، وعُرِضت السيارة الـ"بورش" على مدخل متحف اللوفر".
مونديال باريس للموتسيكل
وتضيف: "بعدها بعام تم اختياري في "مونديال باريس للموتوسيكل" الذي أُقيم على أرض المعارض في باريس "بورت دي فرساي"، لعرض موتوسيكل مزين بريشتي، بعد أن تحول إلى قطعة فنية فريدة من نوعها، وحازت إعجاب رواد المونديال والمشاركين من مختلف دول العالم".
سباق موناكو للجائزة الكبرى
وقع اختيار فندق "نجرسكو" الذي يُعد من أعرق وأفخم فنادق مدينة نيس الفرنسية، على نموذج مبتكر لسيارة من تصميم الفنانة العالمية شاليمار شربتلي، ليتوسط البهو الرئيسي للفندق؛ وهي السيارة التي صممتها شاليمار لصالح شركة إد ديزاين الإيطالية جنباً إلى جنب مع مجموعة نادرة من المقتنيات لأهم فناني العالم، ومنهم مايكل أنجلو ورافاييل سانزيو ورونالدو دافينشي وسلفادور دالي وبابلو بيكاسو.
وفي عام 2019 شاركت شاليمار في سباق موناكو للجائزة الكبرى، التي تُعد أهم سباق تاريخي في الفورمولا واحد ”التي تمتلكها مجموعة GP2 بسيارة للمحاكاة”، أَضْفَتْ عليها مزيداً من روعة المظهر الخارجي، والشكل الجذاب بلمسة ساحرة، قادها مارك فاجنيتو.
كما شاركت في السباق ذاته بسيارة باجاني زوندا السيارة الأشهر والأغلى في العالم، بعد أن حولتها بريشتها إلى تحفة فنية جذبت انتباه المشاركين في المعرض.
عروض الأزياء
لم تتوقف مشاركات الفنانة شاليمار شربتلي في المعارض الفنية وسباقات السيارات، بل تمكنت أيضاً من التفرد والتميز في مجال الموضة والأزياء، حيث شاركت عام 2016 في المعرض الذي حمل اسم "الوايت نايت" الذي احتضنته مدينة "سانتروبيه" الفرنسية، التي تُعد من أهم مدن الفن والموضة في العالم. وتضمنت مشاركة "شاليمار" ما يزيد على 30 قطعة منها ملابس البحر والبنطلونات والتيشيرتات بوصفها أطقماً كاملة مستوحاة من أشكال وتكوينات لوحاتها الفنية.
وكما شاركت شاليمار بتشكيلة لاقت أصداءً إيجابيًّة واهتماماً كبيراً من الإعلامين الفرنسي والعالمي، في معرض "who's next عام 2017 في بورت دي فرساي" أحد أشهر المنشآت الفنية بالعاصمة الفرنسية باريس والوجهة الأولى لجميع المهتمين بعالم الموضة الذي احتضن 700 ماركة من أكبر الماركات العالمية.
الجوائز الفنية
جائزة هنري ماتيس
نتيجة لهذا التميز الفني لشاليمار شربتلي تمكنت من أن تنال العديد من الجوائز منها جائزة "ماتيس" الفرنسية، في عام 2019، إحدى أرفع الجوائز الفنية في العالم، في مسابقة شارك فيها أكثر من 500 فنان تشكيلي من 36 دولة، حيث يُعد الفنان الفرنسي هنري ماتيس (1869 - 1954) أحد أهم الفنانين التشكيليين المعاصرين في القرن العشرين. الذين تركوا بصمة واضحة ومؤثرة في مسيرة تطور هذا الفن.
جائزة صالون الخريف
محطةٌ أخرى مهمةٌ في مسيرة شاليمار، عندما فازت بالجائزة الشرفية الأولى "جائزة حفيد ريتوار" في صالون الخريف في دورته رقم 106، وكانت أول فنانة تشكيلية عربية تشارك في المسابقة وتحصد جائزتها، حيث شاركت بثلاث لوحات جديدة رسمتها خصيصاً بعد تلقيها الدعوة من رئيس الصالون الذي يُعتبر أقدم صالون للفن في العالم، وشارك في دوراته السابقة الكثير من الفنانين العالميين أمثال بيكاسو وماتيس ورودان وغوغان وغيرهم من عمالقة الفن التشكيلي.
ويمكن التعرف على جائزة أخرى نالتها شاليمار جامعة الدول العربية تمنح شاليمار شربتلي جائزة الشخصية المبدعة والأكثر إنسانية
معالم باريس السياحية
ترى شاليمار في رد لـ"سيدتي" عن أهم المعالم السياحية التي تنصح بزيارتها في العاصمة الفرنسية باريس تزامناً مع فعاليات مهرجان كان السينمائي 2024: أن باريس من المدن التي يتطلب التجوال فيها خطة واضحة ومدروسة، وتقترح على زوار باريس زيارة:
الحي اللاتيني وحديقة لوكسمبورغ
فزيارة هذا الحي، وكذلك الحديقة وما يجاورها من أماكن؛ تُعتبر رحلة حقيقة في قلب التاريخ الباريسي والفرنسي، لما يحتويه هذا الحي من كنوز ثقافية وإنسانية مهمة.
كاتدرائية القلبين الأقدسين وحي مونمارتر
ويُعرف بحي الفنانين التشكيليين. في ساحة place de la tartre سكن ورسم أشهر رسامي العالم أميدو مودلياني وبابلو بيكاسو وكلود مونيه وفنسنت فان غوغ وسلفادور دالي الذي يقع مرسمه السابق الذي تحول إلى متحف على بعد خطوات من هذه الساحة. منذ قرن تحولت هذه الساحة إلى ملتقى للفنانين الذي يرسمون السياح ويعرضون أعمالهم الفنية في الهواء الطلق.
يمكن الاطلاع أيضاً على المزيد : عادات وتقاليد مهمة يجب التعرف إليها قبل السفر إلى فرنسا
جزيرة المدينة وكاتدرائية نوتردام
التي تربط باريس التاريخية بعضها ببعض؛ فمنها يمكن العبور من حي "السان ميشال" إلى "شاتليه" ومتحف اللوفر والكوميديا الفرنسية ومبنى الأوبرا.
برج إيفل وساحة التروكاديرو والشانزيليزيه
لا يمكن لمن يزور باريس ألا يمر به، حتى إن لم يصعد إلى الطبقة العليا منه 324 متراً؛ حيث تمكن مشاهدة باريس كما لو أنك في الطائرة.
متحف اللوفر وحديقة التوليري
هو أكبر متحف في العالم والأكثر استهدافاً للزوار، ويستقبل سنوياً معارض من كل أنحاء العالم. كما يضم، رسمياً، منذ العام 2008 ثمانية أقسام رئيسية هي: الفنون المصرية، الفنون الشرقية، الفنون الإغريقية، الفنون الرومانية، الفن الإسلامي، التماثيل، الفنون الحديثة، الفنون التشكيلية، لتسهيل اختيار الزوار للأقسام التي يودون زيارتها دون غيرها.
معرض آرت باريس
الذي يُنظم في القصر الكبير قُرب جادة الشانزيليزيه الشهيرة في العاصمة الفرنسية، ويُشكِّل تظاهرة فنية كبرى تُعتبر بمنزلة رؤية ومُراجعة شاملة لمشهد الفنون البصرية في العالم، ويسعى لتأكيد ما تُمثِّله الثقافة الفرنسية عبر صناعة الفن والحياة، وهو الحدث الثقافي الغني الذي لا يمكن تفويته سنوياً في فصل الربيع.